التقارير الخاصة

هل تستطيع الحكومة اليمنية تطبيق خطة الإصلاح الاقتصادي؟

رئيس الوزراء اليمني سالم بن بريك (رسمي)

آخر تحديث في: 06-11-2025 الساعة 9 مساءً بتوقيت عدن

"الخطة ركزت بشكل رئيسي على جانب الإيرادات، لكنها تجاهلت إلى حد كبير مسألة الإنفاق وسبل ترشيده، إلى جانب غياب آليات تنفيذ واضحة.."

مركز سوث24 | عبد الله الشادلي


في أواخر أكتوبر 2025، وفي خضمّ أزمة مالية خانقة وتدهور اقتصادي حادّ، أقرّ مجلس القيادة الرئاسي في اليمن القرار رقم (11) بشأن خطة أولويات الإصلاحات الاقتصادية الشاملة. جاء هذا القرار بعد أشهر من العجز الحكومي عن صرف رواتب موظفي الدولة، باستثناء راتب واحد صُرف في أكتوبر، قالت مصادر مطلعة إن تغطيته تمت عبر الاقتراض، في مؤشرٍ على عمق الأزمة المالية التي تعصف بالبلاد.


تسعى الخطة إلى إعادة هيكلة الموارد العامة وتوحيد النظام المالي المنقسم منذ اندلاع الحرب، من خلال إلزام المحافظات بتوريد جميع الإيرادات إلى الحساب العام للحكومة في البنك المركزي اليمني بعدن، ومنع أي تحصيل أو إنفاق خارج القنوات الرسمية. كما تتضمن إجراءات لتوحيد إدارة المنافذ الجمركية والضريبية، وإلغاء الصناديق والرسوم غير القانونية، وضبط المنافذ البحرية المستحدثة.


وتشمل الخطة أيضًا بنودًا حساسة مثل تحرير سعر الدولار الجمركي، وتوحيد أسعار بيع المشتقات النفطية، وإقرار خطة عاجلة لتعزيز الإيرادات المستدامة. وتهدف هذه الإجراءات إلى معالجة اختلالات التحصيل، وتحقيق الانضباط المالي، وضمان صرف المرتبات والنفقات الحتمية في وقتٍ تواجه فيه الدولة عجزًا هيكليًا متصاعدًا.


رغم طابعها التقني، فإن الخطة تمثل رهانًا سياسيًا وإداريًا على قدرة الحكومة في فرض مركزية مالية حقيقية، واستعادة الثقة في مؤسساتها التي أضعفها الانقسام وتعدد مراكز النفوذ. وبينما يرى البعض فيها فرصة لإصلاح طال انتظاره، فإن آخرين يشككون في إمكانية تطبيقها فعليًا في ظل غياب الإرادة السياسية والرقابة الفاعلة وتدهور البيئة الاقتصادية.


فما هي جدوى هذه الخطة وما هي التحديات أمامها، وبماذا يوصي الخبراء والمختصون بشأنها؟


جدوى الخطة 


تمثل خطة الإصلاحات الاقتصادية التي أعلنها مجلس القيادة الرئاسي محاولة لإعادة ضبط الموارد المالية للدولة وتحقيق حدٍّ أدنى من الاستقرار الاقتصادي، لكنها تواجه تحديات كبيرة على أرض الواقع. 


في هذا السياق، قال رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، مصطفى نصر، إنّ "الخطة ركزت بشكل رئيسي على جانب الإيرادات، لكنها تجاهلت إلى حد كبير مسألة الإنفاق وسبل ترشيده، إلى جانب غياب آليات تنفيذ واضحة ومعلنة بزمن محدد من قبل الحكومة".


وأضاف نصر لمركز سوث24 أنّ "الخطة، من الناحية الاقتصادية والسياسية، تبدو موجهة لمعالجة مشكلة الحكومة نفسها في الإيرادات، إذ لا تغطي الموارد الحكومية الحالية سوى نحو 25% من النفقات العامة، بما في ذلك الرواتب"، موضحًا أنّ تحقيق الاستقرار المالي يتطلب مقاربة شاملة تشمل ترشيد الإنفاق والبحث عن موارد إضافية واستدامة الإصلاحات على مختلف المستويات.


من جانبه، أشار أستاذ المالية العامة بجامعة عدن، د. محمد جمال الشعيبي، إلى أنّ ما تضمنه القرار الأخير، مثل توريد الإيرادات إلى البنك المركزي وتحرير الدولار الجمركي، يمثل "محطة مفصلية"، لكنه يبقى حبرًا على ورق ما لم تترافق هذه الإجراءات مع خطوات تنفيذية جادة وصلاحيات مالية حقيقية تُمارس على الأرض.


وأضاف الشعيبي لمركز سوث24 أن نجاح الخطة يتوقف على مدى التزام السلطات المحلية بإرسال الإيرادات بانتظام، وقدرة الحكومة على فرض قراراتها في المحافظات التي ما تزال تشهد تفاوتًا في السيطرة والقرار المالي.


وقال الأستاذ المشارك في كلية الاقتصاد بجامعة عدن، د. سامي محمد قاسم، لمركز سوث24، إن "هذه الخطة تُعد من حيث المبدأ واقعية وتمثل مصفوفة إجراءات طال انتظارها"، مشيرًا إلى أنّها تتضمن إصلاحات كانت مطلبًا مستمرًا لدى الأوساط الاقتصادية والمالية منذ سنوات.


وأضاف قاسم أنّ تفاصيل الخطة "تعكس توجهًا عمليًا نحو ضبط الموارد وتعزيز الشفافية المالية"، إلا أنّ نجاحها، بحسب قوله، "سيعتمد على قدرة الحكومة على تحويل هذه البنود إلى واقع ملموس، خصوصًا في ظل الانقسام المؤسسي والسياسي الراهن الذي يعيق توحيد القرار المالي والإداري في البلاد".


أما الخبير الاقتصادي د. عيسى أبو حليقة، فيرى أنّ الخطوة ضرورية لتحقيق التعافي الاقتصادي، لكنها تواجه تحديات بسبب الانقسام السياسي وضعف البنية المؤسسية والفساد المستشري.


وأكد أبو حليقة لمركز سوث24 أنّ الأهداف الرئيسية للخطة — حشد الإيرادات، وضبط المنافذ، وتوحيد سعر الصرف الجمركي — منطقية وقابلة للتنفيذ، لكنها تحتاج إلى تنسيق فعّال بين البنك المركزي ووزارة المالية ومحافظي المحافظات حتى لا تتحول إلى مجرد إجراءات شكلية.


قرار تحرير الدولار الجمركي 


يُعد قرار تحرير سعر الدولار الجمركي أحد أكثر بنود خطة الإصلاح الاقتصادي التي أقرها مجلس القيادة الرئاسي جدلًا وحساسية. إذ نص القرار رقم (11) لعام 2025 على تحرير السعر بشكل كامل ليعتمد سعر السوق الحالي للدولار البالغ نحو 1617 ريالًا يمنيًا.


تسعى الحكومة من خلال هذا القرار إلى زيادة الإيرادات الجمركية وتقليص الفجوة بين السعر الرسمي وسعر السوق، بما يسهم في تعزيز الاحتياطي النقدي للبنك المركزي وتحقيق استقرار نسبي للعملة المحلية. غير أنّ القرار أثار مخاوف اقتصادية واسعة في ظل هشاشة المنظومة المالية وضعف القدرة التنفيذية في المحافظات.


وبحسب خبراء تحدثوا لمركز سوث24، فإن تطبيق تحرير الدولار الجمركي قبل استكمال ضبط الإيرادات وتوحيد المنافذ المالية قد يؤدي إلى ارتفاع كبير في أسعار السلع الأساسية والواردات، إذ سيضطر التجار إلى دفع الرسوم الجمركية بسعر صرف أعلى بالريال المحلي، ما سينعكس مباشرة على المستهلك النهائي.


وتُظهر التجارب السابقة منذ عام 2017 أنّ الحكومات المتعاقبة لم تتمكن من تثبيت سعر الدولار الجمركي بفاعلية، حيث جرى رفعه تدريجيًا من 250 ريالًا للدولار إلى نحو 750 ريالًا، دون أن تصاحب ذلك إصلاحات موازية في الرقابة أو الشفافية أو البنية الجمركية. 


وقال مصطفى نصر إن رفع الدولار الجمركي يمثل "جانبًا من الإصلاحات السهلة نسبيًا مقارنة بالإجراءات الأخرى، مثل ترشيد الإنفاق أو وقف الجبايات غير القانونية"، لكنه حذّر من أنّ تنفيذه دون ضبط شامل للمنافذ والتهريب قد يؤدي إلى اختلالات أكبر في السوق. 


وأضاف أنّ التاجر الملتزم بالقوانين سيتحمل كلفة إضافية، بينما المهربون سيجدون فرصة أوسع للمنافسة بأسعار أقل، ما قد يفاقم عدم العدالة الاقتصادية.


في المقابل، شدد د. عيسى أبو حليقة على ضرورة أن يُنفذ تحرير الدولار ضمن خطة زمنية واضحة ومقترنة بإجراءات مالية واحتياطية تمنع ارتفاع الأسعار وتحد من معاناة الفئات الفقيرة.


أما د. سامي قاسم فأبدى تفاؤلًا نسبيًا، معتبرًا أنّ القرار "محسوب بعناية ويستهدف السلع غير الأساسية"، وقال: "السلع الأساسية ما تزال معفاة من الرسوم الجمركية، وبالتالي فإن تأثير القرار على الأسعار العامة سيكون محدودًا ما دام الالتزام الرقابي قائمًا".


التحديات أمام الخطة


تواجه خطة الإصلاحات الاقتصادية مجموعة واسعة من التحديات الهيكلية والإدارية التي تهدد فرص نجاحها. وتتمثل أبرز هذه التحديات في مقاومة الأطراف التي استحوذت على الموارد خلال الفترات السابقة، سواء في المحافظات أو عبر الصناديق غير القانونية، وهي جهات يصعب عليها التنازل عن المكاسب التي حققتها بفعل غياب الرقابة وضعف الضبط المالي.


كما نص القرار على إلزام وزارتي الدفاع والداخلية بإلغاء جميع النقاط التي تفرض جبايات غير قانونية، وهو ما يُعد اختبارًا حقيقيًا لقدرة الحكومة على تحقيق هذه الإجراءات.


وفي هذا الصدد، حذر مصطفى نصر، من أن عدم تنفيذ الإصلاحات بشكل متكامل قد يؤدي إلى زيادة عمليات التهريب بدل الحد منها، ويضعف قدرة السوق النظامية على الصمود أمام المنافسة غير العادلة. وأضاف أن ضبط المنافذ البحرية والبرية والجوية وإغلاق الحسابات الفرعية للجهات الحكومية يمثل تحديًا كبيرًا، خاصة في ظل ضعف الرقابة المؤسسية والفساد المستشري.


من جانبه، رأى د. محمد جمال الشعيبي أن التحدي الأبرز يكمن في مدى التزام السلطات المحلية وتعاون القطاع الخاص، مشيرًا إلى أن أي فشل في توريد الإيرادات أو استمرار الجبايات العسكرية والعشوائية سيفرغ الخطة من مضمونها ويزيد الضغوط التضخمية على السوق.


وأكد د. عيسى أبو حليقة أن غياب الاستقرار السياسي والمؤسسي يمثل العائق الأكبر أمام نجاح أي إصلاح اقتصادي، مضيفًا أن ضعف التنسيق بين الوزارات والجهات المالية يعقد من مهمة ضبط الإيرادات والمحاسبة.


فيما أشار د. سامي قاسم إلى أن غياب آليات واضحة للمساءلة والرقابة، مثل تحديد الجهات المخولة بمتابعة الالتزام أو فرض العقوبات، قد يحوّل أي خطة إصلاحية إلى مجرد شعارات ويضعف الثقة الشعبية في قدرة الحكومة على التنفيذ.


التوصيات


في توصياتهم لقرار مجلس القيادة الرئاسي، شدّد الخبراء الذين تحدثوا إلى مركز سوث24 على أنّ نجاح خطة الإصلاحات الاقتصادية يتطلب إرادة سياسية قوية ووضوحًا في المسؤوليات التنفيذية، إلى جانب خطة زمنية محددة تضمن التزام الجهات الحكومية كافة بالتنفيذ.


ودعا د. سامي قاسم إلى تفصيل مصفوفة الإجراءات المطلوبة وتحديد الجهات المسؤولة عن التنفيذ والمتابعة والرقابة، مع وضع مدى زمني واضح لكل خطوة. كما شدّد على أهمية "إقرار نظام عقوبات صارم يشمل الإقالة والتحويل إلى النيابة العامة لأي جهة تتقاعس أو تُعرقل عملية التنفيذ"، مشيرًا إلى أنّ "الانضباط المؤسسي والمحاسبة الجادة هما أساس أي نجاح اقتصادي مستدام".


وأوضح مصطفى نصر أنّ الحكومة بحاجة إلى تنفيذ جميع بنود الخطة بشكل متزامن، مع التركيز على ترشيد الإنفاق والبحث عن مصادر بديلة ومستدامة للإيرادات. وأشار إلى أنّ البدائل المحتملة تشمل قطاعات الاتصالات والكهرباء وتنظيم ضرائب المشتقات النفطية، إلى جانب تهيئة بيئة آمنة للقطاع الخاص لتعزيز الاستثمار المحلي والأجنبي.


وقال د. محمد جمال الشعيبي إنّ المرحلة القادمة تتطلب تنسيقًا فعالًا بين الحكومة والبنك المركزي والسلطات المحلية والقطاع الخاص، إضافة إلى إشراك المجتمع الدولي لدعم الإصلاحات.


في حين أوصى د. عيسى أبو حليقة بإنشاء لجنة تنفيذ مركزية تضم وزارة المالية والتخطيط والجمارك والبنك المركزي ومحافظي المحافظات لضمان المتابعة الشاملة، إلى جانب نشر تقارير دورية عن الإيرادات والإنفاق وربط أي تعديلات في أسعار الوقود أو الدولار الجمركي بإجراءات حماية اجتماعية للفئات الأكثر ضعفًا.


وتتلاقى هذه التوصيات على رؤية موحدة مفادها أنّ نجاح الخطة الاقتصادية لا يتحقق بالنصوص أو القرارات المنفصلة، بل بتكامل التنفيذ والمحاسبة والشفافية. فالخطة، كما يراها الخبراء، تشكّل فرصة حقيقية لإعادة بناء النظام المالي اليمني، لكنها تظل مرهونة بمدى قدرة الحكومة على تحويلها من مشروع نظري إلى واقع ملموس يعيد الثقة بين الدولة والمجتمع.



صحفي ومحرر لدى مركز سوث24 للأخبار والدراسات


شارك
اشترك في القائمة البريدية
الأكثر قراءة

اقرأ أيضا