الصورة: منصة درج
30-07-2023 الساعة 7 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | ريم الفضلي
لم تكن الفتاة اليمنية "سناء" تدرك ما ستكابده بعد زواجها بعمر 15 عامًا من رجل عشريني وانتقالها من مدينتها الأم، تعز، إلى مدينة صنعاء في مطلع العام 2020، تاركة خلفها أهلها وكل معارفها.
وجدت سناء نفسها لعام كامل ضحية للاستغلال في منزل كان من المفترض أن يكون بيت راحة واستقرار لها. في عش الزوجية، تعرَّضت الفتاة الصغيرة القاصرة للانتهاكات حتًّى عادت إلى أهلها حاملة طفلة بعمر يومين.
قصت سناء لمركز "سوث24" عن معاناتها من التعنيف من قبل زوجها: "كانت أكبر ألآمي مباشرة بعد أن وضعت طفلتي، حين كتبت لي الطبيبة الإذن بالانصراف. طلبتُ من زوجي أن يسمح لي بالمغادرة الى منزل أهلي لأقضي فترة النفاس [الولادة] هناك، وتفاجأت به وهو يشدَّني من يدي قابضاً عليها بكل قوته ليجرني خلفه دون اعتبار لوجود أهلي بجانبي".
وأضافت: "قاومته ورفضت الذهاب معه، وحينها واجهني بالسب والشتم، ولم يقف الأمر عند هذا الحد ليقوم بالتعدَّي على والدي. حينها صرخت وأخرجت كل ما في داخلي من ألم وتعب استمر لعام كامل. كان يعاملني كأنَّني خادمة له ولأخوته".
استطردت سناء: "حين تزوَّجته كان يقول لي أنَّه سيكون لي السند وسيعينني على استكمال دراستي التي أجبرت على تركها لأجل الحياة الزوجية، لكني تفاجأت من أول أسبوع لي معه بإنَّ كل شيء قاله لي كان مجرد أكاذيب".
جذور وتشريع
يعتبر زواج القاصرات من الظواهر الاجتماعية السلبية التي تفشَّت في المجتمع اليمني منذ وقت قديم، لا سيما في شمال اليمن والأرياف في جنوب اليمن. خلال العقود الماضية، بدأت هذه الظاهرة باقتحام مدن جنوب اليمن، ومن بينها عدن التي عرفت بمدنيتها وتقدمها الثقافي والاجتماعي والاقتصادي.
استهدفت هذه الظاهرة بشكل كبير الفئات الضعيفة والفقيرة في المجتمع، مثل المهمشين، لكنَّها لم تتوقف عندهم. لقد دفعت الحرب الدائرة منذ 2015 بهذه الظاهرة في اتجاه تصاعدي.
شجَّع قانون الجمهورية اليمنية زواج القاصرات بشكل كبير. قبل الوحدة اليمنية في 1990، حدَّدت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية [الجنوب] الحد الأدنى لسن الزواج للذكور أو الإناث بـ 16 عامًا [1]، وطبقت الجمهورية العربية اليمنية [الشمال] إجراءً مماثلًا عندما حددت سن الزواج بـ 15 عاماً [2].
بعد إعلان الوحدة في 1990، حُدد السن القانوني للزواج عند 15 عامًا [3]. بحسب القانون رقم 20 لسنة 1992 الذي نصت مادته رقم 15 على أنَّه "لا يصح تزويج الصغير ذكرًا كان أو أنثى دون بلوغه خمسة عشرة سنة". لكنَّ هذه المادة عُدلت في العام 1999، بضغط من حزب الإصلاح الإسلامي. [4]
كان هذا الحزب الذي تشاطر النفوذ والسلطة مع حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم قد خرج منتصرًا من معركة برلمانية في 1997. لقد حذف التشريع الجديد قيد السن في مادة الزواج ووضع بدلاً عنه شرط أن تكون الفتاة "صالحة للوطء“، أي الجماع وممارسة المعاشرة الجنسية.
وعلاوة على صعوبة تحديد وتمييز جاهزية الفتاة للمعاشرة الجنسية التي يتحدث عنها التشريع، فقد حصر القانون الزواج في الجماع فقط مع إهمال الجوانب الأخرى التي تقوم عليها هذه العلاقة الإنسانية الأسمى، ومدى جاهزية الفتاة لها.
بالإضافة لذلك، نصَّت المادة (20) من قانون الأحوال الشخصية نفسه على أنَّه "يصح أن يتولى عقد الزواج عن طرفية شخص واحد ينطق بصيغة الإيجاب والقبول في مجلس العقد"، وهو ما يعني أن تزويج الفتاة لا يستلزم حضورها، ويمكن للولي الذكر توقيع العقد مباشرة. [5]
وفي هذا السياق، أكدّت الأكاديمية والقانونية هبة عيدروس على الآثار السلبية لزواج القاصرات. وقالت لمركز "سوث24": "زواج الفتاة في سن مبكر تبدأ فيه في التعرف على مرحلة جديدة من عمرها، وبالمثل الفتى، أمر خطير".
وأضافت: "انعدام الحماية القانونية يُعرض النساء والفتيات للعنف المنزلي والجنسي. لا ننسى إن بعض الزوجات تجد نفسها مضطرة لتحمل العنف والإهانة لأنَّ أسرتها تبلغها يوم زواجها بمنع عودتها حانقة أو طالبة للطلاق، خاصة الآباء".
وتابعت: "إنَّهم هنا لا يدركون خطورة هذا القرار الذي قد يقضي على حياة أسرة كاملة ويحكم عليها بالموت المعنوي، وقد يؤثر ذلك سلبًا على الأولاد وعلى حياة الابنة التي كانت ضحية زواج فاشل أو صفقة لا تحمل بعد إنساني وروحي قدسه المولى وجعله ميثاقًا غليظًا".
أضرار صحية ونفسية
عدَّدت الطبيبة أحلام القاضي، التي تعمل في قسم التوليد في مستشفى الصداقة التعليمي بعدن، أضرار الزواج المبكر على الفتاة القاصرة من الناحية الصحية. وقالت لمركز "سوث24": "الزواج المبكر يعني غالبًا الحمل المبكر، وهو شيء خطير نظراً لأنَّ الحمل المبكر له أضرار كثيرة حين يحدث لفتاة عمرها أقل من 18 عامًا".
وأضافت: "كما هو معروف طبيًا، فإنَّ العمر المثالي للزواج يكون من 18 عامًا الى 35 عامًا. الزواج المبكر يُعرَّض حياة الفتاة للخطر، والكثير من المخاطر أثناء الحمل. تكون الفتاة أكثر عرضة لسكر الحمل والتسمم الحملي وضغط الحمل".
وأردفت: "أيضًا بسبب عدم نضوج الحوض تكون أكثر عرضة لولادة متعسرة، ما يعرضها للولادة القيصرية وكل المخاطر التي قد تنتج عنها التي قد تصل الى الوفاة".
وفي تقرير حول "وفيات الأمهات" في العالم لعام 2020، صنفَّت الأمم المتحدة اليمن ضمن "الدول الهشة ذات درجة التنبيه المرتفعة للغاية والمرتفعة". وقال التقرير إنَّه في عام 2020، بلغ متوسط معدل وفيات الأمهات في هذه الدول 551 لكل 000 100، أي أكثر من ضعف المتوسط العالمي. [6]
وقالت منظمة اليونيسيف إنَّ "البنات اللاتي يتزوجن في مرحلة الطفولة يواجهن تبعات مباشرة وأخرى تمتد مدى الحياة، وتكون الأرجحية أقل أن يبقين في المدارس، كما يواجهن خطراً أكبر بالحمل المبكر الذي يزيد بدوره خطر المضاعفات الصحية والوفيات بين الأطفال والأمهات". [7]
وأضافت المنظمة: "وكذلك، يمكن أن تؤدي هذه الممارسة إلى عزل البنات عن أسرهن وصديقاتهن واستبعادهن عن المشاركة في مجتمعاتهن المحلية مما يتسبب بأضرار كبيرة على صحتهن وعافيتهن العقليتين".
وذكر تقرير لصندوق الأمم المتحدة للسكان في 2017، أن "العنف ضد المرأة في اليمن ارتفع بنسبة 63 في المئة منذ بداية الصراع، وأن 2.6 مليون امرأة معرضة لخطر العنف القائم على النوع الاجتماعي". [8]
الجانب الديني
يؤكد مدير دائرة الفكر والإرشاد في المجلس الانتقالي الجنوبي، الشيخ محمد رمزو، على أنَّ زواج القاصرات "مخالف للشرع الإسلامي".
وقال لمركز "سوث24": "لا يجوز شرعاً تزويج الفتاة القاصر وهو فعل مستقبح عرفاً، حيث إن القاصرة لم تصل إلى مستوى الوعي لتعي الحقوق الشرعية لتبني بيتاً سليماً صحيحاً، ولم يكتمل حتى جسمها حتى تكون قادرة على المعاشرة الزوجية الصحيحة".
وأضاف: " لذلك قال عليه الصلاة والسلام: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء). ومن خلال كلمة الشباب في الحديث، فإنَّه يُقصد بها الجنسين الذكر والأنثى، وكلمة الباءة تقصد القدرة البدنية والمالية".
وأردف: "حقيقة لم يحدد الإسلام سناً معيناً للزواج لأنَّ ذلك يُعرف عرفاً بين الناس، فمتى ما بلغ الرجل سن الزواج الذي يعي فيه معنى الزوجية والذي جعله الله رأفة ورحمة بين الزوجين تقدم للزواج. ومتى ما رسخت المرأة وعرفت معنى الزوجية زُوجت".
وأشار رمزو إلى أن الدين الإسلامي ترك تحديد سن الزواج إلى "العرف المجتمعي". مضيفًا: "لذلك جُعل العرف مصدرًا من مصادر الشريعة بعد كتاب الله وسنة رسوله وإجماع العلماء الراسخين في العلم. في زمن الإمام مالك رضي الله عنه عندما كان إمامً المدينة في زمانه وكثر زواج القاصرات، حدَّده عند سن الثامنة عشر للفتاة".
وعن حجة زواج النبي محمد من عائشة، قال رمزو: "بعض الجهلاء يتحججون بها ولكن رسول الله أولاً كان مأمورًا من الله بالزواج من عائشة رضي الله عنها. وثانياً كانت بيئة مجتمع النبي آنذاك مختلفة عن الوقت الراهن حيث كانوا طوال الأجسام والهامة، ولكل زمان ما يناسبه من أعراف بشرية ولذلك قال الرسول: (أنتم أعرف بأمور دنياكم)".
معالجات وحلول
يرى الشيخ محمد رمزو أنَّه "لابد من سن قانون مدني يُحدد فيه زواج المرأة". مضيفًا: "يجب أن يكون الأمر كما كان عندنا في دولة الجنوب سابقًا. لابد من توعية في المساجد والتلفاز والمنتديات ليصل المجتمع إلى وعي وفقه في دينه ودنياه".
وانتقد رمزو دور وزارة الأوقاف والإرشاد، وقال إنَّه "ليس لها أي توعية واهتمام بهذا الجانب".
وتشدد المحامية هبة عيدروس على أهمية وجود "مشروع أو برنامج يقدم الخدمات للفتيات اللواتي وقعن ضحايا لزواج القاصرات، مثل برامج الإرشاد الأسري والدعم النفسي والعون القانوني بحيث يتم تقديم الخدمات حسب احتياج الحالة".
وأضافت: "ينبغي أن تنتشر هذه الخدمات في المناطق التي يكثر فيها حالات الزواج المبكر، لتسهيل وصول هذه الحالات التي قد لا تكون موجودة في المدينة. هذا ما أرى أنه قد يكون ممكنًا في الوقت الراهن حتى تنتهي الحرب ويأتي مجلس نواب جديد يستطيع تعديل أو استحداث قوانين جديدة".
المراجع:
[1] ميزان العدالة المائل في اليمن: زواج الصغيرات والعنف الأسري - Carnegie Endowment for International Peace
[2] Carnegie Endowment for International Peace
[3] Carnegie Endowment for International Peace
[4] قانون رقم (24) لسنة 1999م بتعديل بعض أحكام القرار الجمهوري بالقانون رقم (20) لسنة 1992م بشان الأحوال الشخصية (yemen-nic.info)
[5] قرار جمهوري بالقانون رقم (20) لسنة 1992م بشأن الأحوال الشخصية (yemen-nic.info)
[6] وفيات الأمهات (who.int)
[7] أزمة عالمية متعددة تخلق معركة صعبة لإنهاء زواج الأطفال — اليونيسف (unicef.org)
[8] صندوق الأمم المتحدة للسكان في اليمن: ما طلبناه من تمويل هو بالفعل الحد الأدنى لمساعدة اليمنيات المتضررات من الصراع | | أخبار الأمم المتحدة (un.org)