التحليلات

مشاورات يمنية-يمنية برعاية خليجية: هل بات السلام وشيكاً؟

24-03-2022 at 4 PM Aden Time

language-symbol

سوث24 | فريدة أحمد


في سياق الاهتمام والتفاعل الإقليمي والدولي مع ملف الأزمة اليمنية، قدّم مجلس التعاون الخليجي دعوة لاستضافة مشاورات يمنية-يمنية، أعلن عنها الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي "نايف الحجرف"، خلال مؤتمر صحفي في الرياض، معلناً أنها دعوة لإنهاء حالة الحرب وبسط السلام [1]. ومن المزمع عقد المشاورات اليمنية من 29 مارس الجاري حتى 7 إبريل 2022. 


خلال أكثر من سبع سنوات منذ اندلاع الحرب الأهلية في اليمن 2014، معظم المبادرات والاتفاقات التي قُدمت سواء مبادرات دولية أو إقليمية، كانت إما صيغ حل ثنائية لطرفين رئيسيين، أو بين أطراف في معسكر مناهض للآخر، لكن الأكثر تأكيداً أنها كانت مبادرات وحلول مؤقتة وليست نهائية. وبالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي، فهي ليست المرة الأولى، فقد قدم المجلس في نوفمبر 2011 "المبادرة الخليجية" لمعالجة نقل السلطة في اليمن، واعتبرت كإحدى المرجعيات الثلاث الأساسية التي يُعتمد عليها في إطار أي ترتيبات لحلول تسوية سياسية. غير أنها في حينه شكلت حلاً بين طرفين اثنين فقط (السلطة والمعارضة)، مستثنية بقية الأطراف الأخرى منهم الجنوبيين. 


أما الآن، وبعد أكثر من 10 سنوات على المبادرة الخليجية الأولى، فالدعوة الثانية باتت مفتوحة لكافة الأطراف اليمنية بلا استثناء، بما في ذلك الحوثيين؛ الذين أبدوا رفضاً للدعوة كونها في "الرياض"، معلنين أنهم سيرحبون بها في بلد آخر محايد [2]. وعلى الرغم من التفاؤل الحذر الذي أبدته الأطراف المناهضة لمعسكر الحوثي، إلا أنها رحبت بالدعوة. فالرئاسة اليمنية أكدت في بيان، دعمها ومساندتها لكافة الجهود الرامية لاستعادة الأمن والاستقرار وتحقيق السلام في اليمن، استناداً للثوابت الوطنية ووفقا للمرجعيات الثلاث وفي مقدمتها المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية [3]. وبالمثل، رحب المجلس الانتقالي الجنوبي وذكر أنه "منفتح على مشاورات شاملة تضمن حضور جميع الأطراف المعنية، لمعالجة القضايا المحورية وفي طليعتها قضية شعب الجنوب دون أي شروط مسبقة، من خلال تصميم إطار يهيئ لعملية تفاوضية تضمن سلاماً شاملاً ومستداماً". [4]


وعلى المستوى الدولي، رحب المتحدث باسم الأمم المتحدة "ستيفان دوجوباك" بالمبادرة المعلنة من قبل مجلس التعاون الخليجي دعماً لجهود الأمم المتحدة [5].  كما أثنت القائمة بأعمال السفير الأمريكي في اليمن "كاثي ويلسي" على المبادرة، لكنها شددت على اغتنام فرصة الجهود التي يبذلها المبعوث الأممي. [6]  


لماذا الآن؟ 


تسير الدعوة في هذا التوقيت بالتوازي مع جهود المبعوث الأممي الذي أعلن في إحاطته لمجلس الأمن الدولي في 15 فبراير الماضي، بأنه يصمم إطار عمل يحدد على ضوء خطته لتسوية سياسية شاملة [7]. بدأ بعدها بلقاء جمعه مع الرئيس اليمني هادي في الرياض مطلع مارس، ولقاءات عديدة مع المكونات اليمنية المختلفة في مكتبه بالعاصمة الأردنية. ويتضح من تحركات المبعوث الأممي أنه بصدد الوصول إلى مشاورات حل نهائي تجمع الحوثيين مع بقية الأطراف المناوئة لهم؛ مشابهة للتي عقدها المبعوث الأسبق اسماعيل ولد الشيخ في الكويت 2016.


علاوة على ذلك، يبدو أن مجلس التعاون لدول الخليج العربي يرغب في أن يسهم في تهيئة الظروف لنجاح المشاورات التي ترعاها الأمم المتحدة وأن تصل بالفعل إلى إنهاء الصراع في اليمن، وتجاوز الإخفاقات التي رافقت المشاورات السابقة التي لم تصل إلى اتفاق ينهي الصراع المندلع لأكثر من سبع سنوات.


ويتوقع من مؤتمر الرياض 2022، أن يختتم بمخرجات يتم الاتفاق من خلالها مع الدول الراعية لتسوية سياسية في اليمن. ويمكن التكهن أن تتبلور هذه المخرجات حسب المكونات التي ستحضر المؤتمر، وهو ما ذكره "الحجرف" في بيان مجلس التعاون، بأن الدعوات سوف ترسل إلى جميع الأطراف والمكونات اليمنية، وستعقد في مقر الأمانة العامة بـ (من حضر) [8]. ما يعني أنها ستعقد في كل الأحوال وإن تم رفض الدعوة من قبل أحد الأطراف. 


تحفّظات ومحاذير


على الرغم من الترحيب الواسع للدعوة الخليجية، غير أن بعض الأطراف يبدو مازال لديها بعض التحفظات أو المحاذير، خصوصا وأنّ المبادرات الخليجية السابقة كان لها نتائج سلبية، ولم تشمل مختلف القضايا والأطراف، ويمكن صياغة هذه التحفظات على جانبين:


تحفظات محلية: من الملاحظ أن الرئاسة اليمنية وإن كانت مرحبة بالدعوة، إلا أن بيان الترحيب أو القبول جاء بعد يوم من إعلان مجلس التعاون دعوته للمشاورات، وهو أمر غير اعتيادي بالنسبة للرئاسة التي ترحب بأي بيان تصدره جهة دولية أو إقليمية بشأن اليمن، بحيث لا يتجاوز ذلك ساعات. غير أن التحفظات على الأرجح تتعلق بتغييرات في هيكلية الرئاسة اليمنية ذاتها، إذ يبدو أن المشاورات ستسهم في طرح عدة صياغات لمعالجة وضع الرئاسة، من بينها (مجلس رئاسي، أو نائبين للرئيس، أو أكثر من نائب للرئيس). 


يمكن القول، إن وضع "الشرعية اليمنية" التي تدعمها دول التحالف العربي بهذه الهيئة، بات يشكل عبئاً كبيراً بالنسبة لتلك الدول، في ظل تمادي جماعة الحوثي وسيطرتها على مساحات جغرافية واسعة في شمال اليمن خلال السنتين الأخيرة، فضلاً عن ضربها لمواقع حساسة في العمق السعودي بشكل متواصل، آخرها ما حدث بعد ثلاثة أيام من إعلان الدعوة للمشاورات اليمنية، حيث تم استهداف منشآت أرامكو النفطية ومرافق بنية تحتية جنوب السعودية [9]. وقبل ذلك استهداف الإمارات مطلع السنة الحالية. 


لذا، على الأرجح، أن المشاورات ومخرجاتها، ستشكل مقاربة مناسبة لمشاركة أوسع للمكونات اليمنية في اتخاذ القرار السيادي، وهي مقاربة تبدو مناسبة أيضا لدول التحالف وفي مقدمتها الرياض، خاصة إذا شملت تغييرات في بنية الرئاسة اليمنية بتوافق مختلف القوى اليمنية، بما في ذلك تغيير نائب الرئيس اليمني "علي محسن الأحمر"، وربما تقويض سيطرة حزب الإصلاح الإسلامي "الإخوان المسلمين"، على مفاصل الرئاسة والجيش الوطني، الأمر الذي من شأنه أن يقود لعملية إصلاح شاملة في مؤسستي الرئاسة والجيش، وفي نفس الوقت يوفر قوى سياسية وعسكرية أكثر موثوقية واستعداداً على تغيير المعادلات العسكرية على الأرض، قد تحد من خطر التهديدات الحوثية على السعودية والإمارات.


بالنسبة للانتقالي الجنوبي كطرف سياسي وعسكري ذو تأثير كبير في جنوب اليمن، تبدو تحفظاته مرتبطة بقضية دولة الجنوب ومستقبل الجنوب بشكل عام، إذ من المتوقع أنه سيقدم اشتراطات مبدئية للدخول في أي تسوية مقبلة بعد المشاورات؛ نظير تحقيقه مكاسب عسكرية وسياسية في مناطق الجنوب، بما يضمن الحفاظ على مكتسبات القوى الجنوبية خلال السنوات السابقة. إذ أنّ القوات العسكرية الجنوبية بما فيها النخبتين الشبوانية والحضرمية والأحزمة الأمنية و "قوات العمالقة"، أضحت أفضل تدريباً وتجهيزاً وتحفيزاً من نواحي كثيرة، وإن كانت أقل عدداً من قوات "الجيش الوطني" الذي يديره "علي محسن الأحمر"، إلا أنها تتميز بعقيدة قتالية ثابتة وحققت الأثر المناسب في فترة وجيزة. 


لذا من الطبيعي أن يتحفّظ الجنوبيون، في ظل إصرار بعض الأطراف تجاهل طبيعة التوازنات العسكرية ومكانة القوى السياسية المؤثرة في جنوب اليمن، وفي مقدمتها الانتقالي الجنوبي. وبالتوازي، أكد "محمد الغيثي" رئيس خارجية المجلس الانتقالي الجنوبي، أن لديهم حزمة من الرؤى التي سيطرحونها في مشاورات الرياض، وفي مقدمتها إصلاح منظومة الشرعية، مشدداً على ضرورة أن يغادر نائب الرئيس السلطة بكل وضوح. [10]


تحفظات دولية: جاءت الدعوة الخليجية في وقت يبدو أن العلاقات السعودية – الأمريكية ليست في أفضل حالاتها، بسبب الأزمة الروسية-الأوكرانية، فالوضع الدولي في مجال الطاقة متوتر؛ في ظل فرض الولايات المتحدة وبريطانيا حظراً على واردات النفط والغاز الروسية [11]. وكانت واشنطن قد طلبت من الرياض عبر مسؤوليها في فبراير الماضي؛ زيادة إنتاج النفط للحد من ارتفاع الأسعار، غير أن وزير الطاقة السعودي الأمير "عبدالعزيز بن سلمان" حينها، أبلغهم أن بلاده لن تزود السوق بمزيد من النفط [12]. أكدت ذلك صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، عندما أشارت إلى رفض ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" طلب الرئيس الأمريكي "جو بايدن" زيادة إنتاج النفط، كما رفض إجراء اتصالاً هاتفياً معه. [13]


تشي هذه الحالة، بتطور سلبي في العلاقة بين الطرفين، لاسيما وأنّ الولايات المتحدة لم تصنّف حتى الآن جماعة الحوثي في قائمة "الإرهاب"، وهو أمر كان ملحاً بالنسبة للسعودية والإمارات، في الوقت الذي أصدر فيه مجلس الأمن الدولي قراراً، يصنّف الحوثيين "جماعة إرهابية" للمرة الأولى، ويدرجهم في قائمة عقوبات اليمن، ويفرض حظر الأسلحة عليهم [14]. غير أن الولايات المتحدة يبدو أنها تصر على خسارة أصدقائها في الخليج، من خلال تأجيل تعاطيها في ملف "الحوثيين" وما يشكله ذلك من تهديدات إيرانية على أمن شركائها الإقليميين. 


لذا، على الأرجح أن دول الخليج وفي مقدمتها السعودية والإمارات ستبحثان إقامة علاقات أمنية واقتصادية جديدة، وربما تقوية علاقاتهما بالصين مع الحفاظ على علاقات متوازنة مع الغرب. فالسعودية وجهت دعوة للرئيس الصيني "شي جين بينغ" لزيارة الرياض، إذ من المتوقع أن تتم الرحلة بعد شهر رمضان، الذي يبدأ أوائل إبريل هذا العام [15]. ويمكن أن تشكل الزيارة نقلة نوعية في مجالات الطاقة والاقتصاد لمنطقة الخليج والشرق الأوسط عموماً. 


من الناحية العملية، لدى السعودية ورقة ضغط نفطية يمكن أن تستخدمها من أجل أن تلبي الولايات المتحدة مطالبها. وعلى هذا الأساس أعلنت الرياض في بيان لها بأنها " لن تتحمل مسؤولية أي نقص في إمدادات البترول إلى الأسواق العالمية في ظل الهجمات التي تتعرض لها منشآتها النفطية من الميليشيات الحوثية الإرهابية المدعومة من إيران" [16]. وهي رسالة واضحة أن التعاون الأمني في مقدمة الاهتمامات السعودية. 


ما بعد المشاورات


بناء على أن مشاورات الرياض تمت الدعوة لها دون وضع جدول أعمال لجلساتها، وأوكل وضع جدول الأعمال للمشاركين أنفسهم. فإن القضايا التي ستناقشها المشاورات متعلق بمن سيحضرها. وفي حال قبل الحوثيون الحضور، وتوصلت الأطراف اليمنية في الرياض إلى صيغة لمخرجات مشتركة من شأنها التأسيس لمرجعيات جديدة في المسارات السياسية والعسكرية والاقتصادية، يُتوقع الدفع بالمخرجات لتكون مقدمة يمكن أن يبني عليها المبعوث الأممي "غروندبرغ" مهمته للوصول لاتفاق شامل، والمضي نحو مشاورات مع مختلف الأطراف اليمنية بما في ذلك الحوثيين، بالتوازي مع خطة المبعوث لتسوية مستدامة مكونة من 3 مسارات: اقتصادية، وأمنية، وسياسية.


يقول "عزت مصطفى" باحث ومحلل سياسي، أنه "في حال قبل الحوثيون الدعوة لحضور المؤتمر، يُتوقع أن تشمل المخرجات بنوداً يمكن البناء عليها حول المرحلة الانتقالية لما بعد الاتفاق السياسي الذي يمكن أن يصل إليه المبعوث الأممي".


ولكن في حال لم يحضر الحوثيون هذه المشاورات، يتوقع مصطفى "أن تشمل المخرجات بنوداً تتعلق بتصحيح وضع الشرعية السياسي والعسكري بهدف توحيد جهود ورؤى مختلف المكونات وإشراكهم في صناعة القرار داخل الشرعية". وأهم ما يمكن أن تتضمنه المخرجات؛ وفقا لمصطفى "التوصية بتعيينات في مؤسسة الرئاسة بتعيين أكثر من نائب لرئيس الجمهورية يمثلون القوى الصاعدة والمؤثرة على الأرض، وبنود تتعلق بنسب تمثيل المكونات في الوفد التفاوضي عن الشرعية الذي سيواجه وفد الحوثيين في المشاورات النهائية التي يحضر لها المبعوث الأممي". [17] 


بالمقابل، يُعتقد أنّ تهيّئ المشاورات، في حال لم يشارك بها الحوثيون، لتصعيد ميداني واسع على الأرض في مواجهة الجماعة المدعومة من إيران. وذلك انطلاقا من تغيير قرار إدارة المعارك المتوقع واستبعاد الأدوات التي اعتمد عليها التحالف حتى الآن، والتي أثبتت إخفاقها على الصعيدين السياسي والعسكري طيلة السنوات الماضية. 


فريدة أحمد 

المدير التنفيذي لمركز سوث24 للأخبار والدراسات 


الصورة: إعلام سعودي


المراجع:

[1]  مبادرة خليجية لوضع خريطة طريق تمهد لإنهاء القتال في اليمن | اندبندنت عربية (independentarabia.com)

[2]  الحوثيون في اليمن يرفضون المشاركة في حوار في السعودية (france24.com

[3]  الرئاسة اليمنية ترحب بدعوة "التعاون الخليجي" لعقد مشاورات "إنهاء الحرب" (al-ain.com

[4]  اليمن.. "الانتقالي الجنوبي" يرحب بمبادرة "التعاون الخليجي" لعقد مشاورات في الرياض - RT Arabic

[5]  twitter.com/OSE_Yemen

[6]  twitter.com/USEmbassyYemen 

[7]   إحاطة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، السيد هانس غروندبرغ أمام مجلس الأمن | OSESGY (unmissions.org

[8]  «التعاون الخليجي»: سندعو جميع اليمنيين للمشاورات وستعقد بمن حضر | الشرق الأوسط (aawsat.com

[9]  السعودية تعلن شن الحوثيين "هجمات عدائية" ضد منشآت لشركة أرامكو النفطية في جنوب البلاد (france24.com

[10]  twitter.com/South24_net 

[11]  United States and United Kingdom announce ban on Russian oil imports over Ukraine invasion - ABC News

[12]   السعودية ترفض طلب الرئيس الأمريكي جو بايدن زيادة إنتاج النفط - بوابة الشروق (shorouknews.com

[13]   "وول ستريت جورنال": الولايات المتحدة تدفع الثمن في أزمة أوكرانيا بسبب خسارتها السعوديين - RT Arabic

[14]  S_RES_2624.pdf (securitycouncilreport.org

[15]  صحيفة أمريكية: السعودية وجهت دعوة للرئيس الصيني لزيارة المملكة وسط توتر العلاقات مع واشنطن - RT Arabic 

[16]  السعودية تخلي مسؤوليتها عن نقص إمدادات الطاقة بسبب الهجمات الحوثية | اندبندنت عربية (independentarabia.com

[17]  لقاء أجرته الكاتبة مع الباحث والمحلل السياسي عزت مصطفى، رئيس مركز فنار لبحوث السياسات. 23 مارس 2022


Shared Post
Subscribe

Read also