2023 في جنوب اليمن: كيف سيبدو المشهد؟

عرض عسكري للقوات الجنوبية في عدن، 3 يناير 2023

2023 في جنوب اليمن: كيف سيبدو المشهد؟

التقارير الخاصة

الأربعاء, 04-01-2023 الساعة 05:04 مساءً بتوقيت عدن

سوث24 | عبد الله الشادلي 

يطل  العام 2023 على جنوب اليمن بإرث كبير من التعقيدات على كافة الأصعدة والمستويات، ووسط تحديات متزايدة فرضتها المُتغيرات. 

إلى حد بعيد، يبدو أنَّ هذا العام قد يشهد بالفعل تحولات كبرى امتداداً للظروف التي خلقتها الأعوام السابقة، لا سيما العام 2022 الذي شهد أكبر قفزة سياسية بتشكيل المجلس الرئاسي اليمني، وتثبيت اتفاق هدنة لنصف عام هو الأول من نوعه منذ 2015.


سياسياً، يدخل جنوب اليمن العام الجديد وهو عالق في "هدنة أمر واقع" يبدو أنَّه أكبر الخاسرين منها حتَّى الآن؛ حيث يحافظ الحوثيون على امتيازات الهدنة المنهارة ويستهدفون موانئ النفط في الجنوب. 

بالإضافة لذلك، يواجه المجلس الرئاسي اليمني الذي يضم رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي الكثير من الإشكالات والتحديات الداخلية التي انعكست في مجملها على أداء المجلس، والتزاماته تجاه المناطق المحررة التي يشكل جنوب اليمن معظمها اليوم.

وخلال الفترة الماضية، أخفق الرئاسي وحكومة المناصفة في حلحلة كثير من الملفات لا سيما مشاكل الخدمات السيئة في عدن وبقية المحافظات، وملفات أخرى ذات ارتباط مثل رواتب الموظفين العسكريين والمدنيين. 

عسكرياً، تمنع هدنة الأمر الواقع حتَّى الآن عودة الحرب الكاملة في البلاد، لكنها لم تحل دون التصعيد العسكري الجوي من قبل الحوثيين ضد جنوب اليمن. وخلال العام الجديد، من المؤكد أنَّ الجماعة الشمالية ماضية في استهداف أي عملية لإنتاج النفط أو تصديره.

بالإضافة لذلك، تُشكل المنطقة العسكرية الأولى أكبر المعضلات اليوم في محافظة حضرموت، كبرى محافظات جنوب اليمن. مع عدم حسم قضية المنطقة ونقلها للجبهات مع الحوثيين تطبيقا لاتفاق الرياض، تبقى كل الاحتمالات مفتوحة بالنسبة للجنوبيين، ومن بينها الحل العسكري.

على المستوى الاقتصادي، عاظم توقف إنتاج وتصدير النفط من المخاوف الاقتصادية في جنوب اليمن وقدرة الحكومة اليمنية على توفير أبسط الالتزامات تجاه المواطنين، فضلا عن الانهيار الاقتصادي المستمر منذ سنوات.

وبالتواز مع ذلك، لم تصل الوديعة السعودية – الإمارتية للبنك المركزي اليمني كاملاً حتَّى الآن رغم مرور ما يقرب من 9 أشهر على إعلانها في 7 أبريل الماضي. مع استمرار كل هذه العوامل، يبدو أنَّ المشهد الاقتصادي خلال 2023 قد يكون أسوأ مما سبق.

المشهد السياسي 

حتَّى الآن، تتعثر مساعي تمديد الهدنة الأممية المنهارة في اليمن بسبب شروط الحوثيين التي وصفت بـ "المتطرفة" من قبل مجلس الأمن الدولي. 

رغم ذلك، لا زالت بعض عناصر الهدنة المنتهية في 2 أكتوبر الماضي، مثل تدفق الوقود لميناء الحديدة والرحلات من وإلى مطار صنعاء مستمرة لصالح الحوثيين. 

كما تبرز العديد من الملفات السياسية الأخرى في جنوب اليمن مثل تنفيذ ما تبقى من بنود اتفاق الرياض [2019] ومشاورات الرياض [2022] التي تمخض عنها المجلس الرئاسي اليمني. 

ويطالب المجلس الانتقالي الجنوبي بهيكلة العديد من الوزارات والمؤسسات الحكومية وتثبيت إصلاحات عديدة. وخلال 2022، تم بالفعل تطبيق هذه الهيكلة والإصلاحات على السلطة القضائية في البلاد.

وتفتح الإخفاقات الحكومية في العديد من الملفات، الكثير من الاحتمالات خلال 2023 بشأن الحكومة اليمنية الحالية التي يقودها معين عبد الملك. ومن المرجح أن تطال التغييرات رئيس الوزراء، أو الحكومة بشكل كامل.

وحول المشهد السياسي في جنوب اليمن خلال 2023، قال الأكاديمي الجنوبي الدكتور سعيد الجريري: "يبدو المشهد ضبابياً مفتوحاً على كل الاحتمالات، بالنظر إلى طبيعة المشهد العام لما يمكن تسميته بالمسألة اليمنية."

وأضاف لـ "سوث24": "أعني بالمسألة اليمنية خطيئة اليمننة السياسية وفشل الوحدة اليمنية. ذلك أنَّ تلك الضبابية متأتية من التداخل الذي لم يُحسم أمره بالحرب، بين القضية الشمالية والقضية الجنوبية، وهما قضيتان لكل منهما خصائصها ومشكلاتها ومآلاتها المختلفة."

وأردف: "لقد استنفد الجنوب مخزون مرونته السياسية، ولم تبقِ له أطراف (الشرعية اليمنية) والتحالف العربي من خيار سوى أن يبحث عن إجراءات لا تضعف عوامل قوته، إزاء ما يتاح لتلك الأطراف من فرص غير مستحقة، تكسب بها وقتاً تجيّره للحوثي كوسائل ضغط على التحالف ولا سيما السعودية."

وتابع: "لتكون القضية الأساس بين الحوثيين كطرف يمني مأمون على عاصمة الدولة المنقلب على شرعيتها من جهة، والسعودية كقائد لتحالف العدوان بتوصيف الحوثيين وأعوانهم من جهة أخرى."

وأضاف: "وبهذا يطمس الحوثيون وحليفهم الضمني (الشرعية اليمنية)، أصل المسألة اليمنية، بقصد إخراج الجنوب دولةً وشعباً من معادلة الحل السياسي الشامل. وهنا يكمن التحدي أمام الجنوبيين. فهل يجهزون أنفسهم ككتلة وطنية ذات هدف واحد ضمن مخرجات حوار وطني جنوبي مأمولة أو يراهنون على كرم التحالف، وليس في السياسة مكرمات؟".

ويختم الجريري بتساؤل "هل تحسم المقاومة الوطنية الجنوبية الأمر، بفرض أمر واقع جديد، يفرض طاولة حل سياسي شامل، خارج توقعات الحوثيين وحلفائهم الضمنيين؟".

وأضاف: "2023 عام الحسم، لأنَّ سواه ذهاب إلى التيه."

ورغم الآمال التي يعلقها البعض على إمكانية التوصل لاتفاق بشأن تمديد الهدنة، وما يمكن أن يفضي إليه ذلك من التمهيد لمفاوضات سياسية شاملة، يقلل رئيس مؤسسة "اليوم الثامن" للدراسات، صالح أبوعوذل، من أهمية الهدنة.

وقال لـ "سوث24": "لطالما كان الجنوب المتضرر الوحيد من هذه الهدنة التي لم يكن لها أي تطبيق على الحوثيين الذين استفادوا منها. لقد حققت الجماعة من خلالها الكثير من المطالب، ومكنَّتهم من رفع سقف هذه المطالب على حساب الجنوب."

ويشدَّد أبوعوذل على أهمية "العمل العسكري الجنوبي" لتطبيق الاعتراف الإقليمي بقضية شعب الجنوب خلال مشاورات الرياض في أبريل 2022. وأضاف: "العمل العسكري هو الضمان الأساسي لتطبيق الاعتراف الإقليمي على الأرض."

وأردف: "استعادة وادي حضرموت، والمهرة ومكيراس، خلال العام 2023، سيترجم هذا الاعتراف على أرض الواقع." واعتبر أنَّ "إشراك أربع شخصيات جنوبية في مجلس القيادة الرئاسي إنجاز سياسي مُهم."

المشهد العسكري 

افتتح الجنوبيون العام 2023 بعروض عسكرية وقتالية في محافظات عدن ولحج، أُعلن خلالها عن تخريج دفعات عسكرية مدربة وتشكيل قوة خاصة بمحافظة أبين. 

نظر إلى هذه العروض العسكرية بمثابة رسائل ومؤشرات على النية الجنوبية لحسم كثير من الملفات عسكرياً خلال العام الجديد، ودخول القوات الجنوبية العام بمزيد من المعنويات والقوة التي لم يرهقها غياب الرواتب والدعم والجبهات المفتوحة مع الحوثيين وتنظيم القاعدة.

في المقابل، لم يفوت الحوثيون مطلع العام الجديد لإرسال رسائلهم أيضاً.

وفي 3 يناير الجاري، قال إعلام الجماعة إنَّ رئيس المجلس السياسي الأعلى، مهدي المشاط، زار برفقة قيادات عسكرية كبيرة جبهتي "الحشا" بمحافظة الضالع، و"كرش" بمحافظة لحج. 

تزامنت الزيارة مع توترات كبيرة يشهدها وادي حضرموت الذي تتواجد فيه قوات المنطقة العسكرية الأولى المتهمة بالارتباط مع الحوثيين. 

ويعتقد الخبير العسكري وضاح العوبلي أنَّ المشهد العسكري في 2023 سيكون ساخناً، حيث سيتم الرد على التصعيد من قبل الحوثيين.

وقال لـ "سوث24": "سيكون الرد وفق قواعد الاشتباك، من خلال شنّ عمليات هجومية شاملة ومباشرة، تشترك فيها جميع جبهات القوى المنخرطة في مجلس القيادة الرئاسي؛ لتحقيق تقدّم استراتيجي ملموس."

وأضاف: "هذه الخطوة، سوف تكسر تعنت الحوثيين، وسوف تُحوِّل خارطة وموازين القوى. سيكون هذا التغير إيجابياً وذا تأثير مباشر على موقف الحوثيين حول طاولة المفاوضات."

وشدَّد العوبلي على العديد من الأولويات العسكرية الحكومية خلال هذا العام. وقال: "يجب أن يُطرح ملف الحديدة على رأس أي أولويات حكومية، لما لهذه الجغرافيا من أهمية استراتيجية على المستويين السياسي والعسكري."

ويرى العوبلي أنَّ بقاء هدنة الأمر الواقع يُهدد الشمال والجنوب. وأضاف: "إنَّهما يرتبطان ارتباطاً امنياً وعسكرياً بشكل مباشر، ويتأثر أحدهما بما هو حاصل في الآخر."

وأردف: "لا توجد ضوابط ولا التزامات يبديها الحوثيون." وزعم العوبلي أنَّ الحوثيين "تحالفوا مع الإرهاب للإضرار بالجنوب وبالمناطق المحررة بشكل عام، كما أنّهم يستغلون خلافات قوات الشرعية في محاولة تفكيكها."

المشهد الاقتصادي 

في تقرير سابق لمركز سوث24، توقعت اللجنة الاقتصادية العليا في المجلس الانتقالي الجنوبي عدداً من التداعيات الاقتصادية في الجنوب خلال 2023، بسبب توقف الإنتاج النفطي إثر هجمات الحوثيين وغياب الإصلاحات الحكومية.

ومن هذا التوقعات:

- من المرجح أن تواجه الحكومة خلال الفترة المقبلة عجزاً كبيراً في الميزانية العامة، بما يقيّد قدرتها على الوفاء بأغلب واجباتها تجاه المواطنين في مناطق سيطرتها..
- من المتوقع أن تتأثر قدرة الحكومة على توفير المخصصات الكافية لتمويل النفقات التشغيلية لمختلف التشكيلات العسكرية والأمنية التابعة لها.
- من المتوقع أن يشهد سعر صرف العملة المحلية في مناطق سيطرة الحكومة تراجعا تدريجياً في الأسابيع القليلة المقبلة نتيجة عجز البنك المركزي في عدن عن الاستمرار في إقامة مزاداته.
- سيؤثر التراجع التدريجي المتوقع في سعر صرف العملة المحلية، سلباً وعلى نحو ملموس، في الظروف المعيشية للمواطنين في مناطق سيطرة الحكومة.

وفي حديث لـ "سوث24"، حذَّر الخبير الاقتصادي ماجد الداعري من "خطورة استمرار تعطيل تصدير النفط الذي تعتبره الحكومة الرافد الأول لميزانية الدولة وإنعاش الاقتصاد."

وأضاف: "الوضع سيصبح الوضع كارثياً". ويعتقد الداعري أنَّ هناك خطوات عملية لتصحيح المسار الاقتصادي الكارثي حالياً. "يحب تفعيل أجهزة الرقابة والمحاسبة، وهيئة مكافحة الفساد."

وأردف: "كما يجب نقل كافة البنوك ومؤسسات الدولة إلى عدن، وإعادة تشكيل حكومة وطنية على مبدأ الكفاءة والنزاهة ومحاسبة كل من تورّط بنهب المال العام."

المشهد الخدمي 

منذ الإعلان عن تشكيل المجلس الرئاسي في أبريل الماضي، لطالما كان ملف الخدمات في محافظات الجنوب في ذيل الأولويات والاهتمامات حتَّى الآن.

ورصد تقرير لمركز "سوث24" إهمال الرئاسي لهذا الملف في ظل هيمنة الملفات السياسية والعسكرية.

 وتعتبر العاصمة عدن المثال الأوضح لحالة التردي الخدمي، حيث تنتظر المدينة الساحلية صيفا حارا بقدرة كهربائية لا تتجاوز نصف الاحتياج الفعلي في أفضل الحالات.

ويبدو أنَّ أزمة الرواتب للموظفين العسكريين والمدنيين في الجنوب هي الأخرى ستمتد إلى العام الجديد دون أي حلول تلوح في الأفق. ويعاني الموظفون العسكريون من انقطاع المرتبات، والمدنيون من تدني هذه الرواتب.

وخلال 2023، يبدو أن أزمة المرتبات قد تصبح أسوأ مع استمرار توقف الإنتاج النفطي، وفقدان الآلاف لوظائفهم، لا سيَّما في محافظة حضرموت. 


صحفي ومحرر لدى مركز سوث24 للأخبار والدراسات


جنوب اليمن2023المجلس الانتقالي الجنوبيهدنة اليمن