لماذا لم تصل الوديعة السعودية – الإماراتية لليمن كاملا إلى الآن؟

التوقيع على اتفاق بقيمة مليار دولار من الوديعة الخليجية بين اليمن وصندوق النقد العربي، 27 نوفمبر 2022 (وكالة سبأ)

لماذا لم تصل الوديعة السعودية – الإماراتية لليمن كاملا إلى الآن؟

التقارير الخاصة

الإثنين, 02-01-2023 الساعة 07:20 مساءً بتوقيت عدن

سوث24 | رعد الريمي 

في  7 أبريل الماضي، تمَّ الإعلان عن دعم سعودي إماراتي مشترك لليمن بقيمة 3 مليارات دولار، تزامناً مع تسمية المجلس الرئاسي في الرياض بعد مشاورات يمنية - يمنية استمرت لأيام برعاية مجلس التعاون الخليجي.

واشتمل الدعم المعلن على ملياري دولار مناصفة بين السعودية والإمارات دعماً للبنك المركزي اليمني، بينما توزع المليار الأخير المقدم من السعودية على 600 مليون دولار لشراء المشتقات النفطية لقطاع الكهرباء، و400 مليون لمبادرات ومشاريع تنموية.

 وعلى الرغم من مرور ما يقرب من 8 أشهر ودخول العام الجديد 2023، لم تصل هذه المبالغ المعلنة بشكل كامل حتَّى الآن عدا 1.1 مليار درهم إماراتي مما عُرف لاحقاً بـ "الوديعة السعودية الإماراتية"، وصلت البنك المركزي اليمني في 23 نوفمبر الماضي.

بالإضافة لذلك، تم التوقيع على منحة المشتقات النفطية الجديدة من السعودية بقيمة 200 مليون دولار في 29 سبتمبر الماضي، وتوقيع اتفاق على مليار دولار من الدعم السعودي الإماراتي في 27 نوفمبر، بين الحكومة اليمنية وصندوق النقد العربي كجهة فنية.

وكانت قيادة البنك المركزي اليمني في عدن قد أعلنت سابقا وفي بيانات متكررة استيفاء شروط ومتطلبات الوديعة السعودية الإماراتية، تزامناً مع جولات ولقاءات لمحافظ البنك مع مسؤولين سعوديين وإماراتيين. 

أسباب التأخير 

يحمل مراقبون اقتصاديون الحكومة اليمنية والبنك المركزي اليمني مسؤولية تأخر وصول الوديعة الخليجية كاملاً حتى الآن لغياب الإصلاحات الاقتصادية والمالية والنقدية المرتبطة بهذه الخطوة والمشترطة من قبل الرياض وأبوظبي.

وقال الخبير الاقتصادي مهدي الخليفي لـ "سوث24": "سبب التأخير عائد بدرجة رئيسية إلى نقص التغييرات والإصلاحات المطلوبة داخل البنك المركزي اليمني."

وأضاف: "بعد ما حدث لودائع مالية سابقة كوديعة 2018، ترى المملكة العربية السعودية أنَّ التغيير المتمثل بتعيين محافظ جديد للبنك المركزي ونائب له قبل عام ليس كافياً كاستحقاق لنيل الوديعة الجديدة."

وأردف: "الجانب الخليجي مؤخرا صار أكثر فطنة في مسألة الودائع والمنح المالية حيث رفع منذ عهد قريب من سقف شروطه لضمان أن تذهب في محلها. ما حدث في البنك هو تغير صوري شكلي حيث تم تغيير رأس هرم البنك بينما تم الإبقاء على بقية الأقسام المهمة والمفصلية كما هي."

ويعتقد الخليفي أنَّ غياب الآثار الإيجابية للودائع السابقة دفع الجانب الخليجي الذي يتحمل مسؤولية إنسانية في اليمن إلى الحذر بشكل أكبر قبل منح وديعة مماثلة.

وفي تصريحات خاصة لـ "سوث24"، أيدَّت اللجنة الاقتصادية العليا بالمجلس الانتقالي الجنوبي حديث الخبير الخليفي.

وقالت اللجنة: "لم يصل الدعم الخليجي المعلن بشكل كامل لأسباب كثيرة من أهمها التلاعب الذي جرى بالوديعة السابقة البالغة 2 مليار دولار التي جرى إيداعها على دفعات اعتبارًا من العام 2018، نتيجة تفشي الفساد في أجهزة السلطة الشرعية آنذاك."

وأضافت: "ومن الأسباب أيضاً عدم توريد الإيرادات المركزية من قبل بعض المحافظات إلى البنك المركزي، مثل مأرب التي تتصرف كمحافظة ذات حكم ذاتي وكذلك محافظة تعز."

وأضافت: "علاوة على ما يجري من تعيينات عبثية في مفاصل الدولة المختلفة وصرف مرتبات شاغليها بالعملة الأجنبية. هذا يلقي ظلالاً من الشك حول جدية الحكومة الحالية في استخدام أموال الوديعة لمصلحة المواطنين وتحسين الأوضاع الاقتصادية."

لكن مستشار البنك المركزي اليمني والخبير الاقتصادي الدكتور يوسف محمد قال إنَّه متفائل بوصول الوديعة كاملاً مع قدوم العام الجديد 2023.

وقال لـ "سوث24": "حدوث تطورات إيجابية قادمة فيما يتصل بالوديعة السعودية الإماراتية الموجهة لتدعيم احتياطيات البنك المركزي الخارجية يمكن أن تكون قريبة للغاية."

وأضاف: "لا زال وزير المالية ومحافظ البنك المركزي يواصلان زياراتهما الرسمية التي طالت كثيرا؛ لكنَّ الأهم أنَّ العمل جار مع الأشقاء على هذا الملف الشائك."

وأردف: "شخصيًا ومن خلال قراءتي، أنا على يقين أنَّه مع قدوم العام الميلادي الجديد 2023 سنسمع عن تسهيلات اقتصادية وأخبار طيبة وعلى أكثر من صعيد وحلول للكثير من القضايا ذات الصلة."

معالجات كبيرة 

لا يختلف الخبراء الاقتصاديون في أنَّ وصول الوديعة السعودية الإماراتية بشكل كامل للبنك المركزي اليمني سوف تسهم في تعزيز عمل البنك المركزي اليمني وقيمة العملة المحلية. لكنَّ الوديعة – وفقا لهم - لن تكون كافية لوحدها لتطبيق معالجات اقتصادية كبيرة.

وفي هذا الصدد، قال الخبير يوسف محمد: "في جانب المعالجات الكبيرة فإنَّ الأهم هو أن تتوفر للبنك المركزي الأموال الكافية والمستدامة، لكن هذه الأموال لن تتوفر إلا مع استئناف صادرات النفط المتوقفة بسبب الهجمات الحوثية."

وأضاف: "لكن في الوقت نفسه، البنك المركزي من جانبه يريد التأكيد أنَّه لا يزال يمتلك الآليات والموارد اللازمة من العملات الأجنبية للتدخل في سوق الصرف وتلبية حاجة الاستيراد وإن على المدى القصير."

وتابع: "من ناحية أخرى، فإنَّ البنك المركزي عند الحصول على مبلغ الوديعة الكبير سيتمكن من سحب جزء أكبر من فائض السيولة من الريال اليمني من السوق إلى البنك، وهذا شيء مهم أيضًا لأنَّه سينعكس إيجابيًا على استقرار سعر الصرف."

بدورها، ربطت اللجنة الاقتصادية العليا تحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية للسكان بجملة من الإجراءات التي يجب اتخاذها في سبيل تحقيق هذه الأهداف.

وقالت اللجنة: "سبق وأن قدمنا رؤيتنا في هذا الجانب. هناك إجراءات هامة يجب القيام بها ومن أهمها إعادة هيكلة الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة وهيئة مكافحة الفساد وكذلك البنك المركزي، هيكلة حقيقية تقضي على الفساد والفاسدين."

وأضافت: "يجب توريد إيرادات النفط والغاز والإيرادات المركزية الأخرى إلى البنك المركزي في عدن وإغلاق أي حسابات بنكية حكومية داخلية أو خارجية خارج إطار البنك المركزي في عدن."

وتابعت: "كما يجب إلغاء كل التعيينات العبثية وتقليص قوام الحكومة والبعثات الدبلوماسية إلى الحد الأدنى والحد من العبث في المال العام. ويجب الوقف الفوري لصرف المرتبات بالعملة الأجنبية للقابعين في الفنادق والمساكن خارج البلاد، وإلغاء تعيين كل من يبقى خارج إطار مقر عمله."

وأشارت اللجنة إلى أنًّ "اتخاذ مثل هذه الإجراءات الداخلية إلى جانب دعم الأشقاء والأصدقاء وخاصة الدعم السعودي والإماراتي كفيل بإحداث التأثيرات المطلوبة في الواقع الاقتصادي وتحسين مستوى معيشة الناس والخروج من حالة الانهيار الاقتصادي."

توقعات  

وفقاً للجنة الاقتصادية العليا، "ستكون الأوضاع الاقتصادية في البلاد خلال العام 2023 أكثر قتامة مع استمرار الاختلالات الحالية وغياب الإصلاحات الجذرية والحقيقية."

وقالت اللجنة: "تجليات المشهد لا تبشر بخير وتثير القلق فالحكومة المعترف بها دولياً نتوقع أنَّها لن تتمكن من استئناف تصدير النفط الخام من مناطق سيطرتها ومن ثم بيعه في السوق الدولية، وليس هناك أي مؤشرات واضحة على إمكانية حل هذه المشكلة في وقت قريب."

وأضافت: "كما أنَّ الحكومة تبدو غير قادرة على استكمال تطبيق الإصلاحات الاقتصادية التي كان يمكن أن ترفدها بإيرادات تساعدها على تغطية نفقاتها بالتزامن مع تعليق صادرات النفط الخام."

وأردفت: "في نفس الوقت، تتزايد الشكوك في جدوى استراتيجية قيادة البنك المركزي في عدن لإدارة الأزمة التمويلية وحلّها، وقدرة هذه الإدارة على خلق تأثير إيجابي يسهم في احتواء تداعيات تلك المتغيرات الجديدة."

وعدَّدت اللجنة أبرز التداعيات الاقتصادية المتوقعة خلال 2023: 

1- من المرجح أن تواجه الحكومة خلال الفترة المقبلة عجزاً كبيراً في الميزانية العامة، بما يقيّد قدرتها على الوفاء بأغلب واجباتها تجاه المواطنين في مناطق سيطرتها، من قبيل تمويل الخدمات العامة ودفع مرتبات موظفي القطاع العام بشكل منتظم، وهي متغيرات ستزيد من تدهور ظروف المواطنين المعيشية المتردية أساسا.

2- من المتوقع أن تتأثر قدرة الحكومة على توفير المخصصات الكافية لتمويل النفقات التشغيلية لمختلف التشكيلات العسكرية والأمنية التابعة لها، وبالتالي يحتمل أن تواجه الحكومة تحديات متزايدة على صعيد تأمين مناطق سيطرتها والحفاظ على مستوى جاهزية قواتها على امتداد ساحات المواجهة مع خصومها الحوثيين، وهو أمر يستدعي الحاجة الملحة إلى إصلاح الخلل الكبير في منظومة الحكومة بما في ذلك تغيير رأس الحكومة نظراً لعدم قدرته على تحقيق أي نجاح يذكر، لا سيما اقتصاديا.

3- من المتوقع أن يشهد سعر صرف العملة المحلية في مناطق سيطرة الحكومة تراجعا تدريجياً في الأسابيع القليلة المقبلة نتيجة عجز البنك المركزي في عدن عن الاستمرار في إقامة مزاداته الأسبوعية لبيع العملة الصعبة إلى المستوردين في ظل توقف المصدر الوحيد لتمويل تلك المزادات، وهو عائدات الحكومة من صادرات النفط الخام.

4- سيؤثر التراجع التدريجي المتوقع في سعر صرف العملة المحلية، سلباً وعلى نحو ملموس، في الظروف المعيشية للمواطنين في مناطق سيطرة الحكومة، ليس بفعل تقلص القدرة الشرائية فقط وإنما كذلك بسبب تراجع النشاط الاقتصادي الكلي وزيادة معدلات التضخم، وبالتالي تضاؤل فرص العمل والوظائف المتوفرة، في ظل تقلبات سعر صرف العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية. 

5- من غير المستبعد أن تشتد وتيرة تراجع سعر صرف العملة المحلية وأن تسجل مستويات قياسية جديدة في حال عودة الحكومة إلى اللجوء لمصادر التمويل التضخمية (ضخ طبعات جديدة من العملة المحلية) من أجل تغطية نفقاتها على غرار ما جرى في السنوات القليلة الماضية (2017-2021)، الأمر الذي قد يتسبب في المزيد من الآثار والتداعيات السلبية على وضع المواطنين المعيشي وقدرتهم على الصمود في مناطق سيطرة الحكومة.

وتلفت اللجنة إلى أنَّه "لا يمكن فصل الواقع الاقتصادي المتوقع في الجنوب خلال عام 2023 عن الوضع الحالي على مستوى البلد وعلى مستوى العالم."

وأضافت: "الظروف الدولية الراهنة وحالة التمترس الناتجة عن الحرب الروسية – الأوكرانية وانعكاساتها السلبية على الاقتصاد العالمي، واستمرار حالة الحرب الممتدة منذ 8 سنوات وحالة التراخي الرسمية في مواجهة الحرب الإيرانية – الحوثية والتركيز على الهيمنة على ثروات الجنوب وموارده الاقتصادية، ستلقي كلها بظلالها."


صحفي في مركز سوث24 للأخبار والدراسات


اليمنالبنك المركزي اليمنيوديعةالسعوديةالإمارات