التحليلات

اقتصاد الحرب والتحالفات السوداء: الوجه الجديد للحوثيين

مسلحون من الحوثيين يشاركون في تجمع تضامني مع حماس في صنعاء، 29 يناير 2024 (Getty Images)

آخر تحديث في: 09-11-2025 الساعة 10 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol
"جماعة الحوثي لم تعد مجرد ميليشيا محلية، بل تحوّلت إلى لاعب إقليمي نشط، قادر على تجاوز الحدود من خلال شراكات وتفاهمات واضحة القاعدة وحركة الشباب والتنظيمات المتطرفة.."

مركز سوث24 | إبراهيم علي


قدّم تقرير فريق الخبراء في مجلس الأمن الدولي بشأن اليمن، رؤية غير مسبوقة حول التحولات الخطيرة في نشاط جماعة الحوثي خارج اليمن، وتوسّع علاقاتها مع جماعات عنف وإرهاب إقليمية مثل حركة الشباب وداعش في الصومال وتنظيم القاعدة في اليمن.


ما تضمنه التقرير، الصادر في 17 أكتوبر، لا يمثل مجرد تراكم معلوماتي في ملفات المنظمة الدولية، بل يكشف عن نقطة تحول استراتيجية لدى الحوثيين الذين لم يعودوا مجرد ذراع يتلقى الدعم العسكري والتكنولوجي من إيران، بل باتوا جهة فاعلة تقوم بتقديم خدمات قتالية وتكنولوجية متقدمة، كما تدير شبكات تهريب متعددة المسارات تمتد من شواطئ القرن الإفريقي إلى حدود المملكة العربية السعودية، مرورا بمناطق النفط في جنوب اليمن.


التحالفات الإرهابية ومنطق السوق السوداء


التقرير يلفت الانتباه بشكل خاص إلى العلاقة العملياتية بين الحوثيين وحركة الشباب. وعلى خلاف ما كان يذكر سابقا بشكل عام أو مقتضب، تسرد النسخة الأخيرة من التقرير تفاصيل موسعة عن شكل التعاون القائم، يتضمن التدريب العسكري والتقني لعناصر الحركة داخل اليمن، بما يشمل تقنيات التفخيخ والطائرات المسيرة والأسلحة التي يمكن وصفها بأنها منخفضة التكلفة وعالية التأثير. 


الأخطر من ذلك كلّه أن التقرير يشير إلى نشاط تهريبي لحركة الشباب عبر محافظتي حضرموت وشبوة، وهو ما يعني أنّ الأراضي اليمنية لم تعد مجرد محطة عبور، بل تحوّلت في ظل هذا التخادم أو التنسيق إلى منصة تشغيل وشراكة اقتصادية مستدامة. ومن بين ما ورد في التقرير الأممي أنّ الحوثيين عملوا على تسهيل دخول نحو 400 صومالي إلى اليمن لأغراض تدريب قتالي منظم، وهو رقم يحمل دلالة على وجود برنامج مؤسسي، وليس مجرد صفقات فردية أو تواطؤ ميداني عابر.


من ناحية اقتصادية وأمنية، يمثل هذا التحالف نموذجا واضحا لمنطق "السوق السوداء": لدى الحوثيين بنية تحتية قتالية موروثة من سنوات الحرب، وأيضا خبرات متراكمة في تطوير الطائرات المسيّرة، إلى جانب السيطرة على مناطق ساحلية حساسة، أما حركة الشباب فتمثل عميلا مناسبا يبحث عن قدرات أرخص من السلاح الغربي وأكثر فعالية من إمكاناته الذاتية. وهكذا، تتأسس شراكة تستفيد من البيئة الهشة في اليمن، ومن ضعف الدولة، وكذلك من قدرة الجماعتين على توفير الحماية لشبكات التهريب.


يمتد المشهد نفسه إلى العلاقة مع تنظيم القاعدة في اليمن، لكن مع فارق جوهري يتمثل في أنّ الأمم المتحدة وضعت هذه العلاقة على الطاولة مدعمة بدليل مادي هذه المرة: اعتراض مكالمة مباشرة بين جهاز الأمن والمخابرات الحوثي وقيادات في تنظيم القاعدة تتناول التنسيق العملياتي بين الطرفين. ولا شك أن هذه نقطة انعطاف مهمة في التوصيف الرسمي للعلاقة، فوجود تواصل استخباراتي بهذا المستوى يثبت أنّ التنسيق منظّم، لا مجرد "تعايش قسري" بين طرفين تناوبا أحيانا على السيطرة في بعض المناطق. التقرير يؤكد أيضا تقديم الحوثيين دعما لوجستيا وعلاجيا لعناصر القاعدة، بما في ذلك استقبال جرحى التنظيم في منشآت طبية تحت سيطرتهم. هذه الأنشطة، عندما نربطها ببعضها، تؤكّد أن الحوثيين يخوضون معارك انتقائية يجنّبون فيها القاعدة، بينما يتركون التنظيم يعمل في مناطق مختارة، طالما أنّ نشاطه يصب ضد خصوم مشتركين، وعلى رأسهم القوات الجنوبية.


المشكلة الأكبر هنا هي أنّ التحالفات المحسوبة مع القاعدة تساهم في إطالة أمد الصراع اليمني، وتعمل على إضعاف مؤسسات الدولة، وتخلق اقتصاد حرب يتغذى على الفوضى، ويمنح الحوثيين – وفق اعتقادهم - ميزة تفاوضية أفضل في أي مفاوضات سلام قادمة، تمكنهم من القدرة على الضغط والتفاهم مع هذه الجماعات.


وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن هذه البراغماتية التي تتجاوز الخلافات العقائدية، تجد ما يؤكدها في تصريحات رسمية لقيادات جماعة الحوثي. ففي تغريدة علنية للقيادي محمد البخيتي، أعلن استعداد الحوثيين لـ "التحالف مع الإخوان المسلمين لقطع يد الإمارات التخريبية في اليمن والسودان". هذه الدعوة الصريحة للتحالف مع خصم أيديولوجي تاريخي مقابل هدف عملياتي مشترك (مواجهة خصم إقليمي)، لا تدعم فقط فرضية التخادم والتنسيق مع القاعدة وحركة الشباب، بل تضعها في إطار استراتيجية حوثية معلنة لتشكيل جبهات مضادة إقليمية. وهذا ما عززه مباشرة البيان الذي صدر عن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب في 7 نوفمبر بشأن السودان ودعا فيه إلى تنفيذ عمليات "إرهابية" ضد دولة الإمارات والمصالح الغربية.


وبتفصيل، استند البخيتي في دعوته على ثلاث نقاط عملية، هدفها تبرير إمكانية التعاون رغم الخلاف الأيديولوجي، كتبها كرد على القيادي في حزب الإصلاح محمد الحزمي: أولا، دعوة إلى التحالف لوقف ما أسماه "عبث الإمارات" مشيرا إلى مزاعم الانتهاكات التي تعرض لها الإصلاح نفسه في سجون عدن، وثانيا، تذكير بسابقة تخلي حزب الإصلاح عن الرئيس السابق علي عبد الله صالح، والتحالف عوضا عن ذلك مع الحوثيين خلال ثورة 2011، وثالثا، وهو الأخطر، الإشارة إلى تفاهم سري سابق على هدنة في جبهتي مأرب ونهم خلال التصعيد في الساحل الغربي، ما أثبت إمكانية التنسيق حين تتقاطع الأهداف.


لهذا، يمكن القول إن رسالة البخيتي تبرهن على أن منطق "العدو المشترك" هو المنهج الحاكم للعلاقات الخارجية للجماعة، وهو ما يفسر التنسيق العملياتي المباشر مع تنظيم القاعدة، وتسهيل التدريب العسكري والتقني لحركة الشباب على الأراضي اليمنية، حيث يصبح التهديد المشترك وسيلة لزيادة الضغط على الخصوم الإقليميين.

كما أنّ إشارة تقرير الخبراء لرصد الاستخبارات الصومالية اتصالات بين الحوثيين وداعش والشباب، يعني أنّ الفصائل الجهادية في إفريقيا بدأت تتعامل مع الحوثيين باعتبارهم قوة تمتلك ما تريد: طرق تهريب محمية، ومنتج تكنولوجي قتالي منخفض الكلفة وأيدولوجيا متقاربة في خطابها العدائي تجاه الخصوم الإقليمين والدوليين.


التحول الاستراتيجي من مستورد إلى مصدِّر


إنَّ التحول الأهم الذي يمكن الخروج به من التقرير هو انتقال الحوثيين من وضعية "المستورد" إلى وضعية "المصدّر" للتكنولوجيا القتالية. فخلال السنوات الماضية، كانت حركة الإمداد الإيرانية هي المصدر الأساسي لقدرات مليشيا الحوثيين. أما اليوم، فباتت الجماعة اليمنية قادرة على تصنيع وتطوير مسيّرات هجومية، وتزويد الأطراف الخارجية بها ضمن شبكات تهريب منظمة. 


من المهم الإشارة هنا إلى أنّ هذا التحول لا يعني فقط الاستغناء الجزئي عن إيران، بل يوحي بطموح استراتيجي لتكرار نموذج حزب الله السابق من حيث الوصول إلى دور إقليمي مؤثر عسكريا وسياسيا. الفارق أنّ الحوثيين يقومون بذلك في بيئة تجارية مفتوحة عبر البحر، ما يجعل أثرهم ممتدا إلى عمق إفريقيا، وليس مقتصرا على جوارهم الخليجي.


الاختراق الجغرافي بات يشمل موانئ ومناطق تمثّل شرايين اقتصادية لليمن مثل شبوة وحضرموت، اللتان تخضعان لسلطة الحكومة المعترف بها دوليا. ولا شك أن وجود عناصر صومالية من حركة الشباب في حضرموت – كما أورده التقرير -  بالتنسيق مع الحوثيين يعني تهديدا مضاعفا للأمن البحري والتجارة الدولية، خصوصا إذا ما وضعنا في الحسبان أن خطوط الملاحة باتت ورقة مساومة مركزية في صراعات الإقليم.


وعلى الرغم من أن التقرير أشار لتضاعف العمليات التي تقوم بها القوات الحكومية (القوات الجنوبية) ضد القاعدة وشبكات التهريب، إلا أنّ تمكُّن الحوثيين من استخدام مناطق ساحلية في جنوب اليمن كممر تهريب للأسلحة أو عناصر حركة الشباب – الذين يتسللون بين آلاف المهاجرين الذين يدخلون سواحل الجنوب – يضاعف من حجم التحديات لتأمين هذه المناطق ذات السواحل الشاسعة، ويكشف عن خطر حقيقي يشكله الحوثيون تجاه الاستقرار في تلك المناطق ولأمن الملاحة الدولية. 


استنتاج


تشير هذه المعطيات إلى أن جماعة الحوثي لم تعد مجرد ميليشيا محلية، بل تحوّلت إلى لاعب إقليمي نشط، قادر على تجاوز الحدود من خلال شراكات وتفاهمات واضحة مع القاعدة وحركة الشباب والتنظيمات المتطرفة. هذا المشروع، الذي يغذيه الاقتصاد الحربي، حول الحوثيين إلى قوة مصدرة للأسلحة، والتكنولوجيا، والتدريب والعناصر الإرهابية والمخدرات. 


إن تجاهل المجتمع الدولي لهذا التحول يعني ضمنا السماح لليمن بأن يصبح ساحة مفتوحة لإنتاج الفوضى ونشرها نحو القرن الإفريقي والممرات البحرية العالمية. والخطر الحقيقي يكمن في أن التراخي سيضاعف تكلفة الأمن البحري، ويقضي على فرص بناء دولة مستقرة، ويعزز نفوذ الحوثيين كوكيل نفوذ يهدد الاستقرار الإقليمي والدولي ومعهم أيضا تلك الجماعات المتطرفة المتواجدة في الضفة المقابلة من القرن الإفريقي.


إبراهيم علي
اسم مستعار لباحث غير مقيم في مركز سوث24. متخصص في شؤون الجماعات المسلّحة. أخفى هويته لأسباب شخصية

شارك
اشترك في القائمة البريدية
الأكثر قراءة

اقرأ أيضا