16-10-2020 الساعة 5 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| يعقوب السفياني
في 13 من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، بثّت قناة "حضرموت"، التي يُعتقد ملكيتها، لرجل الأعمال السعودي من أصل يمني، عبد الله بقشان، تصريحات نارية لمحافظ محافظة شبوة، الخاضعة لسلطة الإخوان المسلمين في اليمن، محمد صالح بن عديو، هاجمَ فيها دولة الإمارات العربية المتحدة، العضو الرئيس في التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، على ذمة منشأة "بلحاف" النفطية.
التصريحات الجريئة لرجل الإخوان الأول في المحافظة الغنية بالنفط، أثارت جدلاً واسعاً، من حيث توقيتها ومكانها ودلالتها السياسية، وانعكاسات ذلك على مسار العملية السياسية في جنوب اليمن، المتمثلة بـ "اتفاق الرياض".
اتهم محافظ شبوة الإمارات العربية المتحدة، التي غادرت اليمن في أكتوبر الماضي، بتحويل المنشأة النفطية إلى "ثكنة عسكرية للقوات الإماراتية" في الوقت الذي تحتاج فيه اليمن- بحسب عديو- إلى تشغيل هذه المنشأة "الاستراتيجية" المتوقّفة منذ اندلاع حرب 2015، والتي – على حد تعبيره - تقفُ الإمارات "حجرة عثرة في طريق تشغيلها".[1]
محافظة شبوة، محمد صالح بن عديو، متحدثاً لقناة "حضرموت" التابعة لرجل الأعمال السعودي الحضرمي، بقشان
منشأة بلحاف
منشأة بلحاف لتسييل وتصدير الغاز الطبيعي والواقعة في منطقة "عين بامعبد" بمحافظة شبوة، هي منشأة استراتيجية أنشأتها شركة "توتال" النفطية الفرنسية بالشراكة مع الحكومة اليمنية، إبان حكم علي عبد الله صالح، بمبلغ يصل إلى 5 مليارات دولار، تملك فيها توتال ما تصل نسبته إلى أكثر من 40% من الأسهم. أُنشأت هذه المنشأة بغرض تسييل وتصدير الغاز الطبيعي المُستخرج من محافظتي شبوة ومأرب، وهي أكبر مشروع اقتصادي عرفته البلاد، وأحد أهم المشاريع الاقتصادية بالإقليم.
تعرّضت منشأة بلحاف لعمليات نهب وصفقات فساد كبيرة في عهد الرئيس اليمني الراحل، صالح، شملَ ذلك بيعُ نسبٍ ضخمة من حصة اليمن من الغاز إلى شركات كورية جنوبية، وبتنسيق شخصيات نافذة ومشائخ قبليين ورجال أعمال مقّربين من النظام السابق. تُعتبر فضيحةُ شركات الحماية أحد أبرز ملامح هذا الفساد، حيث كانت توتال تتعاقد مع قادة عسكر موالين لصالح و"بيت الأحمر" لتوفير حماية للمنشأة بمبالغ خيالية وصلت إلى 240 مليون دولار، تؤخذُ كلها من حصة الدولة.
بعد حرب 2015، وتحرير المحافظات الجنوبية، تسلّمت دولة الإمارات العربية المتحدة - إحدى دول التحالف العربي إلى جانب السعودية - مهمّة حماية وتأمين المنشأة، وأنزلت الإمارات وحدات عسكرية فيها لهذا الغرض، واستمرت القوات الإماراتية في بلحاف إلى جانب قوات النخبة الشبوانية في حماية المنشأة وبقية مناطق شبوة من خطر التنظيمات المتطرّفة كالقاعدة وداعش، وجماعة الحوثي، واستطاعت تحقيق انتصارات كبيرة، إلا أنّ هذه الانتصارات تراجعت بعد حلّ وهزيمة قوات النخبة التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي.
ذات صلة: الخارجية الأمريكية: مكاسب مكافحة الإرهاب في اليمن تراجعت بعد حلّ قوات (النخبة)
في أغسطس/آب 2019، وبعد متوالية من الأحداث السياسية والعسكرية المتسارعة، كان أهمها سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي على العاصمة عدن وطرد الحكومة اليمنية منها، استطاعت قوات الحكومة اليمنية - مسنودة بعناصر قبلية من محافظات شمالية مجاورة وعناصر من تنظيم الإخوان المسلمين - إحكام سيطرتها على شبوة وطرد قوات النخبة الشبوانية.
ورغم هذه التطورات، استمرت القوات الإماراتية والنخبة الشبوانية - بتنسيق مع المملكة العربية السعودية - بأداء دورها ومهمتها في منشأة بلحاف النفطية، وهو الدور الذي تقول عنه جماعة الإخوان المسلمين وعلى لسان قادتها اليمنيين، بأنّه يُعطلُ أهم منشأة اقتصادية في البلد المتدهور يوماً بعد يوم.
تراجعت الانتصارات في مجال مكافحة الإرهاب عقب إخراج قوات النخبة الشبوانية من شبوة، بحسب تقرير الخارجية الأمريكية (نشطاء)
غاز بن عديو.. مظلةُ الإخوان
يقول محافظ شبوة، وهو قيادي بارز في حزب التجمع اليمني للإصلاح، بأنّ إعادة تشغيل منشأة بلحاف سيُسهم في رفد الاقتصاد الوطني "المتدهور"، الذي يعاني من "أزمة انهيار للعملة"، الأمر الذي رآه البعض مظّلة للتحركات الاستفزازية التي تقوم بها وحدات عسكرية تتبع سلطات المحافظ، ضد القوات الإماراتية في محيط المنشأة.
ودأب بن عديو على تبرير هذه التحركات طيلة الأشهر الماضية بدعوى تشغيل منشأة بلحاف، وسبقَ له في- مقابلة مع الجزيرة القطرية في سبتمبر/أيلول العام المنصرم- أن استخدم المفردات والذرائع نفسها التي استخدمها في مقابلته الأخيرة مع قناة "حضرموت".[2]
تزامنَ حديث بن عديو مع حملات واسعة ضد الدور الإماراتي في اليمن، قادتها قنوات وصحف ومواقع تابعة للإخوان للمسلمين، وشخصيات يمنية مقربّة من الدوحة وأنقرة، ينتسب كثيرٌ منها للحكومة اليمنية. واتهمت هذه الحملات الإمارات بالتوسّع في اليمن وخصوصاً في أرخبيل سقطرى، عقب سيطرة قوات المجلس الانتقالي الجنوبي على الجزيرة وفرار حاكمها السابق، رمزي محروس.
عبد العزيز جباري، وهو نائب رئيس مجلس النواب اليمني، كان قد ظَهر بوقت سابق على شاشة الجزيرة القطرية في برنامج "بلا حدود"، مطالباً السعودية والإمارات بالرحيل من اليمن، وقتال إيران بشكل مباشر بدلاً عن جعل اليمن ساحة للصراع "المزعوم"، حد تعبير الرجل، وهي دعوة مشابهة لدعوات سابقة كان قد أطلقها وزير النقل السابق بحكومة هادي، صالح الجبواني، مراراً وتكراراً، قبل أن يُنقل قبل أسابيعٍ - بطائرة خاصة - إلى العاصمة السعودية الرياض.[3]
يرى بعض السياسيين والمراقبين أنّ مزاعم دعم الاقتصاد اليمني التي يتبناها تنظيم الإخوان المسلمين عبر شخصيات يمنية وحكومية موالية له، تهدف إلى تثبيت موطئ قدم تركية في شواطئ بحر العرب عبر السيطرة على أهم منشأة في البلاد والمنطقة المحيطة بها من سواحل أبين وشبوة الاستراتيجية، والتخلّص من المنافس الإماراتي اللدود لهذا المحور الفاعل داخل الحكومة اليمنية.
يعُزّز هذا الرأي عمليات التهريب المتكررة للأسلحة التركية إلى سواحل المحافظتين طيلة الشهور الماضية، يعتقد أنّها تصل من السواحل الصومالية المقابلة، حيث تمتلك تركيا هناك قاعدة عسكرية استراتيجية.
التهريب المتكرر للأسلحة التركية إلى سواحل جنوب اليمن، طيلة الشهور الماضية، يعتقد أنّه يصل من السواحل الصومالية المقابلة في خليج عدن (الصورة: معهد المستقبل للأبحاث والدراسات)
قبل ثلاثة أيّام أبلغت مصادر محلية خاصة "سوث24" بأنّ قوات من الدعم والإسناد بمحافظة أبين أفشلت صفقة تهريب لأسلحة في منطقة "أحور" بمحافظة أبين المجاورة لشبوة، كانت على متن سفينة "زعيمة" ينتظر تسلّمها عناصر من تنظيم الإخوان المسلمين وعلى علاقة مباشرة بالسلطات المحلية بشبوة، قبل أن تشتبك معهم القوة الجنوبية.[4]
وهو الأمر الذي يتفق معه عضو الجمعية الوطنية في المجلس الانتقالي، وضّاح عطية، الذي رأى، في تغريدة له على تويتر، أنّ "شبوة وثرواتها أصبحتا في خطرٍ محدقٍ عبر مؤامرة يرعاها بن عديو، وتهدف إلى سيطرة الإخوان وبدعم حوثي" حد تعبيره.[5]
ما وراء الكواليس
تبقى هذه الصورة العامة للوضع في شبوة غير مُكتملة، ولا زالت هنالك حلقات مفقودة في تسلسلها المنطقي، فبينما تبدو تحركات السلطات المحلية في شبوة، الخاضعة لسلطة الإخوان في اليمن، موجّهة ضد السعودية والإمارات، يتّسم الموقف السعودي بالضعف أو التعاون إزاء هذه التحركات.
قناة "حضرموت" التي أطلّ عبرها محافظ شبوة، يموّلها رجل الأعمال السعودي الحضرمي، عبد الله بقشان، وهو الذي يمارس معظم أنشطة إمبراطوريته التجارية من السعودية، ويُقيم فيها.
وجاءت تصريحات محافظ شبوة عقب أيام فقط من استضافة بقشان للسفير الفرنسي لدى اليمن، كرستيان تستو، في العاصمة السعودية الرياض، أجرى خلالها لقاءً مع محافظ حضرموت اللواء فرج البحسني.
وبحسب وسائل إعلام محلية، فقد ناقش اللقاء أيضا، إمكانية عودة الشركات النفطية الفرنسية لاستئناف عملها في حضرموت.
قناة "حضرموت" التي أطلّ عبرها محافظ شبوة، يموّلها رجل الأعمال السعودي الحضرمي، عبد الله بقشان (الصورة: قناة حضرموت)
يُنظر لهذه الازدواجية في السياسة السعودية على إنها نتاج الصراع بين التغلغل الإخواني في دائرة القرار السعودية ونفوذ الأمير محمد بن سلمان، ولي عهد المملكة، الذي يعمل على كبح جماح الإخوان في السعودية وتقليص نفوذهم وتأثيرهم.
تجدر الإشارة إلى أنّ بن سلمان كان قد أقال الأمير فهد بن تركي، قائد قوات التحالف العربي في اليمن، والمُقرب من جماعة الإخوان المسلمين. لكنَّ هذه الرؤية والتفسير للسياسة السعودية تبدو واهنة، خصوصاً وأنَّ هذه السياسة محكومة بالنار والحديد من قبل الأمير الشاب.[6]
فرَضية وجود ضوء أخضر سعودي للتصعيد ضد الإمارات في شبوة واردٌ أيضاً، بالنظر إلى تعثّر تشكيل حكومة المناصفة بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة اليمنية، وفقاً لاتفاق الرياض الموقّع بينهما في نوفمبر 2019، ولدفع أبوظبي للضغط على حلفائها في الانتقالي الجنوبي لتقديم مزيداً من التنازلات لإنجاح تنفيذ الاتفاق السعودي، وإعادة ترتيب التوازنات على الأرض وفقاً للرؤية السعودية، خصوصاً بعد دفع طفيف لمخاطر اجتياح مأرب واستعادة مواقع عسكرية محدودة في محافظة الجوف الشماليتين.
ربما تودّ الرياض تحقيق إنجاز في تنفيذ آلية تسريع الاتفاق، قبل نجاح مساع المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيثتس، في جمع الأطراف الرئيسة في الأزمة اليمنية – قد تشمل الانتقالي الجنوبي- والتوصّل لحلٍ شامل.
المجلس الانتقالي الجنوبي كان قد أشار الثلاثاء الماضي، خلال لقاء ضم رئيس المجلس اللواء عيدروس الزبيدي بالمبعوث الأممي إلى اليمن مارتين غريفيث، إلى أنّ المجلس "لم يتلقَّ حتى اللحظة أي دعوة للمشاركة بالمشاورات الخاصة بالإعلان"، لكنه أبدى استعداده "للمشاركة في وضع تفاصيل الإعلان ومراجعته وفق ما أشار إليه اتفاق الرياض بخصوص تشكيل وفد حكومي مشترك."
ضغطٌ سياسي أم فصلُ صراعٍ جديد؟
عبر عقودٍ لتأجير وتطوير منتجعات سياحية وقّعها بن عديو، تمكّنت تركيا من تعزيز تواجدها في محافظة شبوة، بحسب أهالي محليين، وهو تواجد امتد ليشمل معسكرات لتدريب مسلّحين يتبعون الإخوان المسلمين، قادها الوزير السابق صالح الجبواني، وفقاً لوسائل إعلام سعودية، وتزامناً مع تصريحات سابقة للقيادي البارز في التنظيم بمحافظة تعز، ومستشار محور تعز العسكري عبده فرحان المخلافي.[7]
تعمل تركيا على تحقيق أطماعها التوسعية عبر الإخوان المسلمين وقطر [8]، وكغيرهم من فروع التنظيم، يعمل إخوان اليمن كذراع تركيا في البلاد المنكوبة لتسهيل ذلك. قد تُشكّل منشأة بلحاف فصل جديد للصراع باليمن، وإحدى أهم المطامع التركية على الاطلاق، وهو ما يُنذرُ بصدام عسكريٍ مُحتمل، خصوصاً، مع مناخ التوتر والاشتباك الذي رسخّته الآلة الإعلامية لقطر وتركيا طيلة الفترة الماضية.
وكانت مصادر محلية قد أفادت، يوم 3 أكتوبر الجاري، عن تعرض ناقلة النفط SYRA ، للغم بحري، بالقرب من ميناء النشيمة النفطي قبالة سواحل محافظة شبوة، سبب تسرّب نفطي رصدته مواقع بحرية عالمية. ولم تتضح هوية الجهة الفاعلة، حتى الآن، لكنه ليس بعيداً من بوادر هذا الصراع.
انسحاب الإمارات من بلحاف غير وارد وفقاً لاعتبارات عديدة، أهمّها علاقتها الوثيقة – حتى الآن - بالمجلس الانتقالي الجنوبي. وثانياً لأنّ المُنشأة التي حصلت فرنسا منها على نصيب الأسد تُمثّل جوهرة حقيقية في جنوب اليمن، ووصول هذه الجوهرة إلى أيدي التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، الممولين من قطر وتركيا، في ظلّ الوضع السياسي القائم، سيعني بالتالي منحهما رئةً جديدةً يتنفس من خلالها التنظيم الرابض على مثلّث النفط اليمني (شبوة - حضرموت - مأرب). وهو الأمر الذي، من المرجّح، لن تقبل به أبوظبي ولا حليفتها باريس، والأخيرة تخوض حرباً من نوعٍ آخر مع اسطنبول على ضفافِ المتوسّط.
- يعقوب السفياني: صحفي ومحرر في مركز سوث24 للأخبار والدراسات
- مركز سوث24 للأخبار والدراسات
المراجع:
[1]. مقابلة محافظ محافظة شبوة محمد عديو مع قناة حضرموت اليوم. youtube.com
[2]. محمد صالح بن عديو على قناة الجزيرة القطرية. youtu.be
[3]. مقابلة عبد العزيز جباري مع الجزيرة القطرية. youtu.be
[4]. سوث24: افشال صفقة تهريب سلاح twitter.com
[5]. تغريدة وضاح بن عطية عضو الجمعية الوطنية في الانتقالي الجنوبي twitter.com
[6] سوث24: بين سياستين نقيضتين.. جنوب اليمن في قائمة الانتظار السعودية. south24.net
[7]. الفيديو المسرب لـ عبده فرحان المخلافي (سالم) youtu.be
[8].سوث24: ثالث زيارة للدوحة.. تركيا تقود أطماعها التوسعية من على أكتاف قطر south24.net
قبل 3 أشهر