22-07-2020 الساعة 11 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| بدر محمد
والسعودية تضع في جعبتها كل النبال اليمانية، يستغرب المتابع، أيهنّ تدّخره لرميتها الأخيرة، فتارة تبدو وكأنها تُحابي الحكومة اليمنية بشرعيتها السياسية المتواجدة على الأراضي السعودية، وتارة أخرى تبدو وكأنها تحابي الانتقالي الجنوبي بشرعيته العسكرية المتواجدة على أرضه الجنوبية. وكلا الطرفين يُبدي تذمره من السعودية في نفس وقت تقديمه نفسه على أنه الحليف الصادق المؤتمن على مصالح السعودية الاستراتيجية.
فأي الطرفين يُعتبر الحليف الفعلي للسعودية، وفي النهاية، على أي السعوديتين تستقر السعودية؟ فكما يقال العبرة في الخواتيم والأزمة اليمنية كما يُشير المجتمع الدولي أو كما يريد، تقترب من خواتيم الحل السياسي الشامل.
اختلاف الغايات والوسائل
في مسار الحرب اليمنية، السبب الرئيس لتدخل التحالف العربي العسكري بقيادة السعودية هو إنهاء انقلاب جماعة الحوثي وإعادة الشرعية السياسية ممثلة بالرئيس هادي إلى العاصمة صنعاء. فتدخل التحالف العربي بقيادة السعودية عسكرياً في الأزمة اليمنية هو الابن الشرعي للتدخل الخليجي السياسي بقيادة السعودية منذ بداية الأزمة التي اندلعت مطلع العام 2011 في هيئة "ثورة شبابية سلمية" بين أحزاب المعارضة اليمنية والنظام السابق.
من البديهي تصدّر "إنهاء الانقلاب الحوثي" مقدمة أهداف التدخل العسكري، ويليه فيما بعد الهدف السياسي المتمثل في "إعادة الشرعية السياسية". هذه البداية تصلح لإرساء علاقة ميكافيللية بين (الغاية والوسيلة - الشرعية السياسية والتحالف العربي)، فالوسيلة هنا عسكرية والغاية سياسية. أي أنّ التدخل العسكري يعتبر مقدَّم زواج، والغاية السياسية مؤخر طلاق العلاقة الميكافيللية.
منذ بدء التدخل العسكري في مارس 2015 استعذبت "الشرعية السياسية" حلولَها ضيفة على السعودية واندمجت بلعب دور "الغاية"، مؤخر طلاق علاقتها بالسعودية وتحالفها العسكري المتدخل، فوضعت رجل على رجل في صالة الانتظار.
ولأن الانقلاب الحوثي بلغ ذروته باجتياحه الجنوب وسيطرته على عدن، بدأ التحالف العربي بقيادة السعودية تدخله العسكري معلناً عن انطلاق "عاصفة الحزم" في 26 مارس 2015، وذهب ليصنعَ الوسيلة َالعسكرية الناجعة لدحر الحوثيين من عدن، ليجد توق المقاومة الجنوبية بخلفيتها الثورية لقتال الحوثيين وطرد أي تواجد عسكري شمالي على أرض الجنوب، سعياً لتحرير الجنوب وإقامة دولته المستقلة.
يبدو خطر التدخل التركي في الجنوب سبباً كافياً لإنهاء الشرعية السياسية المزعومة عوضا عن إنهاء الانقلاب الحوثي
التقط التحالف العربي ومن خلفه الشرعية السياسية، المقاومة الجنوبية كوسيلة ناجعة، فأقام التحالف العربي بقيادة السعودية علاقة ميكافيللية أخرى مع الجنوبيين، على مرأى ومسمع شرعية الرئيس هادي السياسية، تتمثل في اشتراك التحالف العربي والمقاومة الجنوبية في إنفاذ الوسيلة العسكرية الرامية إلى دحر الحوثيين من الجنوب خاصة واليمن عامة، والعمل على إعادة شرعية الرئيس هادي السياسية إلى صنعاء كغاية سياسية يمنية تتحقق منها الغاية الجنوبية في الاستقلال وإقامة الدولة الجنوبية. هنا يأتي المثل الشعبي المصري بقليل من التحريف هكذا: غايتك وغايتي وتفرقوا الغايات! ليفسّر تمادي شرعية الرئيس هادي أكثر في استرخائها العسكري شمالاً لصالح تمدد وسيطرة الحوثيين على كامل الأراضي هناك.
وفي حين لم يمثّل "إنهاء الانقلاب الحوثي" أي (وسيلة) عسكرية لدى الأدوات العسكرية لشرعية الرئيس هادي المتواجدة في الشمال، بات "الإبقاء على الانقلاب الحوثي ومنحه المزيد من السيطرة" وسيلة هذه الأدوات التي تلوّح بها للاتجاه جنوباً وهي تنتقل من وضعية الاسترخاء إلى وضعية الإسبال.
الجزاء من جنس العمل
حتى اللحظة لا يبدو أداء شرعية الرئيس هادي السياسية يُغيض السعودية وهي تُنفق المال والرجال والوقت على هكذا دلال سياسي وهكذا مكر وخداع عسكري لا يكترث لأمر الانقلاب الحوثي وهو في طريقه الآن لاستعداء السعودية وجلب كل الأجندات الدولية المعادية والمهددة للأمن القومي السعودي خاصة والعربي عامة. فلم تَعُد شرعية الرئيس هادي تقف عند نقطة التلويح بإثارة المخاوف، بل تعدتها بوصولها إلى نقطة التصريح وزعزعة الأمن القومي العربي حقاً.
يبدو خطر التدخل التركي في الجنوب سبباً كافياً لإنهاء الشرعية السياسية المزعومة عوضا عن إنهاء الانقلاب الحوثي، وهذا الخيار نفس خيار الشرعية في الإبقاء على الانقلاب الحوثي، يَصلُح كأداة سياسية حادة لذبح وإنهاء الشرعية ذاتها. ولتكن الأداة التي أشهرتها الشرعية في وجه السعودية والتحالف العربي والمجلس الانتقالي الجنوبي هي الأداة التي قضت عليها، أو كما يقال "الجزاء من جنس العمل".
- بدر قاسم محمد: زميل مقيم في سوث24 للأخبار والدراسات، كاتب وباحث في الشؤون اليمنية
قبل 3 أشهر