دراسات

سلسلة الهوية الدينية في جنوب اليمن: من الاستعمار إلى الدولة المستقلة (1839–1990)

غلاف الدراسة: تصميم أحمد البنا - مركز سوث24

آخر تحديث في: 27-07-2025 الساعة 1 مساءً بتوقيت عدن

عدن | مركز سوث24


أصدر مركز سوث24 للأخبار والدراسات الجزء الثاني من سلسلته البحثية حول الهوية الدينية في جنوب اليمن، والذي أعدته الباحثة فريدة أحمد تحت عنوان "من الاستعمار البريطاني إلى الدولة المستقلة (1839-1990)". 


وتواصل الدراسة استكمال الجزء الأول الذي تناول السياق التاريخي ومرحلة ما قبل الإسلام والعهد العثماني، لكنها تُركز هنا على التحولات العميقة التي شهدها الجنوب خلال فترتي الاستعمار البريطاني والحقبة الاشتراكية، وتأثير هذه التحولات على البنية الدينية والاجتماعية.


وتوضّح الباحثة أنّ "الوجود البريطاني في عدن جلب معه مظاهر التحديث العمراني والتجاري، لكنه فرض واقعاً استعمارياً أثر على البنية الدينية والاجتماعية للسكان"، مشيرة إلى أنّ عدن "كانت نسيجاً فريداً من الأعراق والأديان، حيث تعايش العرب والهنود واليهود والصوماليون وغيرهم في تناغم نسبي، ما جعل المدينة مركزاً للتنوع الثقافي والديني."



التنوع الديني ودور القيادات الدينية


وترصد الدراسة الدور المحوري للمذهب الشافعي والصوفية في الجنوب، حيث تؤكد أن "المذهب الشافعي تميز بالوسطية والقدرة على الاندماج في مختلف السياقات الاجتماعية والثقافية، ما ساعد على التماسك المجتمعي"، بينما لعبت الزوايا والأربطة الصوفية في حضرموت وعدن دوراً رئيسياً في الحفاظ على الهوية الإسلامية.


وتشير الباحثة إلى أنّ "الجمعية الإسلامية الكبرى، التي تأسست عام 1949، كانت أول تنظيم ديني سياسي في عدن، وأسهمت في الدفاع عن الهوية العربية والإسلامية في مواجهة التأثيرات الثقافية الاستعمارية". كما تطرقت إلى تأسيس "المركز الثقافي الاجتماعي الإسلامي" عام 1966 باعتباره تطوراً تنظيمياً للنشاط الإسلامي في عدن.


الأقليات والأديان الأخرى


وتناولت الدراسة حضور الأقليات الدينية مثل البهرة، والهندوس، واليهود، والمسيحيين، ودورهم في إثراء الحياة الثقافية والاقتصادية في عدن. 


وتشير الدراسة إلى أنّ " المجتمع الهندوسي تواجد بكثافة نتيجة العلاقات التجارية الوثيقة بين ميناء عدن ومومباي [في الهند]، وانتشرت المعابد الهندوسية في مناطق كريتر والتواهي".


وفيما يخص الوجود اليهودي، أوضحت الدراسة أن "الجالية اليهودية في عدن بلغت ذروتها في أربعينيات القرن الماضي، حيث كان لهم دور اقتصادي بارز قبل أن تؤدي أحداث الشغب عام 1947 والهجرة القسرية بعد النكسة إلى تراجع وجودهم بشكل كبير".


وفيما يتعلق بالمسيحية، وصفت الدراسة عدن بأنها "المدينة الوحيدة في شبه الجزيرة العربية التي احتضنت كنائس مسيحية نشأت في العهد البريطاني، مثل كنيسة سانت جوزيف وسانت أنتوني، لكنها اقتصرت على خدمة الجاليات الأجنبية دون تأثير على السكان المحليين".


وترى الدراسة أن البريطانيين أحدثوا تحولاً في بنية التعليم والإدارة، حيث أنشأوا مدارس وإرساليات تبشيرية، "غير أن هذه المدارس قوبلت بريبة من الأهالي، الذين تمسكوا بالكتاتيب والمساجد لتعليم أبنائهم أصول الدين". كما قامت الإدارة البريطانية "بإعادة هيكلة النظام القضائي واستبدال النفوذ التقليدي للعلماء والشيوخ بمؤسسات حديثة مرتبطة بالسلطة الاستعمارية".



الحقبة الاشتراكية (1967-1990)


تُفصّل الدراسة في التحولات الدينية التي شهدها الجنوب عقب الاستقلال وقيام الدولة الاشتراكية. فقد "أقدمت السلطات على تأميم الأوقاف في عام 1968، وفرضت قوانين جديدة للأحوال الشخصية، أبرزها قانون الأسرة لعام 1974". وتشير الباحثة إلى أن "السلطات الاشتراكية سعت إلى تقليص دور الدين في الحياة العامة، وأخضعت المؤسسات الدينية لرقابة الدولة، مما دفع بعض القيادات الدينية لإحياء حلقات تعليمية غير رسمية في حضرموت ومناطق أخرى».


ملامح التحوّل الديني في جنوب اليمن وتأثيراته خلال العهد الاشتراكي

مملامح التحوّلالتأثير
1قيام الحزب الاشتراكي بتأميم الأوقاف عام 1968.تقليل الاستقلالية المالية للمؤسسات الدينية، ونقل ملكية الأوقاف إلى الدولة للحد من نفوذ هذه المؤسسات.
2تطوير المناهج التعليمية بما يتماشى مع الأيديولوجية الاشتراكية.التركيز على العلوم والتقليل من الاهتمام بالدراسات الدينية، وإرسال بعثات دراسية للاتحاد السوفيتي.
3تحجيم المعاهد الدينية ودمجها في مؤسسات تعليمية حكومية.تقليص دور التعليم الديني المستقل، ودمج المدارس الدينية في النظام التعليمي الحكومي.
4تأسيس قانون الأسرة عام 1974التأثير على جوانب الزواج والطلاق وتقييد تعدد الزوجات في الدين الإسلامي.
5تأسيس قانون الأحوال الشخصية 1978منع الزواج المبكر ووضع قيود على الطلاق العشوائي.
6بناء جيل جديدتنشئة وتعبئة شعبية وتغيير القيم الدينية والاجتماعية للشباب من خلال تلقين مبادئ الاشتراكية، بهدف بناء جيل يتوافق مع أهداف الدولة.

المصدر: مركز سوث24

© 2025 مركز سوث24 للأخبار والدراسات - جميع الحقوق محفوظة


النتائج الختامية


وخلصت الدراسة إلى عدة نتائج جوهرية، أبرزها:


1- إنّ الاستعمار البريطاني أدى إلى تحولات اجتماعية وسياسية عميقة في مدينة عدن، ولكن في الوقت نفسه، لم يغير من طبيعتها كمدينة متنوعة ثقافياً ودينياً، حيث تعايشت مختلف الجنسيات والأديان بتسامح.


2- شكّل الاستعمار البريطاني في جنوب اليمن منعطفاً حاسماً في تاريخ التعليم والمؤسسات الدينية في المنطقة. ففي حين كانت الكتاتيب والمساجد تمثل النموذج التعليمي التقليدي، وتركز على تعليم القرآن والشريعة الإسلامية، سعت الإرساليات التبشيرية البريطانية إلى إنشاء مدارس حديثة باللغة الإنجليزية، بهدف نشر التعليم الغربي والتأثير على الهوية الدينية للسكان المحليين.


 وفي الوقت نفسه، عملت الإدارة البريطانية على تقويض نفوذ المؤسسات الدينية التقليدية، وتقليص دور العلماء والشيوخ في إدارة الشؤون العامة، واستبدالهم بمؤسسات حديثة تابعة للسلطة الاستعمارية. 


3- شكّل الإسلام محوراً أساسياً في تنظيم جهود المقاومة ضد الاستعمار البريطاني في عدن، تجلى ذلك في تأسيس الجمعية الإسلامية الكبرى عام 1949، والتي ضمت شخصيات بارزة دافعت عن الهوية العربية والإسلامية للمدينة. ورغم ردود الفعل المجتمعية الرافضة للتأثير على الهوية الدينية الإسلامية، اتسم المشهد الديني في جنوب اليمن بالتسامح والتعايش بين مختلف الطوائف، مما ساهم في تشكيل الهوية الثقافية والاجتماعية.


4- شكّل المذهب الشافعي دعامة أساسية للهوية الدينية والاجتماعية في جنوب اليمن، وأسهم في ترسيخ التماسك المجتمعي والتعددية الثقافية، وقد ساعدت مرونته الفقهية واعتداله على تسهيل التعايش بين مكونات المجتمع. كما لعبت الصوفية دوراً محورياً في نشر هذا المذهب وتعزيزه عبر المؤسسات التعليمية والدينية في حضرموت وعدن وغيرها. 


وأسفر هذا التفاعل عن تشكّل بيئة دينية تتسم بالانفتاح والتماسك، وهي سمة ظلت سائدة إلى أن بدأت المنطقة تشهد تحوّلات ملحوظة مع تغير ملامح الخطاب الديني، وأثر ذلك بالمحصلة على جنوب اليمن. 


5- في فترة العهد الاشتراكي، شهد جنوب اليمن تحولات سياسية واجتماعية وأحدثت معها السلطة تغييرات جذرية في النظام الإداري والاقتصادي، مما أدى إلى نزوح الطبقات الثرية وتراجع التنوع الاجتماعي في عدن، وانتقال القيادة الاقتصادية إلى الطبقة الوسطى التي كانت تعتمد على الدولة.

 

6- سعى النظام الاشتراكي في جنوب اليمن إلى إحداث تحول جذري في المجتمع عبر فرض أيديولوجية ماركسية، وتقويض دور المؤسسات الدينية، وتغيير المناهج التعليمية، إلا أنّ التدين الشعبي ظل قوياً، ولم يتمكن النظام من تغيير الهوية الدينية للسكان.


وتؤكد الدراسة في ختامها أن الهوية الدينية لجنوب اليمن تشكلت من خلال التعايش بين المذاهب والأديان، رغم تأثيرات الاستعمار والاشتراكية، وأن هذه التجارب التاريخية لا تزال تلقي بظلالها على المشهد الراهن.


ومن المتوقع أن يصدر، خلال الأشهر القادمة، عن المركز الجزءين الثالث والرابع، من السلسلة البحثية "الهوية الدينية في جنوب اليمن"، لتغطية الفترة الزمنية بين العام 1990، بعد إعلان الوحدة السياسية بين اليمن الجنوبي واليمن الشمالي، وما أعقبها من أحداث سياسية وحروب عسكرية ألقت بظلالها على المشهد الديني بصورة عميقة، وصولا إلى اليوم.


- هذه الدراسة هي الجزء الثاني من سلسلة بحثية حول "الهوية الدينية في جنوب اليمن"، تم تأليف هذا الجزء بواسطة المديرة التنفيذية لمركز سوث24 فريدة أحمد. 

- لتحميل الجزء الثاني من السلسلة

- لتحميل الجزء الأول من السلسلة

شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا