التحليلات

شراكة المجلس الانتقالي والحكومة اليمنية: هل وصلت نهاية الطريق؟

جانب من مراسم توقيع اتفاق الرياض في نوفمبر 2019، الشرق الأوسط

21-01-2025 at 11 AM Aden Time

language-symbol

"على الرغم من التشاؤم السائد، لا تزال هناك فرصة لإنقاذ هذه الشراكة المتعثرة إذا كانت هناك نية حقيقية لعالجه القصور وتحسين الوضع المعيشي. كخطوة أولى، يجب إعادة التفاوض على الاتفاق من قبل الجهات الفاعلة اليمنية دون ضغوط خارجية من داعميها الإقليميين."



سوث24 | علاء محسن


شكّل اتفاق الرياض الذي وقع في 2019 محطة مفصلية في الصراع الدائر في اليمن، حيث قدم إطارا لتقاسم السلطة بين الأطراف المناهضة للحوثيين، والذي توج بإنشاء مجلس القيادة الرئاسي في إبريل 2022. وقد سعى اتفاق تقاسم السلطة هذا إلى تحقيق هدفين رئيسيين: تخفيف حدة التوترات بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة المعترف بها دوليا، وتعزيز الخدمات العامة ودعم جهود الاستقرار في المناطق الخاضعة لسيطرتهما. بالنسبة للمجلس الانتقالي الجنوبي، كان الاتفاق وسيلة لتعزيز شرعيته من خلال الانضمام إلى الحكومة المعترف بها دوليا. في المقابل، كانت الحكومة اليمنية تأمل أن تساهم هذه الشراكة في دمج المجلس الانتقالي الجنوبي وتخفف من سقف مطالبه. ومع ذلك، في نهاية المطاف، لعبت القوى الإقليمية وخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة دورا حاسما في انجاز هذا الاتفاق، حيث نجح الثنائي في الضغط على حلفائهما المحليين لقبول الصفقة وتقاسم السلطة لمنع الانقسامات داخل التحالف المناهض للحوثيين.


بعد مرور بضع سنوات على توقيع اتفاق الرياض وتأسيس مجلس القيادة الرئاسي، بات واضحا أن شراكة المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة اليمنية قد أخفقت إلى حد كبير في تحقيق اهادفها، وقد نتج عنها سلطة مفككة تخضع لسيطرة جهات فاعلة بالوكالة تحمل أجندات متضاربة. وبدلا من التعاون لتحقيق الاستقرار في المناطق الخاضعة لسيطرتها، أعطت هذه الجهات الأولوية لمصالحها الذاتية - ومصالح داعميها – على حساب مصلحة اليمنيين. وقد تفاقمت معاناة السكان، خاصة في الجنوب، منذ بدء هذه الشراكة، وذلك بسبب التدهور الحاد في الخدمات العامة، وانخفاض قيمة العملة المحلية، وعدم انتظام صرف الرواتب بشكل مستمر. نتيجة لهذا التدهور، يواجه المجلس الانتقالي الجنوبي اليوم ضغوطا متزايدة من قواعده الشعبية، التي تعتبره مسؤولاً - ولو بشكل جزئي - عن الصعوبات والمعاناة التي تواجهها بشكل يومي، وتحمّله اللوم لفشله في اتخاذ خطوات فعالة للتخفيف من هذه المعاناة.


دعوات متصاعدة لإعادة تقييم الشراكة


ونتيجة لهذه الإخفاقات، تطالب أصوات جنوبية بارزة الآن بإعادة تقييم الشراكة بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة اليمنية. على سبيل المثال، تساءل الخبير السياسي حسين لقور عما إذا كان انخراط المجلس الانتقالي الجنوبي مع الحكومة اليمنية المعادية لا يزال خيارا معقولا، ووصفها بأنها شراكة مضطربة تتسم بالتناقضات العميقة وغير قابلة للاستدامة. وحتى الأصوات المحسوبة على المجلس الانتقالي الجنوبي بدأت تتعالى ضد هذه الشراكة الإشكالية، حيث أكد منصور صالح أن المجلس الانتقالي الجنوبي لن يقبل أن يكون شاهد زور وغطاء لفساد وفشل الأطراف اليمنية . ووفقا لصالح فالمجلس الانتقالي الجنوبي بذل كل جهد ممكن لإنجاح هذه الشراكة، وتحمّل المصاعب والضغوط الشعبية انطلاقا من التزامه بتحقيق ما يعتقد أنها أهداف مشتركة ومصلحة للجميع، لكن الأطراف الأخرى لها حسابات مختلفة.


كما أعرب قادة آخرون في المجلس الانتقالي الجنوبي عن مخاوف مماثلة. في مقابلته الأخيرة على قناة عدن المستقلة، انتقد عمرو البيض ، الممثل الخاص لرئيس المجلس الانتقالي الجنوبي للشؤون الخارجية، شركاءهم داخل الحكومة اليمنية، معربا عن إحباطه من افتقارهم إلى الجدية في مواجهة الحوثيين، وفشلهم في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الموعودة، واستمرار إهمال التنمية في المناطق الجنوبية. وعلى نفس المنوال، وصف ناصر الخبجي ، رئيس وحدة مفاوضات المجلس الانتقالي الجنوبي، الوضع الراهن بأنه انحراف عن مبادئ الشراكة، وحذر من أن هذه الشراكة تتعرض للتقويض من خلال تصرفات القوى السياسية داخل الحكومة اليمنية، التي تسعى إلى زعزعة استقرار الجنوب وإضعاف الموقف الجنوبي. تكشف هذه التصريحات عن خلاف عميق بين المجلس الانتقالي الجنوبي وشركائهم الشماليين داخل الحكومة.


يدرك المجلس الانتقالي الجنوبي الحاجة الملحة لاتخاذ إجراءات فورية لمعالجة الوضع المتفاقم، في ظل تصاعد الاستياء والغضب الشعبي. من خلال نظرة سريعة على وسائل التواصل الاجتماعي، يمكن ملاحظة حالة من الاستياء الواسع بسبب التدهور الحاد في الأوضاع المعيشية. ويعتقد العديد من المواطنين أن المجلس الانتقالي الجنوبي قد أخفق في أداء دوره الرئيسي في تمثيل مصالحهم والعمل على تحسين الخدمات وظروف المعيشة في المناطق الجنوبية. وفي إدراك منه لتداعيات هذه الأوضاع على شرعيته وشعبيته بين المواطنين، عمل المجلس على إعادة بناء علاقته مع القواعد الشعبية من خلال تنظيم زيارات ميدانية تقوم بها فرق التواصل وتعزيز التوعية السياسية إلى المحافظات. علاوة على ذلك، عبّر المجلس الانتقالي عن دعمه الكامل للاحتجاجات الأخيرة في عدن التي طالبت بصرف الرواتب وتحسين الأوضاع المعيشية والخدمات العامة. ومع ذلك، فإنّ هذه الإجراءات الرمزية وحدها لا تعد كافية، ويتعين أن تتبع بخطوات حاسمة لمعالجة الوضع بشكل فعال.



الخيارات المتاحة: مساران للتغيير


إن الاستمرار في الوضع الراهن لم يعد خيارا متاحا للمجلس الانتقالي الجنوبي، نظرا للتكاليف السياسية والاجتماعية الباهظة التي يتحملها نتيجة هذه الشراكة الشائكة. لمعالجة هذه التحديات ورسم مسار للخروج منها، لا يملك المجلس الانتقالي سوى طريقين فقط. الخيار الأول يتمثل في إنهاء الشراكة الحالية بالكامل، وإلغاء جميع الاتفاقات، بما في ذلك اتفاق الرياض، مع اتخاذ خطوات أحادية وجريئة لإدارة ذاتية شاملة للمناطق الجنوبية، من المهرة إلى باب المندب. ورغم أنّ هذا الخيار يعتبر حلا راديكاليا، إلا أنه يحظى بدعم شعبي واسع وينظر إليه كخطوة ضرورية نحو تحقيق الاستقرار وتقرير المصير. ومع ذلك، نظرا لأن هذه الخطوة ستواجه بلا شك معارضة شديدة من أطراف أخرى، يجب على المجلس الانتقالي الجنوبي أن يكون مستعدا للتعامل مع ردود الفعل المتوقعة من الأحزاب اليمنية والقوى الإقليمية. حتى الآن، حاول المجلس الانتقالي الجنوبي اتباع نهج سياسي "آمن"، يسعى فيه لتحقيق توازن بين تفويضه السياسي ومتطلبات الأولويات الإقليمية في اليمن، خاصة في ظل استمرار تهديدات الحوثيين وسيطرتهم على أجزاء واسعة من البلاد. ولكن، من الواضح أن تحقيق هذا التوازن أصبح هدفا بعيد المنال، في ظل غياب تقدم ملموس في جهود تحقيق الاستقرار أو إحراز نجاحات عسكرية ضد الحوثيين.


أما الخيار الثاني، فيعتبر أكثر أمانا ومن المرجح أن يكون المسار المعتمد للفترة المقبلة. تتضمن هذه الخطوة إعادة التفاوض بشأن الشراكة الحالية لتعكس تمثيلا أكبر ومشاركة أوسع للجنوبيين في هيكل مجلس القيادة الرئاسي. وفقاً لبعض المحللين والنشطاء، مثل هدى العطاس، فإن الشراكة الحالية ليست صفقة عادلة، إذ لا معنى لأن يُمثَّل الشماليون بنسبة 50٪ في مجلس القيادة بينما لا تتجاوز سيطرتهم على الأرض حتى 10٪ من إجمالي "المناطق المحررة" في الشمال. لهذا، يجب إعادة التفاوض على اتفاق جديد يأخذ هذه الحقائق بعين الاعتبار، خاصة وأن ترتيب تقاسم السلطة بنسبة 50/50 لا يعكس شراكة منصفة، في حين يواصل الحوثيون السيطرة على صنعاء ومعظم المناطق الشمالية.



كلمات أخيرة: إنقاذ الشراكة


على الرغم من التشاؤم السائد، لا تزال هناك فرصة لإنقاذ هذه الشراكة المتعثرة إذا كانت هناك نية حقيقية لحل القصورات وتحسين الوضع المعيشي. كخطوة أولى، يجب إعادة التفاوض على الاتفاق من قبل الجهات الفاعلة اليمنية دون ضغوط خارجية من داعميها الإقليميين. وهذا من شأنه أن يمكّن الشراكة من عكس إجماع حقيقي وتوقعات واقعية، بدلا من فرض أي اتفاق خارجيا من خلال نفوذ الرياض أو أبو ظبي. بالإضافة إلى ذلك، من المهم أن ندرك أن أي اتفاق بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة اليمنية لا يشمل الحوثيين هو مجرد ترتيب قصير الأجل لتنظيم العلاقة العملية بين الطرفين الموقعين على الاتفاق خلال فترة الحرب. لا يتوقع من مثل هذا الاتفاق أن يحل القضايا السياسية الكبرى في اليمن، مثل القضية الجنوبية ومستقبل هيكل الدولة، إذ يتجاوز ذلك نطاق أهدافه. في حين يمكن لهذا الاتفاق أن يشكل أساسا متينا لاتفاقات مستقبلية، إلا أن هذه القضايا العالقة لا يمكن معالجتها إلا من خلال المفاوضات النهائية التي تضم جميع الأطراف المعنية بالصراع.


أخيرا، إذا لم يتمكن المجلس الانتقالي الجنوبي من قيادة تغيير حقيقي يلامس احتياجات المواطنين، فإنه يواجه خطر فقدان دوره كممثل سياسي للجنوبيين، ليصبح مجرد حزب سياسي آخر في الساحة السياسية اليمنية، خاصة اذا استمر في التركيز على السياسة رفيعة المستوى دون الالتفات لمعاناة الناس اليومية واحتياجاتهم. ورغم أن المجلس يدرك أنه يُراد له أن يستخدم ككبش فداء لإخفاقات الحكومة وفسادها ، إلا أنه لم يتخذ خطوات جدية لمواجهة هذا السلوك الاستغلالي.  كانت المهمة الأساسية لهذه الشراكة هي تصحيح مسار حكومة هادي، ولكن مع افتقار المجلس الانتقالي الجنوبي للصلاحيات اللازمة لإحداث تغيير ملموس ضمن إطارها الحالي، يصبح من الصعب بشكل متزايد تبرير استمرارها.ورغم أن الضغوط الإقليمية قد حافظت على استمرارية هذه الشراكة حتى الآن، إلا أنه مجرد مسألة وقت قبل أن يستغل الحوثيون حالة السخط الشعبي ضد المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة اليمنية وداعميهما الإقليميين، مما قد يتسبب في انهيار كافة الإنجازات التي تم تحقيقها منذ عام 2015.


علاء محسن

باحث مقيم لدى مركز سوث24 للأخبار والدراسات. باحث دكتوراه في العلوم السياسية بجامعة يوتا ومتخصص في سياسات الشرق الأوسط


Shared Post
Subscribe

Read also