صورة جوية نشرتها وزارة الدفاع السعودية لما قالت أنه رصد وصول سفن قادمة من الإمارات إلى ميناء المكلا الذي تعرض لقصفها الجوي، 30 ديسمبر 2025 (اقتطاع سوث24)
آخر تحديث في: 30-12-2025 الساعة 7 مساءً بتوقيت عدن
"كسبت السعودية قلوبًا وعقولًا كثيرة خلال العقد الماضي في الجنوب، لكنها تخاطر بتهورها بإهدار ذلك كله واستبدال حسن النية بالعداء سعيًا وراء مصالح جيوسياسية أنانية كان يمكن تحقيقها سلميًا بالشراكة مع الجنوب.."
مركز سوث24 | أندرو كوريبكو
قصفت المملكة العربية السعودية ميناء المكلا في جنوب اليمن لتدمير ما زعمت أنه معدات عسكرية أرسلتها دولة الإمارات العربية المتحدة إلى المجلس الانتقالي الجنوبي. وجاء ذلك بعد مطالبتها المجلس، الذي يشغل زعيمه عيدروس الزُبيدي منصب نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، بالانسحاب من محافظتي حضرموت والمهرة شرقي البلاد. وكان المجلس الانتقالي قد بسط سيطرته عليهما مطلع ديسمبر عقب عملية لمكافحة التهريب قطعت أحد خطوط إمداد الحوثيين.
وأثير أنّ بعض عناصر قوات درع الوطن المدعومة سعوديًا استفادت من هذا الترتيب، رغم كونها متحالفة رسميًا مع المجلس الانتقالي ضد الحوثيين المدعومين من إيران. وينطبق الأمر نفسه على حزب الإصلاح، المُمثَّل أيضًا في مجلس القيادة الرئاسي، رغم كونه جزءًا من جماعة الإخوان المسلمين المصنّفة تنظيمًا إرهابيًا والمحظورة في السعودية والإمارات وغيرهما. وتتقاطع أهدافه الأيديولوجية عمومًا مع أهداف الحوثيين، ما يجعله عضوًا مُربكًا داخل هذا التحالف.
على أي حال، أدانت السعودية والقوات المدعومة منها وحزب الإصلاح وحلفاؤهم المحليون بشدة عملية المجلس الانتقالي الناجحة لمكافحة التهريب في حضرموت والمهرة، رغم أن المجلس أكّد مرارًا أنها تنسجم مع مهمة التحالف في هزيمة الحوثيين عبر قطع خطوط إمدادهم. وكانت النتيجة الجيوسياسية لهذه العملية أن المجلس الانتقالي حصل على سيطرة كاملة على كامل ما كان يُعرف سابقًا بجنوب اليمن، وهو ما يسعى لإعادته كـ«دولة الجنوب العربي».
وتحظى هذه الرؤية بدعم شعبي، بما في ذلك في حضرموت والمهرة، حيث يعتز سكانهما بانتمائهم الجنوبي. ويثبت ذلك حجم المظاهرات الواسعة التي اندلعت عفويًا في مختلف أنحاء جنوب اليمن عقب نجاح عملية مكافحة التهريب. ومع ذلك، بالغت وسائل إعلام متحالفة مع السعودية في تضخيم الفوارق بين أبناء هاتين المحافظتين وبقية مناطق الجنوب، بما يعزّز ضمنيًا الادعاء الزائف بأن وجود المجلس الانتقالي هناك «احتلال».
وقد استُغلت هذه السردية لتبرير التحرك العسكري السعودي ضد المجلس الانتقالي، وهو أول حرب تخوضها المملكة منفردة خارج إطار التحالف، رغم ادعائها لأغراض شكلية أن قصف المكلا تم «نيابة عن التحالف». وهذا ادعاء غير صحيح، - [نفته الإمارات لاحقا] - إذ شُكّل التحالف لهزيمة الحوثيين لا لمحاربة الجنوبيين. وبمهاجمة الجنوب، تخاطر السعودية بإحداث شرخ لا يمكن إصلاحه مع حليفتها الإمارات، الداعمة للمجلس الانتقالي.
علاوة على ذلك، قد يُشجّع هذا العدوان غير المبرر ضد حليف داخل التحالف الحوثيين على شن هجوم، ما لم تكن السعودية وإيران قد توصلتا إلى اتفاق سري يمنع ذلك مقابل أن تترك الرياض الحوثيين وشأنهم إذا نجحت في طرد المجلس الانتقالي من الشرق. وهذه ليست تكهنات بلا أساس، إذ أجرى وزيرا خارجية السعودية وإيران اتصالًا قبل ساعات من قصف المكلا، وأكدت إيران أنهما ناقشا بالفعل ملف الجنوب.
مهما تكن الحقيقة، فإن القصف السعودي الأخير يدفع المراقبين لإعادة النظر في الأهداف التي سعت المملكة لتحقيقها في اليمن منذ بدء تدخلها العسكري قبل أكثر من عقد. فمن الواضح أن الهدف لم يكن هزيمة الحوثيين فحسب، بل إخضاع اليمن لاحقًا. والدليل أن السعودية تشن الآن حربًا على حليف داخل تحالفها المناهض للحوثيين لمجرد أنه سيطر على الشرق، وهو ما كانت الرياض – على ما يبدو – تتوقع تحويله إلى كيان تابع فعليًا لها.
وكان يُفترض تحقيق ذلك، وفق هذا المنظور، عبر قوات درع الوطن والتحالف مع حزب الإصلاح، وربما أرادت السعودية أن يشكّل هذا التحالف غير الرسمي أساسًا لتعاون أوسع قد يقود يومًا ما إلى تهدئة مع الحوثيين، الذين تتقاطع أهدافهم الأيديولوجية مع الإصلاح. وعلى المشككين أن يتساءلوا: لماذا تشن السعودية حربًا على المجلس الانتقالي إذا لم يكن هذا هو الحال، وهي تدرك أن عملية مكافحة التهريب التي نفذها قطعت أحد خطوط إمداد الحوثيين؟
يبدو إذًا أن السعودية كانت تتصور تجميد الصراع إلى أجل غير مسمى بعد ترسيخ التقسيم الفعلي لليمن إلى ثلاثة كيانات: شمال يسيطر عليه الحوثيون، وجنوب يسيطر عليه المجلس الانتقالي، وشرق خاضع لنفوذ سعودي غير رسمي. وفي هذا السيناريو، قد يتقارب الشمال والشرق لاحقًا ضد الجنوب في إطار صفقة بين الحوثيين وحزب الإصلاح، الحليف للسعودية رغم انتمائه للإخوان المسلمين المحظورين وحصوله على تمثيل في مجلس القيادة الرئاسي.
وربما كانت السعودية تريد فعلًا هزيمة الحوثيين في البداية، لكنها قررت لاحقًا التعايش معهم خلال هذه الحملة التي امتدت لأكثر من عقد. وقد تُبرَّر هذه المراجعة سياسيًا داخليًا بوصفها «براغماتية» و«أقل كلفة»، لكنها ستُعد خيانة للتحالف، ولا سيما للمجلس الانتقالي الذي قدّم تضحيات جسيمة لهزيمة الحوثيين. وإذا كانت هذه الخيانة قائمة، فإن شنّ الحرب على المجلس الانتقالي يصبح مفهومًا.
المجلس الانتقالي الجنوبي ليس «وكيلًا إماراتيًا» كما تصوره بعض وسائل الإعلام السعودية وغيرها، بما فيها الإيرانية. فهو يُجسّد الإرادة الحقيقية للجنوبيين في استعادة دولتهم المفقودة. كما أنه ليس معاديًا للسعودية، بل يسعى بصدق للتحالف مع المملكة التي ضحّت كثيرًا لإنقاذهم من الحوثيين. ولهذا، فإن خيبة الأمل كبيرة من شنّ السعودية حربًا على الجهة التي فوّضها الجنوبيون للتحدث باسمهم والعمل نيابة عنهم، وهو ما سيقود حتمًا إلى مرارة عميقة.
حركات التحرر الوطني، مثل المجلس الانتقالي، لا يمكن هزيمتها بالقوة، خاصة إذا كانت تحظى بشعبية حقيقية بين من تمثلهم، وهو الحال هنا، إذ إن المجلس ديمقراطي وعلماني مثل غالبية الجنوبيين. لقد كسبت السعودية قلوبًا وعقولًا كثيرة خلال العقد الماضي، لكنها تخاطر بتهورها بإهدار ذلك كله واستبدال حسن النية بالعداء سعيًا وراء مصالح جيوسياسية أنانية كان يمكن تحقيقها سلميًا بالشراكة مع الجنوب.
الجنوبيون شعب معروف بعزته، ولن يخضعوا لأحد، حتى لحليف سابق كالسعودية، لكنهم كانوا مستعدين للدخول في شراكة متكافئة مع المملكة بعد استعادة استقلال دولتهم، تشمل التجارة والأمن، بما يحقق منفعة متبادلة. وهذا بالضبط ما أراده المجلس الانتقالي، إذ جدّد مرارًا تحالفه مع السعودية وهدفهما المشترك بهزيمة الحوثيين، لكن دون أن يُصغى إليه.
ولي العهد محمد بن سلمان، الذي يشغل أيضًا منصب رئيس الوزراء، ما يجعله ثاني أقوى شخصية في البلاد بعد والده الملك، يرتكب خطأً جسيمًا بشن حرب على جنوب اليمن. فقد شكّل التحالف الذي تقوده السعودية مطلع عام 2015 لإنقاذ اليمن من السقوط الكامل بيد الحوثيين حين كان قد تولّى للتو وزارة الدفاع. وسيبقى الجنوبيون ممتنين لذلك، لكنه يعرّض إرثه للخطر بمواصلة هذه الحرب العبثية ضدهم.
لا يزال الوقت متاحًا لتغيير المسار، ويؤمل ألا يُمعن في التصعيد. ورغم أنه يتحمّل مسؤولية قراراته، لا يمكن استبعاد أن يكون قد ضُلِّل من بعض مستشاريه، إذ يصعب تصديق أنه اتخذ هذا القرار بمفرده تمامًا.
لا يزال بإمكان جنوب اليمن أن يصبح أحد أقرب حلفاء السعودية، لكن لتحقيق ذلك يجب وقف جميع عمليات القصف على الجنوب والاعتراف بالإرادة السيادية لشعبه في استعادة استقلاله.
محلل سياسي أمريكي مقيم في موسكو متخصص في العلاقة بين استراتيجية الولايات المتحدة في الأفرو-أوراسيا، ومبادرة الحزام والطريق الصينية، والحرب الهجينة.
قبل 3 أشهر