التقارير الخاصة

ماذا بعد فشل الهدنة في اليمن؟

القوات السعودية على الحدود مع اليمن (العربية)

16-10-2022 الساعة 6 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol language-symbol

سوث24| عبد الله الشادلي


في 13 أكتوبر الجاري، قدَّم المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، إحاطته لمجلس الأمن الدولي بعد مضي 11 يوماً على انتهاء الهدنة الأممية في البلاد، دون تجديد أو تمديد.


وفي الإحاطة، عبَّر المبعوث عن أسفه لعدم التوصل لاتفاق بشأن تمديد الهدنة أو تمديدها، وقال إن ذلك أدَّى لخلق "حالة من عدم اليقين وزاد من مخاطر تجدّد نشوب الحرب في البلاد."


وقال غروندبرغ: "يؤسفني أنَّ أنصار الله [الحوثيين] جاءوا بمطالب إضافية لم يكن من الممكن تلبيتها. أثمَّن موقف الحكومة اليمنية للتعاطي مع مقترحي بشكل إيجابي. بينما أواصل العمل مع كلا الجانبين لإيجاد حلول، فإنني أحثهما على إبداء روح القيادة والمرونة اللازمتين للتوصل إلى اتفاق ممتد وموسع."


واشتمل الجزء الأكبر من الإحاطة على شرح مفصَّل لبنود مقترح الهدنة الموسع الذي تقدَّم به غروندبرغ للأطراف، ووافقت عليه مبدئياً، وفقا لمصادر مطلعة، قبل أن يذهب الحوثيون بعيدا في مطالب "متطرفة" حدَّ وصف بيان سابق لمجلس الأمن الدولي.


ورغم الاشتباكات الخطيرة التي حدثت في بعض الجبهات، قال غروندبرغ: "لحسن الحظ لم نشهد أي تصعيد عسكري كبير، ولم يُبّلغ إلا عن وقوع تبادل لنيران المدفعية والأسلحة الصغيرة بشكل متقطع على الجبهات الواقعة في تعز ومأرب والحديدة والضالع."


وأشار المبعوث إلى أن بعض بنود واتفاقات الهدنة السابقة التي استمرت لـ 6 أشهر لا زالت سارية حتَّى اليوم رغم انتهاء الهدنة، مثل الرحلات الجوية من مطار صنعاء الدولي، والدخول "المنتظم" لسفن الوقود لميناء الحديدة، وكلها بنود تصب في صالح الحوثيين.


ولفت الدبلوماسي السويدي إلى أنَّه "خلال الـ 11 يوماً التي تلت انتهاء الهدنة، واصلت في جهودي الدؤوبة للتواصل مع الأطراف وكذلك الشركاء الإقليميين والدوليين حول خيارات تجديد الهدنة."


وأضاف: "لقد عدت للتو من زياراتي إلى أبو ظبي ومسقط، حيث قمت بنقاشات مهمة لبحث سبل المضي قُدماً بالتنسيق الحثيث مع الدول المجاورة لليمن. ما زلت أعتقد شخصياً أنه لا يزال هنالك فرصة للأطراف للتوصل الى اتفاق."


ورغم أن المبعوث أقر – ضمنيا – بمسؤولية الحوثيين عن تعثر التوصل لاتفاق بشأن الهدنة بسبب مطالبهم، إلا أنَّه لم يقم بإدانتهم بشكل واضح. كما لم يُحدد ما إذا كانت جهوده الحالية تركز على إقناع الجماعة بالتخلي عن هذه المطالب، أو إقناع الطرف الآخر بقبولها.


ومع  أنَّ مطالب الحوثيين تعرضت لانتقاد بشكل واسع، بما في ذلك مجلس الأمن الدولي، المبعوث الأميركي لليمن، وغروندبرغ، يبدو أنَّ تمسك الجماعة العنيد بها أوصل مفاوضات تمديد الهدنة إلى طريق مسدود بشكل كبير.


وفي بيانات متفرقة على لسان متحدثين وقادة، أعلنت الجماعة اعتزامها نقل الحرب إلى مستوى جديد باستهداف المصالح الدولية والشركات النفطية والملاحية داخل وخارج اليمن، إذا لم تحصل على هذه المطالب القصوى.


وتشتمل مطالب الحوثيين على دفع مرتبات الموظفين من المدنيين والعسكريين على حد سواء من عائدات النفط الخام في مناطق المجلس الرئاسي، وهو ما يرفضه الأخير، لا سيما أن مقترح المبعوث تضمن دفع مرتبات القطاع المدني فقط مع إشراك كلي لإيرادات ميناء الحديدة الخاضع للحوثيين في ذلك، وفقا للمقترح الذي اطلَّع "سوث24" على نسخة منه.


مُتعلَّق: حُجّة «الرواتب»: الجنوب ضحية الهدنة الأممية


ومع أنَّ جهود غروندبرغ، مسنودة بضغوط دولية لامتناهية، لا زالت مستمرة حتَّى الآن، يعتبر سيناريو الحرب أكثر الاحتمالات حضورا في أذهان الجميع اليوم. يتعزَّز ذلك مع هدير المدافع من حين لآخر في الجبهات، ومرور الأيام دون أي تقدم واضح بالمفاوضات.


عودة الحرب


يرى محللون وسياسيون تحدّثوا لـ "سوث24" أنَّ المعطيات الحالية بعد تعثر الاتفاق بشأن الهدنة تشير إلى عودة الحرب التي تراجعت خلال الأشهر الستة الماضية، مع دخول الغاز والنفط ضمن خط الصراع.


وبشأن هذا، قال الخبير العسكري العقيد وضاح العوبلي لـ«سوث24»: "إذا استمرّ الحوثيون في تعنّتهم، ستكون كل السيناريوهات متوقّعة. ستهاجم الجماعة مأرب، شبوة والساحل الغربي، وكذلك السعودية والإمارات بواسطة الهجمات العابرة للحدود".


ويعتقد الخبير أنَّ "مأرب على رأس الأولويات العسكرية والاقتصادية لجماعة الحوثي". وأضاف: "هذا ليس بجديد، لقد سلّط الحوثيون كل جهدهم العسكري باتجاه مأرب طوال العام 2021."


وأردف: "أعتقد أنّ الجماعة ستفجّر حربها هذه المرة بهجوم كبير ومفاجئ على جبهات مأرب، بدون استعداد الطرف الآخر ومن دون التحضير الدفاعي الجيّد لصدّ هذا النوع من الهجمات".


ولم يستبعد العوبلي سقوط مدينة مأرب بيد الحوثيين الذين قال إنَّهم "استعادوا أنفاسهم، ورتبوا امكانياتهم طوال فترات الهدنة، لهجوم كهذا، بعد أن كانوا قد وصلوا إلى أدنى مستوياتهم الهجومية على الجبهات في الأشهر الأخيرة من 2021."

وأضاف: "كان لقوات العمالقة الجنوبية الدور الأبرز في إجهاض أهم محور هجومي لهم عبر الجبهة الجنوبية لمأرب، وهو المحور الذي انتهت فاعليته مع وصول قوات العمالقة إلى بيحان وحريب في يناير 2022".


إسقاط اتفاق ستوكهولم


في 2 أكتوبر، وبعد انتهاء الهدنة تزامنا مع تهديدات الحوثيين بالحرب، قال مدير المركز الإعلامي لألوية العمالقة الجنوبية: "الآن أصبح متاح أمام القوات حماية المدنيين وردع الحوثي واستعادة أموالهم ومرتباتهم أهمها تلك المخصصة من ميناء الحديدة الذي يجب تحريره."


وكانت ألوية العمالقة الجنوبية قد شارفت، في أواخر 2018، على مدينة الحديدة ومينائها بعد معارك طاحنة ضد الحوثيين، في جبهات الساحل الغربي للبلاد، قبل أن يتم إبرام اتفاق "ستوكهولم" بشأن الحديدة بين الحكومة اليمنية والجماعة في ديسمبر من ذات العام.


واليوم بعد انتهاء الهدنة، وإطلال شبح الحرب من جديد، يتوقع أن اتفاق ستوكهولم الذي أوقف هزائم الحوثيين قد يتم إسقاطه من قبل المجلس الرئاسي إذا استأنف الحوثيون هجومهم على مأرب الغنية بالغاز أو استهدفوا الشركات والمنشآت النفطية في شبوة وحضرموت، جنوب اليمن. 


وحول مدى احتمالية ذلك، قال العوبلي: "المواقف والتصريحات الدولية الأخيرة حمّلت الحوثيين مسؤولية عرقلة تجديد وتمديد الهدنة. ذلك قد يوفر الظروف المناسبة لحصول المجلس الرئاسي على مبررات تعليق العمل أو الانسحاب من اتفاق ستوكهولم، والتحرك لتحرير الحديدة".


وأضاف: "ما يزيد من فرص هذا السيناريو هو تهديدات الحوثيين الأخيرة باستهداف ممرات الملاحة. لقد أتت التهديدات عقب تصعيدهم في الحديدة بعرض عسكري كبير تضمن الألغام البحرية، ناهيك عن كون العرض قد أقيم في مناطق يشملها اتفاق ستوكهولم، وعارضته بعثة الأمم المتحدة في الحديدة (أونمها)."


لكن المحلل السياسي والاقتصادي المقيم في صنعاء، رشيد الحداد، رأى في حديثه لـ "سوث24" أنَّ "المجتمع الدولي لن يسمح بانهيار اتفاق ستوكهولم بشأن الحديدة". وأضاف الحدَّاد: "إنّهم يبنون على الاتفاق آمالاً للتوصل لاتفاق شامل يقضي بوقف إطلاق النار."


الصراع النفطي


مع تزايد أزمة الطاقة العالمية الناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية، وبحث الدول الغربية عن مصادر طاقة إضافية مُحتملة، بما فيها إعادة تصدير الغاز من منشأة بلحاف في شبوة، جنوب اليمن، فتح الحوثيون مسارا عسكريا جديدا بالتهديد باستهداف المنشآت والشركات النفطية.


وبالنسبة لرشيد الحداد، فإنَّ دخول النفط والغاز خط الصراع "أمر خطير".


وقال الحدَّاد: "الصراع على الثروة أخطر من الصراع على السلطة. هذا قد يدفع نحو خلق تحالفات جديدة بين الإصلاح والحوثيين للحفاظ على مكاسب الإخوان المسلمين في مأرب، خاصة أن هناك ارتباط وثيق بين مصالح الحزب وتماسكه الداخلي."


وأردف: "في ظل الضغوط الكبيرة التي يواجها الإخوان في شبوة وحضرموت. هناك احتمال كبير بأن تشهد الفترة القادمة تحالفات مفاجئة".


ويعتقد الحدَّاد أنَّه "يفترض تحييد قطاع النفط والغاز وكذلك الجانب الاقتصادي بشكل كلي عن الصراع؛ لتجنيب الاقتصاد الوطني المزيد من النكسات، خاصة أنَّ التحذيرات توحي بأنَّ قطاع النفط والغاز سيتحول إلى ساحة حرب مفتوحة بين مختلف الأطراف".


مُتعلَّق: النفط والغاز يدخلان خط الصراع في اليمن


ويعتقد الخبير العوبلي أن توسيع الحرب من قبل الحوثيين لن يتوقف عند الثروة النفطية، بل سيشمل الممرات المائية الدولية الهامة.


وأضاف: "تحضر المضائق والممرات المائية على رأس الأولويات الحوثية فيما يخص ابتزاز المجتمع الدولي. يرى الحوثيون أنَّهم لن يحققوا الاستجابة لتلك الابتزازات إلا بتهديد مصالح العالم."


وأردف: "هم يعدّون لعمليات كهذه، لكن خطرها سيتقلص إذا انجِزت معركة تحرير الحديدة، لأنّها ستعزل الجماعة عن البحر الأحمر، وبالتالي تحييد خطرها عن الممرات المائية".


التوصل لاتفاق 


يعتقد رئيس منظمة "فكر للحوار والحريات"، عبد العزيز العقاب، أنَّ تجديد الهدنة احتمال أكثر قربا من عودة الحرب.


وقال العقاب لـ "سوث24": "حتى لو حدثت مواجهات سيتم احتواء الموقف بسرعة. الوضع في اليمن والمنطقة يتطلب التهدئة لا الحرب. نؤمن أن الحل لن يكون إلا على طاولة الحوار مهما طالت الحرب؛ بدليل أنه لم يُصنع أي حل خلال الثمان سنوات الماضية".


وأضاف: "الهدنة سوف تتجدد وذلك لأنَّ الظروف المحيطة على المستوى الإقليمي والدولي تفرض التهدئة في اليمن وتفرض استمرار الهدنة".


وحول فرص التوصل لاتفاق بشأن الهدنة، قال الحداد: "المساعي الدولية والإقليمية الرامية لإنقاذ الهدنة لا تزال جارية حتى بعد انتهاء الهدنة. يبدو أن هناك حرص دولي وإقليمي كبير على استمرار وقف إطلاق النار في جميع الجبهات"


وأضاف: "مهما تصاعد العنف، فإنّه لن يكون أكثر من مجرّد مناوشات في الوقت الراهن. الاحتمالات الواردة، تشير إلى أنّه سيتمّ التوصّل لاتفاق بخصوص توسيع الهدنة خلال الفترة القادمة. لا أعتقد أن المواجهات ستتصاعد في مأرب أو الساحل الغربي".


وحتَّى الآن، يبدو أنَّه لا زال مبكرا الجزم بما سيحدث خلال الأيام القادمة وما ستفضي إليه الجهود الأممية والضغوط الدولية على الأطراف لتثبيت اتفاق هدنة موسع على أنقاض الهدنة السابقة. ومع ذلك، يمكن القول أنَّ استمرار تمسك الحوثيين بذات المطالب "المستحيلة" قد يقضي على أي أمل حقيقي بالتوصل لاتفاق.


علاوة على ذلك، قد تسبب أي ضغوطات على المجلس الرئاسي للقبول بالمطالب الحوثية الجديدة بانقسام وتشظي المجلس الرئاسي مع الموقف الصلب للأطراف الجنوبية في إطار المجلس التي تعارض أي تنازلات للحوثيين دون مقابل، ودون ضمانات بالتزام الجماعة بما يقع على عاتقها من بنود.


وتجدر الإشارة إلى أنَّ السعودية والحوثيين، ولأول مرة منذ سنوات، تبادلا، الأربعاء، وفدين لتفقد الأسرى من الجانبين. وقال مسؤول شؤون الأسرى لدى الجماعة، السبت، إنَّ الزيارة إلى السعودية "كانت ناجحة"، وتم التوقيع فيها على "القائمة الأخيرة" لتبادل أسرى الطرفين.


ونظرا لأنَّها تعتبر زيارات خارج السياق وفي ظروف غير متوقعة، تعكس هذه الخطوة رغبة سعودية أقل بتجدد الحرب التي شهدت أسابيعها الأخيرة قبل الهدنة هجمات غير مسبوقة من الحوثيين استهدفت مواقع نفطية ومدنية في المملكة.




صحفي ومحرر لدى مركز سوث24 للأخبار والدراسات


شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا