تصميم: مركز سوث24
02-08-2023 الساعة 7 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | عبد الله الشادلي
يتميّز سكان جزيرة سقطرى [في خليج عدن] التابعة لجنوب اليمن بلغة خاصة بهم تُدعى "اللغة السقطرية". وهي لغة تنحدر من عائلة اللغات الساميّة الجنوبية، وتعد جزءًا لا يتجزأ من ثقافة وتراث السكان في هذا الأرخبيل الشهير.
ويُعرف الباحث في التراث والتاريخ السقطري أحمد الرميلي اللغة السقطرية بأنَّها: "لغة شفهية غير مكتوبة في الوقت الراهن، تنتمي إلى عائلة اللغات السامية، ويتحدث بها أهالي جزيرة سقطرى الرئيسية وجزيرتي عبد الكوري وسمحة".
وأضاف لمركز "سوث24": "عائلة اللغات الساميّة تضم العديد من اللغات الحية مثل: العربية الفصحى، والعبرية، والمهرية والشحرية وغيرها. والمنقرضة أيضاً، مثل: العربية الجنوبية، والآرامية، والسريانية، وغيرها".
وعلى مدى العقود الماضية، تعرَّضت اللغة السقطرية لإهمال كبير من الحكومات المركزية المتعاقبة مما جعلها مُهدَّدة بالاندثار. يؤكَّد على ذلك محافظ سقطرى الحالي رأفت الثقلي الذي قال لمركز "سوث24": "مع الأسف، لم يكن هناك أي اهتمام على الإطلاق بلغتنا السقطرية لمدة تقارب 50 عامًا".
خصائص اللغة
يلفت الباحث أحمد الرميلي إلى عدد من الخصائص التي تميز اللغة السقطرية عن غيرها، "مثل وجود أحرف لا وجود لها في العديد من اللغات السامية، ومنها (الشين الجانبية) أو (السين الثالثة) كما يسميها البعض. وكذلك (اللام الجانبية)".
وأضاف: "كما أنَّها تتميز بخصائص كثيرة ومعقدة في النطق على غير السقطريين. هذه اللغة تُعدُّ من أقدم لغات العائلة السامية، بدليل وجود العديد من الظواهر التي انقرضت في بعض تلك اللغات وما زالت السقطرية تحتفظ بها".
انتشار وصمود
إلى جانب اللغة السقطرية، تنتشر اللغة العربية كلغة رسمية للبلاد. وعن انتشار اللغتين في الأرخبيل، قال الرميلي: "كلتا اللغتان موجودتان في سقطرى، فالسقطرية هي لغة الآباء والأجداد ويتم الحديث بها بالوراثة، والعربية هي لغة القران والعبادة، والدين، والعلم، والمعرفة".
وأضاف: "في الوقت الراهن، يخشى السقطريون على لغتهم من الضعف والهوان لعدة أسباب، منها أنَّ الجيل الجديد لم تعد تهمه الهوية والخصوصية التي يتميز بها، ورأس ذلك اللغة. كما أنّ الانفتاح الكبير الذي طرأ على سقطرى في كل الجوانب أثّر على اللغة السقطرية".
ويرى الرميلي أنَّ اللغة السقطرية صمدت حتى اليوم، لعوامل عديدة منها: "حُب السقطريين للغتهم، واعتبارها الهوية والجواز الذي يميزهم عن غيرهم، فهي لغة الجسد والوجدان قبل أن تكون لغة النطق والكلام".
وأضاف: "عُزلة سقطرى وانغلاقها على نفسها لقرون عديدة وعدم تسرب اللغات الأخرى إلى الأرخبيل، فضلاً عن عُمق اللغة السقطرية ورسوخ جذورها في نفوس أبنائها ساعد على صمودها. يتعلم الأطفال هنا لغتهم السقطرية بالوراثة، وعندما يكبرون ينفتحون على العلم والدراسة باللغة العربية".
ويوضح الصحفي السقطري عبد الرحمن جسفي أنَّ اللغة السقطرية "أسهل بكثير من اللغة العربية". وأضاف لمركز "سوث24": "يواجه الأطفال السقطريون صعوبة كبيرة عندما يتعلمون اللغة العربية خاصة في الفصول الدراسية الصغرى".
مضيفًا: "هذا يستدعي أن يكون المعلم من أبناء المنطقة ليترجم لهم كثير من المفردات إلى لغتهم الأصلية".
إهمال وتهديدات
لم تهتم الأنظمة المركزية باللغة السقطرية بالشكل المطلوب كما يرى المحافظ رأفت الثقلي. مضيفًا: "كل الأنظمة المتعاقبة لم تهتم باللغة السقطرية الاهتمام الحقيقي، رغم أنّ هذه اللغة ذات جذر عميق جدًا يعود لعشرات الآلاف السنين، إن لم يكن أكثر من ذلك ".
وأردف: "لم نرَ دعماً للغة السقطرية سواء برفدها بدراسات أبناء المحافظة أو غيرها. حتى وزارة الإعلام لم نرَ أي اهتمام منها بهذا الجانب". ويتفق الصحفي السقطري عبد الرحمن جسفي حول ذلك. وقال: "كون اللغة السقطرية صوتية عامل يُهدد بقاءها، لا سيّما مع غياب اهتمام المنظمات والجهات الداعمة".
وبالنسبة للصحفي السقطري سعيد الجدمهي، هناك مخاوف "في أن تفقد اللغة السقطرية بعض المفردات أو أن تدخل بها مفردات لا تمت لها بصلة". وأضاف لمركز "سوث24": "لعل أهم وسيلة للحفاظ على اللغة السقطرية هي حفظ وأرشفة كل ما يخص اللغة واعتبارها لغة وطنية".
وفي 7 أكتوبر 2017، وجه رئيس الوزراء اليمني السابق أحمد عبيد بن دغر، وزارة الثقافة بإنشاء مركز اللغة المهرية والسقطرية للدراسات والبحوث، إلا أنّ هذه التوجيهات لم تغادر الورق وفقًا للمسؤولين والنشطاء السقطريين الذين تحدثوا لمركز "سوث24" في هذا التقرير.
مركز اللغة السقطرية
في 9 مايو الماضي، أصدر محافظ سقطرى رأفت الثقلي قرارًا بإنشاء "مركز اللغة السقطرية"، برئاسة د. نوح عبد الله العليمي. ونص القرار على مسؤولية المركز "بجمع ودراسة اللغة السقطرية، ومصادقة أي دراسات وبحوث فيما يخص هذه اللغة".
واعتمد الثقلي موازنة تشغيلية للمركز من قبل السلطة المحلية في محافظة سقطرى. وجاءت هذه الخطوة بعد أيام فقط من انعقاد اللقاء التشاوري الجنوبي في العاصمة عدن، وإعلان الميثاق الوطني الجنوبي الذي نص على اعتماد اللغتين المهرية والسقطرية بشكل رسمي في أقاليمهما ضمن "الدولة القادمة".
وعبَّر محافظ سقطرى رأفت الثقلي عن تفاؤله بدور المركز. وقال لمركز "سوث24": "هذا المركز يُعتبر انتصاراً كبيراً لخصوصية سقطرى في الموروث الثقافي، وبخاصة في اللغة السقطرية التي تأثرت كثيرا خلال السنوات الماضية بكثير من اللغات الدخيلة عليها. هو ليس الحل الجذري لكنه اللبنة الأولى".
وأضاف: "نحن على ثقة كبيرة أنَّ سقطرى تُبحر بهذا المركز إلى استعادة الهوية، وإلى استعادة مكانة اللغة السقطرية وهوية مجتمعها. سوف نبذل قصارى جهدنا لدعم هذا المركز الذي سيقوم بجمع كل ما هو متعلق باللغة، من شعر ونثر وقصائد وقصص سقطرية قديمة. ندعو الخيرين وكذلك صنّاع القرار لدعم هذا المركز دعماً شاملاً وكاملاً".
ولفت الثقلي إلى أنَّ المركز "سوف يقوم بالتنقيب عن بعض النقوشات القديمة". مضيفًا: "تم اكتشاف أكثر من 400 موقع أثري في الأرخبيل حتّى الآن".
ويرى الصحفي عبد الرحمن جسفي أن المركز سيلعب دورًا مهمًا في النهوض باللغة السقطرية. مضيفًا: "بعد إنشاء مركز اللغة السقطرية سترى هذه اللغة النور. يمكن الحفاظ على اللغة السقطرية من خلال توصيات المركز التي كان من ضمنها أن يتم إدراجها كمادة أساسية في مقررات الفصول المدرسية الابتدائية".
ورغم موقعها الجغرافي المنعزل في بحر العرب بالقرب من خليج عدن، لا يخفي السقطريون مخاوفهم من تأثير موجات النزوح من خارج الأرخبيل على ثقافتهم ولغتهم. وأوضح المشاركون في التقرير لمركز "سوث24" أن المحافظة استقبلت بعض النازحين من مناطق الحرب في شمال اليمن خلال الأعوام الماضية.
وإلى جانب اللغة التي يتحدث بها سكان أرخبيل سقطرى، يتحدث سكان محافظة المهرة، [أقصى الشرق من جنوب اليمن]، لغة خاصة تُعرف بـ "اللغة المهرية". وتواجه اللغة المهرية، هي الأخرى، تحديات أكبر، بفعل النازحين اليمنيين جراء الحرب، وسط مخاوف من تغيير ديمغرافي سلط عليها مركز "سوث24" في وقت سابق الضوء عبر تقرير ميداني.
اقرأ المزيد: هل يحدث تغيير ديموغرافي في المهرة؟
قبل 3 أشهر