25-04-2022 الساعة 2 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | وضاح العوبلي
إنّ المتمعن في تشكيلة مجلس القيادة الرئاسي، الذي أعلنه يوم 7 أبريل الجاري في اليمن، يؤمن بأن هندسة هذه التشكيلة كانت وفق معطيات الواقع. فأغلب الشخصيات القيادية التي تشكّل منها المجلس هي قيادات لقوى عسكرية حقيقية وفاعلة على الأرض، هُمشت وتم استعدائها من قبل القوى التي سيطرت على قرار سلطة الرئيس "هادي" طيلة الأعوام الماضية، ناهيك عن توجيه معارك "الشرعية" السابقة باتجاهها والسيطرة على مسارح عملياتها. ومن هنا يمكن القول، أن معركة "الشرعية" التي كانت في حقيقتها معركة طرف سياسي، انحرفت عن مسارها، من خلال استغلال هذا الطرف مظلة "الشرعية" وإمكانياتها لخدمة أهدافه وأجنداته الخاصة، والتلاعب بالمسارات السياسية.
وفي إطار ذلك، يُعتقد أن الحيثيات والمعطيات التي تم رصدها وتسجيلها طوال الأعوام الماضية منذ اندلاع الحرب في 2014، قد أسهمت بشكل مباشر في تأسيس وخلق قناعات كافية على المستويين المحلي والخارجي بشقيه "التحالف والرباعية"، تتمحور جميعها حول ضرورة ايجاد توليفة لقيادة شرعية واقعية جديدة، تقوم مقام القيادة الشرعية السابقة، وتسهم في إعادة تصويب المسار وتوحيد الاتجاهات جميعها في اتجاه واحد. الأمر الذي قاد لتشكيل المجلس الرئاسي الجديد.
المجلس الرئاسي وخيار الحرب الاضطرارية
نرى كخبراء عسكريين، وكمراقبين، بل وحاضرين في عمق الأحداث ومعايشين لها منذ ثلاثة عقود، بأنّ خيار الحرب هو الخيار القائم بنسبة 90٪ وفق تقديراتنا المبنية على ثوابت ومعطيات دقيقة، تؤكّد بأن السلام لا يزال بعيد المنال مع الجماعة الحوثية. عند الحديث عن خيار الحرب، لا يعني ذلك بالضرورة أن يتخذ المجلس الجديد تصعيدا مفتعلا، وإنما يبقى هذا الخيار خاضعاً لما ستقوم به جماعة الحوثي. ولا يوجد ما يدعو للثقة حتى الآن من أنّ الحوثيين سيمضون في التهدئة إلى ما لا نهاية، وخروقاتهم مستمرة منذ اليوم الأول.
لذا، من المتوقع بأن خيار الحسم العسكري سيكون حاضراً في أذهان قيادة وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي، ومن خلفهم قيادة التحالف العربي، ولن يتجاوز ذلك رد الفعل أو عملية الدفاع عن النفس، لأنه لا يوجد ما يمكن البناء عليه حتى الآن للدخول في عملية سلام مستحقة. ولهذا على الأرجح، ستبقى الحرب الخيار الأخير والاضطراري بالنسبة للتحالف ومجلس الرئاسة اليمني. أما بالنسبة لهدنة الشهرين المعلنة من قبل المبعوث الأممي "غروندبرغ"، وبقدر ما تعتبرها إيران فرصة للمناورة، فإنها تتعاطى معها كـ "فرصة مؤقتة" تتاح من خلالها تهيئة الظروف المناسبة لعقد صفقتها مع القوى الدولية، بشأن الملف النووي. بالتوازي، تتعاطى جماعة الحوثي هي الأخرى مع الهدنة، كفرصة لاستعادة قواها وترتيب صفوفها، استعداداً لخوض معارك مستقبلية على أكثر من جبهة، الأمر الذي أكده وزير الخارجية اليمنية منذ أسابيع.
بالمقابل وأمام كل هذه المناورات السياسية، على الأرجح أن التحالف العربي بقيادة السعودية هو الآخر معني بترتيب صفوفه وحلفائه، وفي طليعتها استثماره لهذه الهدنة في تحقيق جمع شتات القوى اليمنية المنضوية في معسكر مناهضة المشروع الحوثي، وتذويب الخلافات البينية التي كانت سبباً رئيسياً لإخفاقات الأعوام الماضية. ومن هنا، يبدو بأن التحالف هو الآخر يسعى للترتيب والتجهيز للمرحلة القادمة من المعركة التي يرى بأنها واردة لا محالة، لاسيما وأنّ كل المؤشرات لا توحي بأن هناك نضجاً ممكناً لمفاهيم السلام لدى جماعة الحوثي، كما يبدو أنّ التحالف لن يذهب إلى أبعد من هذا الاعتقاد، انطلاقاً من المعطيات والحقائق الماثلة على المستوى الدبلوماسي أو على الأرض، والتي يمكن استنباطها من المشهد اليمني والإقليمي، ومن بين أسطر المواقف والتصريحات الحوثية المتشنجة والمناقضة تماماً لدعوات التهدئة والسلام.
ومن هذا المنطلق، تبرز أمام مجلس القيادة الرئاسي مهمة ضرورية للشروع باتخاذ الاجراءات والقرارات المدروسة، لترتيب صفوفه وفق خطة عسكرية موحدة ومرتبطة برأس قيادي وعملياتي واحد، وتنسجم مع ما تتطلبه المرحلة الحالية والمراحل القادمة. مع تحاشي الوقوف عند نقاط ثانوية، وكذلك دون السماح بخلق عوائق أو عراقيل تعيق عملية الترتيب والاستعداد المطلوب لرفع جاهزية هذه القوى وتعزيز انسجامها العملياتي والقتالي.
سيناريوهات متوقعة للمعركة
هناك سيناريوهات عدة إذا ما تم اللجوء لخيار الحسم العسكري على المدى القريب في اليمن، وجميع السيناريوهات حوثية بامتياز. ونستعرض منها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:
السيناريو الأول:
اختلاق جماعة الحوثي لمبررات كيدية غير واقعية للحديث عن قيام الجيش والقوى العسكرية المناهضة لها بخروقات معينة، وبما يتيح للحوثيين شنّ عملية عسكرية استباقية باتجاه أهداف استراتيجية محددة مُسبقاً، مستغلين التزام الأطراف الاخرى بالهدنة، وهو ما سيجعل الحوثيين يذهبون عسكرياً إلى أبعد مدى يمكن أن يتحقق لهم من هذه العملية.
السيناريو الثاني:
قيام الحوثيين بشن عملية عسكرية استطلاعية "استكشافية"، الهدف منها قراءة ردود الفعل التي ستصدر عن التحالف والسلطة اليمنية الجديدة ممثلة بالمجلس الرئاسي، أمام عملية كهذه، وسيعد الحوثي نفسه لهذه المعركة على احتمالين اثنين:
الاحتمال الأول: الرد على عمليته العسكرية برد فعل قوي وحازم وسريع من قبل التحالف والقوى العسكرية التابعة للمجلس الرئاسي. وفي هذه الحالة، يمكن للحوثي أن يبقي سماعة الخط الساخن مرفوعة للتواصل الفوري مع الأمم المتحدة ومبعوثها، والاستنجاد بهم للترتيب والعودة إلى الهدنة بعد أيام من إطلاق معركته، واعتبار ما جرى بأنه تصرف انفرادي. وسيكون لهذا الاحتمال تبعات على جماعة الحوثي أهمها اقتناع قياداته المتشددة بأن تحقيق أي مكاسب بالخيار العسكري قد أصبح من الماضي، وأن الانخراط في عملية التفاوض بالمعطيات الحالية هو أفضل الخيارات لضمان مستقبل الجماعة.
الاحتمال الثاني: تعاطي التحالف والمجلس الرئاسي مع التصعيد الحوثي، بفوضى ناتجه عن عدم الاستعداد اللازم والمسبق، وظهورهم مشتتين وغير جاهزين لمواجهة هذه العملية الحوثية، وهذا سيجعل الحوثي يتمادى في عمليته وسيتجه لتحويلها من عملية عسكرية استكشافية إلى عملية عسكرية فعلية ومستمرة، لتحقيق ما يمكن تحقيقه من مكاسب عملياتية. إلى جانب أنها ستؤدي إلى انهيار الثقة الشعبية بالمجلس الرئاسي، وستعصف كذلك بالآمال المعقودة عليه، وفي هذه الحالة، لن يجد الحوثي ما يعجزه عن إقناع الأمم المتحدة والهيئات الدولية بأنه اضطر لخوض هذه العملية للرد على خروقات أو هجمات للطرف الآخر، وسيحشد لها الحوثيون من المبررات والدواعي الكيدية، ما يجعلها تظهر وكأنها معركة الضرورة أمام تحركات باقي الأطراف.
وفي كل الأحوال، فإنّ الهدف الأهم الذي يسعى الحوثيون إلى تحقيقه من عملية كهذه، هو التوصل إلى بيانات ومعلومات ونتائج مهمة من هذه العملية، منها معرفة مدى ترتيبات خصومهم في المجلس الرئاسي، ومستوى انسجامهم وتفاهماتهم. وستؤدي عملية كهذه إلى إبراز أي تباينات أو اختلافات ظلت سرية وغير معلنة بين قوى مجلس القيادة الرئاسي، وهذا بحد ذاته هدفاً استخباراتياً في طليعة أهداف العملية الحوثية المتوقعة.
لذا، يتعين على مجلس القيادة الرئاسي أن ينطلق بشكل سريع نحو عملية الإصلاح في مختلف مؤسسات وهيئات وأجهزة الدولة، بما في ذلك المؤسسة العسكرية، لضمان مواجهة أي مخاطر محتملة في المستقبل القريب.
وضاح العوبلي
محلل وخبير عسكري (الآراء الواردة في هذه المقالة تعكس رأي المؤلف)
- الصورة: جندي من جنوب اليمن على متن عربة عسكرية (الجزيرة)
قبل 3 أشهر