عدن: إحباط تهريب شحنة كوكايين من البرازيل إلى الحوثيين وضبطها داخل أكياس سكر – 23 أغسطس 2025 (إعلام جهاز مكافحة الإرهاب).
Last updated on: 16-09-2025 at 3 PM Aden Time
|
"جماعة الحوثيين تحاول استنساخ النموذج السوري–اللبناني في الأراضي اليمنية، وهو ما يمثل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي لعدن والجنوب.."
مركز سوث24| عبد الله الشادلي
تشهد اليمن منذ أشهر تصاعدًا مقلقًا في أنشطة تهريب وتصنيع المخدرات، لم يعد بالإمكان وصفه بحوادث متفرقة أو تجارة عابرة. فالكميات الضخمة المضبوطة، واكتشاف أول مصنع متكامل لإنتاج الكبتاجون والشبو داخل البلاد، تكشف عن تحول نوعي يجعل اليمن مركزًا ناشئًا. هذا التحول يوازي – في بنيته وخطورته – التجربة التي رسّخها نظام الأسد وحزب الله في سوريا ولبنان خلال العقد الماضي، قبل أن تتعرض منظومتيهما لضربات أمنية وعسكرية حدّت من قدرتها على الاستمرار.
ومع تزايد الأدلة على تورط جماعة الحوثيين، تطرح تساؤلات استراتيجية حول طبيعة المشروع القائم وخلفياته. حيث يبدو أنه يتجاوز البعد الاقتصادي السريع المتمثل في تمويل الحرب، ليصبح أداة سياسية وأمنية تهدف إلى إغراق المجتمعات بالمخدرات، وزعزعة الاستقرار الإقليمي، وخلق شبكات نفوذ جديدة.
ولعل الموجة الأخيرة من الضبطيات الأمنية في محافظات الجنوب، بين يونيو وسبتمبر 2025، تمثل الدليل الأبرز على هذا التحول. فقد رصدت السلطات شحنات غير مسبوقة من الكبتاجون والشبو والكوكايين والحشيش، بعضها مخبأ بطرق معقدة، وأخرى مُنتجة محليًا داخل معامل مرتبطة بالحوثيين.
أرقام وضبطيات
كشفت الأشهر الماضية عن سلسلة من العمليات الأمنية التي مثّلت تحوّلًا نوعيًا في مشهد المخدرات داخل اليمن. ففي الرابع من سبتمبر، أعلنت الأجهزة الأمنية في المهرة ضبط أول مصنع متكامل لإنتاج الكبتاجون والشبو، بقدرة إنتاجية تقدَّر بنحو 45 ألف حبة في الساعة، تديره شبكة مرتبطة بالحوثيين تضم يمنيين وعربًا.
شرطة المهرة تحبط إنشاء مصنع كبتاجون وشبو وتضبط مختبر حديث وستة متهمين (الإعلام الأمني – 4 سبتمبر 2025)
وفي أواخر أغسطس، ضبطت السلطات في عدن 599 كيلوجرامًا من الكوكايين النقي مخبأً في شحنة سكر قادمة من البرازيل ومتجهة إلى مناطق الحوثيين، فيما أتلفت النيابة الجزائية خلال الفترة ذاتها أكثر من 657 كيلوجرامًا من المخدرات المضبوطة في عمليات متفرقة.
أما في يونيو، فقد أحبطت سلطات الحدود محاولة تهريب نحو 1.5 مليون قرص مخدر من صنعاء باتجاه السعودية عبر منفذ الوديعة البري، فيما شهدت محافظات لحج وعدن والبحر الأحمر ضبطيات أخرى شملت كميات كبيرة من الحشيش والشبو والهيروين.
الجدول المرفق يوضح حجم هذه الضبطيات، التي بلغت في مجملها أكثر من 2.4 مليون قرص مخدر وما يقارب طنين ونصف من المواد الصلبة، موزعة بين الحشيش، والشبو، والكوكايين، والهيروين.
|
||||||
الرقم |
تاريخ الإعلان
عن الضبطية |
الصنف
الرئيسي |
الكمية
(أقراص) |
الكمية (كجم) |
المصدر |
مكان الضبط |
1 |
أقراص
مخدرة + حشيش + شبو |
1,546,798 |
504 |
مدينة صنعاء |
منفذ
الوديعة البري |
|
2 |
أقراص بريجابالين |
646,290 |
- |
تهريب
ساحلي |
العاصمة عدن |
|
3 |
حشيش |
- |
500 |
تهريب ساحلي |
محافظة
لحج |
|
4 |
شبو +
هيروين + حشيش |
- |
447 |
تهريب
ساحلي |
محافظة
لحج |
|
5 |
كبتاجون |
13,750 |
- |
صنعاء |
منفذ الوديعة البري |
|
6 |
كبتاجون |
15,920 |
- |
مناطق
الحوثيين |
منفذ الوديعة البري |
|
7 |
كوكايين
نقي |
- |
599 |
شحنة
قادمة من الخارج [البرازيل] |
العاصمة عدن |
|
8 |
كبتاجون |
150,000 |
- |
تهريب ساحلي |
محافظة لحج |
|
8 |
بريجابالين |
28,500 |
- |
تهريب
ساحلي |
محافظة
لحج |
|
9 |
مصنع
كبتاجون وشبو |
- |
- |
-- |
محافظة
المهرة |
|
10 |
شبو |
- |
432 |
تهريب ساحلي |
البحر
الأحمر (المخا) |
|
الإجمالي |
2,401,258 |
2.48 طن |
|
|
التحول في الصناعة
يرى خبراء ومسؤولون تحدّثوا لمركز سوث24 أن انهيار منظومة تجارة المخدرات التي رعاها نظام الأسد في سوريا وحزب الله في لبنان، دفع إلى البحث عن بدائل. وبفعل هشاشة الوضع الأمني والموقع الجغرافي الاستراتيجي المطل على البحر الأحمر وخليج عدن وباب المندب، تحوّل اليمن إلى بيئة مثالية لإعادة توطين هذه الصناعة.
في هذا السياق، أوضح مدير عام مكافحة المخدرات في اليمن، العميد عبد الله لحمدي، أن ما يجري "لم يعد مجرد تهريب عابر، بل مشروع منظم لإغراق المنطقة بالمخدرات، تُديره ميليشيا الحوثي بدعم مباشر من النظام الإيراني". وأضاف في تصريحه لمركز سوث24 أن الضبطيات الأخيرة "عكست تحولًا نوعيًا في أساليب التهريب والتصنيع، خصوصًا بعد اكتشاف أول مصنع متكامل للكبتاجون في المهرة".
وأشار لحمدي إلى أن العملية الأمنية هناك "استمرت أسبوعًا كاملًا من الرصد، وأسفرت عن ضبط ستة يمنيين على صلة بالحوثيين، إلى جانب خبراء عرب سبق القبض عليهم في عدن والمهرة"، لافتًا إلى تقارير مؤكدة عن "وجود مصانع نشطة للمخدرات داخل مناطق الحوثيين"، ما جعل اليمن "وجهة رئيسية لعصابات إنتاج وتهريب المخدرات بعد انحسار نشاطها في سوريا ولبنان".
من جانبه، كشف مدير أمن عدن، اللواء مطهر الشعيبي، عن توقيف المتهم السوري علي حسن الأحمد، المعروف بـ "أبو حسن"، المرتبط بنشاط مصانع المخدرات في المهرة والمحويت. وأوضح أن التحقيقات "كشفت عن مصنع لإنتاج الكبتاجون في المحويت يُدار على غرار التجربة التي ورثها الحوثيون من نظام الأسد".
وأضاف الشعيبي في تصريح لمركز سوث24 أن الجماعة "تحاول استنساخ النموذج السوري–اللبناني في الأراضي اليمنية، وهو ما يمثل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي". وأكد أن المخدرات القادمة من مناطق الحوثيين "تنتشر بشكل غير مسبوق بين الشباب في عدن ومناطق جنوبية أخرى"، مشيرًا إلى إحالة كثير من الحالات إلى العلاج أو القضاء.
قوات الحزام الأمني بعدن تضبط 646 ألف حبة "بريجابالين" (المصدر: إعلام الحزام الأمني – 24 يونيو 2025).
كما تحدث الشعيبي عن جهود مكثفة للتنسيق مع الأجهزة الأمنية والعسكرية في مناطق سيطرة الحكومة، بما في ذلك قوات الحزام الأمني وجهاز مكافحة الإرهاب، إلى جانب التعاون مع النيابة والقضاء. لكنه شدد في الوقت نفسه على "تحديات كبيرة تواجه هذه الجهود، خصوصًا فيما يتعلق بالتهريب عبر المنافذ البرية والبحرية، والتي غالبًا ما تتقاطع مع عمليات تهريب أسلحة وبشر من القرن الإفريقي أو من مناطق الحوثيين".
مسارات التهريب
تتنوع طرق تهريب المخدرات عبر اليمن بشكل يعكس حجم الشبكات المنظمة. بعض الشحنات تأتي من الخارج، كما حدث مع الكوكايين القادم من البرازيل عبر ميناء عدن، بينما يتم إنتاج كميات أخرى محلياً في مصانع داخلية، مثل المصنع الذي تم ضبطه في المهرة، أو المصنع المفترض في محافظة المحويت بشمال اليمن.
العميد لحمدي أوضح أن "أغلب هذه الكميات كانت موجهة إلى دول الجوار، خصوصاً السعودية ومصر"، مؤكداً أن "اليمن بات هدفاً رئيسياً لتحويله إلى ممر ومصنع لهذه السموم".
بدوره، أكد اللواء الشعيبي أن طرق التهريب الرئيسية تشمل البحر الأحمر، وباب المندب، والمنافذ البرية باتجاه السعودية، وغالباً ما تمر عبر قواطر شحن مدنية أو قوارب صيد. وقال: "اكتشفنا عبر التحقيقات أن كثيراً من هذه الشحنات يتم تمريرها من سلطنة عمان مروراً بالمهرة، قبل أن تصل إلى أسواق السعودية ودول أخرى".
الحملة الأمنية المشتركة في لحج تضبط قاربًا قرب باب المندب يحمل 150 ألف حبة كبتاجون وتعتقل 3 مهربين (26 أغسطس 2025)
أهداف الحوثيين
الخبير في شؤون الجماعات المسلحة، د. سعيد الجمحي، يرى أن ارتباط الحوثيين بشبكات المخدرات "لم يعد مجرد افتراضات أو تكهنات، بل أصبح حقيقة ملموسة". وأوضح أن الجماعة، مثل غيرها من التنظيمات الإرهابية، "تستخدم أي وسيلة لتحقيق أهدافها العسكرية والسياسية، بما في ذلك المخدرات".
وأضاف الجمحي لمركز سوث24 أن الحوثيين استغلوا الفوضى الأمنية والاقتصادية لتحويل اليمن إلى "سوق مفتوحة للمخدرات، تُباع فيها بأرخص الأسعار، لتسهيل انتشارها بين الشباب وتجنيدهم". وأشار إلى أن شبكات التهريب تنطلق بالأساس من طهران، وتصل إلى اليمن عبر قنوات يديرها قياديون نافذون في الجماعة، مؤكداً أن هذه العصابات "تعمل تحت حماية مباشرة من الحوثيين".
ولفت الجمحي أن تجارة المخدرات تحولت بالنسبة للجماعة إلى "مصدر رئيسي للثراء السريع"، وأن الأموال الناتجة عنها مكنتهم من "استقطاب آلاف المجندين، بينهم شباب ونساء وأطفال، وزجّهم في جبهات القتال".
المخاطر والتداعيات
لا تقتصر آثار هذه التجارة على الجوانب الأمنية والاقتصادية فحسب، بل تمتد إلى تهديد النسيج الاجتماعي اليمني. العميد لحمدي أكد أن "انتشار المخدرات يهدد المجتمع من الداخل، ويرفع معدلات الإدمان والجريمة، ويخلق تحديات إضافية أمام الدولة والمجتمع".
اللواء الشعيبي أشار من جانبه إلى أن "الأجهزة الأمنية ضبطت العديد من الحالات في مديريات عدن المختلفة، وهو مؤشر خطير على مدى تغلغل هذه السموم في المجتمع". وأضاف أن هذا الانتشار "يمثل مخططاً يستهدف استقرار الجنوب، ويضر بالعلاقات اليمنية – الخليجية، خصوصاً أن السعودية ومصر من أبرز المستهدفين بعمليات التهريب".
أما الجمحي، فحذر من أن هذه التجارة "تعزز النفوذ الإقليمي للحوثيين وتمنحهم شبكة نفوذ مرتبطة بمحور إيران، بما يهدد الأمن القومي العربي برمته".
ورغم خطورة التحدي، تبذل الأجهزة الأمنية جهوداً متصاعدة لمواجهته. العميد لحمدي أكد أن الوزارة "ستواجه هذه المخاطر بكل حزم، عبر تكثيف التنسيق الأمني والعسكري، وتعزيز التعاون مع شركائنا في دول الجوار".
عملية إتلاف للمخدرات المضبوطة في منفذ الوديعة البري بين اليمن والسعودية (وكالة سبأ)
وشدد اللواء الشعيبي على الحاجة إلى "دعم أكبر من حيث المعدات والتقنيات الحديثة، بما في ذلك أجهزة كشف وتحليل متطورة، وطائرات مسيرة لرصد تحركات المهربين". وأكد أن مواجهة الظاهرة "ليست أمنية فقط، بل تحتاج إلى تضافر جهود الأسرة والمجتمع المدني والإعلام".
في حين أشار الجمحي إلى أن "الفشل في احتواء هذه الظاهرة سيعني ترك اليمن رهينة بيد شبكة دولية مرتبطة بالحوثيين وإيران، وهو ما سيضاعف التحديات الأمنية والاقتصادية على المدى الطويل".
تكشف الضبطيات الأمنية الأخيرة وما رافقها من معلومات استخباراتية عن ملامح تحوّل نوعي في مشهد المخدرات داخل اليمن. فالمؤشرات المتزايدة على تورط الحوثيين، وارتباطهم بشبكات إقليمية مدعومة من إيران، تضع البلاد أمام واقع جديد يذكّر بالتجربة التي شهدتها سوريا ولبنان في العقد الماضي.
غير أن خصوصية السياق اليمني، بما يحمله من هشاشة أمنية واتساع جغرافي ومنافذ مفتوحة، تجعل من هذه الظاهرة أكثر تعقيدًا وأوسع نطاقًا.
وعليه، يظل السؤال مطروحًا بجدية: هل ورث الحوثيون صناعة المخدرات من نظام الأسد وحزب الله، أم أنهم بصدد تطوير نسختهم الخاصة منها داخل اليمن؟ الإجابة النهائية قد تحتاج إلى مزيد من الوقت والأدلة، لكن المؤكد أن استمرار هذه الصناعة دون مواجهة فعالة سيضاعف التحديات الأمنية والاجتماعية والاقتصادية في اليمن والمنطقة على حد سواء.