التحليلات

تفجيرات وادي عبيدة بمأرب ونفي القاعدة: رسائل للقبائل والإصلاح

وادي عبيدة - مأرب (صدام المدني)

04-01-2023 الساعة 11 صباحاً بتوقيت عدن

language-symbol language-symbol

سوث24 | إبراهيم علي*


على الرغم من أنَّ أحدا لم يوجه التهمة لتنظيم القاعدة بالوقوف وراء عمليات التفجير التي شهدها وادي عبيدة في محافظة مأرب أخيرًا، إلا أنَّ التنظيم أصدر بيانا نفى من خلاله علاقته بتلك العمليات.


في البيان المقتضب، اعتبر التنظيم عمليات تفجير عبوات ناسفة في الوادي ضد محسوبين على قوات "الحكومة الشرعية"، محاولة من طرف ثالث لإفساد العلاقة بينه وبين قبائل المحافظة التي حثها على "إحسان الظن بإخوانهم المجاهدين". على حد تعبير البيان الذي لم يسم الطرف الثالث.


وقد أثار حرص التنظيم على نفي صلته بعمليات وادي عبيدة تساؤلات حول أسبابه، خصوصا وأنه تزامن مع تبنيه للعديد من العمليات التي نُفذت ضد القوات الجنوبية في محافظتي أبين وشبوة، جنوب اليمن.


ليس الأول من نوعه


قبل الحديث عن أسباب حرص تنظيم القاعدة على نفي صلته بتفجيرات عبيدة، من المهم الإشارة هنا إلى أنَّ هذا التوضيح منه لم يكن الأول من نوعه، فقد سبق وأن اعتذر التنظيم للقوات الحكومية في أبين عن عملية مديرية أحور ضد جنود تابعين لها والتي قال إنها كانت عبارة عن تصرف فردي من بعض المحسوبين عليه. [1]


صحيح أنَّه هنا أكد صلته بالعملية ولم ينف، لكنه في المقابل نفى أن تكون القوات المستهدفة بعملية أحور هدفا له، وقدم اعتذاره من خلال بيان رسمي موجه إلى شرطة أبين. كان التنظيم قبل ذلك قد شارك في القتال ضد القوات الجنوبية بمحافظة بين إلى جانب قوات الحكومة التي ينتمي معظم أفرادها إلى حزب الإصلاح [2]، وذلك بين العامين 2019\2021. 


للإصلاح أيضا


مع أن تنظيم القاعدة ذكر القبائل، إلا أن ما تضمنه البيان كان أيضا رسالة غير مباشرة لحزب الإصلاح المسيطر بشكل كبير على أجزاء واسعة من محافظة مأرب. وعلى ما يبدو، فإن لدى التنظيم مخاوف من تحرك أمني ضده في المحافظة، بذريعة تلك العمليات، ولهذا أشار إلى وجود طرف ثالث. يمكن القول إن التنظيم حاول، من خلال البيان، أن يسقط أي حجة لاستهداف وجوده في مأرب التي تعتبر من المعاقل التاريخية المهمة له، وخصوصا وادي عبيدة.


ربما يعتقد التنظيم أن هناك جهات تحاول إحراج حزب الإصلاح المسيطر أمنيا وعسكريا على أجزاء واسعة من محافظة مأرب، بعمليات "إرهابية" في وادي عبيدة، لإجباره على التحرك ضد التنظيم كطرف موجود في المحافظة، أو لإظهار المحافظة كبؤرة للإرهاب في ظل سيطرة الحزب. من غير المستبعد أيضا أن يكون التنظيم قلقا من انقلاب إصلاحي إجباري ضده، ولهذا خاطب القبائل التي للإصلاح تأثير كبير عليها.


هناك احتمال آخر، هو أن التنظيم يتوقع خروج الإصلاح من محافظة مأرب، على غرار ما حدث في محافظتي أبين وشبوة قبل أشهر، وعليه أن ينفي صلته بالعملية لقطع الطريق على أي قوات جديدة تفكر بالدخول إلى وادي عبيدة باسم مكافحة الإرهاب. نجحت القبائل، منذ عقود، في منع قوات الجيش والأمن من دخول الوادي، تحت أي مسمى.


من المهم الإشارة هنا إلى أن التنظيم شارك في قتال الحوثيين بالمحافظة إلى جانب حزب الإصلاح والقبائل. وقد أقر التنظيم بذلك في أكثر من مناسبة. تحدث التنظيم عن القبائل والإصلاح ولم يشر من قريب أو بعيد إلى مسمى "قوات الحكومة الشرعية". [3]


إثبات وجود


يشير هذا الحرص من تنظيم القاعدة على إصدار بيان النفي حول عمليات وادي عبيدة، إلى أن التنظيم قلق على وجوده في المحافظة، وهو وجود لم يظهر من خلال نشاط عملياتي أو ما شابهه، إذ لا يعتبر القوات الموجودة فيها من ضمن أهدافه. على العكس من ذلك، وكما أسلفنا في المحور السابق، يتعامل التنظيم مع تلك القوات على أنها حليفة له، في قتال الحوثيين شمالا، والقوات التي يقول إنها مدعومة من الإمارات جنوبا.


هذا الوجود تؤكده أيضا الغارات الجوية التي تشنها طائرات أمريكية دون طيار من حين لآخر، حيث تعد مأرب من أكثر المحافظات اليمنية التي هاجم فيها الطيران الأمريكي أهدافا للقاعدة. لكن الغريب هو أن المحافظة لم تشهد أي عملية أمنية أو عسكرية ضد التنظيم منذ سنين. بالنظر إلى الغارات الجوية، يمكن القول إن تواجده يتركز أكثر في وادي عبيدة، ولهذا سارع إلى نفي صلته بعمليات العبوات الناسفة.


إلى جانب الغارات الأمريكية، يمكن القول إن معظم قادة التنظيم الذين ينتمون إلى محافظة مأرب، قدموا من وادي عبيدة، أمثال علي بن سعيد بن جميل (موحد المأربي)  وغيره. [4]


أهم من أي وقت مضى


مع أن محافظة مأرب ليست المعقل الرئيسي الوحيد لتنظيم القاعدة، إلا أنها تعتبر معقلا مهما أكثر من أي وقت مضى، بسبب طرده من معظم معاقله في محافظات الجنوب، إثر عمليات أمنية وعسكرية أطلقتها القوات الجنوبية خلال الفترة الماضية [5]، ونجحت في تحقيق مكاسب غير مسبوقة. يشير بيان النفي الأخير إلى حرص التنظيم على إبقاء هذا المعقل بعيدا عن أي عمليات أو تحركات قد تضاعف من أزمته الحالية بشكل كبير.


كذلك، ربما يخشى تنظيم القاعدة، أو يتوقع، خسارته لآخر معاقله الآمنة في محافظات الجنوب، بعد تصريحات متكررة للقوات الجنوبية بضرورة طرد قوات المنطقة العسكرية الأولى من وادي حضرموت. بالنسبة إلى التنظيم، تعتبر هذه القوات بمثابة القوات الخاصة في محافظة شبوة. كان التنظيم قد عبر عن استيائه مما تعرضت له، وذلك خلال كلمة صوتية للقيادي أبو علي الحضرمي . [6]


من المهم الإشارة هنا أيضا إلى أن محافظة مأرب قد تكون آخر معقل رئيسي مهم للتنظيم في الشمال، خصوصا بعد خسارته لمعاقله التاريخية في محافظة البيضاء أواخر العام 2021. 


وبناء على كل ما تقدم، يمكن فهم حرص تنظيم القاعدة على وجود آمن في محافظة مأرب، وتوجيه رسائل مباشرة وغير مباشرة للقبائل وحزب الإصلاح حول تفجيرات وادي عبيدة.




إبراهيم علي
هو اسم مستعار لباحث متخصص في شؤون الجماعات المسلّحة، طلب إخفاء هويته لأسباب شخصية


المراجع:

[1] بيان صدر في حينه وتابعه الكاتب

[2] مصادر خاصة أكدت أيضا أن عناصر القاعدة كانت تتحرك بحرية في مناطق نفوذ القوات الحكومية

[3] كلمة صوتية لزعيمه السابق أبو هريرة الصنعاني. وأيضا عبر حساب أنصار الشرعية على تويتر، الذي تم حظره لاحقا

[4] قتل بقصف أمريكي في محافظة أبين عام 2011

[5] عملية سهام الشرق التي جرت في محافظة أبين وتحديدا في المعاقل الرئيسية للتنظيم، كالمحفد، ووادي عومران في مديرية مودية

[6] مركز سوث24

شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا