التقارير الخاصة

مصفوفة الحلفاء والخصوم في الأزمة اليمنية.. وجوه جديدة لمظالم قديمة

07-10-2020 الساعة 10 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol

سوث24| واشنطن


قالت الباحثة الأمريكية إلينيا ديلوزير أنّ خطوط المؤامرة الظاهرة في اليمن اليوم لم تبدأ في عام 2015، ولن ينتهي معظمها عندما تنتهي الحرب الحالية. مشيرة إلى أنّ «العديد من اليمنيين يُعربون عن قلقهم من أنّ مواطنيهم يكتبون بالفعل السيناريو للموسم القادم في قصة اليمن بينما لا يزال هذا الموسم يمضي.»


وقالت ديلوزير وهي زميلة في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، ومتخصصة بشؤون اليمن والخليج، بأنه «ينبغي أن يكون هذا مصدر قلق ليس فقط لليمنيين. فاليمن يقع بجانب الممرات المائية الرئيسية للتجارة العالمية، وكان بمثابة ملاذ للقاعدة في شبه الجزيرة العربية، وأبقى منطقة الخليج متورطة في الصراع منذ عام 2015.» لذا ترى الباحثة بأنه «يتطلب دفع اليمن نحو الاستقرار جهودًا متضافرة وفهمًا عميقًا للعلاقات القائمة هناك.»


ديلوزير، وفي مشروع تتبنى فيه تقديم رؤية للباحثين وصناع السياسات «مصفوفة اليمن: الحلفاء والخصوم» على الموقع الرسمي لمعهد واشنطن، تصف اليمن بأنّه «مكان تقود فيه الشخصيات الأحداث أكثر من المؤسسات، وحيث غالباً ما يكون التأثير غير الرسمي أقوى من السلطة الرسمية. إنها دولة ذات ذاكرة حادة، حيث لا تزال أحداث 1962 و1986 و1994 و2004 تلعب دور أحداث اليوم.»


وجوه جديدة لمظالم قديمة


وتضيف الباحثة، في شرحها للمشروع، ترجم أجزاء منه سوث24، «لا شك أنّ الحوثيين يتذكرون من كان ضدهم في حروب صعدة 2004-2010 (على سبيل المثال، الجنرال علي محسن الأحمر، والإصلاح). كذلك يتذكر أعضاء المجلس الانتقالي الجنوبي الذين قاتلوهم ضد الانفصال في عام 1994 (على سبيل المثال، علي محسن، والرئيس عبد ربه منصور هادي، والإصلاح، والمؤتمر الشعبي العام، وعائلة صالح)، ولكنّ أيضاً أولئك الذين دعموهم على الأقل نظريًا (على سبيل المثال، المملكة العربية السعودية). في المستقبل، سيتذكّر اللاعبون في اليمن اليوم من قاتل معهم وضدهم في هذه الحرب.»


«في المستقبل، سيتذكّر اللاعبون في اليمن اليوم من قاتل معهم وضدهم في هذه الحرب.»


وتقول ديلوزير «غالبًا ما تساعد هذه الذكريات العميقة في تفسير سبب كون التظلّم، في كثير من الأحيان، في قلب القرارات والعلاقات في اليمن. حتى عندما تظهر منظمات سياسية جديدة (على سبيل المثال، المجلس الانتقالي الجنوبي في عام 2017)، فإنها غالباً ما تكون وجوهاً جديدة لمظالم قديمة، مما يجعلهم جميعاً أكثر قوة، فإن هذه القبضات لا تستند إلى المعرفة، بل إنّها تراكمت خلال عمر المتورّطين. فقد اليمنيون الذين يعيشون اليوم في كل من الشمال والجنوب أفراد عائلاتهم في حروب 1962 و1986 و1994 و2004، ويحمّلون جهات فاعلة أخرى المسؤولية. هذه الحروب، مثلها مثل جميع الحروب، خلقت خصومًا في كثير من الأحيان أكثر مما حفزت الشعور بالمصلحة المشتركة.»


لذلك ترى الباحثة غالبًا ما تكون المصلحة المشتركة بين الفاعلين هي خصمهم المشترك. ونتيجة لذلك، إذا كان المرء يحاول فهم سبب وجود تحالف في اليمن، فمن الأفضل غالباً البدء بخصوم مشتركين أو مظالم مشتركة.


وتورد الباحثة الأمريكية مثالا على ذلك «غزو الحوثيين للجنوب كان نقطة تحوّل بالنسبة لحكومة هادي والمجلس الانتقالي الجنوبي. فبالنسبة لحكومة هادي، كان ذلك رمزاً آخر للانقلاب الحوثي ضدها. بالنسبة للأفراد الذين سيشكّلون في النهاية المجلس الانتقالي الجنوبي، كان هذا غزواً شمالياً آخر للجنوب.» وتضيف: «هذا الإحساس المشترك بالظلم جعل الاثنين يقفان بشكل مؤقت ضد الحوثيين، ومع ذلك فإن العداء الخاص بهم لبعضهم البعض – وُلدت من أحداث 1986، 1994، وبعد ذلك - تصاعدت وظهرت في النهاية بعنف.»


أنا وأخي ضد ابن عمي


وبالنظر إلى عدد العلاقات العدائية في اليمن، تقول إلينيا ديلوزير «غالباً ما تختار الجماعات أقلّ عدوين للعمل معه ضد العدو الأكبر. إنّها الإستراتيجية الكلاسيكية التي تتجسد في "عدو عدوي صديقي". أو كما يحب اليمنيون أن يقولوا: "أنا وأخي ضد ابن عمي. أنا وابن عمي ضد الغريب". قد يكون هذا مُربكاً للمحللين الجدد، لكنه يصبح أكثر وضوحاً إذا استخدم المرء عدسة مركزية الخصم.»


«في الحرب الحالية، على سبيل المثال، قد يُشير استخدام مصطلح "القوات الموالية للحكومة" إلى تقارب داخل تلك القوات بينما في الواقع، لا يوجد سوى عدد قليل من القوات التي تُقاتل الحوثيين مؤيدة للحكومة. بدلاً من ذلك، هم مناهضون للحوثيين. فتحالفهم مع الحكومة مهتزّ في أحسن الأحوال، كما يتضح من القوات المسلحة التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي وطارق صالح، اللذين يرفضان (العمل) من خلال تسلسل قيادي تقوده الحكومة. وبالمثل، فإنّ العديد من المرتبطين بالحوثيين ليسوا مؤيدين للحوثيين ولكنهم معادون للسعودية»، تقول ديلوزير.


وتقول أنّ هذا الميل إلى تصنيف المعارضين والحلفاء معاً وفقاً لذلك يخلق رفقاءً غريبين - مثل علي محسن مع متظاهري الربيع العربي، والمجلس الانتقالي مع حكومة هادي، أو ربما الأغرب، الرئيس السابق الراحل علي عبد الله صالح مع الحوثيين. 


وترى الباحثة الأمريكية بأنه «مثلما لا يمكن افتراض أنّ الجهات الفاعلة المتحالفة تتقاسم مصالح تتجاوز عدواً مشتركاً، فإنّ الخصوم لا ينقسمون دائماً إلى الأبد بسبب الكراهية. من المعروف أنّ الخصوم في السابق مثل الحوثيين والرئيس السابق صالح يتحالفون مع بعضهم البعض، لكنهم ينفصلون مرة أخرى. وبالمثل، من المعروف أنّ الحلفاء أصبحوا أعداء، كما حدث مع المجلس الانتقالي الجنوبي وحكومة هادي، ليصبحوا حلفاء مناسبين مرة أخرى.»


عدسة التاريخ نحو الحاضر


وتقول الباحثة الأمريكية بأنّ التظلم عادة ما «يشكّل العدسة التاريخية التي يرى اليمنيون من خلالها الحاضر، وتحديد علاقاتهم، وتشكيل وجهات نظرهم، وقيادة سلوكهم.»


وتضيف «غالباً ما يكون تقييم المنظور أكثر فائدة في التنبؤ بأفعال المجموعات أو الأفراد. فمثلاً، في أغسطس 2019، اعتقد المجلس الانتقالي الجنوبي أنّ الإصلاحيين داخل حكومة هادي كانوا وراء مقتل أحد كبار قادتهم، على الرغم من أنّ الحوثيين أخذوا سمعة الهجوم.»


ولذلك توقعّت الكاتبة بأنّ «هذا المنظور من شأنه أن يدفع السلوك، وأدّى ذلك، في الواقع، إلى دخول المجلس الانتقالي الجنوبي في صراع مع الحكومة والاستيلاء على مدينة عدن.»

"من النادر أن تتصرف جماعة في اليمن كوكيل كامل لدولة خارجية"


وفي حال لم تكن العلاقات اليمنية اليمنية معقّدة بدرجة كافية، فغالباً ما يكون هناك عنصر إقليمي أيضاً، كما ترى الباحثة الأمريكية: «يعتمد العديد من الجهات الفاعلة اليمنية على راعٍ خارجي للحصول على الدعم المالي.. ومع ذلك، تعبّر معظم الجماعات اليمنية بشدة عن مشاعر مناهضة للتدخل الأجنبي. ونتيجة لذلك، فإنّ العلاقات مع الرعاة الأجانب متعددة الأبعاد: فالموارد المالية تساعد الجماعات اليمنية في متابعة طموحاتها، لكن هذه المجموعات تحرس استقلاليتها من خلال عدم اتباع نصائح رعاتها دائماً.»


وتُضيف الباحثة في معهد واشنطن بأنّه "من النادر أن تتصرف جماعة في اليمن كوكيل كامل لدولة خارجية - فهادي يتجاهل أحياناً المملكة العربية السعودية، والحوثيون يخالفون النصائح الإيرانية، ويتحدى المجلس الانتقالي الجنوبي أحياناً تحذيرات الإمارات."



مربع "مصفوفة الحلفاء والخصوم في الأزمة اليمنية" ويظهر سبع مجموعات محلية وأربع دول خارجية، لقطة توثيقية من صفحة معهد واشنطن، 07 أكتوبر 2020  (سوث24)

استثناء دول ومجموعات فاعلة


تجدر الإشارة إلى أنّ مصفوفة الحلفاء والخصوم، للسيدة ديلوزير، أشارت، في الوقت الحالي، فقط إلى أربع دول عربية، وهي عمان وإيران والسعودية والإمارات، كدول لها تأثير مباشر على أطراف الأزمة اليمنية، واستثنت دولتي قطر وتركيا، رغم تدخلهما المثير للجدل في الملف اليمني، وخصوصاً تمويل الإخوان المسلمين وتأجيج الحرب ضد سكّان جنوب اليمن، من خلال نفوذهما داخل منظومة حكومة الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي.


لكنّ ديلوزير، لتجنّب اللوم ربما، أشارت بأنه «يمكن أن يشمل المشروع الموسّع قطر أو حتى تركيا، خاصة إذا استمر اهتمامهم وتأثيرهم في النمو، فهاتان الدولتان لهما تأثير خاص على فروع الإصلاح التي لا تزال نشطة.»


واستثنت الباحثة "المجموعات الإرهابية" من قائمة مصفوفة التحالفات والخصوم مبررة ذلك بـ «معارضة كل الجهات الفاعلة الأخرى لها على نطاق واسع». على الرغم من العلاقة الواسعة التي كشفتها تقارير لهذه التنظيمات نفسها مع أطراف داخل حكومة هادي، ومع تنظيم الإخوان المسلمين في اليمن (حزب الإصلاح)، كما جاء، على سبيل المثال، في الفيلم الذي بثه تنظيم الدولة الإسلامية أواخر أبريل 2020، أو كما كشفت تقارير دولية مختلفة.


واكتفت الباحثة الأمريكية بالإشارة إلى أنّ «مجموعات معينة في اليمن تواجه مزاعم منتظمة بالتعاون مع العناصر الإرهابية، لكنّ جميع الجهات الفاعلة في هذا المشروع تُدين الإرهاب في تصريحاتها العلنية».


- ترجمة ومتابعة ورصد: مركز سوث24 للأخبار والدراسات

- يمكن للباحثين والمهتمين متابعة الرابط المباشر لمشروع "مصفوفة اليمن: الحلفاء والخصوم" الذي تقدّمه الباحثة إيلينا ديلوزير، على صفحة معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى.


شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا