صورة نشرها إعلام الحوثيين للأضرار في مطار صنعاء الدولي جراء قصف إسرائيلي في 5 مايو 2025
Last updated on: 17-05-2025 at 2 PM Aden Time
|
سوث24 | عبد الله الشادلي
منذ نوفمبر 2023، دخلت الأزمة اليمنية مرحلة جديدة مع تصعيد جماعة الحوثيين المدعومة من إيران لهجماتها في البحر الأحمر، والتي استهدفت في بداياتها سفنًا تجارية زعمت الجماعة ارتباطها بإسرائيل، قبل أن تتوسع لتشمل لاحقًا سفنًا أمريكية وبريطانية وتتسبب بشلل للملاحة الدولية عبر باب المندب.
الهجمات الحوثية على السفن في البحر الأحمر، وضد أهداف في العمق الإسرائيلي، جلبت ردًا عسكريًا غير مسبوق من قبل واشنطن وتل أبيب، وصل إلى ذروته في منتصف مارس من هذا العام في ظل إدارة الرئيس ترامب التي أطلقت عملية (الفارس الخشن) ضد الحوثيين لأكثر من شهر ونصف. بالتزامن مع ضربات إسرائيلية هي الأعنف أيضًا منذ بدء التطورات.
فما هي حجم الأضرار المادية الرئيسية التي تسبب بها الحوثيون للاقتصاد والسكان في مناطق سيطرتهم؟
حجم الخسائر
جاءت الغارات على الحوثيين، لا سيما الإسرائيلية، في سياق استراتيجية عقابية تهدف إلى تفكيك القدرات العملياتية للحوثيين، من خلال استهداف المطارات والموانئ ومحطات الطاقة ومصانع رئيسية. أعنف هذه الضربات كانت في 5 و 6 مايو الحالي، عندما قصفت إسرائيل أهدافًا في الحديدة وصنعاء على التوالي ردًا على هجوم صاروخي خطير شنه الحوثيون على مطار بن غوريون، اخترق الدفاعات الجوية وسقط في الأرض محدثًا حفرة بعمق 25 مترًا.
في الحديدة، تركز الدمار في ميناء الحديدة الرئيسي. القصف الذي حدث في 5 مايو دمر طبقًا لتقديرات 3 أرصفة رئيسية. ووفقًا للمحلل السياسي والاقتصادي سلمان المقرمي، فإن تكلفة إنشاء رصيف مماثل في 2015 كانت تُقدّر بـ 300 مليون دولار، مما يجعل الخسائر المباشرة في الأرصفة الثلاثة تصل إلى 900 مليون دولار. كما تعرض ميناء رأس عيسى النفطي لقصف أيضًا.
ميناء رأس عيسى بالحديدة بعد القصف الإسرائيلي في 5 مايو 2025 (وكالة سبأ التابعة للحوثيين)
وكان ميناء رأس عيسى النفطي بمحافظة الحديدة قد تعرض لضربة أمريكية كبيرة في 17 أبريل الماضي، أدت لدمار واسع.
وفي مطار صنعاء، الذي قصفته إسرائيل في يوم 6 مايو، أشار المقرمي في حديثه لمركز سوث24 إلى أنه "تم تدمير ما لا يقل عن 9 طائرات، منها ثلاث طائرات عاملة تابعة للخطوط الجوية التابعة للحكومة المعترف بها، تقدر قيمتها مجتمعة بحوالي 500 مليون دولار، وثلاث أخرى خارج الخدمة، وثلاث لم يُكشف عن ملكيتها. ما يرفع إجمالي الخسائر في المطار وحده إلى ما يقارب المليار دولار جراء هذه الضربات".
وكان نائب وزير النقل في حكومة الحوثيين، يحيى السياني، قد أعلن آنذاك عن دمار شبه كامل لصالات المطار، وتلف منظوماته ومدارجه.
الضربات الإسرائيلية طالت كذلك مصانع الإسمنت، ومن أبرزها مصنع إسمنت باجل بمحافظة الحديدة الذي تقدر قيمته، وفقًا للمقرمي، بـ 400 مليون دولار، ويضم محطة كهربائية بقدرة 32 ميجاوات ويشغّل أكثر من 1250 عاملاً. كما يُعدّ مصنع إسمنت عمران بمحافظة عمران، الذي تعرض للقصف أيضًا، من أبرز المنشآت في مناطق سيطرة الحوثيين، إذ ينتج نحو 1.5 مليون طن سنويًا بعائدات تصل إلى 180 مليون دولار.
كما شمل القصف ثلاث محطات رئيسية لتوليد الكهرباء في صنعاء (حزيز، ذهبان، عصر)، ومحطتين إضافيتين في الحديدة. ويقدّر الخبير الاقتصادي المقيم في صنعاء رشيد الحداد الطاقة الإنتاجية الإجمالية للمحطات الثلاث في صنعاء بـ "ما يفوق 120 ميجاوات".
محطة ذهبان للكهرباء في صنعاء بعد القصف الإسرائيلي في 6 مايو 2025 (وكالة سبأ التابعة للحوثيين)
وقد شملت قائمة الأهداف الأمريكية والإسرائيلية خلال الأسابيع الماضية، وفق ما يعلنه الحوثيون ووفق مصادر صحفية، أسواق شعبية، وخزانات المياه، ومجمعات حكومية عسكرية. وحتى الآن، لا توجد إحصائية رسمية شاملة توثق كامل الخسائر. لكن المؤشرات تدل على أضرار ليست بالقليلة في البنية التحتية الحيوية.
التداعيات
يؤكد المحلل سلمان المقرمي أن تداعيات الضربات الإسرائيلية والأمريكية لا نتوقف عند حدود الخسائر المادية، بل تمتد إلى شلّ النشاط الاقتصادي العام.
مصنع إسمنت باجل في الحديدة بعد القصف الإسرائيلي في 5 مايو 2025 (قناة المسيرة التابعة للحوثيين)
وقال لمركز سوث24: " تداعيات سلوك جماعة الحوثيين على الساحة الإقليمية مستمرة في إلحاق الضرر بالاقتصاد اليمني. الضربات ليست وحدها نتيجة هذه المغامرات، بل تضاف إليها العقوبات الأمريكية المتعلقة بالحوثيين، بما في ذلك فرض عقوبات على بنكين رئيسيين من القطاع الخاص هما بنك اليمن والكويت وبنك اليمن الدولي".
ومن منظور أكثر تقنية، يشير رشيد الحداد إلى أن تدمير منشآت مثل المطارات والموانئ سيترك آثارًا طويلة المدى على القدرة التجارية للبلاد، ويقول: هذه الأضرار ستُحمّل البلاد خسائر فادحة على المديين المتوسط والطويل، حيث إن تدمير منشآت حيوية كالموانئ والمطارات يعيق حركة التجارة واستيراد السلع الأساسية والغذاء والوقود."
لكن الحداد لا يؤيد تحميل الحوثيين نتيجة ما آلت إليه الأمور، فبالنسبة له تتحمل الولايات المتحدة وإسرائيل نتائج ما وصفه بـ "العدوان الخارجي".
لكن الباحث الأميركي في الشأن اليمني نيك برومفيلد، يرى أن الضربات لم توقف بشكل كامل أنشطة موانئ الحديدة. مضيفًا لمركز سوث24: "على الرغم من الهجمات الكبرى المتعددة التي ألحقت أضرارًا بموانئ البحر الأحمر، فإن تدفقات الغذاء والوقود عبر الحديدة ورأس عيسى والصليف استمرت في معظمها. يبدو أنه تم تجنب حدوث نقص كبير في السلع الأساسية، حتى مع استمرار قلق المراقبين بشأن الآثار طويلة الأمد لهذه الهجمات."
ومع ذلك، فإن تدمير مصانع الأسمنت يعني فقدان آلاف الوظائف، ويزيد الاعتماد على الواردات في بلد يعاني من شح العملات الأجنبية، بينما يؤدي تضرر محطات الكهرباء إلى تعميق أزمة الطاقة، وانهيار الخدمات الأساسية.
مصنع الإسمنت في عمران بعد القصف الإسرائيلي في 6 مايو 2025 (وكالة سبأ التابعة للحوثيين)
ويحذر برومفيلد من انحدار أكثر حدة في الوضع الإنساني. وأردف: "الجانب الأكثر إثارة للقلق هو التراجع واسع النطاق للقطاع الإنساني في كل من المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون وتلك الخاضعة لسيطرة الحكومة في اليمن. يعود ذلك إلى استمرار مضايقات الحوثيين للعاملين في المجال الإنساني الدولي، والتي شهدت اختطاف العشرات بتهم التجسس، وتصنيف الولايات المتحدة للحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية."
وأضاف: "تم إلغاء المساعدات الغذائية الأمريكية لليمن بالكامل، كما أن خطة الاستجابة الإنسانية لليمن لعام 2025 التابعة لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) لم تتلق سوى 8.9% من التمويل المطلوب حتى الآن... الرسالة الثابتة من وكالات الأمم المتحدة هي أنه لا توجد موارد كافية، ويعود ذلك إلى حد كبير إلى انتهاكات الحوثيين."
الفاتورة قابلة للازدياد
على الرغم من الإعلان مؤخرًا في (7) مايو عن اتفاق تهدئة بوساطة عُمانية بين الحوثيين والولايات المتحدة، إلا أن الاتفاق ينحصر في ملف البحر الأحمر ولا يشمل إسرائيل، التي أعربت عن "صدمتها" من التفاهم، ما يُبقي احتمال التصعيد مفتوحًا.
وفي أحدث موجة من الضربات، عاودت إسرائيل يوم الجمعة (16 مايو) القصف على موانئ الحديدة الخاضعة لسيطرة الحوثيين. جاءت الهجمات الجديدة نتيجة هجوم صاروخي يوم الخميس (15 مايو) على مطار بن غوريون في تل أبيب. ورغم أنه لم يحقق الاختراق مثل الهجوم السابق، لكنه كان كفيًلا بتوليد ردة فعل إسرائيلية فورية.
ميناء الحديدة الرئيسي بعد القصف الإسرائيلي في 5 مايو 2025 (وكالة سبأ التابعة للحوثيين)
تفاصيل العملية العسكرية الإسرائيلية كشفت عنها وسائل إعلام عبرية، حيث ذكرت القناة "12" أن الهجوم نفذ بأكثر من 10 طائرات مقاتلة استخدمت عشرات الذخائر، مستهدفة ثلاثة موانئ بحرية في غرب اليمن: الحديدة، الصليف، ورأس عيسى.
فيما أشارت صحيفة "معاريف" إلى قصف ما لا يقل عن عشرة أهداف داخل تلك الموانئ. لكن إذاعة الجيش الإسرائيلي أكدت أن الضربات اقتصرت على ميناءي الحديدة والصليف، تحت مسمى عملية "الغروب الأحمر"، مشيرة إلى أن 15 طائرة ألقت أكثر من 35 قنبلة، وأن ترميم البنية التحتية المتضررة قد يستغرق شهراً على الأقل.
ويشدد المحلل الاقتصادي سلمان المقرمي، على أن الحوثيين يتحملون مسؤولية مباشرة في تعريض مقدرات اليمن للتدمير، ويقول: المغامرات الإقليمية لجماعة الحوثيين هي السبب المباشر في تعريض مقدرات اليمن لمزيد من الدمار. الشعب اليمني هو من يدفع ثمن هذه الممارسات."
لكن من زاوية أخرى، يرى رشيد الحداد أن هذه الهجمات تأتي ضمن سياق استثنائي، ويعتبرها ثمنًا لتحركات سياسية وعسكرية تهدف إلى (رفع الصوت اليمني) إزاء قضايا إقليمية حساسة، لا سيما القضية الفلسطينية. مضيفًا: "عمليات صنعاء تستحق الثمن المدفوع، وقد جاءت ردًا على خذلان عربي وإسلامي للقضية الفلسطينية. كما أثبتت قدرة صنعاء على التأثير واستثمار جغرافيتها الاستراتيجية، وفرض معادلة عسكرية جديدة."
وزعم الحداد امتلاك سلطات الحوثيين ما وصفه بـ "خطط احتواء مسبقة" لمواجهة آثار الضربات، وإشارته إلى "سرعة إعادة تشغيل الموانئ ومحطات الكهرباء وإصلاح مدرجات مطار صنعاء".
في المحصلة، تكشف التداعيات الاقتصادية للهجمات الحوثية وما تبعها من ضربات أميركية وإسرائيلية عن حجم الفاتورة الباهظة التي يدفعها اليمن، ليس فقط على صعيد البنية التحتية، بل في تآكل ما تبقى من قدرة البلاد على الصمود الاقتصادي والخدمي.
ومع استمرار الغموض حول مستقبل التصعيد، يظل المشهد مفتوحًا على احتمالات أشد كلفة، في ظل هشاشة التفاهمات المؤقتة، وغياب أي أفق لتسوية سياسية شاملة.
Previous article