اليمنيون النازحون المتضررون من الفيضانات الأخيرة يتلقون مساعدات إنسانية في 16 أغسطس - خالد زياد/وكالة فرانس برس/Getty Images.
04-11-2024 at 10 PM Aden Time
سوث24 | عبد الله الشادلي
بعد عامين من توقف صادرات النفط إلى الخارج في أكتوبر 2022، وصلت الأزمة الاقتصادية في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا إلى ذروتها مع تجاوز قيمة الدولار الأمريكي 2040 ريالًا يمنيًا منذ أسبوعين، لأول مرة منذ بدء التداول بهذه العملة عام 1990.
وقد أصدر البنك الدولي في 31 أكتوبر تقريرًا يحذر فيه من تدهور الأوضاع الإنسانية والاقتصادية في اليمن، مع توقع انكماش الاقتصاد بنسبة 1% لعام 2024 بعد انخفاضه بنسبة 2% في العام السابق. التقرير أشار إلى تراجع الإيرادات بنسبة 42% نتيجة الحصار الحوثي على صادرات النفط، مما أضعف قدرة الحكومة على توفير الخدمات الأساسية ورفع من مستويات الفقر وانعدام الأمن الغذائي.
وقد تسبب الانخفاض القياسي بقيمة العملة بارتفاع أسعار الغذاء، بالتزامن مع تردي الخدمات الأساسية للسكان في جنوب اليمن والمناطق القليلة التي تخضع للحكومة في الشمال. وفي مقدمة هذه الخدمات الكهرباء التي وصلت انقطاعاتها في محافظة حضرموت إلى 20 ساعة في اليوم الواحد.
أدت هذه الأوضاع إلى مظاهرات وتحركات شعبية في محافظة حضرموت، أبرزها التحركات التي قادها حلف قبائل حضرموت والتي تضمنت قائمة مطالب سياسية وحقوقية، ونشر مسلحين حول حقول النفط، والتهديد بفرض الحكم الذاتي. وفي23 أكتوبر، شهدت مديرية الشحر في حضرموت احتجاجات منددة بتردي الخدمات، تكررت لأيام لاحقة.
مُتعلق: الخدمات تتدهور في حضرموت وسط احتقان سياسي وشعبي
وكانت مدينة تعز قد شهدت في 16 أكتوبر إضرابًا عامًا محدودًا وتظاهرة شعبية، تنديدًا بالانهيار المتسارع في قيمة العملة المحلية.
صادرات النفط
في 24 أكتوبر، وخلال اجتماع في واشنطن لمحافظي البنوك المركزية ووزراء المالية في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وباكستان، قال محافظ البنك المركزي في عدن، أحمد غالب المعبقي، إن الحكومة اليمنية فقدت أكثر من ستة مليارات دولار خلال الـ 30 شهراً الماضية نتيجة توقف صادرات النفط والغاز بسبب هجمات الحوثيين على الموانئ في حضرموت وشبوة.
وأشار المعبقي إلى سبب إضافي يتمثل بـ "استهداف الحوثيين للملاحة الدولية في البحر الأحمر مما ضاعف كلف النقل والتأمين واضطراب سلاسل الإمداد والتي أدت إلى زيادة معاناة الشعب وتدهور متسارع في الأوضاع وانعدام الأمن الغذائي وانعدام القدرة على توفير الخدمات الأساسية وزيادة معدلات الفقر لتتجاوز أكثر من 80%".
ولم تستطع الحكومة اليمنية حتى الآن فرض إعادة تصدير النفط نتيجة غياب القدرات العسكرية اللازمة للتصدي لهجمات الحوثيين بالطائرات المسيرة والصواريخ، فضلًا عن الترتيبات السياسية والاقتصادية التي سعت السعودية وسلطنة عمان لتطبيقها عبر المبعوث الأممي إلى اليمن خلال 2023، قبل أن تلقي الحرب في غزة وانخراط الحوثيين في حملة بحرية لاستهداف السفن بظلالها على هذا المسار وتؤدي لتجميد (خارطة الطريق).
ويؤكد الخبير العسكري العقيد عبد الناصر السنيدي على أن مجلس القيادة الرئاسي "يواجه مشكلة حقيقية بسبب أسلحة الحوثيين الاستراتيجية، مثل الصواريخ المضادة للسفن والطائرات المسيرة". وقال لمركز سوث24: "الحوثيون عنصر شاذ لا يخضع للقوانين الدولية، لكن دعم القوات التي تواجههم على الأرض وفي مقدمتها القوات الجنوبية أمر مهم لإضعافهم".
لكن الخبير السياسي محمود الطاهر يرى أن غياب القرار السياسي هو ما يمنع استعادة صادرات النفط والغاز، أكثر من الأسباب العسكرية نفسها. مضيفًا لمركز سوث24: "بعض المسؤولين في الحكومة يعملون وفق أجندات شخصية أو ربما يتأثرون بتوجهات خارجية. هناك أيضًا مصالح خاصة تشمل بعض القيادات العسكرية والوزراء في مجلس القيادة الرئاسي، مما يجعل العملية أكثر تعقيداً".
وأضاف الطاهر أن "الحكومة اليمنية تواجه تحديات كبيرة في تنفيذ ما تريده، خصوصاً أنها قد تخشى من المواجهة العسكرية المحتملة في الفترة القادمة، حيث يستعد الحوثيون بشكل كبير لاجتياح الساحل الغربي للبلاد".
تداعيات سياسية وأمنية
يحذر أستاذ العلوم السياسية بجامعة عدن، د. سامي محمد، من أن استمرار تدهور الوضع الاقتصادي سيؤدي إلى تدهور الأوضاع السياسية والأمنية في البلاد.
وقال لمركز سوث24: "ارتفاع معدل الجرائم وانهيار العملة المحلية وارتفاع أسعار العملات الأجنبية سيؤدي إلى زيادة أسعار السلع الأساسية، مما قد يدفع الحوثيين لاستغلال هذا الوضع ليظهروا كبديل اقتصادي للحكومة. في حال اندلاع المعارك، ستواجه الحكومة موارد محدودة، مما سيزيد من تعقيد الأوضاع".
وأكد على ضرورة اتخاذ الحكومة إجراءات عاجلة للحد من تداعيات انهيار العملة، من خلال تخفيض الإنفاق بالعملات الصعبة، وتشجيع الصناعات الوطنية، وجذب الاستثمارات. ولفت إلى أهمية البحث عن مصادر تمويل جديدة وإعادة تصدير النفط والغاز.
ولفت إلى أن "الحلول محدودة، ويجب على الدول الداعمة تقديم دعم عاجل، لكن ذلك يتطلب وجود خطة واضحة". وحذر من أنه بدون الحصول على هذا الدعم، قد تواجه البلاد كارثة حقيقية، لا سيّما مع انخفاض التزام المواطنين بدفع رسوم الخدمات الأساسية.
فشل ممتد
يصف الخبير الاقتصادي عبد الحميد المساجدي الأزمة الحالية في اليمن بأنها "من أسوأ الأزمات منذ بدء الحرب". مشيراً إلى أن الأسباب تتعلق بتراكم عوامل متعددة، أبرزها الفساد والفشل في إدارة الملفات الاقتصادية.
وقال لمركز سوث24: "الوضع الراهن يتطلب تغييرات جذرية"، مضيفاً: "يتحكم الفاسدون في مصير الاقتصاد، مما يُعد جريمة بحق الوطن. ورغم وجود حلول مقترحة، إلا أن استمرار الفساد يمنع تنفيذها، مما ينعكس سلباً على حياة المواطنين والاقتصاد".
وقال المساجدي إن الحكومة اليمنية "تبدو عاجزة عن إيجاد بدائل لتوقف تصدير النفط، وهو ما يعكس فشلًا ذريعًا".
وفي 16 أكتوبر، تحدث رئيس الوزراء اليمني أحمد بن مبارك عن "مؤامرة" تستهدف الاستقرار الاقتصادي، خلال اجتماع مع قيادة البنك المركزي في عدن.
وزعم بن مبارك أن "التدهور الحاد وغير المبرر في سعر صرف العملة الوطنية يشكل تهديدًا وجوديًا للاقتصاد الوطني، ويوازي في خطورته التحديات الأمنية التي تواجه البلاد". وقال إن انهيار الريال اليمني "ليس نتيجة عوامل اقتصادية طبيعية، ولا يتوافق مع حجم الكتلة النقدية المتداولة".
وفي 24 أكتوبر، حذرت هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي "من مخاطر استمرار البنك المركزي بعدن في سياسته الحالية لضخ العملة الأجنبية عبر المزادات غير الشفافة، التي تستفيد منها بشكل رئيسي البنوك وشركات الصرافة في صنعاء".
ودعت إلى "وقف هذه المزادات وإلغاء قرار تعويم أسعار الصرف، وتحديد سعر صرف جبري".
وعلى المدى المنظور، لا يبدو أن الوضع الاقتصادي في اليمن قد يشهد تحسنا في ظل عدم استئناف تصدير النفط والغاز، واتخاذ إجراءات عملية لمكافحة الفساد داخل الحكومة، وتطبيق الإصلاحات الاقتصادية في مؤسساتها المالية.