التحليلات

كيف يواجه الحوثيون مخاوفهم من تكرار نموذج سوريا في اليمن؟

مواطنون بصنعاء تجمعوا بجولة فلسطين للاحتفال بإعلان وقف إطلاق النار بغزة، 19 يناير 2025 (إعلام حوثي)

20-01-2025 at 1 PM Aden Time

language-symbol

"حالة الاهتمام والجدل بشأن مستقبل جماعة الحوثيين في اليمن لم تقتصر على المراقبين والمتابعين للشأن الإقليمي فحسب، بل امتدت لتشمل الجماعة ذاتها، التي تبدو مدركة بعمق لخطورة السيناريو السوري وانعكاساته المحتملة على الوضع اليمني."


إبراهيم علي


باتت قضية مستقبل جماعة الحوثيين في اليمن محورا بارزا للنقاش والتحليل السياسي، خصوصاً بعد الأحداث التي شهدتها الساحة السورية وسقوط نظام بشار الأسد على يد المعارضة. وقد تصاعدت التساؤلات حول مصير الحوثيين في ظل تشابه الظروف الإقليمية، إذ يُنظر إلى الجهتين كامتداد لنفوذ إيران الاستراتيجي في الشرق الأوسط، حيث لعبتا دورا محوريا في تعزيز مصالح طهران في كل من سوريا واليمن.


هذا الارتباط الاستراتيجي بين الحوثيين في اليمن والنظام السوري السابق، باعتبارهما مرتكزين أساسيين لسياسة إيران الخارجية، أثار مخاوف القوى الغربية ودفعها لتبني توجهات تهدف إلى تقليص هذا النفوذ المتزايد. فالدعم الإيراني الموجه للحوثيين، سواء عبر التسليح أو الدعم السياسي، جعلهم طرفا أساسيا في الصراع اليمني، ما أثار قلقا دوليا بشأن تصاعد قوتهم.


في هذا السياق، يُنظر إلى الحراك الغربي، بقيادة الولايات المتحدة وحلفائها، على أنه جزء من استراتيجية أوسع للحد من تمدد إيران الإقليمي، عبر تقويض حلفائها المباشرين في بؤر الصراع، سواء في سوريا أو اليمن. ولذا فإن الحديث عن مستقبل الحوثيين لا ينفصل عن المشهد الإقليمي الأوسع، الذي تسعى فيه القوى الغربية إلى إعادة تشكيل التوازنات الجيوسياسية ومنع طهران من فرض نفوذ أكبر في المنطقة.


مخاوف حوثية


حالة الاهتمام والجدل بشأن مستقبل جماعة الحوثيين في اليمن لم تقتصر على المراقبين والمتابعين للشأن الإقليمي فحسب، بل امتدت لتشمل الجماعة ذاتها، التي تبدو مدركة بعمق لخطورة السيناريو السوري وانعكاساته المحتملة على الوضع اليمني. 


فالحوثيون، باعتبارهم طرفا رئيسيا في النزاع، يواجهون مخاوف حقيقية من إمكانية تكرار تجربة سوريا، حيث أدى التدخل العسكري الدولي والانقسامات الداخلية الحادة إلى انهيار منظومة الحكم وتفكك الدولة. وعلى الرغم من ترحيب الحوثيين بصفقة وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل، إلا أنها أعلنت حديثا أن هجماتها البحرية ستطال فقط السفن الإسرائيلية. وبناء على هذا الموقف، وإضافة إلى أنّ صفقة وقف إطلاق النار لا تشمل بالضرورة جميع المحاور التي تعمل فيها إسرائيل، ستظل المخاوف لدى الحوثيين قائمة، بشأن إمكانية تكرار الهجمات الإسرائيلية في اليمن، أو هجمات التحالف البحري "حارس الازدهار". 


تتجلى هذه المخاوف بوضوح من خلال سلسلة من الإجراءات والتدابير التي اتخذتها الجماعة في الآونة الأخيرة، والتي تعكس محاولاتها المستمرة لتفادي الوقوع في مصير مشابه.


فعلى الصعيد الأمني، عززت الجماعة قبضتها على المناطق الواقعة تحت سيطرتها، عبر تكثيف الأنشطة الاستخباراتية، وتوسيع دائرة الاعتقالات بحق معارضيها، بالإضافة إلى فرض رقابة صارمة على وسائل الإعلام المحلية ومنصات التواصل الاجتماعي، بهدف السيطرة على الخطاب العام ومنع أي محاولات للتحريض الداخلي. أما على المستوى السياسي، فقد أظهرت تصريحات عدد من القيادات الحوثية البارزة، مخاوف واضحة من أي تدخل عسكري أجنبي موسع، مؤكدين في عدة مناسبات رفضهم لسيناريوهات مشابهة لما حدث في سوريا، حيث أدت التدخلات الخارجية إلى تفكيك مؤسسات الدولة وإطالة أمد الصراع.


يُظهر هذا النهج أن الحوثيين يسعون، من خلال سياسات استباقية، إلى ترسيخ سلطتهم وتحصين مواقعهم، تجنبا لمخاطر الانهيار الداخلي والتدخل الخارجي، مع الحفاظ على خطاب سياسي يبرزهم كقوة وطنية مقاومة لأي محاولات لفرض حلول قسرية أو أجندات خارجية، في ظل تصاعد الضغوط الإقليمية والدولية.


اقرأ أيضا: بعد سقوط الأسد، هل ما زالت خارطة الطريق للسلام في اليمن قابلة للتطبيق؟


مواجهة المخاوف


على نحو مفصَّل، شهدت المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي خلال الفترة الماضية حالة من الاستنفار الواسع والمتصاعد، شملت مختلف الأصعدة، في محاولة واضحة لتعزيز السيطرة الداخلية ودرء أي تهديدات محتملة.


شعبيا:اتخذت الجماعة خطوة لافتة تمثلت في الإعلان عن صرف نصف راتب شهري لموظفي الدولة، رغم أن ملف الرواتب كان ومايزال من أبرز القضايا العالقة في مسار المفاوضات اليمنية السابقة. ويبدو أن هذا التحرك يهدف بشكل واضح إلى تهدئة حالة السخط الشعبي ومحاولة كسب تأييد الشارع، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية المتدهورة التي تعاني منها البلاد. هذه الخطوة، رغم محدوديتها، تأتي كجزء من استراتيجية أوسع لتفادي حدوث اضطرابات داخلية قد تؤثر على قبضتها الأمنية والسياسية في مناطق سيطرتها.


عسكريا:من الناحية العسكرية، رفعت الجماعة مستوى الجاهزية القتالية إلى مستويات غير مسبوقة، خاصة في المناطق التي يُتوقع أن تشهد مواجهات مباشرة في حال اندلاع تصعيد جديد. وتم رصد تحركات عسكرية مكثفة، أبرزها إرسال تعزيزات كبيرة إلى محافظة البيضاء، وهي محافظة استراتيجية تتوسط البلاد، ما يعكس خشية الحوثيين من هجوم محتمل قد يأتي من الجهات الجنوبية أو الشرقية.


وفي الوقت ذاته، عززت الجماعة مواقعها في جبهات تعز، التي تمثل محورا نشطا للصراع، حيث جرى تكثيف التحصينات واستقدام مقاتلين جدد، في محاولة للحد من أي تقدم محتمل للقوات المناوئة لها. 


ربما يرى الحوثيون أن أي انتصار، ولو كان وهميًا، قد يسهم في وقف انهيار الروح المعنوية لأتباعهم، كما قد يعطل اندفاع خصومهم الساعين إلى إسقاطهم. لذا، من المتوقع أن يلجؤوا إلى تحركات عسكرية متفرقة في أكثر من جبهة، ليس بهدف تحقيق تقدم حقيقي، بل لخلق صورة دعائية توحي بأنهم ما زالوا في موقع القوة والمبادرة، لا في موقف دفاعي متراجع.


وفي السياق ذاته، تبدو مخاوف الحوثيين جلية من احتمالية أن تتحول تعز إلى الشرارة الأولى في سلسلة انهياراتهم، ما يدفعهم إلى تركيز جهودهم على هذه الجبهة، سواء عبر تعزيز دفاعاتهم أو السعي لتحقيق إنجاز رمزي فيها، خشية أن تصبح نقطة الانطلاق نحو سقوط صنعاء. أما في مأرب، وهي من الجبهات الأكثر حساسية واستراتيجية، فقد اتخذت الجماعة تكتيكا دفاعيا متقدما، بانسحابها من بعض المواقع الأمامية نحو خطوط دفاعية أكثر تحصينا، الأمر الذي يعكس تخوفا من هجمات مباغتة أو محاولات اختراق لجبهاتها هناك. وبحسب مصادر خاصة، خيم هدوء غير مسبوق على جبهة "الجوبة" بمحافظة مأرب، في سابقة لم تشهدها المنطقة منذ أعوام، بعد أن كانت ساحة لمناوشات شبه يومية. وأفادت المصادر ذاتها بأن عناصر جماعة الحوثي قد انسحبوا إلى منطقة "نجد المجمعة"، نظرًا لما تتمتع به من تحصينات دفاعية أقوى وموقع استراتيجي أكثر أمانا.


وفي سياق الحملة الأمنية الواسعة التي شنّتها جماعة الحوثي في المناطق الخاضعة لسلطتها، والتي تمثلت في سلسلة من الاعتقالات الواسعة تحت ذرائع متعددة، قامت الجماعة بالإفراج عن مجموعة من المعتقلين السابقين الذين أمضى بعضهم سنوات طويلة تتراوح بين 5 إلى 10 أعوام في سجونها، وبعض هؤلاء المعتقلين كانوا قد حُكم عليهم بالإعدام. ومن الواضح أن الحملة الأمنية التي شنّتها الجماعة من خلال هذه الاعتقالات كانت تهدف بشكل رئيسي إلى إبراز قوتها العسكرية والأمنية، والتأكيد على يقظتها في مواجهة أي تهديدات محتملة داخل مناطق سيطرتها.


ومع ذلك، يبدو أن قرار الإفراج عن المعتقلين يشير إلى توجه آخر في سياسة الجماعة، حيث يهدف إلى تحسين صورتها في أذهان الرأي العام المحلي والدولي، خاصة في ظل الضغوط الإعلامية والحقوقية التي تزايدت على خلفية الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان في السجون. هذا التوجه يمكن أن يُفهم في سياق سعي الجماعة لتقديم نفسها كطرف يسعى إلى تعزيز حقوق الإنسان وإنهاء فترة الحبس الطويلة لمعتقلين قد يكونون قد أمضوا سنوات دون محاكمات عادلة أو لسبب غير واضح.

من الجدير بالذكر أن هذه الخطوة تأتي في وقت حساس، خاصة بعد الانتهاكات المروعة التي تم الكشف عنها في سجون نظام بشار الأسد في سوريا عقب انهيار النظام، والتي أظهرت حجم المعاناة التي يتعرض لها المعتقلون في سجون الأنظمة القمعية.


تهديد السعودية


يدرك الحوثيون جيدا أن تكرار سيناريو إسقاط نظام بشار الأسد في سوريا داخل اليمن ليس ممكنا دون موافقة الرياض، الأمر الذي دفعهم لتوجيه تحذيرات واضحة ومباشرة للمملكة من مغبة محاولة إعادة تطبيق هذا النموذج في البلاد. تأتي هذه التحذيرات في سياق تعقيدات المشهد اليمني، حيث تشكل الإرادة الإقليمية والدولية عاملا حاسما في رسم ملامح مستقبل الصراع.


وبحسب مصادر مطلعة، فإن جماعة الحوثي استخدمت قنوات سياسية وإعلامية متعددة للتعبير عن موقفها الرافض لأي تدخل من شأنه تغيير التوازنات القائمة. كما ألمحوا في عدة تصريحات إلى أن أي محاولة سعودية لدعم تحرك عسكري مماثل لما حدث في سوريا، قد تواجه بردود فعل عنيفة تتجاوز الحدود اليمنية، في إشارة ضمنية إلى قدرتهم على استهداف المصالح السعودية. في لقائه الأخير مع قناة "الميادين"، أطلق القيادي محمد علي الحوثي تهديد مباشرة للسعودية إن دعمت أية عملية عسكرية ضدهم.


وفي حين تواصل السعودية البحث عن مخرج سياسي يضمن استقرار حدودها الجنوبية، يبدو أن الحوثيين يسعون لترسيخ معادلة الردع، معتبرين أن أي تغيير جذري في موازين القوى يجب أن يتم بتوافق إقليمي، لا بفرض واقع ميداني مشابه لما جرى في سوريا.


بعد اتفاق غزة


يثير الربط بين عمليات الحوثيين البحرية والهجمات على إسرائيل خلال حرب غزة، وبين احتمالية توقف هذه العمليات بعد اتفاق وقف إطلاق النار مع حماس، تساؤلًا هامًا حول مستقبل الصراع في اليمن. وتحديدًا: هل يمكن أن يشهد الحوثيون مصيرا مشابها لنظام الأسد في سوريا؟.


هناك عدة عوامل قد تجعل الحوثيين قلقين من تكرار السيناريو السوري في اليمن بعد اتفاق غزة، أبرزها:


تراجع الدعم السياسي: كما حدث في سوريا بعد وقف إطلاق النار في لبنان، قد يؤدي وقف إطلاق النار في غزة إلى تقليص الدعم السياسي الإقليمي والدولي للحوثيين. ومع انخفاض حدة الصراع في المنطقة، قد تزداد الضغوط على الحوثيين للقبول بتسويات سياسية.


تغير الأولويات الإقليمية: بعد توقف الحرب في غزة، قد يتحول التركيز الإقليمي والدولي نحو أزمات أخرى، بما فيها اليمن. هذا التحول قد يؤدي إلى ضغوط أكبر على الحوثيين، مثل فرض عقوبات مشددة، تدخلات دبلوماسية أكثر قوة وربما عسكرية، خصوصا مع تولي ترامب السلطة رسميا في 20 يناير.


الفراغ السياسي والأمني: كما شهدت سوريا تحديات داخلية نتيجة التدخلات الخارجية والانقسامات الداخلية، قد يواجه الحوثيون صعوبات مماثلة. زيادة الضغوط الاقتصادية والشعبية قد تضعف سيطرتهم على المناطق التي يحكمونها.


الضربات العسكرية المحتملة: إذا توقف الحوثيون عن عملياتهم البحرية واستمرت تهديداتهم الإقليمية، فقد يصبحون هدفًا لضربات عسكرية مشابهة لتلك التي استهدفت النظام السوري، ضمن جهود إضعاف حلفاء إيران في المنطقة.


العزلة الدبلوماسية: بعد اتفاق غزة، قد يزداد عزلة الحوثيين دبلوماسيًا، خاصة إذا تعامل المجتمع الدولي بجدية مع تهديداتهم السابقة للملاحة البحرية والسلام الإقليمي.


الرفض الشعبي: استثمر الحوثيون مركزية القضية الفلسطينية في وجدان المواطن اليمني، وحاولوا حرف اهتمامات الجماهير عن التحديات الاقتصادية والإنسانية التي يواجهونها بفعل سياسات الجماعة، نحو الحرب في غزة. لذلك شهدت صنعاء ومدن تخضع لسيطرتهم تظاهرات أسبوعية مستمر طيلة فترة الحرب. بعد توقف الحرب في غزة، ستفقد الجماهير هذا الزخم، وستعود القضايا المحلية للبروز في وجه الجماعة وسياساتها، الأمر الذي قد يغذي الرفض الشعبي للجماعة مجددا.


وفي الختام، لا يمكن الجزم بأن السيناريو السوري سيتكرر في اليمن بشكل كامل. لكن هناك تشابهات في العوامل التي قد تؤدي إلى سيناريوهات أو نتائج مشابه، خاصة مع تغير المعادلات الإقليمية والدولية بعد اتفاق غزة.


إبراهيم علي

اسم مستعار لخبير في شؤون في الجماعات المسلحة، أخفى هويته لأسباب شخصية.

Shared Post
Subscribe

Read also