التحليلات

حضرموت الوادي والصحراء: اللعب الإقليمي والمحلي على المتناقضات

خريطة: مركز سوث24

02-01-2023 الساعة 12 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol language-symbol

سوث24 | المحرر السياسي


منذ اللحظة التي طردت فيها قوات "النخبة الحضرمية"، تنظيم القاعدة من مدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت في 2016، وهروب أفراده آنذاك إلى مناطق متفرقة من مديريات وادي وصحراء حضرموت، والجماهير هناك تطالب برحيل قوات المنطقة العسكرية الأولى التي يتركز نطاقها العملياتي في الوادي والصحراء. 


يدير المنطقة الأولى قيادات في حزب الإصلاح الإسلامي "الإخوان المسلمين"، تحت يافطة الجيش الوطني، والأخير أداره الجنرال "علي محسن الأحمر" لوقت طويل، المعروفة علاقته الوطيدة بالجماعات المتطرّفة. لقد اتخذت عناصر عدة من تنظيم القاعدة مديريات الوادي والصحراء كملاذ آمن لها بعد خروجها من المكلا، استطاعت من خلاله إعادة ترتيب نفسها للتموضع من جديد والانطلاق باتجاه عدة محافظات خلال السنوات الأخيرة منها مديريات في حضرموت وأبين وشبوة جنوب اليمن، واستهدفت تجمعات أمنية وعسكرية لقوات جنوبية دون غيرها؛ تتبع الأحزمة الأمنية والنخبتين الشبوانية والحضرمية.


غير أنَّ العمليات التي قادتها القوات العسكرية والأمنية الجنوبية أواخر أغسطس 2022، بقيادة المجلس الانتقالي الجنوبي تحت مسمى "سهام الشرق"، بمراحلها الأربع، قضت على نسبة كبيرة من جيوب هذه الجماعات في أبين وشبوة. وهو الأمر الذي شجّع الحضارم بالمثل لاستمرار مطالباتهم برحيل القوى العسكرية في المنطقة الأولى، لتمكين أبناءهم من إدارة أمورهم بأنفسهم بدرجة أساسية، وكذا تأمين مديريات الوادي والصحراء من الجماعات المتطرّفة، لا سيّما وهي حسب مصادر محلية لـ "سوث24"، مازالت تحتضن عناصر يشتبه انتماؤها لتنظيم القاعدة، وتطلق المنطقة الأولى البعض منهم متى ما استدعت الحاجة. على سبيل المثال: بعد إعفاء الجنرال "علي محسن الأحمر" من منصبه كنائب للرئيس في إبريل 2022، هرب عشرة عناصر يشتبه انتماؤهم للتنظيم الجهادي؛ من سجن تابع للمنطقة العسكرية الأولى، واعتبر كثير من المراقبين أن حادثة الهروب لم تكن عرضية، بل مدروسة كان الهدف منها الاعتراض على قرار الإعفاء، وتشتيت عمل مجلس القيادة الرئاسي الجديد في حينه.


علاوة على ذلك، أدى الغليان الشعبي المستمر في مديريات محافظة حضرموت المُطالب برحيل قوات المنطقة العسكرية الأولى، إلى أن تطلق الأخيرة تهديدات برفع اليقظة القتالية والإعداد لمجابهة أي تحركات أو قرارات تهدف لإخراجها. وكان أركان قيادة المنطقة المقال، "يحيى أبو عوجا"، قد توعّد بالتصدي للمطالبات الشعبية، وأكد أن قواته ستكون "لهم بالمرصاد". بموازاة ذلك، ظلّت المنطقة الأولى تواجه المحتجين في مديريات الوادي بالقمع والاعتقالات وإطلاق الرصاص الحي، كما تعرض عدد كبير من القيادات العسكرية والأمنية الجنوبية في حضرموت لمحاولات اغتيال دؤوبة، على سبيل المثال، نجا رئيس المجلس الانتقالي في المكلا، العميد الركن "سعيد المحمدي"، من محاولة اغتيال أصيب فيها جرّاء هجوم من أسلحة رشاشة أطلقها عليه مسلحان مجهولان كانا على متن دراجة نارية عقب خروجه من منزله في المكلا بمنتصف ديسمبر الفائت. وهي عملية من عشرات أخرى مماثلة تعرّضت لها قيادات حضرمية مؤثّرة خلال السنوات الأخيرة.


المنطقة الأولى مقابل ماذا؟


بات واضحاً على نحو متزايد أن هناك توتراً حقيقياً في محافظة حضرموت بشأن المنطقة العسكرية الأولى، وشواهد ذلك برزت مما ذكر آنفاً، إضافة إليه التصريحات المتبادلة والتوجيه الإعلامي المضاد والمقابل له من مختلف الأطراف. فمنذ أن أُعلن رئيس الانتقالي الجنوبي "عيدروس الزبيدي"، عبر برومو تلفزيوني مصوّر لقناة إماراتية، التوجه نحو حضرموت والمهرة بعد تأمين شبوة وأبين، والمنطقة الأولى على أهبة الاستعداد لمواجهة أي سيناريوهات محتملة. فالوحدات العسكرية المتواجدة هناك يبدو أنّها لن تتنازل وتترك فراغاً يملأه خصومها، إلّا إذا خرجت بصفقة تبقيها ضمن إطار ميزان القوى الموجودة على الأرض، خاصة وأن وادي وصحراء حضرموت هي آخر معاقل حزب الإصلاح الإسلامي الذي يدير قوى المنطقة العسكرية الأولى في جنوب اليمن.


مؤخراً، ظهرت أصوات حضرمية تعلن أن حضرموت "دولة مستقلة"، وأعتبر كثير من منتقدي هذه الأصوات بأنها نشأت لشق الصف الحضرمي ومحاولة لتشتيته، في وقت ارتفعت فيه المطالبات برحيل قوى المنطقة الأولى. الملفت للأمر، وحسب نفس المنتقدين، أنَّ ذات الأصوات قبلت أن يُدار وادي وصحراء حضرموت من مأرب معقل "الإخوان المسلمين" هناك، لكنها رفضت أن تُدار من قبل الدولة في عدن. أكثر من ذلك، تم نقل البث المباشر لحفل 20 ديسمبر أو ما أطلق عليه بـ "اليوم الوطني الحضرمي"، الذي أعلن عنه حلف قبائل حضرموت، عبر قناة حضرموت الفضائية المملوكة لرجل الأعمال والمستثمر السعودي "عبدالله بقشان"، الذي ينحدر من أصول حضرمية. الأمر الذي يُفهم منه أن شخصية لديها علاقة وثيقة بالرياض لن تُقدم على هكذا خطوة إلا بمباركة سعودية.


إذاً، لم يعد السؤال حول ما إذا كانت السعودية تؤيد هذه الأصوات أم لا، وإنما لماذا تميل إلى التغاضي عن المطالبات الشعبية الحضرمية برحيل المنطقة العسكرية الأولى في الجانب الأكبر من المحافظة؟ يمكن تفسير ذلك من عدة جوانب، الأول، ربما يكون مرتبطاً بدور الإمارات المؤثر في المحافظة ونفوذ حلفائها الكبير هناك، وعلى رأسهم الانتقالي الجنوبي والنخبة الحضرمية والمكونات الحضرمية الأخرى الداعمة للهبةّ. وهو أمر قد ترى الرياض أنّها لو باركت خروج قوى المنطقة الأولى - رغم عدم قربها من الأخيرة - سيعني خسارتها لمحافظة استراتيجية مهمة وثرية اقتصادياً، وتشترك معها حدودياً بأكثر من 700 كيلو متر مربع، لصالح حلفاء وثيقين للإمارات. لا سيّما وقد دلّت تغريدات سعودية مقرّبة من النظام على هذا الأمر، من خلال حملة بدأتها لمهاجمة القوى الجنوبية وحلفائها الإقليميين المطالبين بخروج الوحدات العسكرية للمنطقة الأولى. مع أن المنطق يقول إنّ القوات الجنوبية هي أكبر ضامن أمني حقيقي لحدود السعودية، يدحض معه جميع الأقاويل بشأن أي مخاوف لأمنها، لاعتبارات كثيرة، ليس أقلها تمسّك المجلس الانتقالي الجنوبي بما يصفها "الشراكة الاستراتيجية" مع السعودية والإمارات. 


الجانب الثاني، قد يكون مرتبطاً بمحافظة الجوف ومحاولة ضغط قيادات حزب الإصلاح الإسلامي على السعودية في هذا الملف، على سبيل المثال: بعد تعيين محافظ جديد للجوف في أكتوبر الماضي، أعلن حزب الإصلاح الإسلامي في المحافظة، اعتراضه على قرار مجلس القيادة الرئاسي بإقالة محافظ الجوف السابق "أمين العكيمي"، وتعيين "حسين العجي العواضي" خلفاً له. كما رفضت السلطة المحلية في مأرب التعامل مع المحافظ الجديد، بالإضافة لعدم اعتماد توقيع "العواضي" من قبل مدير البنك المركزي في مأرب. وهو ما اعتبره المحافظ الجديد تمرداً على قرارات مجلس القيادة. من المهم القول، أن محافظة كبيرة كالجوف وتشترك مع الحدود السعودية على امتداد واسع، هو أمر ذو أهمية بالنسبة للرياض، من حيث تأمين حدودها أولاً، وضمان تشكيل قوات عسكرية موالية لها بشكل مباشر مثل محور الجوف العسكري ثانياً، الذي رفض حزب الإصلاح أيضاً التعيينات الجديدة في قيادته، ويرفض تنفيذ القرارات الرئاسية بشأنها.


لذا، يمكن تفسير استمرار رفض حزب الإصلاح في الجوف تسليم المحافظ الجديد مهامه، كنوع من الضغط على السعودية في ملف المنطقة العسكرية الأولى في حضرموت، ومساومتها بتسليم الجوف للمحافظ الجديد "العواضي"، مقابل ضمان بقاء المنطقة الأولى في حضرموت مع حزب الإصلاح، لا سيّما وهم يعلمون أن السعودية تهمها الجوف بقدر ما تهمها حضرموت. على المدى المنظور، قد تشعر الرياض بنوع من التهديد في الجوف أكثر من حضرموت، إذا ما بقيت قوات موالية لحزب الإصلاح الإسلامي هناك، خاصة وأنّهم قد خبروا في مأرب تجربة عملية اغتيال القائد السلفي البارز "عبدالرزاق البقماء"، وهو أحد قادة ألوية اليمن السعيد المشكّلة والمدعومة بشكل مباشر من السعودية. الأمر الذي يقودنا إلى فهم بأن أي قوى موالية للسعودية هناك قد لا تكون في مأمن، طالما الأطراف المسيطرة هناك غير راضية. وقد تكون مقاربة بقاء المنطقة العسكرية الأولى في وادي وصحراء حضرموت بيد حزب الإصلاح الإسلامي ضامناً مؤقتاً للسعودية، إذا ضغطت الأخيرة على الأطراف المناوئة وحاولت تيسير بعض التفاهمات فيما بينهم، في ظل إصرار حزب الإصلاح المحافظة على نفوذه ومصالحه في حضرموت، بعد أنّ تم إبعاده من شبوة قسراً. 

 

قرارات وضمانات


رغم القرارات الرئاسية بإقالة أركان حرب المنطقة العسكرية الأولى المعروف بـ "أبو عوجا"، وتعيين بدلاً عنه العقيد "عامر بن حطيان"، غير أن الأطراف المحلية المناوئة للمنطقة العسكرية الأولى، اعتبرتها محاولة ماكرة لتسكين الشارع الحضرمي، وإن كانت تلبي جزءاً من أهداف الهبّة الحضرمية. هذه القرارات جاءت وكأنها تمثل حلاً نهائياً لمعضلة حضرموت، ويجب على الأطراف الحضرمية القبول بها وعدم التصعيد لإجراءات أخرى. من المهم القول، أن بقاء المنطقة العسكرية الأولى لا يرتبط بالقادة العسكريين والأمنيين المتواجدين هناك، ولا يرتبط بحزب الإصلاح فقط، بل بشبكة مصالح المستفيدين مادياً من بقائها، سواء مستثمرين أو مدراء شركات أو أعيان قبلية وغيرهم؛ ممن ظلوا يرفدون موازناتهم المالية لسنوات طويلة من إيرادات مناطق الامتياز.


غير أن السؤال الذي يمكن طرحه بالمقابل، ما هي الضمانات التي يمكن أن تقدمها القوى الجنوبية الأخرى في حضرموت، وعلى رأسها المجلس الانتقالي الجنوبي، للشركات النفطية هناك؟ إذا ما غادرت قوى المنطقة العسكرية الأولى المرتبطة بهذه المصالح إما سلماً أو حرباً، والتي ظلت تتولى المسؤولية الأمنية للشركات الأجنبية بالذات لوقت طويل. إذ من المهم أن تدرك القوى المناوئة لبقاء المنطقة الأولى أن تعمل على تطمين هذه الشركات بأنها ستحفظ مصالحها، لا سيّما وأنّ هذه الشركات لها تأثير على دولها فيما يتعلق بالمصالح الاقتصادية.


على ضوء ما سبق، من المرجع أنّ تظل المحافظة النفطية ورقة مساومة لوقت طويل بين الأطراف المتصارعة على المستويين المحلي والإقليمي. إذ من غير المتوقع أن تتبلور تسوية راسخة بين الأطراف المحلية، إلا إذا وصلت الأطراف الإقليمية إلى تفاهمات مسبقة بشأنها، ما لم تفرض القوى السياسية والعسكرية المحلية الجنوبية أمراً واقعاً في الوادي والصحراء الحضرمية، من شأنه تغيير ما تبقى من توازنات على الأرض في جنوب اليمن. 


ومع ذلك يجب القول إنّ درس شبوة يجب ألا يتكرر في حضرموت، فالتمسّك بالأدوات الفاشلة حتما، سيقود إلى فشل أمني كبير يكون ثمن تداعياته صعب ومكلف.




- مركز سوث24 للأخبار والدراسات 

شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا