27-04-2022 الساعة 1 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | أحمد باحكيم
أدى القتال في كافة أرجاء الوطن إلى الإضرار بقدرة محطات الطاقة وشبكات النقل والتوزيع. وفي المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، تعرضت الشبكة العامة للتلف الشديد مما ترك غالبية المحافظات بدون طاقة. ولكن باستثناء بعض المناطق، فإن الشبكة العامة في المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة المعترف بها دوليا ما زالت تعمل ولكنها غير منتظمة ولا يعتمد عليها. 90% تقريبا من العائلات التي تستطيع الوصول إلى الطاقة تحصل على الكهرباء من مصادر أخرى غير الشبكة العامة مثل استخدام واسع لأنظمة منزلية لتوليد طاقة شمسية محدودة تكفي فقط للإضاءة وشحن الهواتف. أما هؤلاء الذين يقبعون في مناطق سيطرة الحكومة الذين يرتبطون بشبكة طاقة عاملة يدفعون معدلات زهيدة لكنهم يحصلون على الطاقة لمدة ساعات قليلة يوميًا. (1)
وقبل الصراع، كان الكثير من سكان اليمن يفتقدون الوصول إلى الطاقة الأساسية. وكانت اليمن بالفعل أقل البلدان في معدل الطاقة الكهربائية بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حيث كان معدل الوصول يناهز بالكاد 55% من كافة مصادر الطاقة. وفي عام 2013، كان متوسط استخدام الفرد للطاقة يبلغ زهاء 318 كيلوات ساعة، والذي كان يمثل حوالي نصف المتوسط الإقليمي. وكان نحو نصف عدد السكان فقط يحصلون بالكاد على طاقة غير منتظمة استنادا إلى قدرة مركبة تبلغ سعتها نحو 1200 ميجاوات. ويفتقد باقي السكان الوصول إلى الكهرباء مما يرتبط بعواقب خطيرة على التطور الاجتماعي والاقتصادي ومعدل الفقر. (2)
وعلى مدار العقد السابق، حدث تحسن طفيف في صناعة الطاقة. وبالرغم من أنها تكلف الدولة سنويا ما يزيد عن 10% من الناتج المحلي الإجمالي في صورة دعم مباشر وغير مباشر، حققت الصناعة القليل من التقدم في زيادة الكفاءة العملياتية وجودة الخدمة، أو فيما يتعلق بتقليل الخسائر الجوهرية المتعلقة بالكهرباء. ومنذ تشغيل محطة مأرب للطاقة التي تم التعاقد بشأنها عام 2005 ودخلت حيز التشغيل عام 2009، لم يحدث أي تطوير للبنية التحتية الجوهرية في صناعة الكهرباء. ما يزال العرض والطلب في قطاع الكهرباء خارج التوازن بشكل حاد. وفي عام 2015، كانت قدرة التوليد المثبتة حوالي 1300 ميجاوات بنسبة تقل 20% عن ذروة الطلب. (3)
وشهد 2009 تكليفًا بإنشاء أول محطة طاقة (مأرب 1) تعمل بالغاز. وقبلها كانت الطاقة يتم توليدها من خلال إحراق زيت الوقود الثقيل والديزل. وباستثناء المحطة المذكورة، لا توجد إلا محطات بالية غير كافية تعتمد على زيت الوقود الثقيل والديزل ومملوكة بواسطة المؤسسة العامة للكهرباء. وبالإضافة إلى ذلك، ثمة بعض وحدات الديزل التي استأجرتها جهات خاصة على أساس قصير الأمد. وشكلت محطات زيت الوقود الثقيل والديزل أكثر من 70% من الناتج المتصل بالشبكة عام 2010. وعلاوة على ذلك، فإن منشآت صناعية وتجارية ومنازل باتت تملك ملايين من وحدات الديزل الصغيرة لمحاربة الانقطاعات المتكررة التي يتسبب بها عجز الطاقة المرتبطة بالشبكة. إن ما يرتبط بذلك من ارتفاع أسعار الكهرباء وزيادة التلوث أحد المظاهر الرئيسية من أنظمة الطاقة (4) التي يهمين عليها زيت الوقود الثقيل والديزل. وبالرغم من أن متوسط تعريفة المستهلك تناهز 40 ريال يمني لكل كيلو وات ساعة لكن الإيرادات تغطي فحسب 12% من التكلفة الاقتصادية.
إن الكهرباء في اليمن تعتمد في معظمها على الديزل وزيت الوقود الثقيل. وتسببت الحرب وكذلك القيود المفروضة على الواردات المتجهة إلى موانئ البحر الأحمر في تقويض ملحوظ لإمكانية الحصول على النفط. وأدى قرار الحكومة عام 2018 بتحرير الواردات وكذلك إبرام صفقة مع المملكة العربية السعودية لبيع الوقود إلى محطات الطاقة إلى زيادة الإمدادات التي تدخل السوق. ومع ذلك، من أجل التيقن من إمدادات وقود موثوقة لمحطات الطاقة من خلال القطاع الخاص، ينبغي على الحكومة تقديم ضمانات دفع للتأكد من تسديد قيمة الواردات. إن الجهود الكبرى لاستعادة مصفاة عدن والتحول إلى أنواع أخرى من الوقود والتكنولوجيات أمثال الغاز الطبيعي والطاقة المتجددة من شأنها أن تخفض الأسعار في المستقبل المتوسط. وعلى المدى المتوسط، فإن الأفعال التي تصبو إلى تحسين التنافس بين الموردين وتحفيز كفاءة الوقود ربما تؤدي إلى نتائج أفضل. (5)
وفي شبكة الطاقة بعدن، يتم إهدار أكثر من نصف الكهرباء. ويعكس ذلك التدهور في شبكات النقل والتوزيع، وكذلك العدد الهائل من التوصيلات غير المرخصة بالشبكة العامة. إن معدلات تحصيل فواتير الكهرباء منخفضة للغاية. أقل من 50% من الفواتير المستحقة تم تحصيلها في المناطق التي تخضع لسيطرة الحكومة عام 2021، بالرغم من وجود تباين ملحوظ في أداء التحصيل بين المحافظات. وبالمثل، ثمة اختلافات ملحوظة تتعلق بالدفع وفقا لنمط المستهلكين، حيث دفع ملاك المنازل حوالي ثلثي فواتيرهم بينما دفعت الكيانات الحكومية 10% فحسب من تكاليف الكهرباء في ذات العام. (6)
ينبغي أن تكون قيمة المال في صدارة استراتيجية الحكومة لإعادة بناء مرافق التوليد والنقل والتوزيع. إن التركيز الحالي يتمثل في استكمال مشروعات رأس مال ضخمة. وبالرغم من أهمية ذلك، لكن ثمة العديد من النفقات الأصغر حجما التي ربما تؤدي إلى زيادات ملحوظة في السعة ومساحة التغطية. ينبغي على الحكومة وضع أولوية للنفقات استنادا إلى السعة المتزايدة وعدد المستخدمين الذي يمكن إتاحته، وذلك لكل مليون دولار من النفقات وليس اعتمادا على الحجم الإجمالي.
وتمثل التعريفات (الرسوم) نسبة صغيرة من تكلفة توصيل الطاقة مما يصعب مهمة المؤسسة العامة للكهرباء للتخطيط إلى الأمام. ومع ذلك، فإن فرض زيادات كبيرة للرسوم من شأنه أن يثقل كاهل الشعب اليمني ويزيد معاناته في خضم كارثة إنسانية. وربما تكون الإجابة في السماح للموردين بتقديم المزيد من الطاقة بأسعار تجارية على نحو يتجاوز الإمدادات الحالية. وربما يتم تنفيذ ذلك لصالح جماعات معينة من المستهلكين، ومواقع جغرافية محددة أو في أوقات معينة من اليوم. وسوف يسمح ذلك بزيادة المعروض لتلبية الطلب الكامن من هؤلاء القادرين على الدفع بدون إضافة أعباء على هؤلاء الذين لا يستطيعون. (7)
وربما يجب وضع المزيد من الاعتبار لمن هم خارج شبكة الطاقة. إن غالبية سكان المناطق الريفية لا يمكنهم الوصول إلى شبكة الطاقة العامة. (8) وقدمت منظمات دولية مساعدات لتأسيس سوق لتوزيع الطاقة المتجددة، وساعدت كذلك في توفير حلول الطاقة الشمسية للعيادات الطبية والمدارس والبنية التحتية للمياه. وعلى الجانب الآخر، ثمة حجم هائل من الطلب. ينبغي على الحكومة التعاون مع شركاء أجانب ومحليين في تطوير القدرة على تلبية متطلبات الطاقة لجميع سكان اليمن سواء من هم داخل أو خارج الشبكة، وتخصيص الموارد وفقا لذلك. (9)
إن استراتيجية إصلاح صناعة الطاقة في اليمن ينبغي أن تكون واقعية ويتم تفصيلها وفقا لوضع الدولة الراهن. وبدلا من التركيز على إنفاق رأس المال لتحسين إمدادات الطاقة في المناطق الحضرية. من الأهمية حدوث تحسينات في الخدمات الأساسية وتسهيل ارتباط القطاع الخاص والتأكد من الشمول. (10)
التوصيات
إن تنفيذ التوصيات التالية ربما يجلب فوائد ملحوظة بتكلفة معقولة:
● وضع أولوية لتجديد مرافق التوليد والنقل والتوزيع على أساس تحقيق أكبر عائد.
● تعديل اتفاقيات شراء الطاقة للتيقن من استخدام أكثر فعالية للوقود الحالي.
● تشجيع استخدام الوقود الأحفوري منخفض التكلفة مثل الغاز الطبيعي.
● الاستثمار في خيارات الطاقة المتجددة عديمة التكلفة مثل الشمس والرياح على نطاقات الاستخدام والتوزيع والشبكات الصغيرة كلما كان ذلك ملائما.
● تأسيس هيكل منتظم يسمح بإمدادات تجارية على الهامش عن طريق امتيازات تشغيلية على سبيل المثال.
● اختبار استراتيجيات للتيقن من عمليات الفواتير والتحصيل مثل تقديم خصومات أو حوافز مرافق محلية أو تركيب عدادات مسبقة الدفع.
● الحد من خسائر الكهرباء من خلال مثلًا حذف أو تقنين المستخدمين الذي يتصلون بشكل غير مشروع بشبكات التوزيع.
● تأسيس إطار لإحداث مراجعات مستقبلية لتعريفة الطاقة وإبلاغ العامة بشأن لماذا تعتبر هذه الإصلاحات ضرورية لتحقيق تحسينات في الخدمة.
● الكشف العلني عن كافة العقود المتعلقة باستثمارات ومشتريات الطاقة.
● استثمار الموارد في توسيع نطاق الكهرباء خارج الشبكة للبنية التحتية المجتمعية مثل مضخات المياه للاستخدام المحلي والعيادات الصحية والمستشفيات.
● توسيع نطاق الكهرباء لاستخدامات الإنتاج مثل المزارعين من خلال الروابط بين مؤسسات التمويل متناهية الصغر والبنوك وموردي الطاقة الشمسية المعتمدين والمجموعات المجتمعية.
● ربط شبكة الكهرباء اليمنية بشبكات دول مجلس التعاون الخليجي وشرق أفريقيا.
خبير لدى مركز سوث24 في مجال الاقتصاد والطاقة
الصورة: عائلة يمنية (UNOPS)
المراجع
[1] أحمد باحكيم (9 مارس 2022). أزمة مرافق الكهرباء في عدن. “سوث24"
[2] تقرير الاستثمار في الطاقة ومناخ الأعمال للبلدان المراقبة بروكسل(2017): أمانة ميثاق الطاقة: energycharter.org
[3] شركة مصفاة عدن، الريادة والتميز(3 مارس 2010) arc-ye.com
[4] زيادة الطاقة الشمسية في اليمن. (13 أغسطس 2015) borgenmagazine.com
[5] حاجة ماسة إلى تعافي قطاع النفط في اليمن.(14مايو 2016): reliefweb.int
[6] روزر، إتش آر (2020). اليمن: ملف الطاقة ourworldindata.org
[7] البنك الدولي. (2017). استعادة الوصول إلى وتوسيع نطاق الطاقة في الجمهورية اليمنية: مذكرة إعادة إشراك قطاع الكهرباء. مجموعة البنك الدولي.
[8] البنك الدولي. التحديث الاقتصادي الشهري لليمن مارس 2020. documents1.worldbank.org
[9] البنك الدولي. استهلاك الطاقة الكهربائية (كيلووات ساعة للفرد). data.worldbank.org
[10] تقرير الاستثمار في الطاقة ومناخ الأعمال للبلدان المراقبة. (2017) بروكسل: أمانة ميثاق الطاقة: energycharter.org
قبل 3 أشهر