التقارير الخاصة

مشاركة القوات الجنوبية في تحرير شبوة: الدوافع والضمانات

31-10-2021 الساعة 2 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol language-symbol

سوث24| شبوة


تزامناً مع انسحاب قوات "للتحالف العربي"، الذي تقوده السعودية من محافظة شبوة، جنوب اليمن، كثر الحديث عن "اتفاق" لمشاركة القوات الجنوبية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، في معارك تحرير مديريات بيحان الثلاث غرب المحافظة. 


وكانت "جماعة الحوثي" قد استولت على المديريات الثلاث دون قتال في سبتمبر الماضي، وهو ما يضع تساؤلات حول مدى إمكانية مشاركة القوات الجنوبية في القتال، والدوافع المحتملة لذلك، وماهية الضمانات التي يُمكن أن تطرح لمثل هذه المشاركة.


وتشهد شبوة تطورات مُتسارعة بدأت باستيلاء "جماعة الحوثي" المَدعومة من إيران على مديريتي (بيحان العليا – عين)، وأجزاء واسعة من مديرية (عُسيلان)، في 21 أكتوبر الماضي، دون قتال وفي غضون ساعات. (1)


واُتهمت القوات الحكومية الموالية لحزب "الإصلاح" الإسلامي (فرع الإخوان المسلمين باليمن) بتسليم المديريات الثلاث للحوثيين، وهو ما تسبب في موجة انشقاقات في صفوف هذه القوات المُنقسمة بالأصل، بالإضافة لاندلاع حراك شعبي وقبلي واسع يدعو لعودة قوات "النخبة الشبوانية" ومحاسبة سلطات شبوة و"قوات الإصلاح"، و"تحرير" المديريات من الحوثيين.


ووفقاً لمصادر سياسية لـ "سوث24"، غادرت القوات الإماراتية العاملة ضمن التحالف بقيادة السعودية، فجر الثلاثاء الماضي، من معسكر "العلم" بمديرية جردان بشبوة. وطبقاً للمصدر، غادرت قوات سعودية أيضا مطار عتق بصورة مُفاجئة، بعد معلومات عن هجمات محتملة على مواقع لقوات التحالف العربي بالمحافظة.


وحاصرت قوات موالية لحزب "الإصلاح" معسكر العلم بعد رفض جنود النخبة الشبوانية تسليمه، لثلاثة أيام متتالية. 


وتصدَّى جنود النخبة مسنودين بمقاتلين من القبائل لهجوم على المعسكر بالأسلحة المتوسطة، الخميس. قبل أن تتمكن قوات السلطة المحلية من السيطرة على المعسكر، صباح السبت، وفقاً لمصادر ميدانية لـ "سوث24"، بعد هجوم بالدبابات.


وقالت مصادر إعلامية محلية، أنّ جنديا من القوات الموالية للإصلاح، قُتل وأصيب اثنين آخرون، فيما أصيب جندي من النخبة الشبوانية على الأقل في الهجوم.


إلى ذلك، دعا مجلس الوزراء إلى إيقاف أي أعمال تصعيدية في شبوة والمحافظات الأخرى، وتوحيد الجهود وتركيزها على المعركة المصيرية المتمثلة بمواجهة "مليشيا الحوثي".


وتأتي هذه التطورات في ظل تقدم حوثي واسع في محافظة مأرب المجاورة، حيث كانت الجماعة قد أعلنت إتمام سيطرتها على أكثر من 11 مديرية في المحافظة من أصل 14، كان آخرها مديريتي "جبل مراد – الجوبة"، فيما تواصل الجماعة زحفها على مدينة مأرب، عاصمة المحافظة، التي تضم حقول الغاز، رغم الطلعات الجوية المستمرة لطيران التحالف، ومقاومة القبائل. 


سبب الانسحاب


لم تتضح، رسميا، بعد خلفيات ودوافع مغادرة قوات التحالف العربي لمحافظة شبوة، فيما إذا كانت في إطار روتيني للتموضع أو التبديل، أو لتطورات جوهرية في المشهد السياسي والعسكري. 


إلا أنَّ مراقبين يشيرون إلى أنّ الاتهامات المتزايدة للسلطة المحلية بالتواطئ مع الحوثيين في تسليم مديريات بيحان، عزَّزت عدم الثقة بينها وبين التحالف الذي تقوده السعودية. 


فيما قال مسؤولون بالسلطة المحلية بشبوة أنّ انسحاب القوات الإماراتية كان ضمن اتفاق لمغادرتها المعسكر، أجري بوساطة سعودية قبل شهرين. 


مستشار الشؤون العسكرية في مركز "سوث24" للأخبار والدراسات، والخبير العسكري، عميد ركن ثابت حسين صالح، اعتبر أنّ دوافع الانسحابات قد تختلف من السعودية إلى الإمارات.


وقال صالح: "صحيح أنَّ كل قوات التحالف العربي في اليمن تعمل تحت قيادة السعودية، وتنسّق معها في كل شاردة وواردة، إلا أنَّه لكل دولة ولقواتها ظروفها الخاصة والمُتميزة".


ووفقا لصالح قد يكون الانسحاب "رسالة تعبّر عن انعدام الثقة والأمان بين القوات السعودية وسلطة شبوة الموالية للإخوان المسلمين".


لكنه أيضا لم يستبعد أنّ يكون "لهذه الخطوة علاقة بمحاولات السعودية إبداء مزيد من المرونة وحسن النوايا لإنجاح مسار المفاوضات مع إيران، التي ترعاها العراق وتعمل من أجلها عُمان، وتباركها الولايات المتحدة". وهذا ينطبق، وفقا لصالح، أيضاً على الأنباء حول سحب قوات سعودية من محافظة المهرة المحاذية لسلطنة عُمان.


أما بالنسبة لانسحاب القوات الإماراتية من معسكر العلم، علّل العميد صالح ذلك لوجود "مخاطر أمنية جدية تواجهها هذه القوات، بالنظر إلى السياسة العدائية وحملة التحريض العنيفة لسلطة شبوة ضدَّ الإمارات كدولة، وتجاه قواتها المُشاركة في التحالف بشكل خاص".


ويعتبر العميد صالح أنَّه بالمحصلة النهائية، يكون التحالف العربي قد رفع غطاءه عن حماية سلطات شبوة وممارساتها تجاه أبناء المحافظة، وهو ما يجعل الكرة في ملعب أبناء شبوة أولاً والجنوبيين عامة، بعد انكشاف ما وصفه بـ "التخادم" بين الحوثيين وحزب الإصلاح.


دوافع المشاركة


في منتصف سبتمبر الماضي، أعلن رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، اللواء عيدروس الزُبيدي، حالة الطوارئ في جنوب اليمن، والاستنفار والتعبئة العامة "للدفاع عن الجنوب".


إعلان حالة الطوارئ والتعبئة مثَّل – وفقاُ لمراقبين وخبراء – إشارات مُبكرة عن اعتزام الانتقالي المٌسيطر على عدن والمحافظات المجاورة التدخل العسكري في محافظة شبوة، خصوصاً أنَّه أتى تزامناً مع تقدم الحوثيين المدعومين من إيران في المحافظة الجنوبية الغنية بالنفط.


اقرأ أيضاً: جنوب اليمن: سقوط «مديريات بيحان» بيد الحوثيين، الأسباب والنتائج


واعتبر المراقبون "انعدام الثقة" بين المجلس الانتقالي والقوات الحكومية الموالية لـ "الإصلاح" في شبوة، بالإضافة للاتهامات والدلائل المُتزايدة عن حدوث "تواطئ" من قٍبل هذه القوات تجاه الحوثيين، أكبر الدوافع والأسباب التي قد تجعل الانتقالي يلجأ للخيار العسكري.


وطبقاً للمراقبين، من المُحتمل أن يُشكَّل اقتحام "مُعسكر العلم" من قٍبل القوات الحكومية دافعاً إضافياً للانتقالي الساعي لاستقلال وعودة دولة جنوب اليمن للتدخل عسكرياً في شبوة، في ظل التوجس من سيناريو مُشابه لما حدث في "العلم" في مُنشأة "بلحاف" الغازية.


وأفاد مصدر عسكري رفيع في القوات الجنوبية لـ "سوث24" أنَّ القيادة العسكرية الجنوبية "تتدارس التطورات المتسارعة الأخيرة، والخيارات مفتوحة".


الضمانات


لكنَّ خبراء يرون أنّ مشاركة القوات الجنوبية في القتال بشبوة مرتبطة بضمانات وتفاهمات مع الجانب الحكومي.


وفي هذا الصدد قال المحلل العسكري، العميد محمد جواس العدني لـ "سوث24" أنّ "التدخل العسكري للمجلس الانتقالي في شبوة غير وارد في ظل عدم وجود اتفاق أو تفاهمات مع القوات الحكومية".


وأشار جواس إلى أنه "لا توجد أيَّ ضمانات للقوات الجنوبية للمشاركة في معركة تحرير مديريات بيحان في شبوة". وحتى يتم ذلك "لا بد أن يُقطع شوط كبير في تنفيذ الشق العسكري والأمني من اتفاق الرياض".


مُتعلّق: انعكاسات سقوط مأرب بيد الحوثيين على اتفاق الرياض


وعن التهديدات التي يشكلها الحوثيون على شبوة، أشار العميد جواس إلى أنَّ الجماعة "من الممُكن أن تتقدَّم بسهولة إلى عاصمة شبوة، عتق". مؤكَّداً أنَّه "لا بد أن تتفق القوات الحكومية مع قوات المجلس الانتقالي على صياغة نوع من الميثاق، وأن يشتركوا معاً".


وأوضح العميد جواس أنَّه "من غير الممُكن أن تُقدم قوات الانتقالي باتجاه شبوة مع بقاء القوات الحكومية في منطقة شقرة بأبين، وبين شبوة وأبين". واعتبر جواس أنَّ شيء كهذا "لا يُمكن أن يصنع أي ثقة بين الطرفين اللذين اقتتلا سابقاً ويجمعهما اتفاق الرياض".


وحذَّر جواس من الإقدام على "حرب استباقية" قد تشنَّها القوات الجنوبية ضدَّ القوات الحكومية. ولفت إلى أنَّ "الحكومة اليمنية لم تقدَّم إلى الآن أي ضمانات للمجلس الانتقالي، الذي يُدفع دفعاً لقتال القوات الحكومية بوصفها حجر عثرة أمام طريقه لشبوة".


مصير القوات الموالية لـ "الإصلاح"


في أغسطس 2019، سيطرت قوات عسكرية مُدعمة بعناصر قبلية قادمة من محافظتي مأرب والجوف الشماليتين على محافظة شبوة، بعد معارك محدودة مع قوات "النخبة الشبوانية" التي انسحبت من المحافظة إلى عدن والمكلا، ولم يتبقَ سوى وحدات منها في منشأة "بلحاف"، إلى جانب القوات الإماراتية.


وبعد توقيع اتفاق الرياض بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة اليمنية في نوفمبر من ذات العام، كان من المُفترض أن تعود القوات الحكومية إلى ثكناتها في محافظتي مأرب والجوف، وانتشار النخبة الشبوانية مجدداً، وهو ما نص عليه الشق العسكري من اتفاق الرياض.


ولكنَ معارك عنيفة دارت بين طرفي الاتفاق على مدى الأشهر اللاحقة عرقلت تنفيذ الاتفاق، فيما اتهم المجلس الانتقالي الجنوبي حزب الإصلاح وشخصيات في الرئاسة اليمنية، على رأسها نائب الرئيس اليمني، علي محسن الأحمر، بمحاولة تعطيله وإفشاله لأجل بقاء القوات الموالية لهذه الأطراف في شبوة، ووادي حضرموت الذي تتمركز فيه منذ وقت أبكر بكثير.


وبرزت بوضوح انقسامات في صفوف القوات الحكومية في شبوة، نتج عنها جولات من المواجهات، في يوليو الماضي، بين قوات الأمن العام بالمحافظة، بقيادة عوض الدحبول، و"القوات الخاصة"، بقيادة عبد ربه لعكب، المُتهم بارتباطاته مع جماعة الحوثيين. (2)


وعزى محللون هذه الاشتباكات التي خلّفت قتلى وجرحى إلى الصراع بين أجنحة الشرعية اليمنية برئاسة عبد ربه منصور هادي.


وبعد سقوط مديريات بيحان بيد الحوثيين، أضحت الانقسامات في صفوف هذه القوات أوسع، وأعلن عدد من الضباط البارزين انشقاقهم، متهمين سلطة شبوة بعقد "صفقة تسليم واستلام" مع جماعة الحوثي، و"التآمر على السعودية".


ومن هؤلاء الضباط، العميد علي الكُليبي (3)، قائد اللواء 19 مشاة سابقاً، العقيد عاتق الأسلمي (4)، ركن استطلاع اللواء 30 مشاة في عتق، العقيد ناصر النسي (5)، مدير مكتب قائد محور عتق، كما بثت فرقة من ضباط محور عتق كلمة مصورة أعلنت فيها انشقاقها. (6)


وعقب هجوم للقوات الحكومية في شبوة على مخيم اعتصام سلمي في مديرية رضوم (7)، الأحد 24 الماضي، أعلن ضباط من القوات الخاصة، التي يقودها عبد ربه لعكب، انشقاقهم عنه. (8)


وتجدر الإشارة إلى أنّ تنامي الغضب الشعبي ضدَّ القوات الحكومية في شبوة، حيث يتهمها شيوخ قبليون بارزون بمحاولة إعادة الثارات التي كادت أن تندثر في عهد النخبة الشبوانية. وشهدت المحافظة بالفعل نزاعات قبلية على مدى العامين الأخيرين، اُستعملت فيها كل أنواع الأسلحة وخلَّفت قتلى وجرحى، دون تدخل من القوات الحكومية، وفقاً لمصادر محلية.


وأشارت تقارير إلى علاقة القوات الحكومية بعناصر من تنظيم القاعدة المُتطرف. ومنذ سيطرتها على شبوة عام 2019، شنَّت طائرات بدون طيار، يُعتقد أنَّها أميركية، عشرات الغارات التي استهدفت عناصر مُتطرفة منتمية للتنظيم، وقعت بعض هذه الغارات في نطاق السيطرة الأمنية للقوات الحكومية.


اقرأ أيضاً: عامان منذ سيطرة الإصلاح على محافظة شبوة.. ما الذي تغيّر؟


ووفقاً لمراقبين، قد تدفع هذه الارتباطات بمزيد من الرغبة الإقليمية والدولية لإنهاء سيطرة القوات الحكومية الموالية لحزب "الإصلاح" الإسلامي على شبوة، وإحلال النخبة الشبوانية التي لها سجل حافل في مكافحة القاعدة بين عامي 2018 – 2019. وقد أشار تقرير الخارجية الأميركية عن الإرهاب بالفعل عام 2019 إلى أنَّ "المكاسب ضدَّ الإرهاب تراجعت بحل النخبة الشبوانية. (9)


وبغض النظر عن النتيجة التي ستقود لها المعركة مع الحوثيين في شبوة، إلا أنّ المخاوف الأكبر تتركز في تجدد المواجهة بين القوات الجنوبية والقوات الحكومية الموالية للإصلاح، خصوصا وأنّ هذه القوات لا تزال تحظى باعتراف السلطات الرسمية المقيمة في الرياض.


يعقوب السفياني      

صحفي ومعد تقارير لدى مركز سوث24 للأخبار والدراسات 


- الصورة: معسكر العلم بعد سيطرة قوات موالية للإصلاح عليه صباح السبت، 30 أكتوبر 2021 (المصدر أون لاين)


شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا