التقارير الخاصة

هل يُسهَّل القانون اليمني ارتكاب الجريمة؟

جلسات محاكمة مغتصبي طفل البريقة بعدن - 3 أكتوبر 2022 (إعلام محلي]

18-10-2022 الساعة 1 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol language-symbol

سوث24 | عبد الله الشادلي


في الـ 3 من أكتوبر الجاري، أصدرت محكمة البريقة الابتدائية، بمحافظة عدن، جنوب اليمن حكما في قضية اغتصاب طفل قاصر تناوب عليه مجموعة من البالغين. قضى الحكم بإدانة المتهمين من الأول وحتى الخامس، والحكم عليهم بالسجن سبع سنوات، مع إبقاء المتهم الأول لمدة سنتين تحت المراقبة كعقوبة تكميلية.


كما تمَّ إدانة المتهمين من السادس وحتى العاشر، لواقعة هتك العرض، والحكم عليهم بالسجن لمدة سنتين؛ والاكتفاء بمدة السجن خلال فترة التحقيق بالواقعة للمتهم الحادي عشر. وألزمت المحكمة المتهمين من الأول وحتى الخامس بدفع تعويض مبلغ مالي وقدره 50 مليون ريال، والمتهمين من السادس وحتى العاشر بدفع تعويض مبلغ وقدره 20 مليون ريال. وإلزام المتهم الأخير بدفع تعويض وقدره 400 ألف ريال.


أثارت الأحكام القضائية ردود أفعال غاضبة في الوسط العام. طالب كثيرون بأحكام أكثر قسوة تتناسب مع حجم الانتهاك في القضية التي تحولت لقضية رأي عام منذ فترة طويلة. أعاد هذا مجددا إلى الواجهة الانتقادات الموجهة للقوانين اليمنية إزاء عدد من الجرائم، وعلى رأسها الاغتصابات، التي توصف بأنَّها "ضعيفة وغير رادعة."


عقوبة الاغتصاب


يُعرِّف القانون اليمني الاغتصاب بأنَّه "كل إيلاج جنسي جرى ارتكابه على شخص ذكر كان أو أنثى من دون رضاه [الإكراه]." 


وفيما يتعلق بالعقوبات المُقررة لاغتصاب القاصر، ورد في المادة (269)، من قانون الجرائم والعقوبات: "متى سقط الحد الشرعي لسبب من الأسباب المقررة، يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سبع سنين كل من اعتدى بالاغتصاب على أي شخص ذكرا كان أو أنثى بدون رضاه."


وتنص المادة: "وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تزيد على عشر سنين إذا ارتكب الجريمة شخصان فأكثر أو كان الجاني من المتولين الإشراف على المجني عليه أو حمايته أو تربيته أو حراسته أو معالجته أو أصيب المجني عليه بسبب الحادث بضرر جسيم في بدنه أو صحته أو حملت المجني عليها بسبب الجريمة."


وتضيف: "وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تجاوز خمس عشرة سنة إذا كان سن المجني عليها لم يبلغ الرابعة عشرة أو تسبب عن الفعل انتحار المجني عليها ويعد اغتصابا كل إيلاج جنسي جرى ارتكابه على شخص الغير ذكرا كان أو أنثى بدون رضاه.."


وفي هذا الصدد، قال الباحث القانوني نصر الجوبعي لـ "سوث24": "يجب أن نفرّق بين الجرائم التي تُرتكب بين القاصر والبالغ وبين جريمة الاغتصاب بالإكراه وبين هتك العرض بالرضا بشقيه، الذكر كان أو الأنثى."


وعن مدى قوة أو ضعف العقوبات في القانون اليمني لجريمة الاغتصاب، يرى الجوبعي أنَّها "غير رادعة ولا تتناسب مع الجريمة المرتكبة." وأضاف: "كما أنَّها لا تراعي الظروف النفسية والمعنوية للمجني عليه أو عائلته، وما سيلحق به من أضرار جسيمة."


وأردف الباحث القانوني: "عندما نرجع إلى أغلب التشريعات العربية ونقارنها في هذه الجزئية، تحديداً، نرى بأنّ النصوص في القانون اليمني ضعيفة ولا ترتقي للجرم المُرتكب من قبل الجاني. يجب أن تتغيّر أسوة بالتشريعات العربية التي قد تصل عقوبتها إلى الإعدام".


ويعتبر الجوبعي أنَّه بمثل هذه العقوبات "الضعيفة "ستكون الجريمة في تزايد، كما أنّ الوحوش البشرية سوف تستمر في انتهاك حق الطفولة، وسترتفع معاناة القصر وذويهم من الآثار النفسية والمعنوية."


من جانبه، قال أستاذ القانون بجامعة حضرموت الدكتور هشام الجابري لـ "سوث24": "هذه العقوبات لا تحقَّق أغراض العقوبة المتمثل في الردع والزجر". وأشار الجابري إلى أنّ "العقوبة في القانون اليمني لا تزيد على السجن مدّة سبع سنوات كحدّ أقصى متى ما سقط الحد الشرعي لسبب من الأسباب المُقرَّرة".


ومقارنة بالقوانين الخاصة بذات الجريمة في بلدان أخرى، مثل القانون المصري، يُحكم على المغتصب بالإعدام شنقا أو السجن المؤبد، بعد أن كانت العقوبة المقررة لجريمة الاغتصاب هي السجن المشدد، ليتم تغليظ العقوبة بموجب مرسوم بقانون صادر عام 2011، ووافق عليه مجلس النواب المصري فيما بعد.


وبشأن هذا، قالت المحامية عتاب العمودي لـ "سوث24": "لقد بتنا نشهد عمليات اغتصاب دائمة ومتكررة في قضايانا، وخاصة في قضايا الأطفال. كانت العقوبة سبع سنوات كحدّ أقصى، لبعض القضايا التي واجهتنا".


وأضافت: "عندما تقع هذه الجريمة على طفل تدمّرت حياته ومستقبله ونفسيته، في مجتمع ينظر للمظلوم على أنّه ظالم؛ سيكون هذا الطفل البريء حقيراً في نظر المجتمع. المجرم يخرج بعد انقضاء مدّته ويعيش بشكل طبيعي، بينما يبقى الطفل أو المرأة في حالة صعبة تلازمهم".


على ماذا يستند القانون اليمني؟ 


 تعتبر الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للقوانين في معظم البلدان العربية والإسلامية، ومن بينها اليمن؛ بالإضافة لقوانين من دول أخرى.


وحول هذا، قالت العمودي: "القانون اليمني يستند على الشريعة الإسلامية، كما تقول المادة رقم (1). هناك قوانين أخرى تمت الاستعانة بها من قبل المشرعين للقانون، مثل القانون المصري. لكن اختلاف العادات والتقاليد طغتا أكثر في وضع القانون، كما أنّ العرف القبلي أخلّ ببعض القوانين".


ويُعتبر "العُرف الاجتماعي" أحد مصادر القانون متى ما استقرّ في عقول ونفوس الناس وأصبح عادة. قد يتحول عُرف مُعيّن إلى نصّ قانوني متعارف عليه، كما هو الحال في بعض العادات التي أصبحت ملزِمة كنصوص قانوني.


وبشأن ذلك، قال الجوبعي: "اللجنة التشريعية هي التي تقوم بتحديد نصوص القانون، وما يتوافق مع طبيعة المجتمع، وسنّ النصوص التي تكون رادعة وقوية لمثل هذه الجرائم، ومنها: جرائم الاغتصاب، التحرش وجرائم زواج القاصرات".


جرائم بلا عقوبات


بحسب القاعدة القانونية "لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص"، فإنّه في حالة انتفاء النص القانوني، لا توجد جريمة مهما كانت. لكن هذا لا يمنع وقوع بعض هذه الجرائم غير مُحدَّدة العقوبة. ولا ينكر رجال القانون وجود "ثغرات قانونية" في أغلب قوانين دول العالم.


ومع هذا، قال الباحث القانوني نصر الجوبعي: "هذا لا يعني بأنَّه لا يؤخذ بالعقوبة والجزاء المُقرر؛ فحين عدم وجود النص الصريح في القانون نرجع إلى القواعد العامة للقانون وتطبق العقوبة المقررة لمثل هذه المسائل". 


ورغم أنَّ القانون اليمني يُعاقِب على جرائم الفعل الفاضح وهتك العرض [الأفعال التي تنافي الآداب العامة وتخدش الحياء، وفقاً لنصوص المواد (270-275) من قانون الجرائم والعقوبات]؛ إلا أنَّ العقوبات فيها غير جسيمة إلى حدّ ما، وتكون إما بغرامة مالية أو سجن مدة لا تزيد عن عام واحد، باستثناء جريمة هتك العرض عندما تكون بالإكراه، إذ تزيد العقوبة فيه لتصل إلى خمس سنوات.


وحول هذه العقوبات، قال الأكاديمي الجابري: تظلّ هذه العقوبات غير كافية، وبالنسبة للتحرّش، لا توجد جريمة بهذا الاسم في القانون اليمني. 


وفي أحيان كثيرة، تسند العادات المجتمعية المتوارثة الثغرات القانونية، مثل زواج القاصرات المنتشر في القرى والأرياف اليمنية بكثرة، وحتَّى في المدن. وتجد حالات الزواج من هذا النوع انتقادا واسعا، ويصفها البعض بـ "الاغتصاب الشرعي والقانوني." ويعتبر الباحث الجوبعي زواج القاصرات "جريمة مكتملة الأركان ذات ضرر كبير على المجتمع."


وأضاف: "لم يحدد القانون جريمة سن الزواج، مع العلم بأنَّ قانون جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية [اليمن الجنوبي] كان قبل العام 1990 يُحدد سن الزواج، وكذلك الحال في الجمهورية العربية اليمنية [اليمن الشمالي]. بعد الوحدة بين الدولتين تم إلغاء هذا النص وتُرك سن الزواج دون تحديد".


ويعتقد الجوبعي أنَّه "ربما تم التأثير على هذا الجانب من قبل بعض الجهات المتطرفة أو الدينية التي لديها رغبة جنسية تجاه القاصرات قبل بلوغهن السن القانوني." وأضاف: "ظاهرة زواج القاصرات تُعدّ خطيرة ويتوجب التصدي لها إعلاميا ومجتمعيا حتى يتم الحد منها، خصوصا أنَّها تتكرر في المناطق شمال اليمن، وتحديدا في مناطق استقواء القبيلة على القبائل الأخرى".


الحاجة للتعديل


وبالرغم من الثغرات الواضحة في القانون اليمني، تؤكد القانونية عتاب العمودي أنَّه "لا توجد أيّ مادة تُسهَّل ارتكاب الجرائم في القانون اليمني، لكنَّ العقوبات في بعض الجوانب بحاجة إلى نوع من التعديل". 


وأضافت العمودي: "في الوقت السابق، لم تكن قضايا الاغتصاب منتشرة بهذا الشكل خاصة ضد الأطفال، ولو أنّها تفشّت حينها أعتقد أنّه سيتم تعديل القانون حتماً". ويتفق الباحث نصر الجوبعي مع ذلك لافتا إلى أنَّ "مسؤولية ضعف النصوص القانونية الرادعة يتحملها بدرجة أساسية المشرّع اليمني والنظام القائم حينها".


ويضيف: "من الضروري إجراء تعديلات في نصوص القانون، لاسيّما فيما يتعلق بالنصوص المتعلقة بقانون الشرف، كالاغتصاب، التحرّش والزواج من القاصرات. هذا لن يكون إلا من خلال لجنة مختصة وقانونية تعي حقّ الطفولة والمجتمع والآثار الكبيرة التي يتعرّض لها الأطفال أو القاصرين."


وأردف: "القانون في كل دول العالم يتواكب مع كل المتغيرات ومتطلبات ما نسميه عصر السرعة. نحن نعاني من ركود في تغيير نصوص القانون. هناك نصوص قد لا تتوافق مع طبيعة المجتمع ولا تتوافق مع باقي التشريعات العربية. يجب مراقبة النصوص وتعديلها."


ولكن تعديل النصوص القانونية في الظروف الراهنة قد يكون صعبا، كما أوضحت القانونية العمودي: "التعديل يمرُّ بمراحل معيّنة، من ضمنها أنّه يُعرض على مجلس النّواب، ويتم إقراره بعد مناقشة بعد آليّة معينة، ومن ثم يُعرض على رئيس الجمهورية للموافقة والنشر. وأضافت: "للأسف، هيكلة الدولة المسؤولة غير موجودة، في الوقت الراهن".


وبالنسبة للجوبعي "هذا الأمر متروك للقيادة السياسية، ومدى اهتمامهم بالتشريعات، ومواكبة تطورها. يتوجب إيجاد لجنة تشريعية معنية في القانون، لصياغة نصوص الدستور اليمني وصياغة النصوص التي تتوافق مع طبيعة المجتمع، ومواكبة التشريعات العربية وسنّ القوانين الرادعة لمثل هذه الجرائم التي ترتكب بحق الطفولة".


ويؤكد الدكتور الجابري الحاجة إلى "إصدار تشريعات جديدة كقانون لمكافحة الجرائم الإلكترونية، الاتّجار بالبشر، والاتجار بالأعضاء البشرية، على سبيل المثال، كما فعلت كثير من الدول بما فيها دول الخليج."


وأضاف: "التشريعات اليمنية وخاصة الجنائية منها بحاجة إلى تعديلات وإصدار قوانين جديدة، لتتواكب مع المتغيرات التي تحدث في البلد وفي العالم بشكل عام".




صحفي ومحرر لدى مركز سوث24 للأخبار والدراسات


شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا