07-10-2020 الساعة 2 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| فيكتوري إدوارد
في 21 مايو 1994، أعلنت جمهورية اليمن الديمقراطية نفسها "دولة مستقلة ذات سيادة،" منفصلة عن الجمهورية اليمنية. وشُنّت حملة عسكرية ضدها حتى يوليو 1994، عندما استولت القوات المتنافسة على عدن، معقل اليمن الديمقراطية.
تشرح النظرية الواقعية العلاقات الدولية من حيث الفوضى، والمصلحة الذاتية، والقوة، والنسبية، والمساعدة الذاتية. وتعتبر الحرب بمثابة الحكم النهائي في النزاعات بين الدول. تشرح النظرة الواقعية للعالم عناصر الحرب الأهلية اليمنية عام 1994، لكنها ترسم صورة غير كاملة. في حين تُساعد النظرية البنائية في تفسير كيف قام المجتمع المدني وقادة الدولة في تأجيج الصراع.
الواقعية التطبيقية
بالنسبة للواقعيين، القوة هي العملة التي من خلالها تعزز الدول أمنها. تتجلّى القوة في أشكال متعددة، سواء كانت عسكرية أو اقتصادية أو دبلوماسية أو شعبية. قد تسعى القوى العظمى إلى الهيمنة كقوة مهيمنة في منطقة أو نظام عالمي ما، وقد تشكّل القوى الأضعف تحالفات كأسلوب للتخفيف. في الحرب الأهلية اليمنية، تنافست الجمهورية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية من أجل الهيمنة السياسية.
في 22 مايو 1990، توحّدا اليمن الجنوبي ومقره عدن واليمن الشمالي ومقره صنعاء ليشكّلوا الجمهورية اليمنية. استضافت صنعاء حكومة الوحدة الجديدة، وأصبحت المركز السياسي المعترف به دولياً في اليمن، بينما زعمت عدن أنّها المركز المالي لها. يصف الأمن العالمي التوحيد بأنه "قسري". كانت الوحدة قصيرة العمر. وأكدت عدن أنّ صنعاء سعت إلى تهميشها وفي 21 مايو 1994 أعلنت نفسها جمهورية اليمن الديمقراطية "دولة مستقلة ذات سيادة" منفصلة عن الجمهورية اليمنية.
صور من الأرشيف أثناء القتال بين اليمن الشمالي واليمن الديمقراطي عام 1994 (أرشيف)
على حد تعبير اللورد بالمرستون، "لا يوجد أعداء دائمون أو أصدقاء دائمون ... فقط مصالح دائمة". يُشير انفصال اليمن الديمقراطية عن الجمهورية اليمنية إلى أنّ هويتها كوحدة سياسية ذات سيادة، ومصالحها الفريدة، لم يتم التقليل منها بمحاولة تجميلية للوحدة اليمنية. في الواقع، تعزو صحيفة نيويورك تايمز الحرب الأهلية إلى "الخلافات حول تقاسم السلطة".
يُلاحظ الواقعيون مركزية النسبية والمساعدة الذاتية في نظام دولي فوضوي يتميز بالسعي المتزامن لتحقيق المصلحة الذاتية. تعتمد قوة الدولة وموقعها اللاحق في النظام الدولي على قوة الدول الأخرى. في الحرب الأهلية اليمنية عام 1994، كان توزيع القوة والموارد في الجمهورية اليمنية – واليمن الديمقراطية متماثلاً تقريباً ولم يتنبأ بانتصار واضح.
لاحظ مراقب يمني أن عدن تُعاني من "نقص حاد للغاية في الموارد البشرية ولكن لديها مخزون هائل من الأسلحة". لاحظ المراقبون الأجانب أنه "من غير المحتمل أن يفوز أي من الجانبين، ولكن إذا كان أحد الطرفين قد فاز فسيكون الجنوب". كان لدى صنعاء 12000 جندي أكثر من عدن، لكن الانقسامات القبلية والأيديولوجية أعاقت التعبئة الموحّدة لهم. وفي الوقت نفسه، استفاد الجنوب من التدريب والتمويل الأجنبي والمعدات المتفوقة.
في إطار التحضير لإعلان استقلال عدن عام 1994، أصبح من الواضح أنّ أكبر احتياطي نفط يمني يقع في الجنوب. تأوي جمهورية اليمن الديمقراطية سُدس سكان اليمن وثلث مخزونها النفطي؛ كما ترددت شائعات عن وجود 25 مليار دولار في البنوك السعودية لمنفيين من جنوب اليمن (وفقا لصحيفة الجارديان). أدّت الاحتياطيات النفطية الكبيرة إلى قلب ميزان القوة الاقتصادية العسكرية لصالح عدن وشجعتها على التنافس على الجمهورية اليمنية. وكما يقول هيرد، "فجأة لم يعد الشمال يبدو المنقذ الاقتصادي للجنوب، بل هو عائق اقتصادي". كما رفعت الاحتياطيات النفطية احتمالات عدن لحشد الدعم الدولي. وتصورت نفسها أن تصبح "دويلة زيتية" مثل جيرانها العرب الأغنى.
وهكذا تفسّر الواقعية الحرب الأهلية اليمنية عام 1994 على أنّها منافسة بين قوى متناظرة نسبيًا تتنافس على الهيمنة من أجل أرض مشتركة. هددت القوة الاقتصادية والعسكرية المتزايدة لعدن صنعاء القوة السياسية الحاكمة. في غضون ذلك، هدد نفوذُ صنعاء مكاسبَ عدن.
بالنسبة للواقعيين، الحرب هي "الحكم النهائي والشرعي للنزاعات بين الدول". تحشد الحرب جميع الموارد الموجودة تحت تصرف الدولة، وتحدّد المنافسة التي تلي ذلك، الفائز يأخذ كل شيء. تبعا لذلك، توسّعت الاشتباكات العسكرية بين جمهورية اليمن الديمقراطية وصنعاء، واستمرت حتى 8 يوليو 1994، عندما استولت صنعاء على عدن، عاصمة جمهورية اليمن الديمقراطية.
مجموعة من المقاتلين اليمنيين الشماليين يتعاطون القات ويرفعون صورة الرئيس اليمني "صالح" في منطقة بالقرب من عدن، 1994 (أرشيف)
فشلت استراتيجية عدن في شن حرب طويلة الأمد "باهظة الثمن من حيث الرجال والمال" على الشمال. نجحت محاولة صنعاء في الاستيلاء على معاقل الجنوب. وقال ملازم من الجمهورية اليمنية: سلّموا كل دروعهم وسلاحهم الجوي ومدافعهم وكل شيء. فرّ زعماء الانفصاليين إلى الدول المجاورة مثل عُمان. في الحرب الأهلية اليمنية عام 1994، استخدمت الجمهورية اليمنية القوة العسكرية الخام لتدمير منافستها جمهورية اليمن الديمقراطية. إنه درس كتابي لتوتّر الواقعيين لطبيعة محصلتها صفر من الحرب وصراعات القوة الدولية.
"حرب 1994 درس كتابي لتوتّر الواقعيين لطبيعة محصلتها صفر من الحرب وصراعات القوة الدولية"
وفقًا للواقعيين، الدول هي الفاعل السياسي الوحيد في ساحة دولية فوضوية. لا توجد قوة أعلى لتحذير السلوك المنحرف أو ضمان الامتثال للمعايير الدولية. تُعزّز الحرب الأهلية اليمنية عام 1994 ادعاء الواقعيين. كانت الدعوات الدولية لوقف إطلاق النار باهتة وكان لها تأثير مادي ضئيل. في إحدى حلقاته، حاولت الدول العربية المجاورة التوسط في الصراع ونجحت في إقناع عدن وصنعاء بالتوقيع على وثيقة العهد والاتفاق وفشلت في اليوم التالي حيث تبادلت القوات الشمالية والجنوبية إطلاق النار.
كما أنّ محاولات المجتمع الدولي للتدخل في الحرب الأهلية اليمنية تدعم المزاعم الواقعية بأنّ نجاة مصالح الدول الذاتية لتلك التي تركّز اهتمامها الأول في تأمين سيادتها الفردية وازدهارها. لا يبدو أنّ حيادية الدول الأجنبية أو تحالفها مع الجمهورية اليمنية أو اليمن الديمقراطية مدفوع بإحساس عالمي بالأخلاق. كانت قرارات إستراتيجية تقدّم من خلالها الدول مصالحها الفردية. على سبيل المثال، يمكن إرجاع دعم المملكة العربية السعودية لليمن الديمقراطية إلى نفورها من صنعاء. موقف صنعاء المؤيد للعراق في حرب الخليج كان يهدد السعودية. إنّ كونها على رأس يمن موّحد سياسياً واقتصادياً جعل التهديد أكثر بروزاً. إنّ السعي وراء دعم نظام يمني بقيادة عدن من شأنه أن يخفف من التهديد الذي تشكّله صنعاء. كما أنه سيوفّر قوة ضغط عند التفاوض على النزاع الحدودي اليمني السعودي الذي دام 60 عاماً.
"لا يبدو أنّ حيادية الدول الأجنبية أو تحالفها مع الجمهورية اليمنية أو اليمن الديمقراطية مدفوع بإحساس عالمي بالأخلاق. كانت قرارات إستراتيجية تقدّم من خلالها الدول مصالحها الفردية."
نجحت عدن في استقطاب دعم الدول العربية المجاورة وحصلت على "مليارات الدولارات من المعدات والمساعدات المالية". لكن ويتاكر يعزو هزيمة اليمن الديمقراطية جزئياً إلى كونها "تعتمد بشكل مفرط على المساعدة من حلفائها المفترضين". لم يتم الاعتراف بـ اليمن الديمقراطية كدولة ذات سيادة من قبل المنظمات الدولية، أو من قبل الحكومات الفردية. ترددت شائعات بأن مصر وسوريا ودول الخليج العربية قد تعترف بجمهورية اليمن الديمقراطية لكنهم لم يفعلوا ذلك لأنّ محاولتهم الانفصالية بدا من غير المرجح أن تنجح.
جنود من شمال اليمن على الطريق إلى العاصمة الجنوبية عدن، 1994 (أرشيف)
حدود الإطار الواقعي
يُساعد إطار العمل التحليلي الواقعي على تفسير المنافسة على السلطة التي حفّزت الحرب الأهلية بين الجمهورية اليمنية واليمن الديمقراطية واستجابة المجتمع الدولي. لكنها مفرطة في التبسيط في مركزيتها المفترضة للدولة باعتبارها الفاعل الوحيد في الشؤون الدولية. إنّ محاولة انفصال اليمن الديمقراطية وما تلاها من حرب أهلية تُثير التساؤلات حول حقيقة "الدولة" كلاعب سياسي. يفحص تحليل أكثر شمولاً للحرب الأهلية اليمنية عام 1994 دور المجتمع المدني ورؤساء الدول في تأجيل الصراع.
مع إعلان جمهورية اليمن الديمقراطية عام 1994، أعلنت عدن نفسها دولة ذات سيادة. ومع ذلك، لم تعترف الأمم المتحدة أو الحكومات الفردية مثل وزارة الخارجية الأمريكية بدولتها. تُلقي هذه الحادثة بظلال من الشك على صرامة وشرعية الدولة. ما مدى مرونة الدولة؟ هل ظهرت جمهورية اليمن الديمقراطية إلى حيّز الوجود عند إعلانها الرسمي للاستقلال، أم أنّ افتقارها إلى الاعتراف الدولي يُلغي مطالبتها بالسيادة؟ هل كان شمال اليمن وجنوبه موجودًا بالفعل كـ "جمهورية يمنية" موحّدة، كما تُشير الوثائق القانونية، أم أنهما استمرتا في الوجود كوحدات سياسية منفصلة؟ لا تصنع النظرية الواقعية الكثير لتفسير دورة حياة الدولة. وبالتالي يُصبح تحليل العلاقات الدولية من منظور الدول أمراً صعبًا بشكل أساسي.
على سبيل المثال، قد يقترح الواقعيون أنّ الحرب الأهلية اليمنية عام 1994 انتهت بشكل حاسم بانهيار جمهورية اليمن الديمقراطية. ومع ذلك، تستمر الحركات الانفصالية الجنوبية في اليمن. كيف يُمكن أن تستمر الحرب إذا لم تعد إحدى الدول التي تشنها موجودة؟ قد يشير أصحاب النظرية البنائية، الذين يعترفون بقدرة الأفراد على التأثير في العلاقات الدولية، إلى أنّ الحرب لا تشنها الدول بل الناس.
في الواقع، بعد انهيار جمهورية اليمن الديمقراطية، نُقل عن نائب الرئيس قوله، "الحرب لم تنته بعد. سوف نُعيد تجميع صفوفنا ونواصل النضال بكل الوسائل الممكنة" على الرغم من انهيار جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، استمرت الحرب، التي يشنها الفاعلون في المجتمع المدني.
يأتي النقد الأخير في نفس السياق من أولئك الذين يقترحون أنّ الحرب الأهلية اليمنية عام 1994 لم تكن نتيجة التنافس بين جمهورية اليمن وجمهورية اليمن الديمقراطية ولكنها ظاهرة ظرفية يقودها زعماء الدولتين. يصف هيرد كيف ساهمت شخصيات زعيمي شمال وجنوب اليمن في اندلاع الحرب الأهلية:
البيض [رئيس جمهورية اليمن الديمقراطية] رأى صالح [رئيس الجمهورية اليمنية] على أنه غير مُستجيب للجنوب (لا سيما لمخاوف الحزب الاشتراكي اليمني) وعازما على ترسيخ أكبر قدر ممكن من السلطة الشخصية... يعتقد صالح أن البيض والحزب الاشتراكي اليمني يحملان تطلعات غير واقعية للجنوب في اليمن الموحّد.
يتابع: "غضْب البيض في عدن ... أغضبَ صالح، في حين أنّ قرار البيض بعد توقيع اتفاق عمّان الفاشل في فبراير / شباط بزيارة المملكة العربية السعودية، التي استقبلت البيض بشرفٍ كامل، بدلاً من العودة مباشرة إلى اليمن، اعتبرها الكثيرون صفعة لـ صالح." وبالمثل، يتذكر ويتاكر، "في أغسطس الماضي [1993]، ذهب علي سالم البيض إلى واشنطن، حيث التقى بنائب الرئيس جور، دون إذن من الرئيس صالح. كان السيد صالح غاضباً.. نادراً ما تسبّب رجل واحد في إحداث الكثير من الفوضى من خلال فعل القليل". في غياب هذين الزعيمين وخلافاتهما الشخصية، هل كانت ستندلع الحرب الأهلية اليمنية عام 1994؟ الواقعيون يجيبون بـ "نعم". أمّا البنائيون فهم أقلّ ثقة.
تأمّلات نهائية
باختصار، تشرح النظرية الواقعية العلاقات الدولية من حيث الفوضى، والمصلحة الذاتية، والقوة، والنسبية، والمساعدة الذاتية. وتعتبر الحرب بمثابة الحكم النهائي في النزاعات بين الدول. يساعد إطار العمل التحليلي الواقعي على تفسير المنافسة على السلطة التي حفّزت الحرب الأهلية بين الجمهورية اليمنية واليمن الديمقراطية واستجابة المجتمع الدولي. لكنها مفرطة في التبسيط في مركزيتها المفترضة للدولة باعتبارها الفاعل الوحيد في الشؤون الدولية. إن ّمحاولة الانفصال اليمن الديمقراطية وما تلاها من حرب أهلية تُثير التساؤلات حول حقيقة "الدولة" كلاعب سياسي. يقتبس التحليل الأكثر شمولية للحرب الأهلية اليمنية عام 1994 من النظرية البنائية ويبحث دور المجتمع المدني وقادة الدولة في تأجيج الصراع.
- المصدر الأصلي بالإنجليزية: ميديوم
- ترجمة وتنقيح ومعالجة: مركز سوث24 للأخبار والدراسات
قبل 3 أشهر