عملاء أمام فرع بنك اليمن الدولي في عدن يطالبون بسحب أموالهم وأرصدتهم، 10 يونيو 2024 (مركز سوث24)
Last updated on: 24-04-2025 at 10 AM Aden Time
|
"من الضروري أن يتخذ البنك المركزي إجراءات حاسمة لضمان أموال المودعين، تشمل الحجز على أصول بنك اليمن الدولي وممتلكات القائمين عليه لبيعها، واستخدام حصيلتها.."
مركز سوث24 | عبد الله الشادلي
وسط مشهد سياسي واقتصادي ومصرفي مضطرب، يجد آلاف المودعين اليمنيين أنفسهم اليوم في قلب أزمة غير مسبوقة تهدد مدخراتهم الشخصية، بعد أن أصبحت البنوك الواقعة تحت سيطرة الحوثيين في صنعاء هدفاً مباشراً للعقوبات الأميركية.
ومع صدور قرارات أميركية بفرض عقوبات صارمة على بنوك تجارية مثل "بنك اليمن الدولي" و"بنك اليمن والكويت"، واتهامها بتسهيل تعاملات مالية لصالح الحوثيين، تصاعدت مخاوف العملاء الذين يواجهون اليوم صعوبات في الوصول إلى أموالهم، لا سيما بالدولار الأميركي، في ظل شح السيولة وتجميد أصول هذه البنوك.
وقد كانت هذه البنوك بالفعل ترفض منذ أشهر حتى قبل العقوبات صرف أموال العملاء والمودعين بحجة شح السيولة المالية، لا سيما (بنك اليمن الدولي) الذي كان بوابة رئيسية لاستقبال الدعم الدولي المقدم لليمن وحسابات وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية والإغاثية.
ومع انقسام النظام المصرفي في البلاد، ووجود بنكين مركزيين الأول في عدن ومعترف به دوليًا، والثاني في في صنعاء الذي يسيطر عليه الحوثيون، تبرز التساؤلات حول من يتحمل مسؤولية ضمان أموال المودعين في البنكين المعاقبين، وأي بنوك أخرى قد تطالها الإجراءات الأمريكية خلال الأيام القادمة.
العقوبات الأمريكية
وفي 17 يناير الماضي، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية، ممثلة بمكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC)،عقوبات على بنك اليمن والكويت، أقدم البنوك التجارية الخاصة في اليمن، بسبب دعمه المالي لجماعة الحوثيين. ووفقًا للوزارة، يلعب البنك دورًا محوريًا في تمكين الحوثيين من الوصول إلى النظام المالي الدولي، مما يتيح لهم تمويل هجمات ضد مصالح الولايات المتحدة وشركائها الإقليميين.
وأشار البيان إلى أن البنك ساعد الحوثيين في إنشاء شركات واجهة لتمويل أنشطة غير مشروعة، بما في ذلك بيع النفط الإيراني بالتعاون مع شركات صرافة خاضعة للعقوبات. كما أشار البيان إلى تورط شخصيات حوثية بارزة، من بينها هاشم إسماعيل، محافظ البنك المركزي في صنعاء، في تنسيق عمليات نقل الأموال بالتعاون مع الحرس الثوري الإيراني.
من جهته، نفى بنك اليمن والكويت الاتهامات، واعتبر أن العقوبات ذات خلفية سياسية مرتبطة بالتصعيد بين الولايات المتحدة والحوثيين. وأكد أن عملياته المحلية مستمرة، وأن التأثير يطال فقط العمليات الدولية.
وفي 4 مارس الماضي، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية إعادة تصنيف مليشيا الحوثيين اليمنية المدعومة من إيران كمنظمة إرهابية أجنبية، بناءً على أمر تنفيذي وقعه الرئيس الأمريكي ترامب في 22 يناير، فور وصوله البيت الأبيض لولاية رئاسية ثانية.
وفي 17 أبريل الجاري، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على "بنك اليمن الدولي" وثلاثة من كبار قادته، متهمة إياه بلعب "دور حاسم" في مساعدة الحوثيين. وشملت العقوبات قادة البنك كمال حسين الجبري وأحمد العبسي وعبد القادر علي بازرعة.
وقالت الخزانة إن بنك اليمن الدولي لعب "دورًا حاسمًا" في مساعدة الحوثيين على الوصول إلى النظام المالي الدولي، وتسهيل شراء النفط عبر شبكة سويفت الدولية، ومساعدة الجماعة في التهرب من الرقابة على العقوبات وحشد الموارد.
واتهمت الوزارة البنك أيضاً بمساعدة الحوثيين في مصادرة الأصول من معارضيهم، وأشارت إلى رفض البنك الامتثال لطلبات البنك المركزي اليمني في عدن بشأن الأموال المصادرة، ورفضه نقل مقره الرئيسي من المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين إلى عدن.
وأكدت وزارة الخزانة التزامها بالعمل مع الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا لتعطيل قدرة الحوثيين على تأمين الأموال.
وفي بيان له، قال بنك اليمن الدولي، في 19 أبريل الجاري، إن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة عليه وعلى ثلاثة من قياداته جاءت "لأسباب سياسية تمر بها البلاد"، كما أكد أنه ملتزم بمعايير مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وقوانين البنك المركزي اليمني.
وكان كل من بنك اليمن الدولي وبنك اليمن والكويت قد تعرضا لعقوبات من البنك المركزي اليمني في عدن إلى جانب أربعة بنوك أخرى تقع مقراتها الرئيسية في صنعاء. وجاءت العقوبات بسبب عدم استجابة لمهلة شهرين وضعها البنك المركزي لنقل مقراتها من صنعاء إلى عدن.
لاحقًا، تراجع البنك المركزي في عدن عن هذه الإجراءات بعد ضغوط مارستها السعودية والمبعوث الأممي إلى اليمن على مجلس القيادة الرئاسي، وفقًا لمصدر مطلع تحدث لمركز سوث24 آنذاك. وجاءت الضغوط لتجنب التصعيد الاقتصادي مع الحوثيين الذين كانوا بالفعل قد بدأوا إجراءات اقتصادية مضادة وحظروا بنوكًا جنوبية تعمل من عدن.
ولكن في 15 مارس الماضي، أعلن البنك المركزي بعدن أنه تلقى بلاغات خطية من "غالبية" البنوك في صنعاء تفيد بقرارها نقل مراكزها إلى عدن، وذلك "تفادياً لوقوعها تحت طائلة العقوبات الصارمة التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية".
وحتى الآن، لم يصدر البنك أي تحديثات بشأن إذا ما كانت قد بدأت إجراءات النقل من صنعاء إلى عدن. كما لم يعلن أي بنك رسميًا ذلك.
وحاول مركز سوث24 التواصل مع قيادة البنك المركزي في عدن للاستفسار حول هذا الموضوع، واستفسارات أخرى تتعلق بالبنوك المعاقبة وأموال المودعين، إلا أننا لم نتلق أي رد حتى الآن.
مخاوف بشأن أموال المودعين
يثير وضع البنوك الموجودة في صنعاء، خاصة تلك الخاضعة للعقوبات الأمريكية، قلقاً بالغاً بشأن مصير أموال المودعين. ولكن هذه المخاوف ليست وليدة اللحظة، فقد حاول العملاء والمودعون في بنك اليمن الدولي خلال الأشهر الماضية سحب أموالهم وأرصدتهم عبر فروع البنك في عدن ومحافظات أخرى، لكن بدون أي فائدة.
مركز سوث24 للأخبار والدراسات أحد هؤلاء العملاء، حيث لم يتمكن من سحب رصيد بقيمة (4000 دولار أمريكي) من حسابه في بنك اليمن الدولي منذ مايو 2024. وقد تحجج البنك بغياب السيولة، ونتيجة لذلك تجمهر العشرات من العملاء الغاضبين أمام بوابته في 10 يونيو من ذلك العام.
رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، مصطفى نصر، أكد لمركز سوث24 أن "البنوك ملزمة قانوناً وأخلاقياً برد الودائع لأصحابها، فهذه الحقوق لا تسقط ويجب الوفاء بها".
وأوضح نصر أن "المسؤولية الأساسية عن ضمان حقوق المودعين تقع على عاتق البنك المركزي اليمني، وبشكل خاص فرع البنك المركزي في صنعاء، نظراً لكون هذه البنوك تعمل تحت نطاق سيطرته، وتحتفظ لديه بأرصدة ضخمة مودعة كأذونات خزانة واحتياطيات نقدية إلزامية يفترض أن تضمن حقوق المودعين".
وفيما يتعلق بوضع بنك اليمن والكويت، قال نصر: "بحسب متابعتي، عمل البنك على الوفاء بجزء كبير من التزاماته تجاه المودعين الراغبين بسحب أموالهم محلياً". مضيفاً: "لكن من المؤكد أن البنك سيتأثر سلباً على صعيد معاملاته الدولية بسبب العقوبات المفروضة عليه".
أما بالنسبة لوضع بنك اليمن الدولي، فوصفه الخبير مصطفى نصر بأنه "مختلف وأكثر تعقيداً"، مشيراً إلى أن البنك "شبه مفلس، وكان من الواضح منذ فترة طويلة عدم قدرته على تلبية احتياجات المودعين".
وشدد نصر على ضرورة أن "يتخذ البنك المركزي إجراءات حاسمة، تشمل الحجز على أصول بنك اليمن الدولي وممتلكات القائمين عليه لبيعها، واستخدام حصيلتها، بالإضافة إلى الاحتياطيات النقدية الإلزامية التي يفترض أن البنك المركزي يحتفظ بها، للوفاء بالتزامات البنك تجاه المودعين وتعويضهم".
بدوره، اعتبر أستاذ الاقتصاد السياسي بجامعة عدن د. محمد جمال الشعيبي أن هذه القضية "باتت معقدة وتتطلب حلولًا غير تقليدية". ولفت إلى أنّ بنك اليمن الدولي، على سبيل المثال، وظف جزءًا كبيرًا من استثماراته في أذون الخزانة والدين العام المحلي، وهي أرصدة كانت مودعة لدى البنك المركزي اليمني في صنعاء.
وأشار الشعيبي لمركز سوث24 إلى أن سيطرة جماعة الحوثيين على البنك المركزي في صنعاء، والاستيلاء على أرصدة البنوك والاحتياطي النقدي وأموال الدين العام، أدت إلى تجميد سيولة بنك اليمن الدولي وبنوك أخرى.
وكنتيجة لذلك، يرى الشعيبي أن البنك المركزي في صنعاء بات عاجزًا عن الوفاء بالتزاماته تجاه البنوك التجارية، بما في ذلك بنك اليمن الدولي، الذي يواجه الآن صعوبة في سداد أموال المودعين نظرًا لتجمد جزء كبير من أصوله لدى مركزي صنعاء.
وبشأن مسؤولية استعادة الأموال، قال الشعيبي: "في ظل الظروف الراهنة، تبدو المسألة سياسية بالدرجة الأولى، وتتوقف استعادة أموال المودعين على التوصل إلى حل تفاهمات سياسية واقتصادية".
وأضاف: "قد تشمل الحلول المحتملة التوصل إلى تسوية سياسية تتيح استعادة الأموال المنهوبة، أو البحث عن آليات تعويض خارجية، أو على الأقل استعادة الأصول المجمدة لدى سلطة الأمر الواقع في صنعاء".
لكن بنك اليمن الدولي كان قد زعم في بيانه يوم 19 أبريل ضمان أرصدة المودعين والعملاء، وزعم أن أصوله تفوق حقوق المودعين والمساهمين. وأضاف أنه سيستمر في تقديم خدماته المصرفية المحلية "تحت هذه الظروف الصعبة الخارجة عن إرادته" وسيعمل على اتخاذ الإجراءات الكفيلة بمنع أو الحد من الآثار السلبية.
وذكر البنك أنه سيعمل "كل ما يلزم بالتنسيق مع الجهات الأمريكية والجهات ذات العلاقة وعبر القنوات الرسمية والقانونية لإلغاء هذه العقوبات" في أقرب وقت ممكن.
الفرار من العقوبات الأمريكية
يربط الخبير مصطفى نصر بين نية بعض البنوك التجارية نقل مراكز عملياتها الرئيسية من صنعاء إلى عدن بالرغبة في تجنب العقوبات الأمريكية.
وأشار إلى أن أي بنك سيُبقي على مركزه المالي الرئيسي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين فإنه سيضع نفسه أمام شبهة التورط في عمليات تخدم الجماعة أو تساهم في تمويلها، مما قد يجعله هدفاً محتملاً لعقوبات مستقبلية.
وحذر نصر البنوك التي لم تنقل مراكز عملياتها الرئيسية حتى الآن إلى مناطق سيطرة الحكومة بأنها "ستكون بكل تأكيد عرضة لمخاطر العقوبات الأمريكية". داعياً إياها إلى "الإسراع باتخاذ هذه الخطوة لتجنيب نفسها وعملائها والاقتصاد الوطني مخاطر جسيمة، على غرار ما حدث مع بنوك أخرى".
من جانبه، شرح د. محمد جمال الشعيبي، التعقيدات التي تقف أمام البنوك اليمنية الساعية لنقل مقارها الرئيسية من صنعاء إلى عدن. وأشار إلى أنّ أبرز الأسباب تكمن في سيطرة الحوثيين الخانقة على القطاع المصرفي في الشمال، وتهديدهم للبنوك التي تحاول الامتثال.
كم أن البنوك تخشى "من فقدان حصتها السوقية الكبيرة جداً في الشمال، التي تمثل أكثر من 65% من السوق اليمنية و80% من نشاط البنوك التجارية".
ولفت إلى أنّ الانتقال الكامل إلى عدن يعني خسارة هذه الأسواق، وهو ما قد يؤدي إلى انهيار بعض البنوك التي استثمرت بشكل كبير في أدوات الدين العام المحلي الخاضعة الآن لسيطرة الحوثيين.
وبشأن استمرار عمل شبكات التحويلات الدولية في مناطق الحوثيين، أوضح الشعيبي أن "استمرار عمل شبكات مثل (ويسترن يونيون) في مناطق سيطرة الحوثيين يمثل عامل جذب إضافي للبنوك للبقاء في الشمال".
وحول العقوبات الأمريكية، يرى الشعيبي أنها ستعزز دور عدن كمركز مالي دولي مقابل عزل صنعاء في اقتصاد موازٍ.
وتشمل آثارها على اقتصاد الحوثيين: "حصاراً مالياً وعزلة دولية للبنوك المستهدفة، تعقيد استيراد السلع الأساسية لعدم القدرة على فتح اعتمادات، زيادة الضغط على الحوثيين، واحتمالية انهيار السيولة وبعض البنوك في مناطقهم نتيجة سحب الودائع."
ويرى الشعيبي أن البنوك المرشحة لعقوبات قادمة هي بالدرجة الأولى تلك التي ترفض الامتثال لقرارات البنك المركزي في عدن بنقل مقراتها من صنعاء، والبنوك المتورطة في دعم الحوثيين مالياً (غسيل أموال، تمويل أنشطة)، أو التي تتجاهل تعليمات مركزي عدن الأخرى.
وذكر الشعيبي أمثلة محتملة من البنوك مثل: بنك سبأ، بنك التضامن، بنك الأمل، بنك الإنشاء والتعمير، وفروع بنك الكريمي، وكاك بنك فرع صنعاء.
وتكشف الأزمة المتصاعدة بشأن البنوك المعاقبة في صنعاء حجم الفراغ المؤسساتي والضعف الرقابي الذي يعيشه القطاع المصرفي اليمني، خاصة في مناطق سيطرة الحوثيين. وبينما تتوالى الإجراءات العقابية من الخارج، تظل حقوق المودعين المدنيين، الذين لا علاقة لهم بالصراع، مهددة بفعل غياب الحماية القانونية والتضارب في سلطة القرار النقدي.
وما لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة وحاسمة تضع أموال المواطنين في صدارة الأولويات، يبدو أن الثقة بالنظام المصرفي ستستمر في التآكل، ما قد يؤدي إلى موجات سحب جماعية، وانكماش اقتصادي أعمق، وتوسع الاقتصاد غير الرسمي.
Previous article
45 Minutes ago
22 Hour ago