التقارير الخاصة

تجدد هجمات الحوثيين ضد السفن التجارية، لماذا الآن؟

لقطة تظهر غرق السفينة إتيرنتي سي قبالة السواحل اليمنية، إعلام الحوثيين (8 يوليو 2025)

Last updated on: 16-07-2025 at 11 PM Aden Time

"تجدد هجمات الحوثيين ضد السفن التجارية جاء قبل زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى السعودية، ووسط لقاءات أمريكية–إسرائيلية على مستوى رفيع، في توقيت مقصود.."

مركز سوث24 | عبد الله الشادلي


في يوليو الراهن، نفذت جماعة الحوثيين في اليمن هجمات عنيفة ضد سفن تجارية في البحر الأحمر، باستخدام زوارق مفخخة وصواريخ موجهة وطائرات مسيّرة، ما أدى إلى غرق السفينة "MV Magic Seas" في 6 يوليو، تلتها "MV Eternity C" في 8 يوليو، ومقتل أربعة من أفراد طاقمها، إلى جانب إصابات وفقدان أكثر من 15 شخصًا، بحسب الأمم المتحدة. 


ووفقًا لتصريحات رسمية صادرة عن السفارة الأمريكية لدى اليمن، فقد اتهمت واشنطن الحوثيين باختطاف عدد من أفراد الطاقم الناجين من سفينة Eternity C، بعد الهجوم، ما يمثل تطورًا خطيرًا في طبيعة العمليات.


هذه العودة المفاجئة، بعد توقف دام منذ نوفمبر 2024، أثارت تساؤلات جوهرية حول الدوافع الحقيقية وراء استئناف الحوثيين الحملة البحرية التي بدأت في نوفمبر 2023. ففي حين تصر الجماعة على ربط عملياتها بما تسميه "نُصرة لغزة"، يرى مراقبون أن التوقيت والسياق الإقليمي، والعودة المفاجئة، قد تحمل تفسيرات أخرى.


وفي هذا التقرير، ذهب خبراء ومحللون إلى أن التصعيد الأخير ليس مجرد رد فعل على استمرار الحرب الإسرائيلية في غزة، بل يرجح أنه جزء من استراتيجية مدروسة تُنفذ بإيعاز مباشر من طهران، في إطار معادلة انتقام إقليمي متعدد الأذرع بعد جولة التصعيد العسكري غير المسبوق بين إسرائيل وإيران بين 13 – 24 يونيو الماضي. التي أدت لمقتل عدد كبير من القادة العسكريين الإيرانيين والعلماء النوويين، وقصف على المنشآت النووية بمشاركة أمريكية.


 ووسط هذا التصعيد، تتزايد المخاوف من أن تتحول اليمن من جديد إلى ساحة صراع بالوكالة، تُستخدم فيها أوراق الضغط البحري لتعزيز شروط التفاوض النووي المحتمل بين إيران من جهة وإسرائيل والولايات المتحدة من جهة أخرى، أو كأدوات رد على الخصوم، في معادلة تهدد بنسف ما تبقى من مسار السلام للأزمة اليمنية المستمرة منذ أكثر من عقد، وتفتح أبوابًا جديدة للفوضى.


توقف الهجمات


منذ الهجوم الحوثي على السفينة التركية التي تحمل اسم Anadolu S في البحر الأحمر، في 19 نوفمبر 2024، سجلت المياه الإقليمية في البحر الأحمر وخليج عدن فترة غير معتادة من الهدوء، مع توقف جماعة الحوثيين عن تنفيذ هجمات بحرية رغم استمرار الحرب في غزة، وتواصل الضربات الجوية الأمريكية والإسرائيلية على موانئ الحديدة ومواقع أخرى مرتبطة بالحوثيين.


اقتصرت عمليات الحوثيين في ديسمبر 2024 وما بعد هذا التاريخ على مهاجمة أهداف عسكرية أمريكية في البحر الأحمر من بينها حاملة الطائرات ترومان، وكذلك مهاجمة أهداف إسرائيلية بالصواريخ. وفي 19 يناير 2025، ومع الإعلان عن اتفاق لوقف إطلاق النار بغزة، أعلن الحوثيون في اليوم التالي أنهم سوف يستهدفون السفن المرتبطة بإسرائيل فقط، وهو ما يعني خفض بنك الأهداف الذي كان يشمل أي سفينة تذهب للموانئ الإسرائيلية.


لكن لم تحدث أي هجمات على السفن كما توعدت الجماعة. وفي 11 مارس، وقبل أسبوع من انهيار اتفاق وقف إطلاق النار بغزة واستئناف إسرائيل الحرب، أمهل الحوثيون تل أبيب أربعة أيام لإدخال المساعدات الغذائية لسكان غزة أو سيتم استئناف العمليات البحرية. ولم يحصل شيء أيضًا على مدى الأيام اللاحقة.


في منتصف مارس، كانت عملية (الفارس الخشن) الأمريكية ضد الحوثيين قد بدأت، وبوتيرة غير مسبوقة وقوة نارية كبيرة استمرت على مدار الساعة في ضرب أهداف في مناطق سيطرة الحوثيين. وفي مطلع مايو، أعلن الرئيس ترامب عن اتفاق مع الحوثيين يشمل وقف الضربات الجوية عليهم، مقابل تعهدهم بوقف استهداف السفن. 


الخبير الأمريكي وعضو فريق خبراء مجلس الأمن الدولي السابق بشأن اليمن، فرناندو كارفاخال، وصف هذا التوقف في حديثه لمركز سوث24 بأنه "لا يزال غير واضح"، مشيرًا إلى أن الجماعة اليمنية المدعومة من إيران أوقفت هجماتها "بعد شهر من الانتخابات الأمريكية". 


وأثارت هذه المصادفة تساؤلات حول ما إذا كان التغيير في القيادة السياسية بواشنطن قد دفع الجماعة إلى إعادة حساباتها. غير أن كارفاخال أشار إلى احتمالات أخرى، قائلًا: "من المثير للاهتمام أن الحوثيين أوقفوا هجماتهم على السفن التجارية... لكن من غير الواضح ما إذا كان ذلك بسبب نفاد مخزونهم من الطائرات المسيّرة أو مغادرة السفن الإيرانية الشبحية منطقة باب المندب".


أما الصحفي والمحلل السياسي اليمني محمود الطاهر، فطرح تفسيرًا سياسيًا يرتبط بتفاهمات غير معلنة، موضحًا لمركز سوث24 أن "هذا التوقف ارتبط بتفاهم غير معلن بين واشنطن وطهران"، مشيرًا إلى أنه كان هناك رغبة أمريكية في تقديم التهدئة في البحر الأحمر باعتبارها إنجازًا سياسيًا للرئيس الجديد دونالد ترامب. 


وأضاف الطاهر: "كان هناك حرص أمريكي على الظهور بمظهر القادر على فرض الأمن في الممرات البحرية"، ما يعني أن وقف الضربات الجوية كان مشروطًا بسلوك حوثي أكثر انضباطًا مؤقتًا، ضمن ترتيبات لم تُعلن رسميًا آنذاك.


في المقابل، رأى د. عمر باجردانة، رئيس مركز المعرفة للدراسات، أن توقف الهجمات لا يمكن فصله عن ديناميكيات التفاوض حول الملف النووي الإيراني، مشيرًا لمركز سوث24 إلى أن "التوقف عكس رسالة ضمنية من طهران إلى واشنطن"، وهي رسالة مفادها أن إيران قادرة على ضبط وكلائها إذا ما رأت جدية مقابلة من الطرف الأمريكي. 


عودة الهجمات 


مع بداية يوليو 2025، كسرت جماعة الحوثيين حالة الهدوء البحري. هذه العودة المفاجئة إلى التصعيد، بعد أكثر من سبعة أشهر من التوقف، أثارت تساؤلات حادة حول الدوافع الفعلية وراء هذا التوقيت.


من بين التفسيرات المطروحة، هو أن ما تجدد هجمات الحوثيين لا يمكن فصله عن اندلاع المواجهة المباشرة بين إيران وإسرائيل في يونيو، والتي شهدت ضربات إسرائيلية غير مسبوقة طالت منشآت نووية داخل إيران، واستهدفت قيادات في الحرس الثوري، ما أدى إلى حالة توتر إقليمي شامل.


وفي هذا السياق، قال محمود الطاهر، "الحوثيون امتنعوا عن أي تدخل خلال الأيام الأولى من الحرب"، لكنهم "عادوا سريعًا إلى الواجهة البحرية"، وهو ما اعتبره مؤشرًا على أنهم "يسعون إلى استثمار الأحداث، وإعادة تقديم الجماعة كذراع ضغط إقليمية قادرة على التأثير".


وبحسب هذا التحليل، فإن الجماعة قرأت السياق الإقليمي الجديد كفرصة سانحة لإعادة تثبيت نفسها كأداة ميدانية لطهران، يمكن استخدامها للرد غير المباشر على الضربات الإسرائيلية، وإرباك الحسابات الأمريكية في البحر الأحمر، دون الدخول في مواجهة مباشرة.


أما عمر باجردانة، فذهب إلى أن استئناف الهجمات جاء بعد لحظة إدراك إيرانية بـ"أن لا مكاسب استراتيجية دون تصعيد". 


مضيفًا: "في اللحظة التي أدركت فيها طهران أن لا مكاسب استراتيجية دون تصعيد، أعطت على الأرجح الضوء الأخضر لأذرعها، وفي مقدمتها الحوثيون، لاستئناف الهجمات على الملاحة الدولية". وأضاف: "استهداف السفن ليس انتقاماً لغزة كما يدّعون، بل رد ضمني على تلك الضربات التي استهدفت علماء ومواقع نووية إيرانية".


فرناندو كارفاخال بدوره أكد هذا البعد الاستراتيجي في التوقيت، مشيرًا إلى أن الهجمات "جاءت قبل زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى السعودية، ووسط لقاءات أمريكية–إسرائيلية على مستوى رفيع"، واعتبر أن "التوقيت مقصود". وأضاف أن الهجمات تحمل "طابعاً انتقامياً مزدوجاً: من الضربات ضد إيران، ومن فشل مفاوضات البرنامج النووي الإيراني".


نوعية التصعيد


لم تقتصر العودة الحوثية إلى البحر الأحمر على مجرد استئناف الهجمات، بل تميزت هذه الموجة بتصعيد نوعي غير مسبوق في الشكل والأدوات والنتائج. ففي غضون أسبوع واحد فقط، استخدمت الجماعة مزيجًا معقدًا من الزوارق المفخخة، والطائرات المسيّرة، والصواريخ الباليستية قصيرة المدى. فضلًا عن المتفجرات لإغراق السفينة ماجيك سيز. 


وفي هذا السياق ، رأى محمود الطاهر أن استخدام الحوثيين لعدة أنظمة تسليحية متزامنة، يعكس رغبة واضحة في إثبات جاهزيتهم العملياتية وتعقيد قدراتهم التقنية. مضيفًا: "سعت الجماعة من خلال التصعيد إلى إعادة تسويق نفسها كقوة ضاغطة على الطاولة، يمكنها قلب المعادلة إذا تجاهلتها القوى الإقليمية والدولية".


أما عمر باجردانة فربط التصعيد الأخير في نوعية هجمات الحوثيين بمحاولة الجماعة تأكيد قوتها في ضوء الخسائر السياسية والعسكرية التي مُني بها الحوثيون مؤخرًا في صنعاء والحديدة نتيجة الضربات الإسرائيلية والأمريكية.


الانعكاسات والتداعيات


قبيل الهجمات الحوثية الأخيرة ضد السفن، كان ثمة حراك دبلوماسي متجدد بعث على الأمل في إمكانية كسر الجمود السياسي المستمر في اليمن منذ نحو عامين. فقد شهدت الساحة السياسية تحركات نشطة تمثلت في زيارة المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى عدن يومي 1 و2 يوليو، حيث أكد ضرورة تشكيل وفد تفاوضي شامل وطرح إجراءات اقتصادية عاجلة. كما كثّف المجلس الانتقالي الجنوبي ومجلس القيادة الرئاسي اتصالاته الدولية من الرياض، في حين أبدت قوى إقليمية ودولية دعمًا حذرًا لتلك الجهود وسط مناخ إقليمي يشهد تهدئة نسبية بعد التصعيد في غزة.


لكن هذه الآمال تعرضت لانتكاسة قوية مع عودة الحوثيين المفاجئة للتصعيد البحري، وهو ما يفتح باب التساؤلات بشأن السيناريوهات القادمة.


الخبير الأمريكي فرناندو كارفاخال حذر من أن التصعيد الأخير قد يكون مقدمة لموجة جديدة من التوترات في مناطق جنوب اليمن. لافتًا إلى أن هناك احتمالًا جديًا بـ "اندلاع اشتباكات في المهرة وحضرموت"، مع محاولات حوثية للتقدم نحو "شبوة ومأرب وتعز".


من جانبه، أشار الخبير عمر باجردانة إلى أن التصعيد لا يهدد فقط المشهد العسكري والسياسي، بل يحمل في طياته كوارث اقتصادية وإنسانية متسارعة. 


مضيفًا: "استمرار التصعيد سيدفع اليمن إلى مزيد من العزلة الدولية، وتدهور الأوضاع المعيشية، وازدياد المجاعة، خاصة مع انعدام السلع الأساسية المرتبطة بالملاحة". ويعني ذلك أن العمليات البحرية الحوثية ليست مجرد تهديد رمزي، بل تتسبب عمليًا في إغلاق جزئي أو تعطيل فعلي لأحد أهم الشرايين التجارية والتموينية التي يعتمد عليها اليمن.


الصحفي والمحلل السياسي محمود الطاهر لخّص هذه المخاطر بقوله: "إذا لم تتحرك القوى الدولية بشكل فاعل، فإن البحر الأحمر قد يتحول إلى ساحة مواجهة مفتوحة، سيكون اليمن أكثر من يدفع ثمنها". 


وبحسب تقرير لموقع "عربي21"، نشر في 14 يوليو، أرسلت واشنطن رسائل غير مباشرة إلى جماعة الحوثيين عبر وسطاء إقليميين، تضمن بعضها تهديدات واضحة بأن استمرار الهجمات على السفن قد يؤدي إلى "مصير مشابه لحزب الله وإيران". كما تضمن العرض الأمريكي خريطة طريق سياسية جديدة بشأن الوضع في اليمن، وفقًا للموقع.


ولم تتحدث مصادر رسمية أمريكية أو حوثية عن صحة هذه المعلومات، لكن لم يهاجم الحوثيون أي سفينة تجارية منذ 8 يوليو.


وفي تطور يعكس قلق المجتمع الدولي من تصاعد الهجمات البحرية الحوثية، اعتمد مجلس الأمن الدولي يوم الثلاثاء 15 يوليو قرارًا بتمديد المهلة الزمنية لتقارير الأمين العام للأمم المتحدة بشأن الهجمات الحوثية على السفن التجارية في البحر الأحمر حتى 15 يناير 2026. 


وقد جاء هذا القرار ضمن جلسة خُصصت للبند المتعلق بـ "صون السلم والأمن الدوليين"، استنادًا إلى مشروع قرار قدّمته كل من الولايات المتحدة واليونان كـ"حاملتي قلم" لملف البحر الأحمر، دون أي اعتراض جوهري من بقية الأعضاء، باستثناء تحفظات متكررة من روسيا والصين والجزائر بشأن الصياغات السابقة للقرار 2722.


وفي جلسة في اليوم السابق، تبنّى المجلس بالإجماع القرار رقم 2786، القاضي بـ تمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة (UNMHA) حتى 28 يناير 2026، بناءً على مسودة قدمتها المملكة المتحدة. وجاء القرار رغم ضغوط أميركية لإنهاء عمل البعثة بدعوى تجاوز التطورات الميدانية لصلاحياتها.


صحفي ومحرر لدى مركز سوث24 للأخبار والدراسات



Shared Post
Subscribe

Read also