التحليلات

ملف اليمن: الاختبار الحاسم للتقارب السعودي الإيراني

الصورة: رويترز

14-03-2023 الساعة 7 صباحاً بتوقيت عدن

language-symbol language-symbol

سوث24 | فريدة أحمد


بعد سبعة أعوام من انقطاع العلاقات بين إيران والسعودية، تعلن الدولتان اتفاقهما على إعادة العلاقات الدبلوماسية واستئناف الحوار وإعادة فتح السفارتين في البلدين في غضون شهرين. الإعلان المفاجئ من العاصمة الصينية بكين، أثار ردود فعل ترحيبية وردود أخرى حذرة ومتوجّسة عمّا يمكن أن يقود إليه هذا التحوّل السياسي الكبير، وعن كيفية انعكاساته على التوازنات الإقليمية والدولية في الشرق الأوسط. فبالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية كان مثل هذا الاتفاق وارداً، غير أنّه لم يكن متوقعاً أن يكون بهذه السرعة، ذلك بالنظر لانحسار مستوى العلاقة بين الرياض وواشنطن منذ أكثر من عامين، بدأت بتعهد الرئيس الأمريكي "بايدن"، بتحويل السعودية إلى دولة "منبوذة" نتيجة سلوكها في حرب اليمن، وكذلك قتلها للصحفي السعودي "جمال خاشقجي". لحق ذلك فتور ومناورة سعودية استغلتها الأخيرة في الضغط على واشنطن، من خلال خفض إنتاج النفط عبر توصية لأوبك+ في أكتوبر الماضي، الأمر الذي كلّف الولايات المتحدة الكثير، وحقق بالمقابل أرباحاً كبيرة من الطاقة لروسيا، لا سيّما في حربها مع أوكرانيا.


الاختراق الدبلوماسي الكبير الذي حققته الصين في إحداث تقارب سعودي إيراني، شكّل انزعاجاً لأمريكا وأكثر منها إسرائيل، لا سيّما والأخيرة كانت ومازالت تتوقى صفقة تطبيع مع السعودية مماثلة للصفقات التي أجرتها مع الإمارات والبحرين والمغرب، والذي كان هدفها الأبرز الحد من النفوذ الإيراني وبرنامجه النووي في المنطقة. في غضون ذلك، هاجم رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، "نفتالي بينيت"، نتنياهو بشأن الاتفاق السعودي الإيراني، وقال إنّ "تجديد العلاقات بين السعودية وإيران تطور خطير بالنسبة إلى إسرائيل، وانتصار سياسي لإيران، وفشل مدوٍّ وإهمال وضعف من حكومة نتنياهو". إذ يبدو من الواضح أن السعودية تبحث عن ضمانات أمنية وتنازلات من الولايات المتحدة إذا ما أرادت لها تطبيع العلاقات مع إسرائيل، غير أنّ واشنطن لم تحقق الحد الأدنى من الرغبات السعودية، ما جعل الأخيرة تسرّع في توقيع الاتفاق مع إيران. بدا ذلك جلياً من خلال البعد الأمني الذي قامت عليه الاتفاقية عبر الأطراف الأمنية الموقّعة، فعلى الجانب السعودي ظهر مستشار الأمن الوطني "مساعد العيبان"، وعلى الجانب الإيراني "علي شمخاني"، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران. وهي ربما رسالة لواشنطن أن لدى السعودية ودول الخليج بدائل أخرى للتعاون الأمني في المنطقة.


ظهرت الاتفاقية الأخيرة وكأنها تحيي اتفاقية التعاون الأمني المشترك التي تم توقيعها بين الرياض وطهران عام 2001، والذي كان يشمل مكافحة الإرهاب والمخدرات وغسيل الأموال ومتابعة الجريمة والاتصالات واللقاءات الأمنية وفتح القنوات بين البلدين لمتابعة كل ما يتعلق بالأمن. غير أن الاتفاقية لم تتعدا ذلك للتعاون العسكري مع إيران، إذ لم تكن السعودية تنوي التضحية بتعاونها العسكري مع الولايات المتحدة مقابل تعاون ربما غير مضمون مع إيران بسبب عدم موثوقية مواقف الأخيرة تجاهها. مع ذلك من المتوقع أن تتطوّر الاتفاقات المقبلة بين البلدين إلى اتخاذ إجراءات أكثر جرأة، منها فتح المجال للتعاون العسكري المشترك، وبالذات في نطاق البحر الأحمر وبحر العرب والخليج العربي. غير أنّ ذلك لا يعني بالمثل تخليها عن التعاون العسكري والأمني مع الولايات المتحدة الممتد منذ ثمانينات القرن الماضي. لكن السؤال الأهم الذي يطرح نفسه، هل هذا النوع من التقارب استراتيجي، أم تكتيكي مرحلي، خاصة وأن المؤسسة الإيرانية الثورية لم تبارك هذا الاتفاق، وهو ما سيضع طهران أمام اختبار حقيقي فيما إذا كانت حكومتها تمتلك قرارها.


واقع الحال، طهران بحاجة لمثل هذا الاتفاق بالقدر الذي تحتاجه الرياض، بسبب وضعها الاقتصادي المتردي، وبسبب ما آل إليه امتداد الانتفاضة الشعبية لمستويات أعلى في الداخل الإيراني، وهو أمر بات يشكل تهديداً كبيراً للنظام الإيراني، فضلاً عن توتر سياسته الخارجية في المنطقة بأكثر من ملف، بالإضافة لمحاصرة طهران دولياً بسبب برنامجها النووي. ووفقاً لصفحة إيران بالعربية على تويتر، كان من أهم بنود الاتفاقية التي وقعت بين السعودية وإيران، تنص على: "وقف دعم السعودية لجيش العدل ومنظمة خلق وحركة الأهوازية وقناة إيران انترناشونال، كما ينص على رفع القيود المفروضة على شيعة السعودية والسماح لهم بزيارة إيران، أما بخصوص اليمن هناك مكانة خاصة في هذه الاتفاقية." قد يؤدي الاتفاق السعودي الإيراني إلى تخفيف حدة التوتر الداخلي في إيران، وهو ما سينعكس بدوره على المنطقة ككل في اليمن والعراق ولبنان وسوريا. تبعاً لذلك، من الممكن أن يجري حوار مع دمشق وفقاً لما ذكره وزير الخارجية السعودي "فيصل بن فرحان"، بأن هناك عمل عربي لصياغة حوار سيتم "لا محالة" مع دمشق وذلك بالتشاور مع المجتمع الدولي. مع ذلك، ليس بالضرورة أن التقارب السعودي الإيراني يشمل التفاهم حول كل هذه الملفات، إذ من الممكن أن تكون هناك ملفات لها أولوية وتهم الطرفين كبداية ضمنية لإبداء حسن النوايا تجاه هذا الاتفاق، وفي مقدمتها ملف الأزمة اليمنية. 


التفاهمات بشأن اليمن


باركت الأطراف اليمنية التقارب السعودي الإيراني عبر بيانات متتالية، بدأها الحوثيون عبر ناطقهم الرسمي "محمد عبدالسلام"، الذي قال بأن "المنطقة بحاجة لعودة العلاقات الطبيعية بين دولها تسترد بها الأمة الإسلامية أمنها المفقود نتيجة التدخلات الأجنبية". لحقه ترحيب من المجلس الانتقالي الجنوبي على لسان ناطقه الرسمي "علي الكثيري"، الذي أكد بأنها دعوة سابقة من رئيس المجلس "عيدروس الزبيدي"، بأن يتم استئناف العلاقات والحوار بين البلدين. وهو ترحيب عدّه كثير من الجنوبيين أقل رصانة من موقف الحكومة اليمنية الذي كان حذراً تجاه الاتفاق السعودي الإيراني، والذي عبّرت فيه بنوع من التحفظ وهي تؤكد، "أن تعاملها الحذر تجاه النظام الإيراني سيستمر حتى يتم رؤية تغيراً حقيقياً في سلوكه، وسياساته التخريبية في بلادنا والمنطقة". كما أن زيارة المبعوث الأممي الخاص لليمن، "هانز غرونبرغ" لإيران، ولقاءه بوزير الخارجية الإيراني "حسين عبداللهيان"، وعدد من كبار المسؤولين الإيرانيين لمناقشة التطورات الأخيرة في اليمن، يعزز من انعكاسات هذا التقارب على إنهاء النزاع بشكل مستدام لتعزيز الأمن في المنطقة، وفقاً للمبعوث.


من المهم القول، أنّ التقارب الأخير بين الرياض وطهران، سينعكس بالضرورة على مسار التفاهمات في الملف اليمني، وبالذات على مسار المحادثات بين السعودية والحوثيين التي استؤنفت قبل أشهر، لتمديد الهدنة في اليمن بعد أن انتهت في أكتوبر 2022. بالتبعية، كانت البعثة الإيرانية الدائمة لدى الأمم المتحدة، قد أعلنت "أن استئناف العلاقات السياسية بين إيران والسعودية، سيسرع في تحقيق وقف إطلاق النار في اليمن وبدء حوار الشعب اليمني وتشكيل حكومة وطنية شاملة في هذا البلد." وهو مؤشر يبدو محورياً كبداية لإيجاد حلول تقود نحو السلام في اليمن. إذ من الواضح أن هذا الملف هو الأكثر حساسية وحسماً لصمود الاتفاق الإيراني السعودي مؤخراً، لا سيّما وأن الرياض تبدو مصرة لإغلاق ملف الحرب في اليمن بأي ثمن، والتفرغ لإنجاز رؤيتها (2030)، بالاتساق مع مشروع طريق الحرير الصيني، الذي يبدو أن السياسة الصينية هي الأخرى حريصة بالعمل عليه في بيئة أكثر استقراراً.


الجدير بالملاحظة، أنّه تم تخفيض التصعيد في اليمن خلال الأشهر الماضية بشكل كبير، وتوقّفت الهجمات باتجاه السعودية من قبل الحوثيين، لكن إيران لم توقف تهريب الأسلحة إلى اليمن،  لإثبات جديتها عقب جولات المفاوضات التي سبقت ذلك في بغداد ومسقط والبحر الميت في الأردن بشأن اليمن. من الحتمل أنّ يؤدي الاتفاق إلى إمكانية أن تفرض طهران رغباتها على الحوثيين فيما يتعلق بالسلام في اليمن نتيجة تفاهماتها مع السعودية، وهذا الأمر كانت إيران تسعى إليه في السنتين الأخيرتين عبر المطالبات الحوثية، في أن تكون المفاوضات بشأن السلام بين الحوثيين والسعودية مباشرة، وهو مطلب إيراني بدرجة أساسية، إذ أرادت طهران من خلاله أن تدفع بالسعودية لمقاربة التفاهم معها سواء بشكل مباشر أو عبر الحوثيين.


في صميم ذلك، سرّع الشرط الحوثي بالتفاهم بين السعودية وإيران، فالرياض شعرت أن التهدئة في اليمن حسب المفهوم الإيراني الحوثي، لن تكون ممكنة بين الأطراف اليمنية برعاية أممية، بل ستأتي عبر موافقة إيران على هذه التسوية، وبالتالي يمكن توفير بعض المصالح لإيران لتقبل بتوجيه الحوثيين نحو القبول بأي تسوية. لكن في المقابل، سيكون من الصعب على السعودية إقناع كافة مكونات الشرعية اليمنية بالاتفاق مع الحوثيين وفقاً لتفاهمها مع إيران، مالم يضمن هذا الاتفاق بعض المصالح للأطراف المحلية، وخاصة الجنوبيين الذين يرون أنهم مستبعدون من المشاركة المباشرة في التفاهمات، سواء عبر إصرار الأطراف الشمالية تأجيل نقاش قضية الجنوب إلى ما بعد التسوية السياسية، أو عبر حاجة السعودية لأن تفرض اتفاق بين الشرعية والحوثيين متوافق مع تفاهماتها مع إيران.


من غير المستبعد أن تحاول السعودية إقناع مكونات الشرعية وبالذات الشمالية بالاتفاق مع الحوثي، لا سيّما وأن الأطراف الشمالية غير مسيطرة على جغرافية يعتد بها في مواجهة الحوثيين، ومعتمدة بشكل كلي في بقائها كأطراف مؤثرة سياسياً وعسكرياً على الدعم المالي السعودي. هذا الأمر بلا شك، قد يدفع الرياض إلى محاولة فرض تأثير أكبر على المكونات الجنوبية والمناطق التي تسيطر عليها، معتمدة على بعض الأطراف الشمالية ذات الطابع العسكري، وخاصة رئيس مجلس القيادة الرئاسي "رشاد العليمي"، و"طارق صالح". مما قد يدفع بالمحصّلة إلى توتر جديد في مناطق جنوب اليمن، لا سيّما إذا تمّ التوصل إلى تسوية سياسية مع الحوثيين لا تراعي هذه الحساسيات، وقد يتعدّى ذلك من صراع بين الشرعية والانقلاب، إلى صراع جهوي بين الشمال والجنوب.


من المهم القول، أن الطريق الأسهل لتجنب ذلك، هو أن تسعى السعودية للوصول إلى تفاهمات مسبقة مع الجنوبيين، وإن كان هذا الطريق سيأخذ وقتاً أطول. إذ لا يعني ترحيب الجنوبيين وفي مقدمتهم المجلس الانتقالي الجنوبي بالتقارب السعودي الإيراني، القبول بأن يتم استثناؤهم عن أي تفاهمات مقبلة حول ملف الجنوب. مع قول ذلك، سيرجّح التطور الدبلوماسي والسياسي المتسارع في المنطقة، بأن تتخذ السعودية الطريق الأقصر والأصعب عليها وعلى الجنوبيين، من خلال فرض تسوية أمر واقع مع الحوثيين وتمريرها على الأطراف اليمنية كافة وفقاً لما أسفر عنه التقارب السعودي الإيراني، وبالذات إذا تضمّنت التسوية إجراءات حوثية توفّر ضمانات لأمن المملكة العربية السعودية.




فريدة أحمد
المدير التنفيذي لمركز سوث24 للأخبار والدراسات

شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا