arabworldmedia
آخر تحديث في: 18-09-2025 الساعة 7 مساءً بتوقيت عدن
|
"مناطق الجنوب تمر بمرحلة اقتصادية بالغة الحساسية، وتحتاج إلى أن تركز المؤتمرات الاقتصادية المرتقبة على قضايا عملية وملموسة تتصل مباشرة بحياة المواطنين.."
مركز سوث24| عبد الله الشادلي
تستعد العاصمة عدن خلال الفترة القريبة المقبلة لاحتضان سلسلة من المؤتمرات الاقتصادية والاستثمارية، يُنظر إليها باعتبارها نقطة تحول مرتقبة في مسار التعافي وإعادة الإعمار. هذه الفعاليات لا تأتي كأنشطة بروتوكولية اعتيادية، بل كاختبار عملي لقدرة الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي على استقطاب الدعم الدولي وتحويل الوعود السابقة إلى نتائج ملموسة على الأرض.
يبرز في مقدمة هذه الفعاليات المؤتمر الاقتصادي الأول المزمع عقده في عدن خلال شهر نوفمبر القادم، والذي يجري الإعداد له بالتنسيق بين وزارة التجارة والصناعة والقطاع الخاص. ويُتوقع أن يشكل هذا المؤتمر منصة لإبراز صورة جديدة للمدينة كوجهة اقتصادية واعدة والترويج لفرص الاستثمار في قطاعات متعددة.
كما يُرتقب عقد مؤتمر الطاقة خلال الإطار الزمني نفسه، بقيادة وزارة الكهرباء والطاقة وبالشراكة مع البنك الدولي، في خطوة تهدف إلى طرح رؤية متكاملة لمستقبل قطاع الكهرباء في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا، وجذب الاستثمارات لمشاريع الطاقة المستدامة.
وبالتوازي، تعمل الحكومة عبر وزارتي التخطيط والخارجية على التحضير لـ مؤتمر للمانحين في عدن، لم يُحدد موعده النهائي بعد، لكنه يُتوقع أن يُقام في الفترة نفسها، بما يجعله منصة رئيسية لتأمين تعهدات مالية مباشرة لمشاريع إعادة الإعمار والتنمية.
وفي السياق ذاته، يجري التحضير لـ مؤتمر خاص بالأمن الغذائي، تنظمه وزارة التخطيط والتعاون الدولي ووزارة الزراعة والثروة السمكية بالشراكة مع دول مجلس التعاون الخليجي، على أن يُعقد في العاصمة السعودية الرياض قبل نهاية العام الجاري، ليعكس التزامًا إقليميًا بدعم اليمن في أحد أكثر الملفات حيوية.
وبينما تترقب الأوساط الاقتصادية هذه الفعاليات، يضع الشارع آماله على أن تسفر عن نتائج واقعية تسهم في استقرار الأسعار وتحسين الخدمات الأساسية. فالمؤتمرات المقبلة تمثل في جوهرها اختبارًا مزدوجًا: لوعود التعافي الداخلي من جهة، ولمدى جدية ومصداقية الشركاء الدوليين من جهة أخرى، في ظل التحسن النسبي في سعر صرف الريال بعد سنوات من الانهيار غير المسبوق.
الرهانات المحلية
تضع الحكومة اليمنية والسلطة المحلية في عدن رهانات كبيرة على هذه المؤتمرات باعتبارها فرصة سانحة لإعادة تقديم المدينة كواجهة اقتصادية واعدة، وكمنصة يمكن من خلالها تعزيز الثقة بالبيئة الاستثمارية المحلية.
وفي هذا السياق، أوضح وكيل وزارة التخطيط والتعاون الدولي، منصور زيد، أن الوزارة تسعى من خلال هذه المؤتمرات إلى إبراز اهتمام الدولة بالاستثمار وتوفير بيئة آمنة جاذبة، والتسويق للفرص الاستثمارية الواعدة في القطاعات التنموية والخدمية.
وأضاف لمركز سوث24 أن الوزارة تركز أيضًا على أهمية الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص، والاستفادة من تجارب المشاركين ونقل الخبرات، بما يحقق تقدمًا في مختلف المجالات ويدعم مسار التنمية المستدامة.
ولا تنحصر رهانات المؤتمرات المقبلة في البعد المحلي فحسب، بل تمتد إلى المجتمع الدولي والمانحين الذين طالما تعهّدوا بدعم اليمن. وتبقى الإشكالية الكبرى متمثلة فيما إذا كانت هذه الوعود ستتحول هذه المرة إلى التزامات عملية ملموسة، أم أنها ستبقى أسيرة الخطابات والتصريحات.
وفي هذا الإطار، يرى الخبير الاقتصادي اليمني د. عيسى أبو حليقة أن المؤتمرات الدولية المزمع عقدها في عدن تمثل فرصة مهمة للنهوض بالاقتصاد الوطني وجذب التمويل الخارجي، لكنه حذّر من أنّ المخاطر الحقيقية تكمن في مرحلة التنفيذ، وما إذا كانت الحكومة قادرة على استيعاب الدعم وتوظيفه في مشاريع تنموية واقتصادية مستدامة.
وأضاف أبو حليقة في حديثه لمركز سوث24: "التجارب السابقة أظهرت أن المانحين لا يقدمون منحًا بلا شروط، وغالبًا ما يشترطون إصلاحات مالية وإدارية وتوفير بيئة مواتية للاستثمار. لذلك يجب أن تعمل الحكومة بجدية على اختيار الكفاءات الوطنية لإدارة هذه المشاريع، وأن تكون هناك رقابة مباشرة من الجهات المعنية، وفي مقدمتها وزارة التخطيط والتعاون الدولي".
ولفت أبو حليقة إلى أن الإجراءات الأخيرة للبنك المركزي ووزارة المالية عززت من الثقة، وقد تشجع المانحين على تقديم دعم أكبر، لكنه شدّد على أن هذا الدعم سيظل مشروطًا بمدى التزام الحكومة بمحاربة الفساد والمضي قدمًا في الإصلاحات. وأكد أن هناك اهتمامًا ملحوظًا من قبل البنك الدولي والاتحاد الأوروبي ودول مانحة كبرى.
وأضاف أن مؤتمر المانحين لن يكون مثمرًا إلا إذا قدمت الحكومة خططًا واضحة ومشاريع اقتصادية محددة في قطاعات التعليم والصحة والطاقة والبنية التحتية. كما حذّر من الاعتماد المفرط على المساعدات، معتبرًا أن ذلك يعزز الاتكالية ويضعف المبادرات المحلية، داعيًا إلى توجيه التمويل نحو المشاريع الإنتاجية الصغيرة والمتوسطة والزراعة والقطاع السمكي وريادة الأعمال، بما يضمن فرص عمل للشباب.
ملف إعادة الإعمار والتنمية
لا تقتصر رهانات المؤتمرات المرتقبة على استقطاب الدعم المالي أو التعهدات الدولية، بل تشمل أيضًا الحاجة الملحّة لإعادة إعمار البنية التحتية المتدهورة في عدن وبقية مناطق الجنوب، وعلى رأسها قطاع الكهرباء والموانئ والطرق؟
وفي هذا السياق، أوضح أستاذ المالية العامة والاقتصاد السياسي بجامعة عدن، د. محمد جمال الشعيبي، أن مناطق الجنوب تمر بمرحلة اقتصادية بالغة الحساسية، وتحتاج إلى أن تركز المؤتمرات الاقتصادية المرتقبة على قضايا عملية وملموسة تتصل مباشرة بحياة المواطنين، بعيدًا عن الطابع الاحتفالي أو الشعارات العامة.
وأشار الشعيبي في حديثه لمركز سوث24 إلى أن إعادة تشغيل مصافي عدن بكامل طاقتها يمثل خطوة محورية لإعادة تنشيط الاقتصاد في البلاد، لما لهذا القطاع من دور مركزي في تكرير المشتقات النفطية وتوفير موارد مالية مهمة للدولة، إضافة إلى تشغيل آلاف العمال بصورة مباشرة وغير مباشرة.
واعتبر أن غياب المصافي عن أداء دورها خلال السنوات الماضية كان أحد أهم أسباب تفاقم أزمة الوقود وارتفاع أسعاره، الأمر الذي انعكس بشكل مباشر على مجمل الأوضاع المعيشية. كما أكد أن البلد يمتلك فرصًا واعدة لإحياء قاعدته الصناعية والزراعية التي كانت قائمة في العقود الماضية، شريطة أن تتم إدارة الموارد بشكل فعّال، مع تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
وأضاف الشعيبي أن المناخ الاستثماري في عدن وبقية المحافظات بحاجة ماسة إلى إصلاحات جوهرية تضمن الشفافية والاستقرار، بما يشجع المستثمرين المحليين والدوليين على ضخ أموالهم في مشاريع تنموية وإنتاجية حقيقية. وشدد على أن تحقيق التعافي الاقتصادي لن يكون ممكنًا من دون معالجة التحديات التي تعيق الإصلاحات، وفي مقدمتها الفساد المالي والإداري والتلاعب بالإيرادات العامة، إلى جانب تقليص الاعتماد المفرط على الاستيراد عبر دعم القطاعات الإنتاجية المحلية.
كما لفت إلى أن قطاعات الزراعة والصيد البحري يمكن أن تشكّل رافعة اقتصادية مهمة إذا ما تم استثمار الثروات الطبيعية بشكل علمي ومنظم، وتوفير البنية التحتية والتقنيات اللازمة لتطوير هذه القطاعات. ودعا إلى أن يخرج المؤتمر الاقتصادي بمصفوفة مشاريع واقعية قابلة للتنفيذ، تركز على القطاعات الإنتاجية وتسهم في خلق فرص عمل واسعة.
التحديات
إلى جانب الوعود والطموحات، تبقى مجموعة من التحديات الثقيلة التي تهدد مسار المؤتمرات الاقتصادية المرتقبة في عدن، وعلى رأسها الفساد وتداخل الصلاحيات وضعف الحوكمة، فضلًا عن استمرار الحرب والصراع السياسي. فهذه العقبات تجعل نجاح أي خطة اقتصادية رهينًا بقدرة الدولة على فرض إصلاحات مؤسسية جادة، وتوفير مناخ استثماري مستقر.
وفي هذا السياق، أكدت عضو الهيئة الاقتصادية في المجلس الانتقالي الجنوبي، د. فاطمة باعمر، أن الاستثمار يمثل المحرك الأساسي لأي نمو اقتصادي أو اجتماعي، مشيرة إلى أن تشغيل الأيدي العاملة يعتمد بدرجة كبيرة على جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية وتوطين الصناعات والمعارف التكنولوجية.
وأضافت باعمر في حديثها لمركز سوث24 أن غالبية دول العالم تسعى إلى استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية من خلال توفير المزايا والتسهيلات والضمانات اللازمة، لكن رأس المال بطبيعته يتسم بالحذر، ويشترط قبل أي شيء وجود الأمن والاستقرار والبنية التحتية والقوانين الواضحة.
وأوضحت أن عقد المؤتمرات الاقتصادية ودعوة رجال المال والأعمال يعدّ من أبرز الوسائل لتسويق وترويج الفرص الاستثمارية، لافتة إلى أن الخطط المطروحة في عدن تستهدف عرض فرص واعدة في مجالات الصناعة والنفط والزراعة والسمك والسياحة واللوجستيات، مستفيدة من تنوع تضاريس البلاد وموقعها الاستراتيجي وامتلاكها لموانئ مهمة على خط الملاحة الدولية لم تُستغل بعد بالشكل المطلوب.
وشددت باعمر على أن المؤتمر سيعمل على تحديد أبرز المعوقات والصعوبات التي يواجهها المستثمرون مع طرح الحلول المناسبة، مؤكدة أن نجاحه يتطلب إشراك القطاع الخاص والترويج الفاعل له.
لكن باعمر حذرت من العوامل المهددة للاستثمار. وأشارت إلى أن بعض المستثمرين الذين قدموا بالفعل وبدأوا مشاريعهم واجهوا عراقيل حتى من قبل السلطات، الأمر الذي يجعل أي مستثمر يتردد ألف مرة قبل ضخ أمواله. وأكدت أن الحل يكمن في تطبيق نظام النافذة الواحدة، بحيث يتم اختصار الإجراءات أمام المستثمرين، مع الاستفادة من تجارب الآخرين والانطلاق من حيث انتهوا كشرط أساسي لنجاح أي تجربة استثمارية في عدن.
بدوره، أقر وكيل وزارة التخطيط منصور زيد أن ضعف القدرات المادية، وقصور كفاءة وخبرة الموارد البشرية، إلى جانب استمرار الحرب واستشراء الفساد في مؤسسات الدولة، تمثل أبرز العراقيل، لكنه شدّد في الوقت نفسه على أن هذه التحديات قابلة للتجاوز من خلال الإرادة الصادقة ومزيد من تطبيق مبادئ الحوكمة، فضلًا عن الدعم الفني المتوقع من الشركاء الدوليين، وفي مقدمتهم البنك الدولي.