التحليلات

التفاهمات السعودية - الإيرانية وتوسيع خارطة «بريكس» (ورقة تحليلية)

خلال قمة بريكس في الصين 2017 (رويترز)

02-04-2023 at 2 PM Aden Time

language-symbol
"أفضت التفاعلات القائمة بخريطة النظام الدولي الحاجة للدول النامية والناشئة للبحث عن مسارات وصياغات تعاونية جديدة، وفك الارتباط عن السياسات الأُحادية الغربية. هو ما يدفع دول الشرق الأوسط بإعادة النظر في شكل التحالفات القائمة والمُحتملة، وفي مقدمتها التحالف مع دول مجموعة "بريكس". هذه الورقة تسلّط الضوء بشكل أوسع على ذلك. 

د. إيمان زهران



مقدمة


على خطى متسارعة تقاطعت مع مجمل التفاعلات الدولية والإقليمية المتشابكة، تم الإعلان في 10 مارس 2023 عن استئناف العلاقات السعودية – الإيرانية عبر الوساطة الصينية، لتُعيد ترسيم المشهد السياسي ليس فقط على المستوى الإقليمي الفرعي، ولكن بمجمل خريطة النظام العالمي، بالنظر لإعادة فك وتركيب الحلفاء ووكلائهم بالأقاليم الفرعية ذلك يدفع لتقييم دلالات الاتفاق، وفقاً  للمعطيات التالية:


- تم الإعلان عن اتفاق استئناف العلاقات بين الرياض وطهران، دون الحديث عن جولة مفاوضات سادسة، ودون الإشارة إلى الجهود التفاوضية خلال العامين الماضيين بوساطة عراقية وأحيانا عُمانية.


- تم توقيع الاتفاق الرسمي في بكين بوساطة صينية، عقب محادثات استمرت من 6 إلى 10 مارس 2023، لم يُكشف عنها في حينها. وهو تحوّل نوعي في التوجهات الخارجية الصينية وأدوارها المتباينة في الشرق الأوسط، خلافاً للأدوار الاقتصادية والاستثمارية والتجارية، بالنظر إلى مبادرة الحزام والطريق.


- إعادة تقييم ومراجعة فرضيات العلاقات الدولية، والنظام الدولي. وذلك بالنظر إلى "الرؤية الصينية" في إدرة الملفات الصراعية، كنموذج مغاير تماماً لـ "النظريات التبشيرية" التي تحملها الولايات المتحدة عن "صراع الحضارات" أو "الأُطر الديمقراطية في مواجهة النظم السلطوية"، وإنما تقدم للعالم نموذجاً مرناً يستوعب كافة الاختلافات بالتزامن مع إعادة انتخاب "شي جين بينغ" رئيساً للبلاد، لولاية ثالثة مدتها 5 سنوات.


- تأتي الوساطة الصينية لاستئناف العلاقات السعودية الإيرانية، بالتوازي مع محاولات بكين لضم كل من الرياض وطهران لمجموعة بريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون، [أعلن مجلس الوزراء السعودي  الموافقة على مذكرة حول منح المملكة صفة شريك الحوار في منظمة شنغهاي للتعاون[1]] وذلك لتحقيق نوع من "التوزان الجيوسياسي" العالمي عبر استقطاب "خصوم مؤثرة في الشرق الأوسط".


دوافع الاتفاق


تضمنت توصيات "إعلان العُلا" الصادر عن قمة مجلس التعاون الخليجي في 5 يناير 2021، الدعوة إلى التهدئة وتخفيف حدة التوتر في النزاعات الإقليمية. وهو ما دفع "الوسيط العراقي" للبدء في حوار التهدئة بين الرياض وطهران، وتلى ذلك، انضمام الوساطة العُمانية ومحاولة رأب الصدع بين الدولتين وتطويق انعكاساته على الأزمة اليمنية. وعلى مدى عامين وبالرغم من الجهد الدبلوماسي الفائق، فإنه – حسب ما صُرح به وقتها – لم يقد الحوار السعودي الإيراني، بوساطة إقليمية، إلى شيء[2]. وعلى الرغم من عدم نجاح المفاوضات الإقليمية إلا أنه من المؤكد أنها جدولت القضايا ذات الإختلاف ورؤية كل الأطراف للحل. وهو ما تم البناء عليه عبر الوساطة الصينية، لتؤسس بدورها لدوافع الأطراف لإنجاح ذلك الاتفاق، وذلك من خلال: 


-  الدوافع السعودية: تنصرف تلك الدوافع لعدد من الأهداف، أبرزها، أولاً: التطلع السعودي لدور مختلف في المنطقة بعيداً عن الارتباط الوثيق بالولايات المتحدة الأمريكية، ثانياً: رغبة المملكة في اتباع سياسة "تنويع الحلفاء" وذلك بعلاقاتها مع القوى الدولية، وليس فقط مع واشنطن. ولعل هذا الاتفاق الثلاثي برعاية صينية خطوة نحو إنجاز ذلك الهدف، على الرغم من أن واشنطن حاولت التقليل من دور بكين في هذا الاتفاق، بالتأكيد على لسان المتحدث باسم البيت الأبيض، جون كيربي، "أن المملكة قد أبقت المسؤولين الأمريكيين على اطلاع على المحادثات مع إيران"[3]. وثالثاً: ما تتطلع إليه الرياض من تسوية صراعات منطقة الشرق الأوسط، وتخفيف حدة أزماتها، بهدف خلق بيئة إقليمية مواتية لرؤيتها التنموية 2030، والتي أعلن عنها ولي العهد السعودي، الأمير "محمد بن سلمان"، وهي خطة اقتصادية تنموية، لا تعتمد على عائدات النفط فقط، بل تستهدف جذب الاستثمارات الدولية إلى المملكة، وهو ما يستلزم معه تأمين استقرار المنطقة وإنهاء مسببات التوتر فيها.


- الدوافع الإيرانية: تستهدف من الاتفاق المُبرم عدداً من الرسائل، أبرزها، أولاً: كسر حالة العزلة عليها إقليمياً. ثانياً: تخفيف حدة الضغوط الدولية المفروضة عليها. ثالثاً: مقايضة الضغوط الدولية المتزايدة على نظام طهران بسبب التقارير الواردة عن انخراطها في الحرب الروسية الأوكرانية. رابعاً: ما يتعلق بوضعية ملف حقوق الإنسان في ظل الاضطرابات والاحتجاجات التي تشهدها البلاد منذ عدة أشهر متواصلة وتعامل السلطات الأمنية ضدها. وخامساً: ما يتمثل في إخفاق جولات المباحثات المتتالية في التوصّل لتسوية بشأن الاتفاق النووي مع القوى الغربية، إذ بالنظر إلى السياقات السابق عرضها، ستسعى طهران لتحقيق إنجاز بحجم إعادة العلاقات مع السعودية، بهدف إعادة تسويق النظام الإيراني لنفسه داخلياً وخارجياً[4]. 


- الدوافع الصينية: تتلخص الدوافع الصينية في الاتفاق السعودي الإيراني إلى ما يلي، أولاً: انتصار دبلوماسي لبكين، وإعادة التموضع السياسي بمنطقة ذات ثقل نوعي تحظى بهيمنة أمريكية، حيث تراجعت واشنطن عن قضايا الشرق الأوسط مقابل التحوّل نحو الصراع على "أحادية النظام الدولي" مع الصين وروسيا[5]. ثانياً: يُعد الاتفاق المُبرم بمثابة "نافذة" لإعادة توجيه دفة الاهتمامات الشرق أوسطية وإدارتها نحو الشرق، في إشارة إلى تنويع الحلفاء بما يتفق مع مصالح وأهداف قوى المنطقة الاستراتيجية دون الاعتماد المضطرب على قوة واحدة[6]. وثالثاً: الاتفاق السعودي الإيراني بمثابة "رسالة مباشرة" تسعى عبرها بكين لترسيخ فرضية "القوى الصاعدة"، والإقرار بحضورها السياسي والاستراتيجي على كافة المستويات الدولية السياسية والدبلوماسية، وليس فقط المستوى التجاري والاقتصادي[7]. 


انعكاسات الاتفاق


أسفر الاتفاق المُبرم حول استئناف العلاقات السعودية الإيرانية بوساطة صينية إلى العديد من الانعكاسات - المباشرة وغير المباشرة – على مُختلف الملفات المأزومة والقضايا التنموية ذات الأولوية بإقليم الشرق الأوسط، وذلك بالنظر إلى النقاط التالية: 


- تصفير المشكلات إقليمياً: أحد أهم انعكاسات استئناف العلاقات السعودية الإيرانية، ما يتعلق بإعادة صياغة العلاقات الصراعية – القائمة والمُحتملة - إلى علاقات أكثر تعاونية. خاصة بعد مُجمل الارتدادات السلبية على دول الإقليم جرّاء جائحة كورونا، والحرب الروسية الأوكرانية. وهو ما يدفع بدول المنطقة نحو انتهاج سياسية "تصفير المشكلات" بدءًا من إنهاء الخلافات "الخليجية- الخليجية"، وخطوات الحوار المصري التركي، والتحركات القائمة لعودة سوريا للحاضنة العربية، وما تلى ذلك من التفاهمات السعودية الإيرانية وانعكاساتها على الملفات التالية، بالنظر إلى خريطة التمدد الإيراني بالدول المأزومة سياسياً وأمنياً.



المصدر: إيما غراهام هاريسون، خريطة النفوذ الإيراني في المنطقة والعالم، موقع نون بوست،13/1/2020، bit.ly



1. الملف اليمني: أحد أهم الانعكاسات المباشرة للاتفاق المُبرم، وذلك بالنظر إلى أن المملكة العربية السعودية هي الداعم الأول والأكبر للشرعية اليمنية. بالمقابل، فالجمهورية الإيرانية تُعد الداعم الأول والأكبر لجماعة الحوثيين التي تسيطر على أجزاء كبيرة وذات ثقل سكاني في شمال اليمن بما فيها العاصمة صنعاء. ومن ثم، ففي حال أن تم إنجاز كافة متطلبات استئناف العلاقات بين الرياض وطهران، فمن شأن ذلك أن ينتقل بالملف اليمني لمرحلة إنجاز التسوية السياسية عبر إجبار الأطراف المتصارعة على إنهاء الأزمة القائمة والانتقال نحو إعادة بناء الدولة الوطنية. 


2. الملف السوري: بالنظر إلى خرائط الدعم المباشر لـ "المسألة السورية"، فنجد أنه بالوقت الذي تدعم فيه طهران حكومة الرئيس بشار الأسد - بجانب موسكو – فضلاً عما تملكه من قوات وميليشيات ميدانية بالأراضى السورية. بالمقابل، تدعم الرياض القوى المناوئة للحكومة القائمة، لكنها وبعد الزلزال الأخير أعلنت إلى إمكانية عودة سوريا للحاضنة العربية، فضلا عن أنّ مصادر بالخارجية السعودية أعلنت أنّ دمشق والرياض اتفقتا على إعادة فتح سفارتيهما في البلدين.[8]


3. الملف اللبناني: ستسهم المصالحة السعودية الإيرانية في إعادة توطئة الأوضاع السياسية بالداخل اللبناني على عدد من المستويات، أبرزها، على المستوى السياسي: إنهاء حالة الفراغ الرئاسي فيما بعد فترة الرئيس "ميشال عون"، خصوصا بعد رفض الكتل السياسية السنية والمارونية لمرشح حزب الله "سليمان فرنجية". وعلى المستوى الاقتصادي: تتمثل في المساهمة بضخ الاستثمارات الخليجية لموازنة حالة الركود والتردي الاقتصادي على خلفية "إفلاس الدولة"، فضلاً عن إنجاز متطلبات "إعادة الإعمار" وما لحق من دمار بالدولة اللبنانية على خلفية تفجيرات "مرفأ بيروت". 


4. الملف العراقي: ساهمت بغداد بمشاركة النظام العُماني على مدار العامين المنصرمين في خلق مساحات مشتركة بين النظامين السعودي والإيراني ما قبل الوساطة الصينية، رغبةً منها فى خلق تفاهمات نوعية بين مختلف القوى المدعومة من إيران والتي صارت اللاعب الأكبر في الساحة العراقية منذ الغزو الأمريكي عام 2002 لإنجاز متطلبات الاستقرار السياسي. بالإضافة إلى الرغبة في "فك الارتباط" مع النظام الإيراني، واستعادة الثقل العراقي بالمنطقة العربية.  


5. ملف المصالحات: إذ سيسهم الاتفاق المُبرم فى استدعاء ما يُعرف بـ "نظرية الدومينو"، حيث من المُرجع أن يتم استثمار الحدث في تعميق المصالحة الإيرانية مع الإمارات، إذ برغم استئناف العلاقات بين طهران وأبوظبي، لكن المصالحة الأخيرة قد تنزع الفتيل المشتعل دوماً على خلفية أزمات كثيرة، أهمها احتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاثة "طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى"[9]. فضلاً عن احتمالات تحسين العلاقات المضطربة مع دولة البحرين، وكذلك عودة العلاقات بين مصر وطهران، والمتوقفة منذ قيام الثورة الإيرانية في عام 1979. إذ أن أحد أسباب استمرار قطع العلاقات كان الرفض المصري للتهديدات الإيرانية لدول الخليج العربي. 


6. توسيع خريطة الحلفاء: ثمّة عدد من الرهانات التي تلحق بسرديات الاتفاق السعودي الإيراني، أبرزها ما يتعلق بتوسيع خريطة الحلفاء والقوى الدولية المؤثرة بالمنطقة. حيث إن بكين نجحت في تسويق "نموذجها السياسي" بكونه بديل ناجح لـ "النموذج الغربي". وذلك عبر عدد من المحددات التي لاقت استحساناً بالمنطقة العربية، أبرزها[10]، أولاً: التأكيد على مبدأ عدم التدخل في شؤون الدول مثل عدم الحديث حول ملف حقوق الإنسان، وثانياً: منح الدول الصديقة مساعدات اقتصادية وتنموية غير مشروطة. وثالثاً: تسويقها لإعادة ترسيم النظام الدولي نحو "التعددية القطبية" ونبذ فرضية "الأُحادية الأمريكية". حيث جميعها محددات دفعت بدول الشرق الأوسط نحو الإزاحة شرقاً لتنويع خريطة حلفاءها بالنظام الدولي، والتحرر من نمط "الأحادية"، والاستناد إلى نمط "التعددية"، وذلك بما يخدم الأجندات التنموية والأهداف الاستراتيجية الوطنية والإقليمية العربية. 


7. الانفتاح على التكتلات الاقتصادية الصاعدة: ثمّة علاقة طردية ما بين التفاعلات السياسية والتطلعات الاقتصادية. إذ كل منهم يخدم أجندة الآخر، ومن هذا المنطلق، تتلاقى التفاهمات السعودية الإيرانية عبر الوساطة الصينية، مع رغبة الأخيرة في انضمام دول شرق أوسطية للتكتلات الاقتصادية الصاعدة ذات الثقل في محيطهم الجغرافي، وفي مقدمتهم تحالف "بريكس"، حيث تقدّمت كلٌ من الرياض وطهران، بطلب لعضوية التحالف. ومن المُرجّح مناقشة مجموعة "بريكس" – خلال مؤتمرها هذا العام - البت في عضوية دول جديدة ترغب بالانضمام إلى المجموعة، وفي مقدمتها القاهرة والرياض وطهران، رغبة منهم في تنويع الخرائط الاقتصادية استناداً لما أضفته خبرة التعامل الدولي والإقليمي مع "الأزمات غير التقليدية" كجائحة كورونا والارتدادات المتباينة للحرب الروسية الأوكرانية على كافة الأوجه الاقتصادية والتجارية والتنموية. بما يستلزم معه إعادة النظر في أنماط التحالفات الاقتصادية نحو الانفتاح على التعددية وتنويع الشركاء.

 


لماذا "بريكس"؟


بريكس هو مختصر للحروف الأولى باللغة اللاتتينية BRICS المكونة لأسماء الدول ذي الاقتصاد الأسرع نموا في العالم، (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا). تم تأسيسه في روسيا في حزيران 2009 بحضور رؤساء أربع دول. وقد تضمن الإعلان عن تأسيس نظام عالمي ثنائي القطبية. واتفق رؤساء الدول حينها على مواصلة التنسيق في أكثر القضايا الاقتصادية العالمية آنية. وقد انضمت دولة جنوب أفريقيا إلى المجموعة عام 2010. وتشكل مساحة هذه الدول الخمس ربع مساحة اليابسة، وعدد سكانها يقارب 40% من سكان الأرض. [11]


وبالإشارة إلى مُجمل التفاعلات الدولية – التقليدية وغير التقليدية - وانعكاساتها المباشرة على اقتصاديات دول العالم، فنجد أن مجموعة "بريكس" تسعى إلى بناء منصة أوسع للتعاون الأممي، وخلق آفاق جديدة للتنمية المشتركة بين أسواق الدول الناشئة والنامية، وتأسيساً على ذلك تسعى العديد من دول الشرق الأوسط لطلب عضوية الانضمام لذلك التحالف الاقتصادي والتنموي، وذلك استناداً إلى عدد من المحددات التي تدعم فرضية ذلك الانضمام، وذلك بالنظر إلى:


- ما آلت إليه حركة العولمة وما تلاها من ركود الاقتصاد العالمي جراء العديد من الاضطرابات غير التقليدية، وفي مقدمتها جائحة كورونا. وهو ما دفع بدول تجمع بريكس لبناء تفاهمات مشتركة لمواجهة التحديات الجديدة التي أثارتها الأزمات بشكل أفضل، وكذلك الرغبة في هيكلة نظام اقتصادي دولي أكثر عدلًا، من شأنه أن يُلبي تطلعات البلدان النامية والصاعدة بشكل أفضل.


- أفضت الحرب الروسية الأوكرانية إلى مراجعة الدول النامية والصاعدة لأوجه التحالف الاقتصادي والتنموي، وهو ما انعكس على ما يُعرف بـ "توجّهات مزدوجة" لدى مجموعة بريكس في توسيع نطاقها، ولدى الدول النامية والصاعدة في الانضمام لتجمعات تتسم بالمرونة والتنوع. فعلى سبيل المثال: اقترحت الصين بدء عملية توسيع مجموعة "بريكس"، حيث انضم إلى مشاورات "بريكس - بلس" ممثلون عن الأرجنتين ومصر وإندونيسيا وكازاخستان ونيجيريا والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والسنغال وتايلند. وجميع هذه الدول، قد يكونوا أعضاءً محتملين في المنظمة مستقبلًا، بالنظر إلى اجتماع المجموعة المُقبل في أغسطس في جنوب إفريقيا.


- من المُنتظر بالاجتماع القادم مناقشة عدد من الموضوعات ذات الأولية بالنظر لحجم التفاعلات القائمة بالنظام العالمي، حيث منها[12]، أولاً: طلبات انضمام دول مهمة، ثانياً: طرح فرضية توسيع نطاق الحلول للمشكلات العالمية، بما في ذلك القضايا الملحّة مثل تغير المناخ والتجارة في السلع الزراعية، ثالثاً: مناقشة تمدد دوائر أعمال "بريكس" بكافة المجالات التجارية والمالية والاستثمارية، وذلك بالرغم من جميع المشاكل والصعوبات التقليدية وغير التقليدية التي تعصف بأغلب النظم الاقتصادية لدول العالم. ورابعاً: مناقشة سُبل التعافي العالمي من خلال طرح هيكلة نموذج جديد للعلاقات الدولية لنشر جهود التنمية. 


- الحديث عن تفاهمات مشتركة بين الدول النامية والصاعدة لتعزيز أطر التمكين وإصلاح النظام المتعدد الأطراف، وذلك كالحديث حول جعل أدوات وآليات الحوكمة العالمية أكثر شمولاً وتشاركية، وتعزيز المشاركة النوعية بكافة المجالات الحيوية بالبلدان النامية والناشئة، خاصة بعمليات وهياكل صنع القرار العالمية، وذلك استناداً لما ورد بتوصيات البيان الصادرعن إعلان بكين للقمة 14 لدول "بريكس" [13].


- سيؤهل الانضمام إلى تجمّع "بريكس"، إلى انتقال الدول نحو بناء أطر لـ "التكامل الاقتصادي" مع دول المجموعة، وهو من شأنه الدفع بعدد من التعزيزات على كافة المجالات النوعية، أبرزها: شركات ثنائية ومتعددة تستهدف تطوير البُنى التحتية، مشاريع اقتصادية واستثمارية مشتركة جديدة، التوقيع على اتفاقيات تفاضلية تتعلق برفع القيود الجمركية والعراقيل غير الجمركية، فضلاً عن الاستفادة من تجارب دول "بريكس" الرائدة في قطاعات معينة كالصناعة والزراعة والمناجم واستغلال الثروات الباطنية.


- الاستفادة من توجّهات تجمع بريكس نحو الدول النامية، مستغلين في ذلك تأسيس بنك التنمية الجديد، إذ يمكن أن تؤدي العلاقات بين دول تجمع الـ "بريكس" والدول النامية والصاعدة إلى ظهور استراتيجيات مشتركة من أجل المنفعة المتبادلة، في ظل اضطراب اقتصاديات الدول جرّاء الحرب الروسية الأوكرانية. 


انعكاسات مُحتملة


أفضت التطورات المتلاحقة للحرب الروسية – الأوكرانية، إلى حالة من الانقسام بالنظام العالمي، ما بين معسكر غربي + واشنطن، وآخر داعم للسياسات الروسية. وبالمنتصف توجد عدة دول تتبنى مقاربة حذرة تقوم على خلق توازنات نوعية بين المعسكر الغربي، والمعسكر الروسي. وفي ظل محاصرة الدول الغربية للدول الرافضة للاصطفاف بالحرب القائمة. فقد ظهر عدد من الدول الراغبة بأن تنأى عن ذلك الصراع عبر إعادة توجيه الدفة نحو تكتلات اقتصادية أخرى، وفي مقدمتها تكتل "بريكس"، كأحد أدوات التحرر وفك الارتباط مع الهيمنة الغربية. وكما أُشير سابقا: قدّمت العديد من الدول طلبات إلى الانضمام لتجمع بريكس، مثل تركيا والسعودية ومصر والأرجنتين وإيران، ومن المُحتمل أن يتم البت في تلك الطلبات بالاجتماع المُقبل في جنوب إفريقيا، ليؤسس ذلك إلى عدد من الانعكاسات المُحتملة، تتمثل في:  


- اضطراب التجانس الهيكلي: إذ في حال انضمام كل من إيران والسعودية لتجمع بريكس، فمن شأن ذلك أن يُحدث حالة من "التباين" في توجهات الأعضاء ورؤيتهم الاستراتيجية، جنباً إلى جنب، مع الاختلافات القائمة بين المؤسسين حيث تتباين رؤاهم حول النظام الدولي وعلاقاتهم مع الغرب، والموقف من التعددية القطبية. فعلى سبيل المثال: الموقف الروسي يتسم بالتشدد تجاه تجاوز المؤسسات الغربية والحد من مخاطر التفاعل معها وخلق مساحات موازية لإدارة العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثماريه بمنأى عن الكتلة الغربية الأمريكية والأوروبية، بينما الموقف الصيني يتسم بالحذر في ظل تشابك نظام بكين التجاري مع كافة دول العالم، في حين أنّ الموقف الهندي يتسم بالحياد والمراوحة في ظل تطلّعات الهند الجيوسياسية عبر الاصطفاف التاريخي لها مع الغرب وعضويتها في التحالف الرباعي "كواد". 


- إعادة النظر في صياغة "بريكس – بلس": من المُحتمل أن يُثار خلاف حول مُقترح بكين الذي تم الإعلان عنه في عام 2017، والتي تسعى من خلاله توسيع مشاركة الجنوب العالمي. فضلاً عن إعادة النظر بالمقترحات الرامية إلى إدماج تجمعات إقليمية بأكملها في المجموعة، مثل: تجمعات الأوراسي، والاتحاد الجمركي للجنوب الإفريقي، وتجمع الميركسور. إذ ترغب موسكو في تعزيز استراتيجيات مشتركة مع تلك التجمعات الإقليمية بهدف زيادة المدفوعات بالعملات الوطنية في تجارتها المتبادلة في ظل تزايد حُزم العقوبات الغربية. ومن المرجّح أن يصبح الانضمام لـ "بريكس" أكثر تعقيداً في حالة قبول الكتل أو المنظمات الإقليمية، خاصة أن هناك توترات وصراعات داخل كل كتلة، يمكن أن تعيق عمل المجموعة ككل[14]. 


- اختلال التجانسات الأمنية: أحد أهم الانعكاسات المُحتملة لانضمام أعضاء جدد – المملكة العربية السعودية والجمهورية الإيرانية.. وغيرهم –  ما يتعلق بالتجانسات الأمنية بين دول التجمع، فعلى سبيل المثال: تزامن تقديم طهران طلبها لعضوية بريكس، مع تقديم الأرجنتين بطلب للعضوية. وفي ظل حديث الأرجنتين عن مسؤولية طهران عن الهجمات الإرهابية التي تم ارتكابها على أراضيها، فضلاً عن الانقسام الداخلي بين دول بريكس حول أهلية انضمام عدد من الدول الجدد مثل إيران، وحجم الارتدادات السلبية لذلك القرار على علاقة دول بريكس مع كل من الولايات المتحدة الأمريكية والكتلة الأوروبية.  


- توظيف التنسيقات الصينية – الإقليمية:  من المحتمل أن تشكّل التفاهمات السعودية – الإيرانية، مردودات إيجابية وانعكاس مباشر على مختلف الملفات ذات الاهتمام المشترك إقليميا، وفي مقدمتها ملف "إدارة الأزمة اليمنية".  إلى جانب ذلك، قد يعزز النفوذ الصيني في المنطقة من  الدفع نحو إنجاز المتطلبات التنموية بالبلدان المشكّلة لمشروع "طريق الحرير الجديد"، وعلى رأسها اليمن. فضلاً عن تنشيط أطر مذكرة التفاهم الموقعة في أبريل2019، وذلك ضمن أعمال القمة الثانية لطرق الحرير، حيث نصّت على انضمام اليمن إلى مجموعة "طريق الحرير"، ومن ثم، فقد تسهم التنسيقات الصينية مع القوى الإقليمية السعودية الإيرانية على تعزيز خيارات التسوية السلمية والإنتقال التدريجي نحو جدولة خطط إعادة الإعمار خاصة فى جنوب اليمن؛ عبر تعزيز مسارات العمل بموجب اتفاقية تأهيل ميناء عدن، والتعاون المشترك لحماية طريق الملاحة الدولية عبر مضيق باب المندب.


تأسيساً على ما سبق.. أفضت التفاعلات القائمة بخريطة النظام الدولي الحاجة للدول النامية والناشئة للبحث عن مسارات وصياغات تعاونية جديدة، وفك الارتباط عن السياسات الأُحادية الغربية. إذ كشفت الارتدادات المتباينة للحرب الروسية – الأوكرانية، وما قبلها من إدارة ملف "جائحة كورونا" عالمياً، عن استدعاء أنماط الحمائية والانغلاق في ظل تصاعد التيارات اليمينية والقومية المتشددة. وهو ما يدفع دول الشرق الأوسط بإعادة النظر في شكل التحالفات القائمة والمُحتملة، وفي مقدمتها التحالف مع دول مجموعة "بريكس"، و تعزيز الاستجابة الخارجية نحو نمط "عدم الانحياز الإيجابي" والنشط، في ظل نظام دولي مضطرب جيوسياسياً على نحو يصُعب التنبؤ بارتداداته على كافة المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية بمختلف الأقاليم الفرعية بالنظام الدولي القائم.




د. إيمان زهران

متخصصة في العلاقات الدولية والأمن الإقليمي

مراجع:

[1] وكالة الأنباء السعودية واس، تويتر

[2] د. عبدالمنعم سعيد، لماذا نجحت الوساطة الصينية بين الرياض وطهران؟، مركز المستقبل للدراسات المستقبلية، 14/3/2023، bit.ly

[3] رانيا مكرم، مُحفزات اقتصادية: دوافع إيران من اتفاق عودة العلاقات مع السعودية، مركز المستقبل للدراسات المستقبلية، 13/3/2023، bit.ly

[4] المرجع السابق.

[5] صالح حسن، “صحيفة: إيران تعهدت بوقف نشاطها المزعزع بموجب الاتفاق السعودي”، العين الإخبارية، 12/3/ 2023، bit.ly

[6] عبد الرحمن الراشد، "بكين.. هل ينهي نزاع 40 عامًا؟"، جريدة الشرق الأوسط، 12 مارس 2023، bit.ly

[7] د. عمرو الشوبكي، “السعودية وإيران”، المصري اليوم، 12 مارس 2023، bit.ly

[8] مباحثات سعودية سورية لاستئناف الخدمات القنصلية | سكاي نيوز عربية (skynewsarabia.com)

[9] عماد الدين حسين، الرابحون من المصالحة السعودية الإيرانية، صحيفة الشروق، 12/3/2023، bit.ly

[10] ماريو ميخائيل، الصين والاتفاق “الإيراني – السعودي”.. إعادة رسم خريطة المنطقة، موقع مصر 360، 14/3/2023، bit.ly

[11] بريكس - ويكيبيديا (wikipedia.org)

[12] قمة بريكس 2023.. عملة عالمية جديدة وحلول للأزمات الدولية، موقع الاقتصاد اليوم، 31/1/2023، bit.ly

[13] قمة الصين.. ما دور "بريكس" في عالم ما بعد حرب أوكرانيا؟، سكاى نيوز عربية، 24/6/2023، bit.ly

[14] السفير د. عزت سعد، تحديات توسيع "بريكس" في ظل نظام دولي مضطرب، مركز المستقبل للأبحاث و الدراسات المتقدمة، 8/2/2023، bit.ly

Shared Post
Subscribe

Read also