ولي العهد السعودي و رئيس وزراء باكستان
26-09-2025 الساعة 4 مساءً بتوقيت عدن
|
سوث24 | فريدة أحمد
أظهرت الاعتداءات الإسرائيلية على قطر وطبيعة الردود الخليجية عليها درجة متقدمة من الوعي الجماعي بالمخاطر الاستراتيجية التي تمثلها السياسة الإسرائيلية المتصاعدة، التي أصبحت أكثر جرأة وهي تتجاوز الضوابط الدولية عبر استخدام القوة العسكرية. هذا التحول الهيكلي في البيئة الأمنية الإقليمية يفرض إعادة تقييم جذرية لموازنات الأمن والاقتصاد في دول الخليج، وقد عزز هذا الاتجاه مشاعر الخذلان لدى الحلفاء التقليديين وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية، بعد أن ظهرت الولايات المتحدة الأمريكية في موقع المتفرج أثناء استهداف دولة خليجية بوجود القواعد العسكرية الأمريكية.
وقد دفعت التطورات الممتدة منذ السابع من أكتوبر 2023 في المنطقة؛ الدول الخليجية إلى إعادة النظر في خريطة تحالفاتها الأمنية، والسعي نحو إقامة شراكات استراتيجية أكثر موثوقية وقدرة على التصدي لأي اعتداء محتمل على أمنها القومي في ظل التهديدات الإسرائيلية والإيرانية على حدٍ سواء في المنطقة. ولا شك أنّ هذا التحول في الموقف الخليجي سيترك تأثيره المباشر على الوضع في اليمن، حيث تتداخل المصالح وتتعدد الجهات المحلية الفاعلة. لذا، تبرز إشكالية محورية تتعلق بتأثير هذه المتغيرات الإقليمية الجديدة على مسار الأزمة اليمنية، خاصة في ظل توجه دول الخليج بشكل ثنائي أو جماعي نحو عقد تحالفات بديلة مع قوى دولية وإقليمية فاعلة. سيستكشف التحليل الأبعاد المختلفة لهذه التحالفات الناشئة وتداعياتها المحتملة على المشهد اليمني.
الأمن الخليجي وبنية التحالفات الجديدة
في 17 سبتمبر، وقعت السعودية وباكستان "اتفاقية دفاع مشترك" تهدف إلى تعزيز التعاون العسكري الدفاعي والردع ضد أي تهديد مشترك على البلدين، وأكدت على "أنّ أي اعتداء على أحد البلدين يعتبر اعتداء على الطرفين معاً". لا يمكن النظر إلى هذه الخطوة باعتبارها اتفاقاً ثنائياً آنياً، بل يتعين قراءتها ضمن سياق تاريخي اتسم بمسار متقارب حيناً ومتباعد حيناً آخر في العلاقات السعودية - الباكستانية. غير أنّ أهميتها لا تقتصر على البعد التاريخي، إذ يعكس التحالف الجديد إدراك الطرفين لتحولات موازين القوى عالمياً، وصعود أطراف دولية جديدة مثل الصين، الأمر الذي يعزز الحاجة إلى شراكات استراتيجية أوسع تتجاوز الأطر التقليدية، وبالذات الغربية.
ورغم أنّ كثيرين ربطوا إعلان الاتفاقية مباشرة بالهجوم الإسرائيلي على قطر، فإنّ إبرام تفاهم دفاعي بهذا الحجم يتطلب عادةً سنوات من التحضير، لكونه ملف بالغ الحساسية ويخضع لإجراءات عديدة من النقاش والإقرار داخل البرلمان الباكستاني. على سبيل المثال، طلب الرياض من إسلام آباد خلال عملية "عاصفة الحزم" عام 2015، المشاركة بسفن وطائرات وجنود ضمن الحملة العسكرية ضد الحوثيين، غير أنّ البرلمان الباكستاني صوّت آنذاك لصالح قرار يقضي بعدم التدخل العسكري المباشر في اليمن. وما يعزز الإجراءات المعقدة في مثل هذه الاتفاقيات، هو تأكيد مسؤول سعودي كبير لوكالة رويترز، بأنّ "الاتفاقية السعودية الباكستانية جاءت كنتيجة لمحادثات استمرت سنوات طويلة وليست رداً مباشراً على جهة معينة أو حادث بعينه".
خارج سياق الجدل، من المرجح أن تعزز اهذه اتفاقية الدفاع من موقع الخليج ككل، وليس موقع السعودية وحدها. فتعزيز القدرات الدفاعية للمملكة ينعكس في نهاية المطاف على المنظومة الخليجية برمتها، بحكم ثقلها العسكري والسياسي. وسبق للسعودية أن لعبت دورا فاعلا، سواء خلال تحرير الكويت عام 1990، أو من خلال تدخلها ضمن قوات "درع الجزيرة" لحماية البحرين خلال احتجاجات مارس 2011. وبفضل وزنها الاستراتيجي ودورها الريادي في المنطقة، تضع السعودية نفسها بحكم الأمر الواقع في موقع دفاعي أمام أي تهديد قد يستهدف دولة خليجية.
ومع ذلك برزت إشارت تحذّر من ذهاب الدول العربية بشكل منفرد لحماية نفسها ومصالحها دون رؤية عربية مشتركة. على سبيل المثال انتقد المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات أنور قرقاش - قبيل ساعات من إعلان اتفاقية الدفاع السعودية الباكستانية، وبعد يوم من القمة العربية والإسلامية في قطر - غياب "المشروع العربي الجامع"، مشيرا إلى "الرسالة أن يهتم كل طرف بمصيره وحده".
من الناحية الواقعية، يُمكن فهم التحركات الخليجية كدليل على غياب مشروع دفاعي موحد، على الرغم من وجود مجلس التعاون الذي يفترض أن يشكل المظلة الأمنية المشتركة للدول الخليجية. فكل دولة باتت تميل إلى صياغة تفاهمات ثنائية تعكس أولوياتها الخاصة في مجالات الأمن والدفاع. ويظهر ذلك جلياً في السياسة القطرية التي اتجهت هي الأخرى، إلى عقد اتفاقيات تعاون عسكري منفردة مع تركيا، في مسار يؤكد على المقاربات الفردية على حساب العمل الجماعي، أو حتى ذهاب الإمارات والبحرين لعقد اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل في سبتمبر 2020.
أثر التحولات الأمنية على المشهد اليمني
خلال سنوات الصراع في اليمن منذ 2015، اعتمد الحوثيون على تكتيك تصعيدي كلما تعرضوا لضغط عسكري ميداني من القوى اليمنية الأخرى المدعومة إقليمياً، سواء من السعودية أو الإمارات. فحين تتراجع قدراتهم العسكرية في المعارك البرية ويواجهون صعوبة في الصمود، يلجأون إلى استهداف أراضي السعودية والإمارات بالصواريخ والطائرات المسيّرة، في محاولة لنقل الصراع إلى مستوى إقليمي وصرف النظر عنهم. وبهذه الاستراتيجية ظلوا يستثمرون ردود الفعل الدولية لخلق ضغوط على مختلف الأطراف الإقليمية والمحلية، بما يدفع نحو الدعوة إلى وقف القتال وفرض مسار تفاوضي يمنحهم فرصة لإعادة ترتيب صفوفهم، وهو ما تكرر حدوثه في أكثر من محطة.
بالتوازي، وفي حال أقدمت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً على شنّ حملة برية واسعة ضد الحوثيين وهو سيناريو غير مستبعد، يظل احتمال لجوء الحوثيين إلى تصعيد عابر للحدود عبر استهداف السعودية والإمارات وارداً. غير أنّ الإعلان عن الاتفاقية الدفاعية بين الرياض وإسلام آباد من شأنه تقليص فاعلية هذا الخيار التكتيكي، إذ يعزز التحالف الجديد من قوة الردع السعودية ويضاعف كلفة أي هجوم محتمل. في المقابل، لا تبدو إيران في موقع يسمح لها بالمجازفة أو التفريط فيما تبقى من أذرعها القوية (الحوثيين) عند مضيق باب المندب والبحر الأحمر، خصوصاً بعد انحسار أدوار بقية أذرعها الإقليمية، وفي مقدمتهم حزب الله.
لا شك أنّ استئناف الحرب الداخلية في اليمن، سيضع مستقبل الحوثيين على المحك، إذ من المرجح أن يتفككوا كقوة عسكرية وسياسية على حد سواء. فمن جهة، قد تُسحق قدراتهم الميدانية بفعل العمليات البرية التي تقودها القوى المحلية. ومن جهة أخرى، فهم يواجهون تهديداً مباشراً عبر البحر الأحمر من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا، إضافة إلى إسرائيل التي وجّه وزير دفاعها مؤخراً، إسرائيل كاتس، تهديداً صريحاً لزعيم الجماعة الحوثية بالقول، إنّ "دوره سيأتي".
من زاوية مقارنة، وعلى خلاف تجربة حزب الله الذي تطوّر إلى مكون سياسي مؤثر ضمن البنية اللبنانية لعقود، يفتقر الحوثيون إلى الحاضنة السياسية والشرعية المؤسسية التي تؤهلهم للبقاء كفاعل سياسي في حال انهزموا عسكرياً، ما يجعل سقوطهم المحتمل أقرب إلى نهاية كاملة لا إلى إعادة تموضع.
على صعيد آخر، يمكن أن تقلل التهديدات والتحديات التي تواجه الحكومة اليمنية المعترف بها من قدرة الحوثيين على التصعيد الانتقامي، في الوقت الذي ستسعى فيه السعودية إلى ضمان تحييد إيران ومنعها من الإضرار بها أو بحلفائها الداعمين للقوى العسكرية المحلية في اليمن كالإمارات. ومن هنا، يمكن القول، إنّ الهدف الاستراتيجي للاتفاق الدفاعي السعودي-الباكستاني، جاء فيما يبدو كهدف مزدوج يتمثل في ردع إيران وإسرائيل معاً، حتى وإن أعلنته السعودية كنوع من المراوغة السياسية بعد الهجوم الإسرائيلي على قطر، لكن الدلالات العملية تشي بأن البُعد الإيراني يشكل الغاية الأساسية.
فعلياً، سيضيّق الاتفاق الخناق على النفوذ الإيراني في الممرات البحرية، إذ إنّ إضعاف الحوثيين أو القضاء عليهم يعني عملياً إغلاق نافذتهم التخريبية في مضيق باب المندب، الأمر الذي سينعكس بدوره على تقليص التأثير الإيراني في مضيق هرمز. ومن ثم، يصعب على طهران القبول بخسارة مزدوجة بهذا الحجم، من حيث أولاً، فقدان أدواتها في الملاحة الدولية، وثانياً، تراجع ما راكمته من نفوذ على مدى سنوات. ويكتسب البعد الباكستاني هنا أهمية خاصة، فموقعها الجغرافي على خليج عمان وبحر العرب وقربها من مضيق هرمز؛ يجعل أي اعتداء على ناقلات النفط السعودية العابرة للمضيق بمثابة اعتداء مباشر عليها، ما يمنح إسلام آباد دافعاً قوياً للانخراط في حماية إمدادات النفط وضمان أمن الملاحة لصالح الرياض.
خريطة توضح مدى قرب باكستان من مضيق هرمز وبحر العرب، المصدر: خرائط جوجل - بواسطة مركز سوث24
سيناريوهات محتملة
استناداً إلى المعطيات والتحوّلات الأمنية والتحالفات الخليجية المشار إليها أعلاه، يمكن استخلاص سيناريوهين رئيسيين لتأثير هذه التطورات على اليمن، وذلك على النحو التالي:
السيناريو الأول: تصاعد الحرب وتحجيم الحوثيين
يتمثل العامل الأساس لهذا المسار، في الاتفاق الدفاعي السعودي-الباكستاني بما يحمله من تعزيز لقدرات الردع، مدعوماً بالدعم الخليجي الموازي الذي يظهر عبر شبكات التحالفات الإقليمية الأخرى. إذ من المرجّح في ظل هذا المشهد، أن تنطلق عمليات برية واسعة تقودها قوات الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية والإمارات، بما يؤدي إلى تراجع قدرة الحوثيين على توسيع نطاق الصراع. وبالتبعية، قد يشهد الوضع تفككاً تدريجياً للحوثيين على المستويين العسكري والسياسي. في مقابل ذلك، ستنتقل مراكز الثقل السياسي والعسكري إلى القوى المحلية لتعزيز نفوذها في مناطق سيطرة الحوثيين، وبالتوازي تأمين مناطق جنوب اليمن. فضلاً عن تأمين مضيق باب المندب والبحر الأحمر، بما يصب في صالح دول الخليج والدول المطلة عليه وكذا حماية حرية الملاحة البحرية.
السيناريو الثاني: الجمود دون حسم عسكري
تدرك إيران أنّ خسارتها المحتملة في مضيق هرمز وباب المندب ستشكل ضربة استراتيجية مزدوجة لا يمكن تحملها، ما يدفعها إلى تهدئة الوضع لدى الحوثيين حتى لا تنزلق نحو مواجهة مباشرة مع السعودية أو باكستان. ونتيجة لذلك، سيتمكن الحوثيون من الحفاظ على قدرات تكتيكية متقطعة، عبر هجمات صاروخية أو الاستمرار باستخدام المسيّرات عبر البحر الأحمر، بما يكفي لإثبات حضورهم الميداني دون استفزاز لرد فعل إقليمي قد يؤدي في نهاية المطاف إلى سحقهم بالكامل. وفي ظل هذه المعادلة، سيدخل اليمن في حالة من "اللا حرب واللا سلم"، حيث يظل الصراع دون حسم نهائي، فيما يبقى الحوثيون قوة عسكرية منهكة. في المقابل، قد تجد السعودية والإمارات في هذه المرحلة فرصة لإعادة ترتيب شبكة تحالفاتها المحلية في اليمن، مستفيدة من فترة الجمود لتعزيز نفوذها وتثبيت حضور حلفائها على الأرض.
في المحصّلة، يمكن القول، إنّ مستقبل اليمن في الشمال والجنوب سيظل مرهوناً جزئيا بالتوازنات الإقليمية الناشئة، وبالذات طبيعة التحالفات الدفاعية الجديدة. ففي حال اتجهت المنطقة نحو التصعيد، قد يشهد اليمن تحولات جذرية تنهي حضور الحوثيين وتعيد رسم الخريطة السياسية والعسكرية. أما إذا ساد الجمود، فسيبقى البلد عالقاً في حلقة مفرغة من الاستنزاف دون أفق واضح للحسم. وفي الحالتين، ستظل دول الخليج وفي مقدمتها السعودية لاعباً محورياً في تحديد مسار الأزمة اليمنية.
فريدة أحمد
المديرة التنفيذية لمركز سوث24 للأخبار والدراسات