التقارير الخاصة

ثالثُ زيارةٍ للدوحة.. أردوغان يقود أطماعه التوسّعية من على أكتاف قطر

11-10-2020 الساعة 1 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol

سوث24| يعقوب السفياني


في ثاني زيارة له إلى الدوحة منذ تفشي وباء كورونا، وفي خضّم التطورات المتلاحقة بالمنطقة، يواصل الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، تثبيت أركانَ التحالف الثنائي بين تركيا وقطر، الذي يُوصف بالاستراتيجي، والمصيري - ربما - بالنسبة إلى قطر، الدولة الصغيرة الملاصقة للسعودية في شبه جزيرة العرب.


الرسائل التي حملتها زيارة أردوغان متعددة، بالنسبة للرجل التركي الطامح. كانَت الزيارة فرصة للتأكّيد بأنّ دور القوات التركية في الدوحة "يخدم تواجدها الاستقرار والسلام في منطقة الخليج"، على حد تعبير أردوغان، الذي أكّد بأنّه "يجب ألا ينزعج أحد من تواجد تركيا وجنودها في الخليج، باستثناء الأطراف الساعية لنشر الفوضى"، وفقا لما نقلته وكالة أنباء "الأناضول" التركية الرسمية. [1]


زياراتٌ متواليةٌ


في الثاني من يوليو/تموز للعام الجاري، وفي أولِ زيارة له منذُ تفشي كورونا، وصل أردوغان العاصمة القطرية الدوحة، في زيارة استغرقت يوماً واحداً بحث فيها مع أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، العلاقات الاستراتيجية بين البلدين وسبل تعزيزها دعمها، وأبرز التطورات الإقليمية والدولية، كما أوردت وكالة الأنباء القطرية "قنا".


يُذكرُ أنَّ أردوغان كانَ قد زار قطر في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني العام المنصرم، وهي الزيارة التي وُصفت بزيارة العام، وقّع فيها أردوغان مع أمير قطر مذكرات تفاهم ثنائية بين البلدين، وحاول فيها أردوغان "ألا يأتي التقارب المحتم في الخليج على حساب العلاقات التركية القطرية"، كما تحدثت "تشينزيا بياكو"، الباحثة في معهد المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية. [2]



أردوغان أثناء وصوله مطار الدوحة في 2 يوليو 2020 (وسائل إعلام قطرية)

وفي ثالث زيارة له خلال أقل من عام، وصل أردوغان الدوحة في السادس من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، إلى الدوحة القطرية، في زيارة "عمل"، كما غردت وكالة الأنباء القطرية "قنا" على حسابها الرسمي في منصة تويتر، التي ذكرت بأنّ "الشيخ تميم بن حمد سيبحث مع أردوغان، العلاقات الاستراتيجية بين البلدين وسبل دعمها وتعزيزها، إضافة إلى عدد من القضايا ذات الاهتمام المشترك". [3]


وجاءت زيارة أرودغان الأخيرة بعد أيام فقط من انحدار العملة المحلية إلى مستوى 7.9 ليرة مقابل الدولار الواحد، وهو أسوأ رقم تحققه العملة التركية، بحسب سكاي نيوز البريطانية.

حلفٌ متنامٍ


لعبت تركيا دوراً محورياً في الأزمة القطرية - الخليجية، المندلعة في 5 يونيو/حزيران في العام 2017، بعد أن قطعت كل من السعودية، الإمارات والبحرين، علاقاتها مع قطر، بعد سحب هذه الدول سفرائها منذ أكثر من 3 سنوات في مارس/أذار 2014، بسبب ما وصفوه بعدم التزام الدوحة بمقررات سبق الاتفاق عليها بمجلس التعاون الخليجي.


تركيا التي سارعت لاستغلال هذه الأزمة بين الجيران الخليجيين، عملت على نشر قوات عسكرية تابعة لها على الأراضي القطرية، وذلك بعد إقرار البرلمان التركي وبشكلٍ عاجلٍ تنفيذ اتفاقية تعاون عسكري كانَت قد وُقعت بين تركيا وقطر في 28 أبريل/نيسان 2014، وحملت اسم "اتفاقية التنفيذ بين الجمهورية التركية وحكومة دولة قطر لنشر القوات التركية على الأراضي القطرية".


بناءً على الاتفاقية العسكرية بين تركيا وقطر، تم إنشاء قاعدة "الريان" العسكرية التركية في قطر، والتي استضافت مئات الجنود الأتراك ودبابات وطائرات تركية، وتتسع لأكثر من 3 آلاف جندي، ولم تمض أشهر حتى أعلنت تركيا عن قاعدة عسكرية جديدة بقطر، يتواجدُ فيها ما بين 1500 إلى 2000 جندي تركي. [4]


التعاون بين البلدين يأتي على كافة المستويات، وليس عسكرياً فقط، فالبلدان يتشاركانَ رؤية سياسية متقاربة وشبه موحدة فيما يتعلق بكثير من ملفات المنطقة، مثل الأزمتان السورية والليبية، والموقف المعادي لنظام الرئيس "السيسي" في مصر، وبشكلٍ أكثر وضوحاً مؤخراً، الملف اليمني.


شعورٌ بالخطر


تعاني قطر من عقدة خوف مزمنة من الضم والابتلاع من قبل جيرانها الخليجيين، فشبه الجزيرة الصغيرة التي تبلغ مساحتها 11.6 ألف كيلو متر مربع، ولا يتجاوز عدد سكانَها من حاملي الجنسية القطرية ما نسبته 20% من النسبة العامة للسكان، تحّدُها المملكة العربية السعودية بشكل كامل جنوباً، وتقع مملكة البحرين إلى الشمال الغربي منها، فيما تشترك الدولة بحدود بحرية مع كل من الإمارات وإيران، بالإضافة إلى البحرين.


ونتيجة لهذا الشعور بالخطر والتهديد الدائمين، يمكن تفسير السلوك "الاقتحامي" الذي تميّزت به قطر خلال العامين الماضيين، فالتحدي المستمر لقطر هو صغرها ووقوعها تحت دائرة الخطر كدولة، وكيان سياسي وأسرة حاكمة، وهذا يأتي امتدادا لتاريخ طويل مثّلت فيه قطر منطقة غير مستقرة، وغير آمنة، وكانَت دوماً ساحة للغزوات والحروب العشائرية. [5]


"الابن العاق للخليج" كما وصفها سياسيون وخليجيون كُثر، انتهجت سياسة مناوئة للإجماع الخليجي تجاه كثير من القضايا، وخصوصا بما يتعلق بثورات الربيع العربي، فبينما تدعم السعودية والإمارات والبحرين نظام الرئيس السياسي بمصر، تصفه قطر بالانقلاب.


وبعد قطع دول الخليج علاقاتها معها، وانسحابها من التحالف العربي لدعم "الشرعية" في اليمن، الذي تقوده السعودية، وكانَت قطر عضواً فاعلا فيه، توسّعت دائرة السياسة القطرية المعادية للسعودية والإمارات لتشمل اليمن، عملت قطر فيها على دعم جناح الإخوان المسلمين في حكومة هادي، بهدف ضرب التحالف العربي وإفشاله في اليمن، وهو الهدف الذي تقاطعت عنده الأهداف التركية والإيرانية معاً.



أردوغان في القاعدة التركية بقطر (رويترز)

 

تعزيزُ الدور المشبوه في اليمن


الزيارة الأخيرة لأردوغان مثّلت - بحسب خبراء ومحللين - تعزيزاً للدور القطري التركي المشبوه والمتزايد باطراد في اليمن. تركيا والتي تواجه اتهامات بدعم جماعات متطرفة تابعة للإخوان المسلمين في اليمن، تعادي التحالف العربي (السعودية والإمارات)، وتعمل على تقويض تواجدهما جنوباً، أكدتها تصريحات، فيديو مسّرب، على لسان القيادي الإخواني البارز في اليمن، والجهادي العائد من أفغانستان، عبده فرحان المخلافي، المعروف بـ "سالم"، أشار صراحة لدعم تركي مرتقب للإخوان في اليمن، يستهدف السعودية والإمارات اللتان - حد وصف سالم - "لم تقدما شيء". [6]


أفادت مصادر سياسية مطّلعة في الرياض لـ "سوث24" أنّ وزراء ومسؤولين في حكومة الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، على علاقة واضحة بتركيا وقطر، لا زالوا يستميتون لوضع عراقيل واسعة تجاه تنفيذ آلية تسريع اتفاق الرياض، وإعلان حكومة المناصفة المرتقب".


وأشارت المصادر السياسية بأنّ "بعض هؤلاء المسؤولين يطالبون بإخراج الإمارات العربية المتحدة من التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، ويصرّون على منح شخصيات مقرّبة من المحور التركي القطري مناصباً هامة في تشكيلة الحكومة المرتقب الإعلان عنها".

من القيادية البارزة في الإخوان المسلمين "توكل كرمان"، ومرورا بالقائد المزعوم للمقاومة الشعبية بمحافظة تعز اليمنية، حمود سعيد المخلافي، إلى رجل الأعمال اليمني حميد الأحمر، والمئات من الأسماء والشخصيات السياسية اليمنية المنتمية لتنظيم الإخوان في اليمن - التي تناهض التدخل السعودي والإماراتي في اليمن- تحتضنهم تركيا وقطر.


تنظيم الإخوان المسلمين الذي، يتخذ من إسطنبول والدوحة مقراً لنشاطه، تناغم في أدائه خلال الأشهر الماضية مع جماعة الحوثي المدعومة من إيران، بالإضافة إلى ميليشيات يقودها الشيخ علي الحريزي رئيس ما يسمى "مجلس الإنقاذ الوطني اليمني"، وهو الأداء الذي تُرجم على أرض الواقع بمحاولات اسقاط محافظة المهرة المحاذية لعمان بيد هذا التحالف الطارئ، وهي المحاولات التي كانت عمان منطلقاً لها، بالإضافة إلى الحرب على الجنوب ومحاولات غزو عدن الجنوبية المستمرة منذ مايو/أيار من العام الجاري. [7]


وتُبث من أسطنبول قنوات تلفزيونية يمنية عديدة، بعضها حديثة يُعتقد بأنّها ممولة من قطر، تسعى للتركيز على إثارة الخلافات المجتمعية بين أطياف الشعب في محافظة المهرة وسقطرى وباقي مناطق جنوب اليمن، في سياق ما يراه مراقبون "استراتيجية قطر وتركيا لإفشال دور التحالف بقيادة السعودية وجهود المجلس الانتقالي الجنوبي في هذه المناطق الاستراتيجية".



قناة المهرية التي تبث من أسطنبول، والذي تتهم قطر بتمويلها، ويديريها وكيل وزراة الإعلام في حكومة هادي، مختار الرحبي 

عنصر عدم استقرار


الردود الإقليمية والدولية على زيارة أردوغان الأخيرة إلى قطر تنوّعت، إلا أنّ كثيرا منها صب إجمالاً في التنديد بهذه الزيارة، بوصفها كانَت إلى جانب سابقتيها سبباً في إطالة أمد الفرقة والأزمة بين قطر وجيرانها الخليجيين، وتهدف إلى تحقيق أجندات ومطامع تركيا في المنطقة عبر استغلال "شعور الخطر" و "العدائية غير المبررة" التي تتميز بهما قطر.


بالنسبة إلى وزير الدولة للشؤون الخارجية بدولة الإمارات العربية المتحدة، الدكتور أنور قرقاش، فإنَّ الوجودَ العسكري التركي في قطر "عنصر عدم استقرار" في المنطقة. قرقاش وفي تغريداتٍ له عبر حسابه في تويتر، أمس السبت، شدد بأنّ المنطقة "لا تحتاج إلى الحاميات الإقليمية واعادة انتاج علاقة استعمارية تعود لعهد سابق"، مضيفاً: "الوجود العسكري التركي في الخليج العربي طارئ ويساهم في الاستقطاب السلبي في المنطقة، ولا يراعي سيادة الدول ومصالح الخليج وشعوبه". [8]


بالنسبة للمعارضة التركية فرأت أنّ الهدف من وراء زيارة الرئيس رجب طيب أردوغان إلى قطر، الأسبوع الماضي، كان طلب المال.


وقال الناطق باسم حزب الشعب الجمهوري المعارض في تركيا، فائق أوزتراك،، أنه كلما انحدرت الليرة التركية، يهرع أدروغان بسرعة قصوى إلى قطر طلبا للنقود، حسبما أوردت صحيفة "زمان" التركية. [9]


يواصل أردوغان مسيرته التوسعية عبر استغلال "ظروف" من يسميهم حلفاء، فبينما قام بغزو ليبيا عبر استغلال الهزائم العسكرية التي تعرضت لها حكومة "فائز السراج" أمام قوات حفتر، وحاجة "الوفاق" إلى دعم عسكري بأي ثمن ولو على حساب سيادة ومستقبل أجيال ليبيا، تمكّن أردوغان بنفس الاستراتيجية من غزو قطر وجعلها بؤرة توتر ومركز لتنفيذ أجنداته الخاصة، عبر استغلال علاقة النظام القطري السيئة مع جيران وأشقاء قطر الخليجيين، وهو استغلالٌ من غير المرجح أن ينتهي قريبا، وربما يكون له آثار وخيمة على الأمن القومي لدول الخليج وجمهورية مصر.


هذا الأمر يتفق معه الصحفي السعودي البارز عبدالرحمن الراشد، الذي أشار في مقالة سابقة نشرتها الشرق الأوسط في أغسطس 2019، بأنّ العدو الذي تستعد له تركيا وتبني من أجله قاعدة عسكرية ثانية في قطر "هو السعودية ودول الخليج".


وشكّك الراشد حينها من نجاعة هذه الخطوة بالنسبة لقطر، قائلا "قطر تتوعد جيرانها بقاعدة تركيا، لكن المتغطي بالأتراك عريان، اسألوا جيرانهم السوريين. لن تفيد قاعدتهم قطر لا في حمايتها من السعودية ولا من إيران". [10]


- يعقوب السفياني: صحفي ومحرر في مركز سوث24 للأخبار والدراسات، مهتم في الشؤون السياسية واليمنية


شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا