التحليلات

إدراكات ملحّة عن «الإطار الخاص» بقضية الجنوب

الصورة: علم جنوب اليمن على قلعة صيرة بعدن (أحمد شهاب)

29-03-2023 at 6 PM Aden Time

language-symbol

سوث24 | فريدة أحمد


في 8 مارس الحالي، أعلنت هيئة التشاور والمصالحة المساندة للمجلس الرئاسي، والمكوّنة من أطياف في الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، إقرار ثلاث وثائق هامة بعد مداولات مطوّلة، وهي اللائحة الداخلية للهيئة، والإطار العام لرؤية السلام الشامل، ووثيقة مبادئ المصالحة بين القوى والمكونات السياسية للشرعية. يُفسح مجيء بيان كهذا في مثل هذا التوقيت، وفي ظل التوتر الذي بات يعصف بمجلس القيادة الرئاسي وعدم توافقه حول كثير من الملفات منذ بدء تشكيله، إلى إعادة ترتيب الواقع الراهن وربما محاولة أخرى لنزع فتيل الخلافات التي بدأت تظهر على السطح في الِأشهر الأخيرة، من خلال وضع صيغ مهمة من الأحكام والمبادئ. وتبعاً لذلك، كان المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن "هانز غروندبرغ" قد رحّب في إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن حول اليمن، بالجهود التي بذلتها الحكومة اليمنية مؤخرًا للاستعداد للعملية السياسية من خلال عمل لجنة التشاور والمصالحة، وذكر أنّه على استعداد للعمل مع الأطراف اليمنية ودعمها للانخراط في العملية السياسية حينما تبدأ بثقة وإحساس واضح بالاتجاه.


وعلى الرغم من أهمية ما تطرحه هيئة التشاور للمجلس الرئاسي، كونها هيئة مساعدة وتقدم مقترحات ورؤى متعلقة بالمصالحة بين مكونات الشرعية، وكذلك تقدّم أفكاراً فيما يتعلق بعمل الهيئة واللائحة التنظيمية وعمل المفاوضات، إلا أنّ ما تطرحه غير ملزم بالتنفيذ في نهاية المطاف، وإنما هو قابل للتشاور والمداولة بين أعضاء مجلس القيادة الرئاسي، قبل الخروج بصيغته النهائية. على سبيل المثال، رُفضت في وقت سابق مسودة الوثيقة القانونية التي قدمّها القيادي في جماعة الإخوان المسلمين، "حمود الهتار"، من قبل الجنوبيين، لما رأوا أنّها محاولة للانقلاب على مخرجات مشاورات الرياض ومجلس القيادة الرئاسي، ومحاولة منح رشاد العليمي صلاحيات تتجاوز دوره المفترض. وقدم المجلس الانتقالي الجنوبي وثائق بديلة مازالت تُناقش لليوم، وهو الأمر الذي يعني أنّ الهيئة ليست مخوّلة بتقديم حلول نهائية للوضع في اليمن بدون أن يتم التداول بشأنها.


من المهم القول، أن مخرجات هيئة التشاور والمصالحة قد تكون ملزمة للحكومة ولرئيس المجلس "رشاد العليمي"، لكنّها قابلة للمداولة من مجلس القيادة الرئاسي وحده، أي أن قراراتها ستكون ملزمة للعليمي ما لم يصدر غير ذلك من المجلس. ورغم ذلك مازالت هناك أطراف يمنية تشكك بعمل الهيئة لكون من يرأسها القيادي في خارجية الانتقالي الجنوبي "محمد الغيثي"، ولديها مخاوف من أنّ عمل الهيئة قد يكون بداية لإقصاء أو حل إحدى مؤسسات الدولة، بالتلميح في ذلك للبرلمان اليمني الذي يترأسه " سلطان البركاني". رغم أن عمل الأخير معطّل منذ انقلاب الحوثيين على الدولة في 2014.


وفي هذا الصدد، يجدر الإشارة إلى أنّ آخر انتخابات لمجلس النواب اليمني كانت في العام 2003. ولا يستطيع المجلس عقد جلساته لأسباب تتعلق بتوافر النصاب وانقسام أعضائه بين من هم تحت سيطرة الحوثيين أو الذين التحقوا بالشرعية ويقيمون حالياً في عواصم بلدان عدة، وأصبح من الصعب مشاركتهم في جلسات الداخل إذا ما قرر المجلس عقد جلساته. إضافة إلى أنّ المجلس فقد كثيراً من صلاحياته التشريعية منذ المبادرة الخليجية التي نصّت أن قراراته تصدر بالتوافق وليس بالأغلبية. كما أن شكل وصيغة التوافق قد تغيرّت منذ ذلك الحين بسبب المتغيرات التي طرأت على المشهد اليمني منذ انقلاب الحوثيين وتالياً توقيع اتفاق الرياض وصولاً إلى مشاورات مجلس التعاون الخليجي في الرياض 2022، إذ باتت هيئة التشاور والمصالحة الهيئة التي تعبّر عن هذا التوافق بشكله النهائي.


وبالنظر إلى الوثيقة الثانية التي قدمّتها هيئة التشاور في "الإطار العام لرؤية السلام الشامل"، حرصت الهيئة على أن تكون هذه الوثيقة محافظة في شكلها ومضمونها على التطلّعات المشروعة لكل الأطراف، رغم انتقاد أصوات جنوبية لمضمون الوثيقة التي لم يتم نشرها بصورة كاملة، وفي طليعة ذلك وضع (إطار تفاوضي خاص لقضية الجنوب) في مفاوضات وقف الحرب والعملية السياسية الشاملة قبل البت في قضايا وأولويات التفاوض. وهي نقطة مهمة لطالما حرص الجنوبيون عليها بشكل عام، وكانت بالنسبة لهم بالمثل؛ أحد أهم مخرجات مشاورات مجلس التعاون الخليجي في الرياض أبريل 2022، التي أقرّت أن تدرج “قضية شعب الجنوب في أجندة مفاوضات وقف الحرب لوضع إطار تفاوضي خاص لها في عملية السلام الشاملة."


في واقع الأمر، كانت وفود المفاوضات السابقة منذ اندلاع الصراع في اليمن 2014، تتشكّل بدون وجود جنوبيين يمثّلون موقفهم بشكل مستقل، وعادةً ما يتم تشكيل الوفود ما بين 8 أشخاص إلى 12 شخص في طرف الشرعية، ويقابله نفس العدد في الجانب الحوثي. وجميع هذه الوفود كان يقودها وزراء الخارجية اليمنيين من جانب الشرعية. ويمكن استعراضها كالتالي:


· مفاوضات جنيف1، التي انعقدت في تاريخ 16-19 يونيو 2015، وكانت بعدد 8 أشخاص لكل جانب. وقاد الوفد وزير الخارجية في حينه، "رياض ياسين".


· مشاورات الكويت، وانعقدت في 21 إبريل – 6 أغسطس 2016، وكانت بعدد 12 شخص من جانب الشرعية، وتم تعديل الوفد مرة واحدة. وقاد الوفد وزير الخارجية السابق "عبدالملك المخلافي".


· استوكهولم، انعقد في 13 ديسمبر 2018، وكان الوفد مكوّن من 12 شخص، يقودهم وزير الخارجية السابق "خالد اليماني".


· في أكتوبر 2022، تم الإعلان عبر تسريبات عن تشكيل وفد جديد مكوّن من 8 أشخاص يمثلوّن أعضاء المجلس الرئاسي، بقيادة وزير الخارجية "أحمد عوض بن مبارك". لكنّ الوفد  لم يصدر به قرار رسمي، ولم يجرِ أي مفاوضات حتى الآن.


·      في 8 مارس الحالي، أعلنت هيئة التشاور والمصالحة عن ضرورة دعم وتسريع تشكيل وفد تفاوضي مشترك يمثل مجلس القيادة الرئاسي ويتولى ملف المفاوضات. وهو ما يُفهم أن الوفد الذي كان قد رشحت أخبار عن تشكيله برئاسة "أحمد عوض بن مبارك"، غير معتمد أو نهائي.


من المتوقع أن يتم تشكيل وفد تفاوضي جديد قد يكون مكوّناً من 8 أشخاص أو 12 شخصاً. وعلى الأرجح أن عدد الجنوبيين المشاركين في الوفد سيكون بالمناصفة مع الشمال، لا سيّما بعد اشتراط وضع إطار تفاوضي خاص بقضية الجنوب. 


الشكل والمحددات 


ماذا يعني الإطار الخاص، بطبيعة الحال؟ هل هو إطار مرجعي - الإطار المرجعي هو جملة المفاهيم والمفردات المعرفية التي يستعين بها الشخص من أجل فهم موضوع معين أو تحديد الإجراء الذي سيقوم به إزاءه-  أو هو إطار تفاوضي يضع القواعد المنظمة لعملية التفاوض والآليات الإجرائية الموجِّهة والميسّرة لها. أو هو إطار حل يستعرض المشكلة وجذورها وأسبابها وتبعاتها ويقدّم أو يستعرض الحلول الممكنة لها في نهاية المطاف. أو أنه شكلا آخر غير ما ورد أعلاه. 


وبشكل عام يشير مصطلح "إطار خاص" إلى المنهجية أو الطريقة التي يتم استخدامها لمعالجة قضية معينة. ويشير هذا المصطلح إلى الإطار الذي يوُضع لحل المشكلات أو الصعوبات الخاصة بقضية معينة والتي تتطلب التفكير الاستراتيجي والتحليل العميق والتنسيق المثالي للجهود.


وفيما يتعلق بالتفاوض بشأن قضايا خلافية بين الدول أو بين أقاليم داخل الدولة نفسها، فإنّ هناك عدة إطارات يمكن استخدامها. على سبيل المثال، يمكن استخدام إطار الحوار المباشر والمفتوح بين الأطراف المتنازعة لتحديد نقاط الخلاف والعثور على حلول توافقية. كما يُمكن استخدام إطار الوساطة التي تقوم بتسهيل التفاهم بين الأطراف المتنازعة وتحفيزها على الوصول إلى حل شامل ودائم. ويمكن استخدام إطار القانون والتفاوض المؤسسي لتحديد الإطار القانوني الذي يمكن استخدامه لحل النزاع وضمان التزام الأطراف بالاتفاق.[1]


وبصفة عامة، يمكن استخدام إطارات مختلفة لمعالجة قضايا خلافية بين الدول أو بين أقاليم داخل الدولة نفسها، ويجب تحديد الإطار المناسب وفقًا للحالة الخاصة والظروف المحيطة بها.


بالمقابل لا يزال من غير الواضح حتى الآن من الذي سيضع هذا الإطار. فعلى الرغم من تجديد هيئة التشاور والمصالحة الإشارة إليه في الوثيقة الثانية من بيان مؤتمرها العام في عدن، غير أنّها تركته مفتوحاً ومبهماً. وهذا بدوره يثير عدداً من الأسئلة: هل سيتم تشكيل لجنة جنوبية-جنوبية، أم لجنة جنوبية-شمالية لإقراره؟ أم سيوضع من قبل وسيط دولي؟  فمثلا، قد يؤدي تشكيل لجنة "جنوبية شمالية" إلى إطالة مدة النقاش وتوسيع حدة الخلافات بشأن المنهجية والمعايير والمصطلحات والآليات التي يجب أن يُبنى عليها هذا الإطار، وهو ما سيطيل دائرة النقاش، عوضاً عن الحوار من أجل حل "قضية الجنوب" إلى الحوار على آلية إنشاء هذا الإطار. 


بالمقابل قد يرى البعض أنّ الوسيط الدولي وفقا لالتزاماته بمبادئ ومعايير القانون الدولي، كالمبعوث الأممي على سبيل المثال، يمكنه أن يقدّم مثل هذا الإطار الخاص (الميسّر) ويضع محددات وآليات عمله بالتعاون مع وفدي مفاوضات الطرفين، أو حتى قبل ذلك من خلال لقاءات خاصة تكرّس لهذا الغرض مع الأطراف الفاعلة. وعادة ما تستند الأمم المتحدة إلى أطر عمل تشكّل قاعدة سليمة لمعالجة قضايا بالغة الأهمية داخل أو بين البلدان. خاصة وأن المبعوث الأممي في أول إحاطة لمجلس الأمن في سبتمبر 2021، أكد على أنّه "لا يمكن تجاهل أثر الصراع على المظالم والمطالب في المحافظات الجنوبية". مشددا على أنه "لن يكون السلام في اليمن مستداماً على المدى البعيد إن لم يكن لأصوات الجنوب دور في صنع هذا السلام على نحو مسؤول."


لكّن قد يبدو من الأنسب أن تتبنى لجنة جنوبية خاصة تمثل أكبر عدد من المكوّنات الجنوبية والأحزاب السياسية صياغة "الإطار التفاوضي الخاص بقضية شعب الجنوب"، وفقاً للتوصيفات المناسبة والمجمع عليها، لوضع الجنوب سواء خلال مشاورات الحل الشامل وخلال المرحلة الانتقالية، وكذلك فيما بعد المرحلة الانتقالية.


من المهم القول، إنّ المجتمع الدولي يتعاطى في أي مفاوضات بشأن الأزمة في اليمن وفقاً لقاعدة (الشرعية والانقلاب) فقط، وهو يبدو أقصى ما وصلت إليه مختلف الأطراف اليمنية في الوقت الراهن من خلال الوثائق التي قدمتها هيئة التشاور ونالت استحسان الأمم المتحدة. كما أنّ المبعوث الأممي الخاص لليمن "غروندبرغ" سيكون مُلزماً بمناقشة المرجعيات الثلاث السابقة، بما فيها مخرجات الحوار الوطني لعام 2013، التي أوردتها وثائق هيئة التشاور، ولو ظاهرياً. مقابل ذلك تلتزم الشرعية اليمنية في مفاوضاتها مع الطرف الحوثي بإدراج قضية الجنوب ضمن عملية التفاوض، وذلك وفقاً للمرجعيات التي تم توقيعها بين أطراف الشرعية ممثلة باتفاق الرياض ومخرجات مشاورات مجلس التعاون الخليجي، ومؤخراً وفقاً لمقررات هيئة التشاور والمصالحة القائمة حتى الآن.


يمكن أيضا أن تصدر وثيقة رسمية بالإطار التفاوضي الخاص بشأن قضية الجنوب إما من قبل هيئة التشاور والمصالحة، حتى يكون ملزماً على وفد الشرعية في المفاوضات القادمة، أو أنّ يوقع عليه أعضاء المجلس الرئاسي مباشرة قبل بدء المفاوضات. وفي حال كان الأمر خلافياً، وتم وضع هذا الإطار بمساعدة جهة دولية وسيطة، فيصدر الوسيط إعلانا مُلزما بشأنه.


من شأن ذلك أن يضمن عدم تخلي أو انقلاب الأطراف الشمالية داخل الشرعية عن الإطار لمصلحة سير المفاوضات، لا سيّما إذا وجد وفد الشرعية نقاط توافق مع الحوثيين في قضايا معينة تخص الشمال.


سيمثل وضع الإطار الخاص بقضية الجنوب، أول اشتراط جاد يمكن أن تقدمّه الحكومة الشرعية من بين اشتراطاتها السابقة التي لا تُذكر، وورقة ضغط قوية على طاولة أي مفاوضات قادمة أمام الحوثيين، الذين دأبوا على تقديم الاشتراطات دائماً ويحصدون ثمارها.


والأمر في نهاية المطاف متعلق بقدرة الجنوبيين على الضغط، سواء بإقرار إطار تفاوضي داخل الشرعية في مواجهة الموقف الشمالي المتمسك بالوحدة، أو لاحقاً مواجهة الحوثيين به، وكذلك امتصاص الضغط الإقليمي والدولي، من خلال طرحهم لرؤية أكثر ملائمة لاستحقاقاتهم السياسية والعسكرية على الأرض.


تحديد الوضع والتوصيف المناسب


سيكون على اللجنة الجنوبية-الجنوبية المقترح تشكيلها، أن تضع تصوّرين على مرحلتين. الأول: مقترح يسري خلال المرحلة الانتقالية التي تلي مشاورات الحل النهائي في اليمن، يهدف لوضع مقاربة حل تمنح وضعاً (إدارياً وعسكرياً) خاصاً بالجنوب، من شأنها أن تضمن عدم اجتياح محافظات الجنوب في حال تعثر او انهيار اتفاق التسوية الشامل أثناء التنفيذ.


الثاني: مقترح ما بعد المرحلة الانتقالية التي من المرجّح أن تقرّها مفاوضات الحل النهائي في اليمن، وفي هذه المرحلة من الممكن أن يضع الجنوبيون الحلول النهائية والأخيرة لحل مشكلة الجنوب . وهو الأمر الذي سيعتمد بدرجة أساسية على الرؤى المتوافق عليها داخل الجنوب، لشكل الدولة  (فيدرالية، كونفدرالية، إقامة دولتين) تخضع لقوانين (تقرير المصير، فك الارتباط، أو الاستقلال).


من المهم أن تحدد اللجنة الجنوبية وأعضاء الوفد الجنوبي المشارك في الشرعية توصيفات مناسبة للوضع السياسي والقانوني لشكل الدولة التي يطالبون بها، إذ أنّ كثير من الجنوبيين يواجهون خلطاً واضحاً في المسميات وهو ما يسبب إرباكاً لمعظمهم في بعض الأحيان، وهو بالمثل للمراقبين والمهتمين بالشأن اليمني وبالوضع الخاص في جنوب اليمن. إن الاهتمام بمثل هذه ال جزئيات قبل الانخراط في عملية تفاوضية مع الأطراف اليمنية الأخرى، تساعد على بلورة المواقف السياسية بشكل واضح، وكذا رسم خطوط ومسارات السلام بدون تعقيدات.


مع قول ذلك، سيظل الإطار التفاوضي الخاص بقضية الجنوب هو أحد الخيارات التي يمكن أن يذهب إليها الجنوبيون من بين خيارات أخرى عديدة قد يجدون أنفسهم مرغمين عليها إذا ما فشل هذا الخيار؛ قد تكون سياسية أو عسكرية. سيناقش مركز سوث24 هذه الخيارات المتاحة في ندوة سياسية قادمة.




فريدة أحمد

المدير التنفيذي لمركز سوث24 للأخبار والدراسات


[1] - William Ury, Getting to Yes: Negotiating Agreement Without Giving In (Penguin Books, 2011) / - Carrie Menkel-Meadow, Thomas J. Stipanowich, and Andrea Kupfer Schneider, Negotiation: Processes for Problem-Solving (Wolters Kluwer Law & Business, 2016)
Shared Post
Subscribe

Read also