التحليلات

العمليات ضد القاعدة في أبين: هل يمكن أن تحقق النصر الكامل؟

القوات الجنوبية خلال انتشارها في مديرية مودية بمحافظة أبين أكتوبر 2022 (مركز سوث24 بواسطة يوسف ثابت)

15-10-2022 الساعة 6 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol language-symbol

سوث24 | إبراهيم علي*


أواخر الشهر الماضي، تمكنت القوات الجنوبية من الوصول إلى آخر معاقل تنظيم القاعدة في محافظة أبين جنوب اليمن، بعدما أعلنت عن عملية عسكرية وأمنية واسعة لاجتثاث التنظيم من المحافظة. بوصول تلك القوات إلى وادي عومران في مديرية مودية شرقي أبين، يكون التنظيم قد خسر آخر معاقله في المحافظة لأول مرة منذ أعوام خلت.


وعلى الرغم من محاولة التنظيم إعاقة تقدم تلك القوات، من خلال عمليات تنوعت بين الكمائن، والعبوات الناسفة، والمواجهات المباشرة، إلا أن الأمور لم تجرِ كما خطط لها. غير أن انتقال عناصر التنظيم إلى مناطق أخرى، داخل المحافظة أو على حدودها، يعني أن المعركة ضده لم تُحسم أو لم تنته بعد، وقد تتخذ أكثر من شكل.


يمكن الاستدلال على ذلك بتنفيذه عمليات داخل مديرية مودية نفسها، وأيضا في مديرية المحفد، بعد طرده من آخر معاقله الكبيرة التي كانت تؤوي عددا كبيرا من عناصره وقياداته. آخر تلك العمليان كانت في المحفد يوم الجمعة الماضي، وأسفرت عن مقتل 4 جنود، بحسب مصادر عسكرية.


ماذا تعني خسارة عومران؟


في ظل الظروف التي يعشها التنظيم منذ سنوات، تعتبر خسارة هذا المعقل ضربة موجعة جديدة لتنظيم القاعدة، على اعتبار أن مناطق تحركه باتت محدودة، وهو ما يعني مزيدا من تقييد ومحاصرة حركة تنقلاته. من المهم الإشارة إلى أن التنظيم اختار هذا الوادي بعناية، لأنه منيع وذو تضاريس تسهل عليه مهمة التخفي ومقاومة الحملات، لكنه خسره في نهاية المطاف، لأنّ العملية كانت مختلفة عن كل العمليات السابقة ضده.


ورغم ذلك، لم يكن هذا الوادي من المعاقل المشهورة للتنظيم داخل المحافظة، كمديرية المحفد، فكثيرون عرفوا اسمه فقط بعدما أعلنت القوات الجنوبية عن عملية "سهام الجنوب" في الوادي والمحافظة عموما، ما يعني أن التنظيم قد يكون يحتفظ بمعاقل أخرى غير معروفة داخل المحافظة، للجوء إليها في مثل هذه الظروف.


وبالنسبة إلى تنظيم محارب دوليا ومطارد على الدوام، تأتي مهمة المعقل الآمن على رأس قائمة أولوياته، ومن المؤكد أنه أكثر معرفة بمناطق محافظة أبين من غيره،  بحكم استيطانه لكثير من مناطقها طوال الأعوام الماضية. من هنا يمكن القول إن خسارة وادي عومران في مديرية مودية، كانت ضربة موجعة للتنظيم الذي تضيق عليه الأرض يوما بعد آخر، إلا أنّ هذا الانجاز يفقد أهميته إن توقف عند السيطرة على الوادي.


وبكل تأكيد، فإنّ الأهم من طرد التنظيم من الوادي هو معرفة وجهته ومحطته القادمة داخل المحافظة، وعدم التوجه إليها قبل تأمين الوادي؛ لضمان عدم عودة العناصر المسلحة إليه، وهذا الأمر يستدعي وجود قوة كبيرة لتغطية ما تتطلبه  مهمة العمليات العسكرية والأمنية.


بيان القاعدة


عقب طرد القاعدة من وادي عومران، أصدر التنظيم بيانا كشف فيه عن خطته المقبلة. وعلى رغم أن ما تضمنه البيان بدا اعترافا غير مباشر بخسارة المعركة، إلا أنه توعد بحرب طويلة مختلفة. ومع ذلك، فإن ما توعد به تنظيم، من خلال محتوى بيانه الأخير، لا يختلف عما كان يقوم به في السابق، فعمليات الاستهداف عن طريق العبوات الناسفة، والكمائن، ليست جديدة، إلا إن كان المراد تصعيد وتيرة هذا النوع من العمليات وخوض معركة ذات نَفَس طويل، لأن بيان التنظيم استخدم مفردة "الاستنزاف". 


غير أنّ عمليات الاستنزاف بنسقها المتصاعد، مرتبطة بشكل رئيسي بسهولة حركة التنظيم داخل المحافظة، أو ضمن خارطة منطقتها الوسطى، كمعقل تاريخي له وكمسرح حرب، وهي (أي سهولة الحركة) ما لم تعد ممكنة بالشكل الذي كانت عليه في السابق، وقد تصبح أكثر صعوبة مستقبلا، إن وضعت خطة العمليات العسكرية والأمنية هذا الأمر في الحسبان.


معركة معلومات


في ظل شحة المعاقل أو مناطق النفوذ، وتراجع القوة وتواضع الإمكانات، سيحرص التنظيم على صرف الأنظار عن مناطق تواجده الجديدة داخل المحافظة، من خلال تجميد النشاط، أو تنفيذ عمليات في مناطق بعيدة. ومن هنا تظهر أهمية توفر المعلومة التي تحتاج إلى جهد استخباراتي غير عادي. وبلا شك، فإن هذه النوع من حرب الإرهاب أكثر صعوبة وتعقيدا، ويتطلب جهدا كبيرا وتنسيقا مع جهات خارجية معنية بهذا الملف، في إطار الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب. من خلال استعراض كل الإنجازات التي حققتها الإدارة الأمريكية في هذا الجانب، سنجد أن المعلومة كانت العمود الفقري لهذه الحرب، ومن دونها ستظل طائراتها وصواريخها عمياء عن أهدافها.


على الأرجح، سيحاول التنظيم في الوقت الحالي إرباك العمليات العسكرية والأمنية ضده في المحافظة، من خلال تنفيذ هجمات هنا وهناك، وقد ينشط في مناطق غير متوقعة، لصرف الأنظار عن مناطق تواجده، أو المناطق الجديدة التي يعيد ترتيب صفوفه فيها.

يعني ذلك أن المناطق التي قد تنطلق منها هجمات التنظيم ليست بالضرورة مناطق تواجد ونفوذ، والتركيز عليها قد يهدر جهدا في غير محله، مع أن حرب الإرهاب في المحافظة يُفترض أن تكون شاملة لكل مناطقها.


في حال استمرت العمليات العسكرية والأمنية في المحافظة بزخمها الحالي، وكانت ضمن خطة طويلة الأمد لاستئصال التنظيم من المحافظة، فستبدأ هجماته بالتراجع، لأنها مرتبطة، بشكل رئيسي، بقدرته على التنقل والحركة السهلة. لكنَّ أخطر ما قد يحدث، هو ربط العمل العسكري والأمني ضد تنظيم القاعدة في محافظة أبين، بنشاط وعدم نشاط التنظيم نفسه، فتجميد النشاط لإعادة ترتيب الأوراق والصفوف، وتجاوز أزمة ضغط العمليات ضده، أكثر خطورة من الظهور وتنفيذ هجمات.


ولكي تحقق العمليات الأمنية والعسكرية في المحافظة أهدافها، يجب أن تكون مستمرة وشاملة، وأن لا تبني خطط على إنجازات من قبيل السيطرة على معقل هنا وآخر هناك، لأن المعقل غير مهم في ظل القدرة على الحركة والتنقل.


إبراهيم علي

هو اسم مستعار لباحث متخصص في شؤون الجماعات المسلّحة، طلب إخفاء هويته لأسباب شخصية


شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا