غرق مباني في مدينة المكلا، عاصمة حضرموت، نتيجة إعصار تشابالا، أكتوبر 2015 (نشطاء)
29-12-2022 الساعة 2 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| عبد الله الشادلي
خلال أكثر من عقد من الزمان، تعرَّضت المحافظات الشرقية في جنوب اليمن لعدد من الكوارث الطبيعية التي سببتها الأعاصير والأمطار الغزيرة. أودَّت هذه الكوارث بحياة المئات، وتسبَّبت بأضرار مادية واسعة.
ورغم هذه الكوارث والحوادث، كانت الاستجابة من الجهات الرسمية في البلاد ضعيفة أو منعدمة في كثير من الأوقات، وفقاً لمسؤولين وخبراء تحدثوا لـ "سوث24". وحتَّى الآن، لا زالت الإجراءات الوقائية تحسبا للحوادث المماثلة غائبة.
الكوارث
في أكتوبر 2018، غمرت الفيضانات مديريات عدّة في محافظة المهرة نتيجة عاصفة "لبان" التي ضربت بحر العرب وسلطنة عمان، وامتدت آثارها للمحافظة. فقد العديد من الأشخاص أرواحهم، وأعلنت الحكومة اليمنية المهرة "محافظة منكوبة." [1]
وفقاً للراصد الجوي عدنان حميد، لقي 16 شخصا حتفهم في العاصفة المدارية لُبان، فيما أصيب نحو 224 آخرين. وأضاف لـ "سوث24": "بلغ عدد الأسر النازحة نحو 8 آلاف، في عموم مديريات المهرة."
ويقدّر حميد عدد الأسر المتضررة من الإعصار بنحو 5 آلاف و114 أسرة. وقال: "في مدينة الغيضة وحدها، فقدت نحو 1715 أسرة منازلها ومصادر دخلها".
وأضاف: "بلغ عدد الأسر المتضررة التي فقدت منازلها ومصادر دخلها في بقية المديريات نحو 3399 أسرة. جميع هذه الأسر أصبحت بلا مأوى".
وعن الأضرار الأخرى، أضاف الراصد: "تسببت العاصفة في جرف 7080 فدّان من التربة الزراعية، و596 من شباك الحمايات، فيما تضررت نحو 1940 وحدة ضخ بينها آبار."
وفقاً له، "تجاوز عدد أشجار النخيل التي جُرِفت بفعل العاصفة المليونين".
كما تسببت العاصفة في نفوق أكثر من 21878 من الإبل والأبقار والمواشي، بالإضافة إلى المناحل"، وفقاُ للمؤرخ.
قبلها في مايو من ذلك العام، كان إعصار "ميكونو" قد أجتاح أرخبيل سقطرى وأجزاء من سلطنة عمان متسبباً بأضرار كبيرة، ووفاة ما لا يقل عن 11 شخصاً. [2]
وفي أكتوبر 2021، ضرب إعصار "شاهين" المداري محافظة حضرموت، كبرى محافظات جنوب اليمن. جرفت السيول عشرات المركبات، كما أغرقت منازل في مدينة المكلا ومدن رئيسية أخرى في وادي حضرموت مثل تريم وشبام.
لكنَّ ما شهدته حضرموت في عام 2008 كان الأعنف خلال القرن الحادي والعشرين. لقد أُعلنت المحافظة "منكوبة" بعد تضرر ما يزيد عن 1200 منزل في الوادي جرّاء الأمطار الغزيرة، ومقتل العشرات.
وأشارت بعض الإحصائيات إلى مقتل ما يزيد عن 80 شخصاً خلال ذلك العام . كما تضررت بعض المناطق أيضاً في محافظة المهرة خلال ذلك العام.
مُتعلق: الكوارث الطبيعية بحضرموت: معاناة تتجدد في غياب الدولة
وأشار تقرير للبنك الدولي إلى أنَّ الخسائر في ذلك العام بلغت 1.6 مليار دولار، وهو ما يعادل 6% من إجمالي الناتج المحلي للبلاد آنذاك. [3]
وطبقًا للمؤرخ علوي بن سميط، تعرضت حضرموت لحوادث مماثلة في فترات ماضية.
وقال المؤرخ لـ "سوث24": "شهدت مناطق الوادي سيولاً كبيرة وأمطاراً غزيرة في العام 1996 وأخرى أكبر في العام 1989. لقد تضررت كثير من المنازل في مديريتي شبام وتريم."
إهمال
كشفت المساحات الزراعية والشوارع التي غمرتها الأمطار، بالإضافة لغياب قنوات التصريف لمياه الأمطار والسيول عن غياب الدور الحكومي المفترض استعداداً لظروف مناخية مشابهة.
بالإضافة لذلك، لم تقم الحكومة بأي إجراءات لإخلاء النازحين الساكنين في مجاري السيول والمسطحات المعرضة للكوارث والفيضانات، كما تمت ملاحظته في جولات ميدانية نفذَّها "مركز سوث24" في محافظتي المهرة وحضرموت.
خيمة للنازحين بمحافظة المهرة، 25 يونيو 2022 (مركز سوث24)
وبهذا الشأن، قال المهندس المدني خالد بن ماضي لـ «سوث24»: "الكوارث الطبيعية، مثل: الفيضانات والسيول يمكن أن تحدث في أي وقت في المحافظات الشرقية في الجنوب."
وأضاف: "تُظهر آثار الكوارث التي شهدتها حضرموت والمهرة أن السلطات ليست مستعدّة كما ينبغي للفيضانات. مشكلتنا الحقيقية تكمن في مجابهة التحديات. من الملاحظ أنَّنا ندور في نفس الحلقة عند حدوث الكوارث".
وعن الخطوات المطلوبة، قال بن ماضي: "يجب على السلطات في كلٍ من حضرموت والمهرة تطوير خطة طوارئ لإجلاء المواطنين عند حدوث الكوارث"
وأضاف: "يجب بناء الحواجز والأرصفة التي يُمكن أن تقلل من حدّة تدفق المياه عند حدوث الفيضانات؛ واستحداث ممرات لتصريف للمياه لتقليل تجمعها وتحقّلها في شوارع المدن."
مُتعلق: مشاريع البنُى التحتية بحضرموت: فساد في المناقصات والتنفيذ
مجابهة التحديات
وفقاً للمهندس المتقاعد في مشاريع الطرقات، سالم باعشن، "حتى مع وجود بعض خطط الإجلاء عند الكوارث، فإنَّها "ما تزال تفتقر إلى المعدات اللازمة."
وقال لـ "سوث24": "رغم الدعم الذي تتلقاه السلطات من المنظمات الدولية والإقليمية، فإنَّ وجهة هذا الدعم غير واضحة."
وأضاف: "منذ العام 1990، لم تطرأ أي مشاريع حقيقية للحد من الأذى الذي تسببه الكوارث الطبيعية في الجنوب. كما أنَّ الاستفادة من الأمطار والسيول تكاد تكون منعدمة، بسبب إهمال بناء السدود والحواجز."
ويستذكر باعشن بعض الأعمال التي شارك بها في فترات ماضية.
وأضاف: "خلال فترة الاستعمار البريطاني في الجنوب، ودولة الجنوب بعد ذلك، شاركتُ في بناء العديد من الحواجز المائية والسدود وقنوات الريّ. الحدّ من الآثار الناجمة عن الكوارث الطبيعية كان ضمن أولوياتنا."
ولفت المهندس المتقاعد إلى أنَّ "خطط مواجهة السيول يفترض أن تتجه إلى كيفية تخزينها والاستفادة منها بشكل اقتصادي لتتحول السيول من عامل كارثي إلى إيجابي."
وأضاف: "كُل هذه الخطوات يمكن أن تحول السيول إلى مصدر للمياه بشكل دائم يعوض أيّ نقص في المياه، ويساهم في مضاعفة الإنتاج الزراعي في جميع المحافظات دون استثناء. إنّ المشاريع المائية مهمة للغاية للاستفادة من السيول قدر الإمكان".
بئر ردمته السيول بمحافظة المهرة، 25 يونيو 2022 (مركز سوث24)
ويربط باعشن بين غياب مشاريع السدود والحواجز في جنوب اليمن و"المؤامرات السياسية"، حدَّ وصفه.
وقال: "الجنوب يتعرّض لمؤامرة مدروسة بعناية. هذا يفسّر لنا غياب المشاريع لمواجهة تحديات الطبيعية. لقد أصبحت الزراعة وتربية الحيوانات خارج اهتمام الناس منذ قيام الوحدة اليمنية".
فساد
اتهم مزارعون ومتضررون من الكوارث الطبيعية في حضرموت والمهرة الحكومة اليمنية بـ "الفساد" و"اختلاس" الأموال المخصصة للتعويض وأموال الداعمين.
وقال الفلاح عبد الله علي، أحد أبناء محافظة المهرة، لـ«سوث24: "لقد فقدنا الأمل في الحكومة وفي السلطات المحلية".
المزارع عبد الله علي، محافظة المهرة، 25 يونيو 2022 (مركز سوث24)
وأضاف: "تكبدت أنا وغيري من المزارعين خسائر كبيرة، جراء العاصفة لُبان، وما نجم عنها من فيضانات. حتى الآن لم تصلنا تعويضات، ولم يتم إنشاء أية مشاريع تقينا من الأخطار المحدقة".
وفي هذا الصدد، قال المهندس سالم باعشن: "الكوارث متوقعة كل عام، لكن الحكومة كالعادة تبدو كل مرة وقد فاجأها طارئ، بسبب تقاعسها عن اتخاذ الإجراءات اللازمة".
وتساءل باعشن عن مصير الأموال الطائلة التي أٌنفقت في مشاريع البنية التحتية المتهالكة ومصدّات الحماية. وأضاف: "غالبا ما تنفّذ السلطات هذه المشاريع بمواصفات رديئة تكون عرضة للتلف بمجرد ارتفاع منسوب الفيضانات."
قبل 3 أشهر