07-12-2019 الساعة 8 مساءً بتوقيت عدن
دعونا نسلم أولا بأن إرهاب التنظيمات والجماعات العقائدية ينقسم إلى قسمين:
1- الإرهاب الظاهرة
2- الإرهاب الفكرة
بإقرار الأمم المتحدة استراتيجية مكافحة الإرهاب بإجراءات عملية يأتي على رأسها اجراء النظر في العوامل والأسباب المؤدية للإرهاب بنص أممي يبدأ بالشروع في اتخاذ التدابير اللازمة لمعالجة العوامل والأسباب. ليلج بعد هذا في إقرار جملة الإجراءات العملية والتدابير الأمنية والعسكرية المتوافق عليها لمحاربة الإرهاب.
يمكننا اسقاط عبارة (مكافحة الإرهاب) على الإجراء الأممي الأول المتمثل في تدابير المعالجة الوقائية، بينما من اللائق اسقاط عبارة (محاربة الإرهاب) على جملة التدابير الأمنية والعسكرية المتوافق عليها.
وفق اصطلاحنا أعلاه المفرق بين مكافحة ومحاربة الإرهاب، بإمكاننا توزيع قسمي إرهاب التنظيمات العقدية على الاصطلاحين ف"الإرهاب الفكرة" من اختصاص تدابير المكافحة، بينما " الإرهاب الظاهرة " من اختصاص تدابير المحاربة.
بناء على ما تقدم تعتمد تدابير مكافحة الإرهاب الفكرة على الوقوف على أسبابه الحقيقية، لذا حتى لا نتوه بالغوص بعيدا في هذا الشأن بالعودة إلى جذور الفكر العقدي التاريخية من المفيد جدا، بعد إقرارنا بوجود أفكار عقائدية متطرفة، معرفتنا أن هذه الأفكار تستحث حاليا في سياق التناول السياسي ولا تستحث في سياق التناول المجتمعي، أي أن تناولها العقائدي من الجانب السياسي يستحثها كأدوات مقاومة وخلاص على هيئة السؤدد الدنيوي للتنظيم الإرهابي والخلود الأبدي لعناصره.
هذا يحملنا إلى تعريف الإرهاب الفكرة على أنه فكرة سياسية عقائدية في شكلها التداولي حاليا وهذا يقف بنا تماما على جذرها الحديث المعاصر، وما يدلل ذلك ويعزز وجهة نظره هو سعي الإرهاب الظاهرة الحثيث إلى ممارسة الفكرة العقائدية وتمثيلها على الواقع سياسيا وهو يحاول ان يقيم دولته.! هنا بالضبط يلتقيان الإرهاب الظاهرة والإرهاب الفكرة سياسيا لتتضح جليا علاقتهما السياسية ببعض!
لطالما كان الإرهاب الظاهرة محدد ومعين بممارساته العملية، بينما الإرهاب الفكرة لم يكن محدد ومعين بممارساته النظرية، لكنا نستطيع تحديده اليوم بنقطة التقاءه السياسية العقائدية مع الإرهاب الظاهرة.
وبالتالي هذا يأخذنا بدوره إلى تحديد جماعات عقائدية بعينها قائمة على ممارسة وتمثيل الفكرة العقائدية السياسية مثل جماعات وأحزاب الإسلام السياسي، فهذه الجماعات والأحزاب تسعى لإقامة فكرها العقائدي سياسيا ومن ثم عمليا لتظهر بالتوازي مع سعي التنظيمات الإرهابية لإقامة فكرها العقائدي عمليا ثم سياسيا. نستنتج مما سبق ان الإرهاب الفكرة مسئولية الجماعات والأحزاب الإسلامية بينما الإرهاب الظاهرة هو مسئولية التنظيمات الإرهابية.
| لطالما كان الإرهاب الظاهرة محدد ومعين بممارساته العملية، بينما الإرهاب الفكرة لم يكن محدد ومعين بممارساته النظرية، لكنا نستطيع تحديده اليوم بنقطة التقاءه السياسية العقائدية مع الإرهاب الظاهرة
بالنظر إلى علاقة الإرهاب الظاهرة بالإرهاب الفكرة بإمكاننا وصف ما تفعله قناة الجزيرة القطرية عمليا ب «السلك الإعلامي التوصيلي بين الإرهاب الفكرة والإرهاب الظاهرة "، كيف؟
من المهم أن نلفت عنايتكم إلى أن علاقة الإرهاب الفكرة بالإرهاب الظاهرة، كعلاقة تحفيزية، يجب ان لا تختزل في مشهد العلاقة التلاقحي الأخير على صورة فتوى تكفيرية وعمل إرهابي بموجبها، أو اللفظ الشفوي الأخير والممارسة العملية الأخيرة، إذ يجب ان نعود إلى ما قبل هذا المشهد المأساوي الأخير ونرجع بالتدريج لتتبع سيناريو وحوار "الإرهاب الفكرة" مؤلف الرواية العقدية، واضعنا أمام المشهد الإرهابي الأخير، إما مشاهدين مرعوبين، أو ممثلين دور الكفار الذين يُمَثل بأجسادهم قتلا وتقطيعا وذبحا. فللإرهاب الفكرة بنية تحتية تعتبر بمثابة السلك الإعلامي التوصيلي لمادة اقناع الإرهاب الظاهرة بفناء الآخر تحقيقا للخلاص الدنيوي منه ولو استدعى الأمر فناءه هو -أي العنصر الإرهابي- تحقيقا للخلاصين الدنيوي من الآخر والديني له هو -أي العنصر الإرهابي-إلى الحياة الأبدية في الجنة بواسطة الأعمال الانتحارية!
إذا ما عدنا أدراجنا لتتبع جذر "الإرهاب الفكرة،" فقبل ان نغوص في التاريخ بالعودة بعيدا، علينا أن نقف على تفنيد عاملها المحفز حاليا بالنظر إلى كون الإرهاب الفكرة هو في الأساس فكرة عقائدية سياسية أو فكرة تناول سياسي لوضعنا الحالي في سياق مقارن مع ماضينا البعيد، من وجهة نظر عقائدية تقول للإرهاب الظاهرة: أنت كنت.. (مشهد شحن عاطفي يحفز مشاعر التوق)، لتصبح خلاصة: يجب أن تكون..، لا تكلفهُ عناء الذكر بقدر ما تستثير فضول المتلقي للتنقيب والسؤال عن امكانية العودة إلى نقطة (أنت كنت..) وعن الوسيلة والأداة العقائدية التي بإمكانها أن تقلّك إلى ماضيك العقائدي التليد، حتى بإمكان المتلقي ذاته أن يتحول إلى محرك بحث يلعب دور الإرهاب الفكرة في المشهد الأخير للإرهاب الذي يعكس العلاقة الثنائية بين الإرهاب الفكرة والإرهاب الظاهرة (الفتوى التكفيرية والعمل الإرهابي، الشفوي والعملي).
|بالنظر إلى علاقة الإرهاب الظاهرة بالإرهاب الفكرة بإمكاننا وصف ما تفعله قناة الجزيرة القطرية عمليا ب «السلك الإعلامي التوصيلي بين الإرهاب الفكرة والإرهاب الظاهرة
قد تبدو لنا عملية انفصام المشهد الإرهابي الأخير عن موطن بذر الإرهاب الفكرة في أرض خصبة من عقول النشء والشباب، وقد أخلت مسئولية زارعها الأول. هذا الانفصام البطولي يربك العملية التحليلية للأسباب المؤدية إلى الإرهاب الظاهرة بتصديه وتبنيه الشجاع للمسئولية.
لكن بقليل من التركيز وبمعرفتنا ان الإرهاب الفكرة هو في الأساس فكرة عقائدية سياسية وأن الإرهاب الظاهرة هو في الأساس عمل إرهابي يسعى لإقامة الفكرة العقائدية السياسية وتمثيلها. فبالتالي بالنظر اليوم إلى تحديد أي الجماعات العقائدية عاكفة على تبني الفكرة العقائدية كفكرة سياسية تحشد في سبيل تحقيقها كل الأدوات والوسائل العقدية كي تمثلها واقعا ملموسا يحاكي ماضيها العقدي التليد. وبإدراكنا ان هذا الحشد الفكري العقدي هو مصدر انتاج الإرهاب الفكرة وباذرها الأول في عقول النشء والشباب حاليا، نكون قد توصلنا إلى وكر انتاج الإرهاب الفكرة الحقيقي كتفنيد أخير لمكمن ظاهرة الإرهاب ومنطلقها الأول من عقر دار الجماعات والأحزاب السياسية العقدية. حتى وإن اعتمدت هذه الجماعات والأحزاب العقدية على لعبة انفصام عناصر الإرهاب الظاهرة عنها وتبنيها المسئولية بمعزل.
اقرأ أيضا| بالدليل القاطع..المليكي و"أحزمة الموت" واغتصاب أطفال تعز
أخيرا أستطيع القول لكم ان عملية تربية ومراباة الإرهاب الفكرة كفكرة سياسية يمتد دور رعايتها وتنميتها رعاية عصرية حديثة لتشمل وسيلة اعلام مرئي كقناة الجزيرة القطرية العاكفة على تكريرها وبهرجتها واظهارها بالمظهر الحقوقي إياه وهي تستجلب جماعة الإسلام السياسي للإبقاء عليها كفرازة فكرية للإرهاب الظاهرة. وما رعايتها لإنتاج أفلامها الاستقصائية عما تسميه مؤخرا بـ "أحزمة الموت" في جنوب اليمن، في قالب حقوقي محفز لعناصر وجماعات الفكر العقدي التي انطلقت مؤخرا لتكفر وتجيز قتل وقتال ما وصفتها بالجهات المسئولة العميلة لقوى الكفر والالحاد على حد وصفها، إلا دليل على ذلك.
الخلاصة
إن قناة الجزيرة القطرية بهكذا رعاية وتنمية للإرهاب الفكرة إعلاميا وفكريا، تجعلها مسئولة مسئولية مباشرة في انتاج الإرهاب و تصديره إلى دول المنطقة والعالم أجمع.
*كاتب من جنوب اليمن، عدن
الكلمات المفتاحية:
قبل 3 أشهر