دراسات

أزمة المياه في تعز: بين الفشل المؤسسي وحصار الحوثيين

غلاف الدراسة

آخر تحديث في: 13-09-2025 الساعة 2 مساءً بتوقيت عدن

سوث24 | دراسة 


كشف مركز "سوث24 للأخبار والدراسات"، السبت، في دراسة ميدانية أعدتها الباحثة نهى عبدالله، عن أبعاد أزمة المياه في مدينة تعز التي تحولت إلى معضلة إنسانية مزمنة منذ سنوات الحرب والحصار، مؤكدة أنّ المشكلة تتجاوز ندرة الموارد لتشمل فشل الحوكمة وغياب الإدارة المستدامة.


وأوضحت الدراسة أنّ تعز كانت تعتمد قبل الحرب على أربعة حقول رئيسية تضم نحو 88 بئرًا وتوفر أكثر من 20 مليون لتر يوميًا، غير أنّ معظمها توقف عن العمل بسبب وقوعه في خطوط التماس أو خضوعه لسيطرة الحوثيين. وقال المهندس سمير عبد الواحد، المدير السابق لمؤسسة المياه في تعز: "الحصار ليس جغرافيًا فقط، بل مائي أيضًا؛ فقد تحولت الحقول إلى نقاط اختناق منذ 2015".


ولفتت الدراسة إلى أنّ اعتماد المدينة على آبار إسعافية محدودة الإنتاجية (3 ملايين لتر يوميًا فقط) فتح الباب أمام سوق سوداء تُباع فيها المياه بأسعار باهظة تصل إلى 75 ألف ريال لصهريج 6000 لتر، أي ما يعادل نحو 79% من راتب معلم حكومي.


كما تناولت الدراسة مشروع مياه الشيخ زايد الممول من الإمارات في حقل طالوق، والذي كان من المقرر أن يزوّد تعز بـ 7 ملايين لتر يوميًا، لكنه تعثر بسبب خلافات اجتماعية وفنية، واتهامات بغياب الدراسات العلمية والشفافية. وأشارت إلى أنّ ستة آبار حفرت ضمن المشروع لم تدخل حيز التشغيل حتى اليوم.


وبحسب شهادات ميدانية، ساهم التوسع العشوائي في زراعة القات في استنزاف الأحواض المائية، إلى جانب غياب الرقابة على حفر الآبار الخاصة. وقال أحد سكان وادي الضباب: "كنا نشرب من هذه الينابيع ونروي مزارعنا، اليوم صارت الأرض عطشى مثلنا"، في إشارة إلى التحولات البيئية التي فاقمت الأزمة.


توصيات استراتيجية


أوصت الدراسة بجملة حلول شاملة أبرزها:


أولًا: على المستوى المؤسسي


- إعادة هيكلة مؤسسة المياه والصرف الصحي في تعز لتتحول من جهاز هشّ إلى كيان إداري مرن وفعّال يتمتع بالاستقلالية المالية والإدارية.


- إنشاء هيئة رقابية مستقلة تضم خبراء فنيين وممثلين عن المجتمع المدني وجهات بيئية متخصصة، تتولى مراقبة تنفيذ مشاريع المياه وضمان الشفافية والمساءلة.


ثانيًا: على المستوى الفني


- إجراء دراسة هيدرولوجية حديثة للأحواض المائية، خاصة حوض الضباب والأحواض المجاورة، لتحديد الحدود الآمنة للسحب ومناطق الشحن الطبيعي.


- تحديث شبكات المياه القديمة عبر إدخال تقنيات حديثة تقلل الفاقد مثل العدادات الرقمية وأنظمة كشف التسربات.


ثالثًا: على المستوى البيئي


- فرض تقييم بيئي إلزامي قبل تنفيذ أي مشروع جديد، بما في ذلك مراجعة مشروع "الشيخ زايد" للتأكد من توافقه مع المعايير البيئية.


- إطلاق برامج لإعادة تأهيل الأحواض المائية عبر تشجير السفوح الجبلية وزراعة نباتات قادرة على تعزيز امتصاص التربة للمياه وتقليل الانجراف.


رابعًا: على المستوى المجتمعي


- إشراك المجتمع المحلي في إدارة الموارد المائية عبر تشكيل مجالس مجتمعية للمياه في الأحياء المتضررة، لتكون حلقة وصل بين المواطنين والمؤسسة.


- إطلاق حملات توعوية واسعة في المدارس والمساجد والإعلام المحلي لترسيخ ثقافة الترشيد وربط الاستخدام الرشيد بالمسؤولية الوطنية.


خامسًا: على المستوى الاستراتيجي


- الانتقال من الحلول الإسعافية المؤقتة إلى إعداد خطة عشرية (10 سنوات) لإدارة موارد المياه، ترتكز على تنويع المصادر بما في ذلك مشاريع تحلية مياه البحر.


- دمج البعد المناخي في السياسات المائية من خلال ربط خطط المياه بخطط التكيّف مع التغيرات المناخية.


وأكدت الباحثة نهى عبدالله أنّ ما تحتاجه تعز اليوم ليس صهاريج نجاة مؤقتة أو إسعافية، بل رؤية استراتيجية طويلة الأمد تحفظ حق المواطنين في قطرة ماء نظيفة ومستدامة.


مشيرة إلى أنّ المياه "لم تعد مجرد مورد خدمي، بل عنوانًا للكرامة الإنسانية، وشرطًا لازمًا لإعادة بناء الحياة في مدينة أنهكتها حرب ميليشيا الحوثي وأرهقتها الإدارة السيئة."


وبحسب الدراسة، فالعمل بهذه التوصيات يمكن أن يحدث تحولاً جذريًا في واقع المياه بتعز؛ فبدلًا من الحلول الإسعافية المكلفة وغير المستدامة، يمكن أن تُبنى منظومة مائية لامركزية تعتمد على الجمع الذكي للمياه، وتوزيعها بعدالة، بما يُقلل الفاقد، ويُضاعف الكفاءة، ويمنح السكان دورًا مباشرًا في صيانة وإدارة مصادرهم الحيوية.


- لتحميل الدراسة اضغط هنا (أزمة المياه في تعز: بين الفشل المؤسسي وحصار الحوثيين)

- تأليف: نهى عبد الله، باحثة متخصصة في القضايا الاجتماعية والدفاع عن قيم العدالة والسلام

- هذه الدراسة ضمن مشاريع القضايا المناخية وتقاطعاتها مع النساء وذوي الإعاقة، التي ينفذها مركز سوث24 بتمويل من صندوق العمل العاجل (Uregnt Action Fund)

شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا