التحليلات

أين تقف القضية اليمنية من تداعيات الأزمة الروسية - الأوكرانية؟

23-03-2022 at 3 PM Aden Time

language-symbol

سوث24 | د. إيمان زهران


تُختبر مختلف التحركات الاقليمية والدولية لإنجاز متطلبات "وقف إطلاق النار" في اليمن، والتمهيد للبدء في مباحثات التسوية السلمية، بعدد من الاختبارات الداخلية تتعلق بمدى التوافق الفعلي بين الأطراف المحلية، وآخر إقليمي يتمثل في تحييد الأجندات النوعية مقابل إنقاذ "المسألة اليمنية". ومؤخراً، يلقي اختبار دولي بظلاله مع بدء تطورات الأزمة الأوكرانية – الروسية، وأبعادها المتباينة سياسياً واقتصادياً على الشرق الأوسط عامة، وعلى القضية اليمنية بشكل خاص، وذلك بتقييم الانعكاسات المباشرة لتلك الأزمة على الأطراف المنخرطة بالمسألة اليمنية محليا، وإقليميا، وما تحمله تلك الانعكاسات من ارتدادات مباشرة على مسارات "إحلال السلام الشامل"، بالتزامن مع بداية العام الثامن من "الأزمة اليمنية". وذلك بالنظر إلى النقاط التالية:

 


| أولا - أبعاد الأزمة الأوكرانية - الروسية: 


ثمة عدد من الدوافع الداعمة للتصعيد الأخير لموسكو والتراجع السياسي عن "صياغة نورماندى"[1]، مقابل تفعيل الورقة العسكرية داخل الأراضي الأوكرانية، وذلك بالنظر إلى المُحددات التالية: 


1. إعادة التموضع الروسي في المجال الحيوي:


 تُبنى تلك النقطة على الرؤى التي تشكلت ما بين الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين"، وأفراد نخبته، الذين يرجحون فرضية أنّ الوقت الحالي هو الوقت المناسب لاستعادة الثقل الروسي بالنظام الدولي. فعلى سبيل المثال أجرى السيدان "باتروشوف" و"ناريشكين" مقابلات مطولة، أدليا خلالها بآرائهما فيما يتعلق بشأن التطورات العالمية والدور الدولي لروسيا. إذ يرى هؤلاء أنّ النظام الذي تقوده الولايات المتحدة يمر بأزمة عميقة، بفعل فشل الديموقراطيةة الغربية، والصراعات الداخلية التي تتعارض مع مبادئ تعزيز التسامح والتعددية الثقافية واحترام حقوق الأقليات. بالإضافة إلى إيمانهم باستعادة نمط "التعددية القطبية"، وهو ما يعكس تحولاً جذرياً في مختلف مناطق العالم، خاصةً فيما يتعلق بالسلطة وتدعيم قيم السلطوية والاستبداد[2].


وفى السياق ذاته، استطاعت موسكو إعادة تشكيل هيكل "النظام الدولي الجديد"، بجانب الصين نحو "التعددية القطبية"، وهو ما فشلت في احتواءه الكتلة الغربية، فضلا عن هشاشة موقفها في إعادة إنتاج سيناريو "1991"، عقب انهيار الاتحاد السوفيتي وتفكك جمهورياته. إذ أنّ المناخ الدولي العام أصبح مؤاتيا - وفقا للذهنية الروسية - لاستعادة نمط "الأقطاب الدولية"، في ظل عدد من المحددات، أبرزها: هشاشة الكتلة الغربية، تضاؤل القوة الأمريكية، التغيّر بنمط التحالفات الإقليمية والدولية وفقا للتغير بالأجندات وحجم الملفات الأمنية غير التقليدية، مثل ما يتعلق بالأمن الغذائي، والأمن الصحي، الأمن السيبراني، الأمن البيئي، ...إلخ.   


2. تطويق المجال الحيوي: 


تَرجع التوترات بين روسيا وأوكرانيا إلى حقبة العصور الوسطى. فكلا البلدين لديهما جذور في الدولة السلافية الشرقية "كييف روس". وفى القرن السابع عشر، أصبحت مساحة شاسعة من أوكرانيا الحالية جزءاً من الإمبراطورية الروسية، إلا أنه، وبعد سقوط الإمبراطورية الروسية عام 1917، استقلت أوكرانيا لفترة وجيزة، قبل أن تقوم روسيا السوفيتية باحتلالها عسكرياً مجدداً. وتلى ذلك عدد من الأحداث المتتالية في إطار التحركات الروسية لتطويق مجالها الحيوي بأوكرانيا، أبرزها[3]:


التاريخ

الحدث

 

1991

تأسيس رابطة الدول المستقلة "جي يو إس"، ومن خلالها احتفظت موسكو بنفوذها على أوكرانيا، وبيلاروسيا، وعدد من الجمهوريات السوفيتية.

1997

إعتراف موسكو رسمياً من خلال ما يسمى بـ"العقد الكبير" بحدود أوكرانيا، بما فيها شبه جزيرة القرم.  

 

2003

شهدت موسكو وكييف أول أزمة دبلوماسية حديثة فيما بينهما في عهد فلاديمير بوتين، حيث بدأت روسيا بشكل مفاجئ في بناء سد في مضيق كريتش باتجاه جزيرة "كوسا توسلا" الأوكرانية. واعتبرت كييف ذلك محاولة لإعادة ترسيم حدود جديدة بين البلدين، وازدادت حدة الصراع، ولم يتم وضع حد له إلا بعد لقاء ثنائي بين الرئيسين الروسي والأوكراني، وعقب ذلك اللقاء تم إيقاف بناء السد. 

2004

 

 

أثناء الانتخابات الرئاسية في أوكرانيا عام 2004، دعمت روسيا المرشح المقرب منها، "فيكتور يانوكوفيتش"، إلا أن "الثورة البرتقالية" حالت دون فوزه، وفاز بدلاً منه السياسي القريب من الغرب، "فيكتور يوشتشينكو". وخلال فترته الرئاسية قطعت روسيا إمدادات الغاز عن أوكرانيا خلال عامي 2006 و2009، كما قطعت أيضا إمدادات الغاز إلى أوروبا المارة عبر أوكرانيا.

2008

محاولة الرئيس الأمريكي "جورج دبليو بوش"، إدماج أوكرانيا وجورجيا في حلف شمال الأطلسي "ناتو"، وقبول عضويتهما من خلال برنامج تحضيري. لكن قوبل ذلك باحتجاج بوتين، وأعلنت موسكو بشكل حاسم أنها لن تقبل الاستقلال التام لأوكرانيا.   

2013

عقب توقيع أوكرانيا لاتفاقية التعاون مع الاتحاد الأوروبي في 2013، مارست موسكو ضغوطا اقتصادية على كييف وضيقت على الواردات إلى أوكرانيا. وعلى خلفية ذلك، قامت حكومة الرئيس الأسبق "يانوكوفيتش" بتجميد الاتفاقية، وصاحب ذلك احتجاجات معارضة للقرار، أدت إلى فراره إلى روسيا في فبراير عام 2014. 

2014

التحرك الروسي لضم القرم في مارس 2014، كما أعلنت جمهوريتان شعبيتان في دونيتسك ولوغانسك، يترأسهما روس. بالمقابل، أعلنت أوكرانيا انطلاق عملية "الحرب على الإرهاب" في يونيو 2014. والتقى الرئيس الأوكراني "بيترو بوروشينكو" والروسي "فلاديمير بوتين" بوساطة ألمانية وفرنسية، على هامش الاحتفال بمرور 70 عاماً على يوم الإنزال على شواطئ نورماندي. وخلال ذلك الاجتماع وُلدت ما عُرف بـ"صيغة نورماندي". وفى سبتمبر 2014 تم توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في مينسك.

2015

يؤرخ له كبداية لفصول "الحرب بالوكالة" في دونباس، حيث شن الانفصاليون هجوماً، زعمت كييف أنه كان مدعوماً بقوات روسية لا تحمل شارات تعريف، وهو ما نفته موسكو. وتلى ذلك هزيمة القوات الأوكرانية في مدينة ديبالتسيفي الاستراتيجية. وصولا إلى إقرار اتفاقية "مينسك 2"، والتي تشكل إلى اليوم أساس محاولات إحلال السلام، وما تزال بنودها لم تنفذ بالكامل بعد.

2019

عُقدت "قمة النورماندي" في باريس في ديسمبر عام 2019، ولم تحدث أي لقاءات، بين الرئيسين بوتين وزيلينسكى،لأنه- من وجهة نظر موسكو- لا يلتزم باتفاق مينسك.

2021

طالب الرئيس الروسي بشكل علني من الولايات المتحدة ألا تسمح بانضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو أو تتلقى مساعدات عسكرية، لكن الحلف لم يرضخ لهذه المطالب. حيث يمثل انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو"، خطاً أحمر، بالنسبة للرئيس الروسي بوتين.

سعى بوتين لاختبار الولايات المتحدة والغرب في الأزمة الأوكرانية، حيث قام في ربيع 2021، بحشد بعض القوات على الحدود، مما أثار انتباه الولايات المتحدة، والتي سعت لإجراء مباحثات بين بوتين وبايدن، وبعد ذلك بأيام سحبت روسيا قواتها.

2022

بدأت روسيا في نقل أعداد هائلة من قوات جيشها إلى المناطق القريبة من الحدود الأوكرانية. وتلى ذلك اعتراف موسكو باستقلال المنطقتين الأوكرانيتين اللتين يسيطر عليهما انفصاليون مدعومون من روسيا. وبعد هذا التصريح، وقّع الرئيس بوتين على أوامر أصدرها لقواته بتنفيذ "مهام حفظ سلام" في كلتا المنطقتين، وصولا إلى التطورات الحالية بالتصعيد العسكري الروسي بالأراضي الاوكرانية.


3. هشاشة الإدارة الديموقراطية:


اُختبرت الإدارة الديموقراطية بالبيت الابيض بالعديد من "الاختبارات المصيرية" والتي أثبتت مدى هشاشتها بالتحركات الخارجية، وذلك بالنظر إلى التراجع في قدرات "الردع الأمريكي" في ظل الحروب التي خاضتها في الشرق الأوسط ومناطق أخرى في العالم. الأمر الذي فرض عليها رؤية محسوبة للوضع في أوكرانيا لا تتعدى حزمة العقوبات الاقتصادية. كذلك، على سبيل المثال: التداعيات السلبية للانسحاب الأمريكي الفوضوي من أفغانستان، كذلك الفتور الأوروبي الأمريكي التي أوجدها "اتفاق الغواصات – أوكوس" بين الولايات المتحدة وأستراليا، وما تلى ذلك من الغضب الفرنسي بسبب إقصائها من الصفقة. وهذا مؤشر على وجود مشكلة في التنسيق بين أطراف التحالف الأطلسي. بالإضافة إلى المنهاجية الرخوة من جانب الرئيس بايدن في إعادة توحيد التحالف عبر الأطلسي بعد حالة انعدام الثقة التي تراكمت خلال إدارة الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب، فضلا عن حالة الاضطرابات التي تعانيها واشنطن على الصعيد الداخلي، في أعقاب الاستقطاب الذي شهدته بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة. إذ جميعها مؤشرات تدلل على الهشاشة الإدارة الأمريكية الجديدة بالبيت الأبيض على النحو المُقوض لكافة التحركات الرادعة لسياسات موسكو نحو "روسيا العظمى". 


4. الانقسام الأوروبي: 


أضفت السنوات الماضية حالة من الضبابية والتخبط في الكتلة الأوروبية تُضعف الموقف الأوروبي نحو التصدي وحسم الأزمة الأوكرانية، وذلك بالنظر إلى عدد من المشاهدات، أبرزها: ما خلّفته جائحة كورونا من تداعيات سلبية على كافة الاقتصاديات الأوروبية. كذلك لا يزال المستشار الألماني الجديد "أولاف شولتز" يفتقر لخبرة التعامل مع الأزمات الدولية، فضلاً عن حرص ألمانيا على تسريع انتقال الطاقة لها، مما يجعلها أكثر اعتماداً على الغاز الروسي. وبالنظر إلى بريطانيا، فلا تزال تُدير عواقب خروجها من الاتحاد الأوروبي وترتيبات ما بعد البريكسيت، بينما تواجه فرنسا أزماتها المتعلقة بخروجها من مالي، وكذلك صراع الانتخابات الرئاسية وتصاعد أطياف اليمين، ..إلخ.


الجدير بالذكر، أنّ أبعاد "الأزمة الأوكرانية"، فرضت تفهّما أوروبيا للمطالب الروسية، ودفعت الكتلة الأوروبية نحو التفاوض من أجل أمنها العسكري لأول مرة منذ 1999 مع روسيا. إذ أن تلك الخطوة قد ساهمت في انكشاف "الانقسامات المتباينة" بين الدول الأوروبية، حيث أنّ هناك دولاً تتفهم الموقف الروسي، خاصة فرنسا وألمانيا، وتدعو إلى التوصل لحلول وسط، بينما دولاً أخرى تُبدي مواقف أكثر تشدداً، خاصة بعض دول شرق أوروبا، مثل بولندا.  


5. تراجع الناتو:  


أحد أبرز المحددات، إذ بدا "حلف الناتو" منقسم على ذاته وضعيفا أكثر من أي وقت مضى. فعلى سبيل المثال: صرّح من قبل الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" في 2019 أنّ الحلف في حالة "موت دماغي"[4]، كما ازدراه علناً دونالد ترامب وهاجم مصداقيته بسبب الفوضى التي وقعت خلال الانسحاب الأمريكي من أفغانستان.


الجدير بالذكر، أنّ موقف الناتو غير مناسب حالياً – من الناحية العسكرية - للانخراط في صراع شديد الحدة. فحتى السنوات الأخيرة، كانت القوى الأوروبية في الحلف يعتبرون الشؤون العسكرية مجرد "طوارئ هامشية" أو يركزون بشكل أساسي على العمليات في المسارح الخارجية. كما لم يعد جهاز قوات التحالف يتمتع بالكتلة والدعم اللازمين لمثل هذه العمليات "عالية الكثافة". وبالسياق ذاته، تتضاءل بشكل كبير قدرة الناتو على إدارة صراع يمكن أن يكون له أبعاد نووية.


| ثانيا – انعكاسات الأزمة على الأطراف المنخرطة بالقضية اليمنية: 


يُعد إعلان روسيا التصعيد ضد أوكرانيا في 24 فبراير 2022، الحدث الأبرز في مسار التطورات المتلاحقة بالنظام الدولي. إذ تتسارع وتيرة الأحداث بصورة غير مسبوقة لتتجاوز الارتدادات حدود القارة الأوروبية إلى النظام الدولي والتجارة العالمية وتدفقات الطاقة والغذاء عبر أقاليم العالم، وكذلك إعادة النظر في هيكل التحالفات، ومستويات الأقاليم الفرعية، وارتداد الفواعل الصاعدة، وعمق التأثير بتحركات الفواعل من دون الدول. وذلك بالنظر لتكوينات الشرق الأوسط عامة، والاضطرابات المحيطة بالمسألة اليمنية بشكل خاص. إذ انعكست ارتدادات الأزمة الروسية - الأوكرانية على إعادة تقييم الفواعل المنخرطة بالملف اليمني لمحركات الأحداث، وإعادة النظر في أجنداتها الخاصة، وذلك بالنظر إلى النقاط التالية: 


أولا - الفواعل المحلية : 


- تقييم الحكومة المعترف بها دوليا: لم تُعلن الحكومة اليمنية عن موقف رسمي من الأزمة الأوكرانية، حيث تأتي متواكبة مع عدد من التحركات الدولية للدفع بإنهاء الصراع في اليمن، ومن أبرزها: إجماع الدول الخمس الكبرى في مجلس الأمن وكذلك دول الاتحاد الأوروبي على تقديم دعم لا محدود للتحركات الأممية التي يقودها المبعوث الأممي هانس غروندبرغ لوقف الصراع الدائر. بالإضافة إلى انعقاد مؤتمر المانحين بشأن دعم خطة الاستجابة الإنسانية للأمم المتحدة منتصف مارس 2022 وما تضمنه من رسائل أممية ذات صياغات إنسانية [5].


ومن ثم، فإنّ أهم الترجيحات التي يجب استيعابها لدى الحكومة المُعترف بها دوليا، أنّ الأزمة الأوكرانية ستؤثّر بالسلب على الأزمة اليمنية. حيث أنه من المتوقع أن تؤدي الحرب الأوكرانية إلى "فض الإجماع الدولي مؤقتا حول الملف اليمني". بالمقابل، على الرغم من عدم مركزية الملف اليمني في النزاع القائم، إلا أنّ موجات الصراع مُحتمل أن تصل إليه. حيث قد تسعى روسيا إلى التدخل بصورة أكبر في الملف اليمني لتعزيز حضورها الدولي في إطار سياساتها الرامية إلى "استعادة النفوذ" وإزاحة "الكتلة الغربية" من مناطق الارتكاز بالشرق الاوسط. 


- تقييم الموقف الحوثي: سجّل الموقف الحوثي انخراطا واضحا في متابعة أبعاد الأزمة الأوكرانية، إذ أعلن القيادي في جماعة الحوثيين "محمد علي الحوثي"، في 21 فبراير2022، أنّ جماعته تدعم اعتراف روسيا بالجمهوريتين المستقلتين[6]. كما دعا إلى ضبط النفس حتى لا يتم الانزلاق إلى حرب تهدف إلى استنزاف القدرات الروسية - في إشارة إلى الانحياز الحوثي إلى الجانب الروسي.  بالإضافة إلى ذلك، فإن الجماعة تُعوّل على انعكاس الأزمة الأوكرانية على مسار مباحثات الاتفاق النووي الإيراني، والذي من المتوقع أن يكون في صالح إيران، وهو ما ينعكس بالإيجاب على جماعة الحوثي – أحد الأذرع الإيرانية بالمنطقة – اقتصاديا وعسكريا، وقد يُضعف بالتبعية مسارات إحلال السلام الشامل بالملف اليمني. 


الجدير بالذكر، أن دولة الإمارات العربية المتحدة – أحد قطبي التحالف العربي – قد قامت بتطويق التحركات الحوثية منذ بدء الأزمة الأوكرانية عبر النجاح في الحصول على موافقة مجلس الأمن الدولي واستصدار القرار رقم 2624، الذي صنّف الحوثيين في اليمن كـ "جماعة إرهابية"[7]، وذلك بعدما قايضت أبوظبي عدم استخدام روسيا للفيتو ضد هذا القرار، مقابل امتناع الإمارات عن التصويت في مجلس الأمن لصالح قرار يدين الغزو الروسي لأوكرانيا.


ثانيا - الفواعل الإقليمية: 


- تقييم الموقف الإيراني: سجل الموقف الإيراني موقفا داعما للتحركات الروسية، لكنه لم يكن ضد السياسات والدوافع الأوكرانية، ولكن ضد سياسات حلف الناتو. ويُعزى في ذلك الأمر إلى حجم الاستفادة المُرجحة للجانب الإيراني من تلك الأزمة، إذ أبرزها ما يتمثل في:  


1. مباحثات إعادة إحياء الاتفاق النووي الايراني: حيث أنّ كافة الأطراف المنخرطة في "مفاوضات فينا" لديها دورا ما بالأزمة الأوكرانية، ومن هنا يمكن أن يؤثر التصعيد المحتمل بين روسيا والغرب على الملف النووي الإيراني في ضوء قيام موسكو بتوظيف دورها المؤثر في تلك المباحثات للضغط على الولايات المتحدة والغرب، ومن ثم، فوفقا لهذا التصور فلن تقوم روسيا بممارسة أية ضغوط على طهران للتوصل إلى تفاهمات سريعة كورقة يمكن أن تساوم بها الغرب.


بالمقابل، هناك قراءة أخرى لمسار المشهد التفاوضي، إذ أنّ توقيت "الأزمة الأوكرانية، قد يدفع كافة الأطراف لإعادة ترتيب الملفات لتكون الأولوية لإنهاء الأزمة الأوكرانية – خاصة الكتلة الغربية وواشنطن - وهو قد يمنح ذلك إيران مزيدًا من الوقت لإطالة أمد المفاوضات، ومحاولة انتزاع مزيد من التنازلات من الولايات المتحدة الأمريكية. بالمقابل، ثمة ترجيح يدفع بتحرك الولايات والمتحدة والكتلة الغربية للتوصل إلى صياغة نهائية من الاتفاق مقابل ضخ "النفط الإيراني" بالأسواق العالمية لتخفيف أزمة الطاقة في أوروبا والتي يمكن أن تتصاعد بالنظر إلى تطور الأحداث. حيث تُعد إيران ثاني أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي، والذي يمكنها - نظريًا- من التصدير إلى أوروبا وتزويدها بالطاقة، وتوفير ما لا يقل عن 20% من احتياجات أوروبا من الغاز.


2. إلغاء العقوبات الاقتصادية: من المُرجّح في حال بدأت الكتلة الغربية وواشنطن تسريع إنهاء الاتفاق النووي، أن يتم بالتوازي إنهاء العقوبات الغربية المفروضة على إيران، وإعادة السماح بضخ النفط للأسواق الأوروبية.  فعلى سبيل المثال: أعلنت وكالة الطاقة الدولية في 11 فبراير 2022، أن طهران يمكن لها أن تضيف إمدادات 1.3 مليون برميل يومياً في عام 2022[8]، إذا ألغيت العقوبات المفروضة عليها، ما يعنى تدفق المزيد من الموارد المالية. ذلك يمكّن إيران من الإنفاق مرة أخرى على ميليشياتها العسكرية وأذرعها من دون الدول "مثل الحوثيين" لاستعادة دورها الإقليمي ومشروعها السياسي.


بالمقابل، هناك عدد من التخوفات الإيرانية لإنجاز تلك التطلعات في إطار الأزمة الروسية - الأوكرانية، وذلك بالنظر إلى: 


1. التخوف من تأييد الموقف الروسي من الأزمة الأوكرانية، وذلك في ظل اعترف روسيا بمنطقتين انفصاليتين "لوغانسك، ودونيتسك"، وهو ما يُعتبر أمر مرفوض لدى بعض الساسة الإيرانيين، ويُعد بمثابة حث وتحريض للقوميات المختلفة للعمل على مشاريع انفصالية.


2. التخوّف من إعادة ترتيب الأولويات الغربية، والانصراف عن إنهاء مباحثات الملف النووي الإيراني مقابل تأمين التداعيات السلبية للأزمة الأوكرانية. فعلى سبيل المثال: قامت واشنطن بتكثيف اتصالاتها مع دول الخليج وفى مقدمتهم المملكة العربية السعودية لطلب تأمين تدفق الطاقة في الأسواق العالمية.


3. التخوف من اعتماد ترتيبات نقل الغاز الايراني لأوروبا، الذي يتطلب عددا من الخطوات من الصعب تجاوزها، أبرزها: توتر العلاقات التركية الإيرانية، التي تحول دون استخدام طهران لشبكات أنقرة لخطوط أنابيب الغاز. كما أن نقل الغاز مع تجاوز تركيا أمر مكلف ويتطلب معه بناء خط أنابيب غاز عبر أذربيجان إلى جورجيا، أو بناء خط أنابيب غاز عبر البحر الأسود، أو بناء محطة للغاز الطبيعي المسال. وكافة الخيارات مكلفة للغاية، وقد يحجم المستثمرون عن الدخول في مثل هذا المشروع في ظل العقوبات الأمريكية إذا لم يحدث تقدم في مفاوضات الملف النووي ورفع العقوبات الاقتصادية. بالإضافة إلى ضعف التحركات نحو إعادة إحياء "خط الصداقة" لتصدير الغاز عبر سوريا والعراق ولبنان نظرا لعدد من التحديات الجيوسياسية فضلا عن الهشاشة المركزية لتلك الدول. دون إغفال النقطة الأهم، أنّ طهران لم تهتم سابقا بإقامة بنية تحتية لشبكات نقل وتسييل الغاز في ظل تحركاتها الوطنية لتعزيز استراتيجية "إحلال الغاز" محل النفط لتعظيم الصادرات النفطية. 


- تقييم موقف قوى لتحالف العربي: يبنى ذلك التقييم بالنظر لتوظيفات كلا من المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، على النحو التالي: 


1. الموقف الإماراتي: لم تدن حكومة أبوظبي التحركات الروسية بالأزمة الاوكرانية، وذلك في إطار إعادة تقييمها لديناميكيات "المشهد الدولي"، وذلك بالنظر إلى المحددات الإماراتية التالية:   


·  تسعى الإمارات إلى تفعيل إستراتيجية "تنويع الشركاء". فعلى سبيل المثال، تنامت الشراكات العسكرية والأمنية والاقتصادية لدى أبوظبي مع عدد من الدول مثل إسرائيل والصين وروسيا مؤخراً، مقابل إنهاء عصر "الحليف الواحد". وذلك في إطار حالة الفتور بالعلاقات مع واشنطن بعد تولي الرئيس الديموقراطي "جو بايدن" إدارة البيت الأبيض، وإعلانه الانسحاب الامريكي من منطقة الشرق الأوسط. بالإضافة إلى تزايد التشكك الإماراتي في قدرة حليفها الأمريكي في حماية أمنها القومي، خاصة بعد الهجمات الحوثية على أبوظبي خلال يناير وفبراير 2022.


· التدخل الروسي الأخير في الشرق الأوسط، وخاصة في عدد من الملفات المضطربة مثل سوريا وليبيا واليمن. ونظراً لأنّ هناك تنسيق عسكري إماراتي في اليمن، تخشى أبوظبي بدورها أن تقوم بأي ردة فعل تغضب روسيا وتتسبب في تحركها بما يضر بالمصالح الإماراتية في ذلك الملف، بل وترى أنّ موقفها المحايد – وربما المساند – لروسيا قد يدفع الأخيرة إلى مراعاة مخاوفها في الملفات الأمنية بالشرق الاوسط، وخاصة الملف اليمني ودعم أجندتها هناك. 


· تنامي أطر التعاون الاقتصادي بين الإمارات وروسيا، حيث تستحوذ الإمارات على ما يقرب من 55% من تجارة روسيا الخليجية، وتصنّف الإمارات ضمن أهم الدول العربية في التجارة الروسية، حيث تأتي بالمرتبة الثانية. وتعد الإمارات الوجهة الأولى عربياً للاستثمارات الروسية، وتستحوذ على 90% تقريبا من استثمارات روسيا بالدول العربية. وفي المقابل فالإمارات هي أكبر مستثمر عربي في روسيا، وتساهم بـ 80% من حجم الاستثمارات العربية بموسكو[9].


· المقايضة الإماراتية بـ "الورقة التصويتية " بمجلس الأمن، إذ امتنعت أبوظبي عن التصويت على قرار مجلس الأمن بشأن أوكرانيا، مقابل الدعم الروسي في قرار مجلس الأمن، والمتضمن إقرار إجراءات عقابية ضد الحوثيين في اليمن. 


2. الموقف السعودي: يتم تقييم الموقف السعودي بالنظر إلى كونه الورقة البديلة لإمدادات الطاقة والنفط، وذلك في ظل التحركات الروسية نحو "عسكرة الطاقة" في إطار التداعيات المتباينة للأزمة الاوكرانية. ومن ثم، فيستند الموقف السعودي على عدد من المحددات، أبرزها:  


· الحرص على استمرار التحالف السعودي الروسي في "أوبك +"، إذ أنّ الدولتان تُديران منظومة الإنتاج والتسعير للنفط ومشتقات الطاقة خلال السنوات الأخيرة. ومن ثم فإنّ أي خلل بالعلاقات الثنائية على واقع الأزمة الأوكرانية، قد يؤول إلى احتمالات خروج روسيا من "التحالف النفطي - أوبك +"[10]، وهو ما قد يُنذر بانهيار أسعار النفط وإعادة إنتاج "سيناريو2020". 


· فتور العلاقات السعودية الأمريكية، وذلك بالنظر إلى عدد من المشاهدات، أبرزها: تراجع الولايات المتحدة عن الدعم السعودي في موقفها بالملف اليمني، فضلا عن انتقاد الرئيس الأمريكي لولى العهد محمد بن سلمان على أثر قضية الصحفي "جمال خاشقجى". دون النظر إلى ما أعلنه "بايدن" لاحقا في مطلع العام الماضي من "إعادة ضبط العلاقات" مع السعودية، في إشارة نحو الرغبة في إعادة التقارب الأمريكي مع الحليف السعودي. 


· اهتزاز معيار الثقة بالجانب الأمريكي منذ سبتمبر 2019، في أعقاب تعرض منشآت النفط السعودية في البقيق لهجوم بصواريخ وطائرات مسيّرة إيرانية دون أي رد فعل من جانب الإدارة الجمهورية الأمريكية آنذاك. وزاد الأمر بعد إعلان الرئيس الديموقراطي "جو بايدن" الانسحاب الأمريكي من الشرق الأوسط؛ مما دفع قادة الشرق الأوسط إلى التوصل لاستنتاج مفاده أنّ الولايات المتحدة لم تعُد شريكا يُعتمد عليه في أمن المنطقة، وضرورة "تنويع الشركاء"، وفى مقدمتهم الشريك الروسي. 


· قد تدفع تداعيات الأزمة الأوكرانية بمجال الطاقة نحو تعزيز المكاسب الاقتصادية للسعودية، حيث تسعى الرياض لمعادلة الانعكاسات السلبية لجائحة كورونا على اقتصاديات المملكة خلال العامين السابقين. فعلى سبيل المثال: وفقا لوكالة بلومبرج، إذا ظلت أسعار النفط تتجاوز 80 دولارا للبرميل، والإنتاج السعودي عند المستويات الحالية لأكثر من 10 مليون برميل يوميا، فإن إجمالي عائدات المملكة من النفط سيتجاوز 300 مليار دولار في عام 2022[11]، ما يساعد على إنعاش العائدات المالية للمملكة، ودعم تحركات "بن سلمان" لإنجاز "رؤية 2030" الرامية إلى تنويع الاقتصاد السعودي.


ثالثا - الفواعل الدولية:


- تقييم الموقف الأمريكي: الموقف الأمريكي يتسم بكثير من الضبابية، خاصة وأنّ الملف اليمني من المتوقع أن يُعاد ترتيب أولويته بالنظر إلى تطورات الأزمة الأوكرانية، وحجم تداعياتها السلبية المقرونة باستخدام موسكو لنمط "عسكرة الطاقة"، وهو ما قد يدفع واشنطن لإيجاد البدائل، وفي مقدمتها "المملكة العربية السعودية". ذلك يتطلب من واشنطن موازنه الرؤى السياسية والأمنية مع المملكة في عدد من النقاط ذات الأولوية في المنطقة، أبرزها: دعم تحركات الرياض بالملف اليمني، وما يتعلق التصنيف الأمني لجماعة الحوثيين كجماعة إرهابية.  


- تقييم الموقف الروسي: تسعى موسكو لإعادة التموضع في مناطق نفوذها، رغبه منها في إنجاز أجندتها الخارجية والمتمثلة في "روسيا العظمى". فعلى سبيل المثال: تسعى موسكو للتموضع على سواحل البحر الأحمر، ويُعزى في ذلك إيجاد موطئ قدم لها، على الأرجح، في جزيرة سقطرى، فضلا عن إمكانية إنشاء قاعدة بحرية منفصلة في السودان. ويمهد لتلك الأطروحات التقارب الروسي الصيني في أعقاب الأزمة الأوكرانية، وفضلا عما تملكه الصين من خطط توسعية بالمنطقة عبر "طريق الحرير". حيث تُشكل "سقطرى" نقطة ارتكاز بالمشروع الصيني مهمة لمحورتيها كمركز لإدارة عمليات "التجارة البحرية" في المنطقة. وهو ما يُحتمل أن تسعى موسكو لإدراجه ضمن أجنداتها بالمنطقة.  


- تقييم الموقف الأممي: لازال الموقف الأممي متمسكا بإيجاد صياغات توافقية تمهيدا لإنجاز متطلبات الحل الشامل، وهو ما تم رصده بمجمل التحركات الأممية وتصريحاته المتباينة حول ضرورة إنهاء الأزمة الحالية وتداعياتها المختلفة اقتصاديا وأمنيا وإنسانيا، خصوصا بعد المشاورات التي يجريها المبعوث الأممي إلى اليمن، هانز غروندبرغ مع الأطراف اليمنية في العاصمة الأردنية عمّان.


| ثالثا - مستقبل "إحلال السلام الشامل": 


حظيت الأزمة الأوكرانية باهتمام واسع من الأوساط اليمنية، خاصة وأنها أتت قبل انعقاد مؤتمر المانحين بشأن دعم خطة الاستجابة الإنسانية للأمم لمتحدة، وسط تزايد المخاوف من المآلات على مسار عملية "إحلال السلام الشامل".  والتي يُرجّح أن تنتهي إلى أحد المساريين: 


المسار الأول -  الدفع بإنجاز متطلبات "إحلال السلام":  


ثمة عدد من الشواهد التي قد تدفع بسيناريو عملية السلام، لعل أبرزها ما يتمثل في: 


1. قد تدفع تطورات الأزمة الأوكرانية بالجانب الروسي نحو تعزيز حضوره في اليمن، كخطوة مناوئة للاصطفاف الغربي والأمريكي بالأزمة القائمة. ويعزز تلك الفرضية الانحياز الحوثي للجانب الروسي منذ بدء الأزمة، ويدعم تلك الفرضية اعتراف الجماعة بانفصال جمهوريتي "دونيتسك ولوغانسك، كمحاولة لاسترضاء روسيا ودفعها لدعم رؤيتهم الخاصة التي تطرحها الجماعة لإحلال السلام.   


2. المبادرة التي أعلنتها جماعة الحوثيين في منتصف فبراير 2022، وقدمتها إلى الجانب الروسي، وإن كانت تتعلق فقط بالملف الإنساني، لكنها تمثل في جوهرها خطوة نحو الانتقال إلى العملية السياسية، وذلك كمحاولة للالتفاف على المبادرة السعودية الرامية إلى "إيقاف إطلاق النار أولا" ثم الانتقال إلى مراحل التسوية السياسية الشاملة وفقا للتصور الحوثي.


3. محاولة الالتفاف على تداعيات الأزمة الأوكرانية، وما قد تعكسه من تردي بالأوضاع الاقتصادية بالمنطقة، فضلا عن تفاقم "أزمة الغذاء" خاصة في اليمن التي تشهد أوضاعا إنسانية حرجة. فعلى سبيل المثال: تستورد اليمن حوالي 40% من القمح من كل من روسيا وأوكرانيا. ومع تطور الأحداث فضلا عن العقوبات الاقتصادية المفروضة، فمن المُرجح أن تنعكس بالسلب على الاقتصاد اليمني الهش. وهو ما قد يدفع بمختلف الأطراف لإنجاز متطلبات التسوية السياسية للخروج من سيناريو اضطراب "الأمن الغذائي"، و"الأمن الإنساني".


4. قد يدفع بمسار ذلك السيناريو، سعى الولايات المتحدة الأمريكية لإعادة "ضبط العلاقات" مع المملكة العربية السعودية، واستمالة المملكة لموازنه أسواق الطاقة في إطار تطورات الازمة الاوكرانية، وهو ما يتطلب من واشنطن إبداء أوراق للمقايضة، إذ من المُرجح أن تُقدم الولايات المتحدة على إعادة تصنيف جماعة الحوثيين كجماعة إرهابية، وهي النقطة الى قد تُحرك المياه الراكدة في المباحثات الأممية لإحلال السلام بالملف اليمني. 


المسار الثاني - تأزم الأوضاع واستمرار الصراع:


يُعد ذلك المسار الأقرب إلى الواقع، وذلك استنادا للخبرة التاريخية بالتعامل في الملف اليمني. إذ يستند ذلك المسار على عدد من المحددات، أبرزها: 


1. ما تفرضه التداعيات المتباينة للأزمة الاوكرانية من ضرورة إعادة ترتيب الأولويات أمميا، والانصراف عن الملف اليمني. فعلى سبيل المثال: صرح المبعوث الأممي الرابع في منتصف فبراير 2022 بأنّ الأبعاد الاقليمية للأزمة اليمنية تلعب دورا كبير في تعقيد حلولها، وذلك بالنظر إلى انعكاسات الأزمة على الدول المنخرطة بالملف اليمني: "السعودية، والإمارات، وإيران"، إذ أنّ هذه الأزمة ستترك آثارا سلبية على تلك الدول بوصفها دولا منتجة للنفط، ومستوردة للغذاء.


2. ما يتعلق بمستقبل المباحثات القائمة لإعادة إنتاج الاتفاق النووي الإيراني في ظل تداعيات الأزمة الاوكرانية، إذ أن نتائج تلك المباحثات ستنعكس بشكل مباشر على الموقف الإيراني عسكريا واقتصاديا، وارتداده المباشر على أحد أهم أذرعها "جماعة الحوثيين"، والتي رُبما يُنذر بمزيد من المعوقات بمسارات إحلال السلام بالمسألة اليمنية.


ختاما، يُشكل الملف اليمني نقطة هامة للدراسة والبحث أمميا وذلك بالنظر إلى حجم التداعيات المتباينة للأزمة الروسية - الأوكرانية، بالإضافة إلى مختلف الأبعاد التي تتعلق بذلك الملف، خاصة: السياسية ومسارات إحلال السلام، والاقتصادية ومحاولة موازنه الهشاشة الاقتصادية بالدولة الرخوة، والإنسانية ومحاولة المساهمة في الحيلولة دون تفاقم الأوضاع الإنسانية ودعم استقرار معدلات الأمن الغذائي في ظل تفاقم الانعكاسات السلبية للأزمة الاوكرانية، وما قبلها من انعكاسات جائحة كورونا. 


الشواهد العامة تُرجّح من فرضية المسار الثاني "تأزم الأوضاع واستمرار الصراع"، إذ أنه من الواضح أنّ المجتمع الدولي يدفع نحو إعادة ترتيب أولوياته الأمنية والاقتصادية بالنظر لحجم الارتدادات الجيوسياسية للأزمة الروسية – الأوكرانية. إذ ستقتصر التنسيقات الغربية مع الفواعل الإقليمية بالمنطقة على ضمان إمدادات سوق الطاقة "النفط والغاز"، دون النظر لأي تنسيقيات سياسية بمراكز الاضطرابات الأمنية بالمنطقة مثل اليمن. إلا أنه بالمقابل، قد تدفع التحركات الغربية والأمريكية لـ "ضبط العلاقات" مع الكتلة الخليجية "السعودية والإمارات" إلى تقديم أوراق مقايضة، أبرزها تأييد الأجندة الخليجية في اليمن، وإعادة تصنيف جماعة الحوثيين كجماعة إرهابية. إذ سيسهم ذلك التحول الغربي في تعزيز المسارات الإقليمية والأممية لإحلال السلام الشامل في اليمن. ليظل معيار "التحقق" محل اختبار وفقا لميكانيزم التشابك بين مختلف الأطراف المحلية والإقليمية المنخرطة بالمسألة اليمنية، وأجندتهم المتغيرة بالنظر للتغيّر في أولويات المجتمع الدولي، وهو ما سيتكشف خلال الفترة المقبلة.


د. إيمان زهران

باحثة غير مقيمة في مركز سوث24 للأخبار والدراسات، متخصصة في العلاقات الدولية والأمن الإقليمي


- لتحميل الملف بصيغة "بي دي إف" (من هنا)
- الصورة: روتيرز (فينانشيال تايمز)



المراجع: 

[1] صيغة نورماندى: تُعرف بكونها منصة حوار رباعية ومنتدى غير رسمي للقنوات الدبلوماسية، تأسس في عام 2014، وأسفر عن توقيع اتفاقية مينسك لتهدئة الصراع بين روسيا وأوكرانيا، عام 2015، وتضم المنصة الدبلوماسية طرفي الأزمة روسيا وأوكرانيا إلى جانب كل من الوسيطين الأوروبيين الكبيرين؛ فرنسا وألمانيا. حيث استؤنفت المحادثات الرباعية ضمن “صيغة نورماندي” منذ يناير 2022، في برلين وباريس.

[2] Alexander Gabuev, "Alexander Gabuev writes from Moscow on why Vladimir Putin and his entourage want war", The Economist, February 19, 2022, Accessible at: econ.st

[3] استند الجدول على عدد من المصادر، أنظر: 

-   أسباب الحرب بين روسيا وأوكرانيا .. جذور الصراع وتطوراته، بوابة الأهرام 24/2/2022، bit.ly

-   روسيا وأوكرانيا.. نزاع تاريخي ومحطات حرب غير معلنة، Deutsche Welle ،25/12/2021، bit.ly

-   باريس: ماكرون يجمع بوتين وزيلينسكي في قمة حول السلام في أوكرانيا، فرانس 24، 9/12/2019، bit.ly

-   روسيا وأوكرانيا: ماذا بعد اعتراف بوتين باستقلال دونيتسك ولوهانسك؟، BBC News عربى، 22/2/2022، bbc.in

[4] ماكرون يعتبر أن الحلف الأطلسي في حالة "موت دماغي"، فرانس 24، 7/11/2019،france24.com
[5]  36 جهة مانحة تتعهد بتقديم نحو 1.3 مليار دولار لليمن من أصل 4.3 مليار دولار مطلوبة للاستجابة الإنسانية، موقع الأمم المتحدة، 16/3/2022، bit.ly

[6] Margaret Dene, Hannah Labow, Carol Silber, Middle East Responses to the Ukraine Crisis, The Washington Institute, 4/3/2022,

[7]  مجلس الأمن يتبنى قرارا يخضع جماعة الحوثيين ككيان لحظر السلاح، موقع الأمم المتحدة،  28/2/2022

[8] شروق صابر، الخيارات البديلة: ماذا لو فشلت مفاوضات فيينا؟، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 22/2/2022

[9] لماذا امتنعت الإمارات عن إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا في مجلس الأمن؟، الخليج أونلاين، 26/2/2022

[10] أين تقف دول الخليج إزاء الحرب الروسية ضد أوكرانيا؟، الخليج الجديد، 1/3/2022 bit.ly

[11] مواقف الفاعلين فى الشرق الأوسط من الأزمة الأوكرانية: التوجهات والمحددات "2"، الشارع السياسي، 14/3/2022


Shared Post
Subscribe

Read also