التحليلات

كيف وظف الحوثيون التصعيد الإقليمي داخلياً؟

أطفال تحت سيطرة الحوثيين يرتدون البزات العسكرية وشعارات الجماعة (صورة من: Privat)

آخر تحديث في: 04-08-2025 الساعة 5 مساءً بتوقيت عدن

"لا يمكن فصل التصعيد الحوثي الإقليمي في البحر الأحمر والهجمات المعلنة ضد إسرائيل عن السياقات الداخلية للجماعة. فبرغم تبنيها خطابًا دعائيًا يركّز على مناصرة القضية الفلسطينية، إلا أن الدوافع الحقيقية تبدو أكثر تعقيدًا.."



مركز سوث24 | محمد فوزي


يطرح إعلان المتحدث العسكري باسم ميليشيا الحوثي يحي سريع عن ما وصفه بمرحلة جديدة من التصعيد ضد إسرائيل، تخوفات بخصوص تداعيات استمرار الهجمات الخاصة بالميليشيا في منطقة البحر الأحمر، واحتمالية عودة الولايات المتحدة لاستهداف الميليشيا اليمنية. لكن العامل المهم الذي لا يتم التركيز عليه كثيرا، هو انعكاس هذا التصعيد على مستوى الداخل اليمني، وأبرز المسارات وربما المكاسب الداخلية التي سعى الحوثيون إلى توظيف هذا التصعيد من أجل تحقيقها.

 

أولاً- الحسابات الداخلية الحوثية


لم يكن التصعيد الحوثي منذ نوفمبر 2023 وحتى اليوم على مستوى منطقة البحر الأحمر، فضلاً عن الاستهداف المتكرر للداخل الإسرائيلي، بمعزل عن حسابات داخلية خاصة بالحوثيين وسعيهم لتعزيز تموضعهم في الداخل اليمني، في إطار  حالة الصراع الممتدة للأزمة اليمنية منذ سنوات. ويمكن القول إنّ هناك مجموعة من الحسابات والمؤشرات الداخلية التي كانت حاضرة في ثنايا هذا التصعيد الحوثي، رغم محاولات الميليشيا اليمنية تصدير سردية "دعم غزة"، ويمكن تناول أبرز هذه الحسابات في ضوء الآتي:


1- توظيف "شعبوية" القضية الفلسطينية: دائماً ما كانت القضية الفلسطينية تمثل أحد المرتكزات الرئيسية للخطاب الإعلامي والدعائي الحوثي، ليس فقط على مستوى الخطابات الخاصة بمسؤولي الجماعة، ولكن حتى على مستوى القنوات والصحف والمواقع ووسائل التواصل الاجتماعي التابعة لهم، أو المحسوبة على الموالين للميليشيا. وكان ملاحظاً أنّ الشعار الرئيسي للميليشيا اليمنية منذ نشأتها هو ((الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام) مع ملاحظة أنّ "الحوثي" يعمد في خطابه الإعلامي إلى الربط بين القضية الفلسطينية والتحالف الاستراتيجي مع إيران وما يُعرف بـ "محور المقاومة".


كذلك عمد الحوثي إلى توظيف الخطاب الديني في إطار هذه السردية، حيث رصدت العديد من التقارير تركيز الحوثيين على روايات أن "الله اصطفى اليمنيين لهزيمة أمريكا"، وأنّ "عبد الملك الحوثي هو ولي الأمر الصالح الذي بعثه الله من أجل تحقيق النصر والصلاح لليمنيين، وتُعتبر طاعته واجبة ويُنظر إلى قيادته كالقيادة الإيمانية الحقة لنصرة اليمن والشعب الفلسطيني".


ولا ينفصل هذا الخطاب الحوثي عن السعي لتحقيق مجموعة من الأهداف الرئيسية، خصوصاً ما يتعلق بتوظيف المشاعر الخاصة بقطاع واسع من الشعب اليمني، وهي المشاعر التي يغلب عليها التضامن مع القضية الفلسطينية ومناهضة إسرائيل، بما يدفع بعض القطاعات من منظور الحوثي إلى التغاضي عن التحديات والتهديدات الأكثر إلحاحاً المرتبطة بمعضلة الحوثي والمناطق التي يسطير عليها، في مقابل إظهار التضامن مع القضية الفلسطينية. أيضاً وفي إطار هذه المسألة يسعى الحوثي إلى خلق نظرة لدى العديد من القطاعات الشعبية العربية والإسلامية بأنه "مجموعة تواجه الصهيونية والقوى الغربية". كذلك تعمد الجماعة الحوثية في ثنايا هذه السردية إلى ترديد ادعاءات ومزاعم ضد الاتجاهات السياسية اليمنية المناوئة للجماعة، على غرار وصفهم بـ "الصهاينة أو المتعاونين مع الغرب".


2- تجنيد مقاتلين جدد في صفوف الميليشيا: منذ السابع من أكتوبر 2023 ومع التصعيد الذي جرى في الأراضي الفلسطينية وفي العديد من دول المنطقة على وقع الحرب في غزة، بدأت ميليشيا الحوثي في توظيف الخطاب الإعلامي الخاص بها فضلاً عن التصعيد الذي تبنته، من أجل تجنيد الآلاف من المقاتلين الجدد. حيث دشن الحوثيون دورات تدريبية مفتوحة تحت مسمى "طوفان الأقصى"، في مختلف محافظات شمال اليمن. وفي نوفمبر وديسمبر 2023، أعلنت ميليشيا الحوثي عن تجنيد 10 آلاف مسلح قبلي في محافظة ذمار، فضلاً عن الإعلان عن تجنيد 15 ألف مقاتل في صعدة، كما أعلنوا عن تجنيد آلاف المقاتلين الآخرين في محافظة عمران، وفي محافظة حجة.


وبشكل عام يمكن القول، إنّ ميليشيا الحوثي اعتمدت على عدد من المداخل الرئيسية في مسألة تجنيد المقاتلين الجدد، خصوصاً العامل الأيديولوجي عبر استغلال الشعارات الخاصة بمناصرة القضية الفلسطينية، والعامل الاقتصادي – الاجتماعي. حيث أدى طول أمد الصراع في اليمن إلى انهيار اقتصادي حاد، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، إلى جانب تفكك شبكات الدعم الاجتماعي التقليدية. وقد وفر ذلك بيئة خصبة لظهور شبكات للتجنيد لصالح الحوثيين. كذلك ساوم الحوثيون العديد من السجناء والمحكومين في المناطق الخاضعة لسيطرتهم على التجنيد نظير حريتهم.


3-التغطية على الانتهاكات الحوثية باليمن: لا يمكن فصل الحسابات الحوثية الخاصة بالتصعيد الإقليمي في البحر الأحمر وضد إسرائيل، عن الانتهاكات المتنامية لحقوق الإنسان التي تُمارس في المناطق الخاضعة لسيطرة الميليشيا اليمنية، على اعتبار أنّ هذا التصعيد الإقليمي – من منظور الحوثي – سوف يقلل من وتيرة التركيز الدولي على هذه الانتهاكات، لحساب التركيز على التهدئة في البحر الأحمر بما يحافظ على المصالح الاستراتيجية للعديد من الدول.


وفي هذا السياق من المهم الإشارة إلى أنّ وتيرة الانتهاكات الحوثية لحقوق الإنسان قد ارتفعت بشكل لافت خلال الفترة من 7 أكتوبر 2023 وحتى اليوم، فعلى سبيل المثال وثقت منظمة "هيومن رايتس ووتش" العديد من الانتهاكات الحوثية خلال الأشهر الأخيرة والتي قالت إنّ بعضها قد يصل إلى "جرائم حرب". كذلك أشار مركز رصد إلى أنه تم توثيق آلاف الانتهاكات الحوثية لحقوق الإنسان في محافظة البيضاء وسط اليمن، أيضاً فقد وثق مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان مئات الانتهاكات الحوثية لحقوق الإنسان خلال العام 2024.


4- زيادة القدرات العسكرية: على عكس الافتراض السائد لدى العديد من التقديرات والدوائر البحثية، بأن الضغوط المفروضة على الحوثيين وعلى إيران بعد الحرب الأخيرة، على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية، ربما تدفع باتجاه تراجع القدرات العسكرية الخاصة بالحوثي وتقليل الدعم، إلا أنّ هناك بعض المؤشرات التي تكشف عن عكس ذلك، بمعنى أن الجماعة الحوثية قد تجنح نحو زيادة قدراتها العسكرية على وقع المتغيرات الإقليمية الأخيرة.


وفي هذا الإطار يمكن الإشارة إلى العملية التي جرت في 17 يوليو 2025،حيث أعلنت المقاومة الوطنية اليمنية عن ضبط شحنة أسلحة إيرانية ضخمة تضم نحو 750 طناً من المعدات والذخائر، كانت في طريقها إلى معاقل ميليشيا الحوثي، ما يكشف عن سعي إيران المتواصل لتهريب الأسلحة إلى وكلائها في اليمن. كذلك فإنّ هناك اعتبار مهم يدعم فرضية توسيع الدعم للحوثيين، يتمثل في أنّ إيران وعلى وقع الخسائر التي لحقت بالعديد من الأذرع الإقليمية لها، خصوصاً حزب الله اللبناني، فإنها سوف تتجه إلى المزيد من الرهان على الحوثيين، خصوصاً وأن الجماعة تكيفت بشكل كبير مع الضربات التي تلقتها، وأثبتت فاعليتها في التخديم على أهداف المحور الإيراني في المنطقة.


5- زيادة المكاسب المالية لميليشيا الحوثي: سعت ميليشيا الحوثي منذ 7 أكتوبر 2023 وحتى اليوم إلى توظيف التداعيات التي ترتبت على عملية طوفان الأقصى والتصعيد الذي شهدته المنطقة، على مستوى زيادة القدرات المالية الخاصة بالجماعة. ويمكن الاستدلال على ذلك من خلال بعض المؤشرات الرئيسية، ففي 18 أكتوبر 2023، أصدر البنك المركزي الخاضع لسيطرة جماعة الحوثيين في صنعاء، تعميماً إلى كافة شركات الصرافة المشغلة لشبكات الحوالات المالية المحلية في مناطق سيطرتهم، بتدشين حملة شعبية باسم "حملة دعم الشعب الفلسطيني" عبر شبكات الحوالات المالية المحلية. وشدد التعميم على أن يتم تقييد أي حوالات مالية باسم "حملة دعم الشعب الفلسطيني" في حساب باسم الحملة، وأن يتم ترحيل إجمالي رصيد التبرعات في بداية يوم العمل التالي إلى حساب الحملة طرف البنك المركزي بصنعاء رقم (60000). ووفق العديد من التقارير فقد جمع الحوثيون خلال تلك الفترة نحو مليار ونصف ريال يمني.


6- تعزيز التموضع في المعادلة اليمنية: لا يمكن الفصل بين التصعيد الإقليمي الحوثي وحسابات الميليشيا اليمنية تجاه المعادلة السياسية في البلاد والأطراف المنخرطة في الصراع اليمني، وذلك على مستويات متعددة. أولها؛ أنه في ظل حالة الاستقطاب الدولي الراهنة وتحول منطقة الشرق الأوسط إلى مسرح للحرب بالوكالة بين العديد من الأطراف الدولية، فإنّ انخراط الحوثي في هذا التصعيد قد يجلب الدعم والرعاية من قبل بعض الأطراف سواءً على مستوى الدعم المباشر للتنظيم أو على مستوى توفير درجة من الحماية والدعم في المحافل الدولية، ما يتجسد في التقارير العديدة التي تحدثت عن تعاون وتنسيق بين الحوثيين والصين وروسيا.


وثانيها أنّ الحوثيين وعبر تصعيدهم الإقليمي، بعثوا رسائل بقدرتهم على تكبيد العديد من دول الجوار خسائر كبيرة، الأمر الذي دفع بالعديد من الأطراف الإقليمية [مثل السعودية] إلى تحييد نفسها نسبياً عن التصعيد ضد الحوثي. وهنا يبدو أن الجماعة الدينية تسعى إلى تعزيز موقعها التفاوضي في أي مباحثات مستقبلية بخصوص الأزمة اليمنية.


وثالثها أنّ الحوثيين وعبر الخطابات الشعبوية المرتبطة بالقضية الفلسطينية والتصعيد ضد أمريكا وإسرائيل، فضلاً عن التصعيد متعدد الأبعاد واستعراض القوة، يسعون إلى بث الرعب في صفوف الاتجاهات السياسية والشعبية المناوئة لهم في اليمن، فضلاً عن تقليص شرعية هذه الاتجاهات ولو على المستوى الشعبي، عبر إظهار أنفسهم وكأنهم المدافع عن السيادة اليمنية.


ثانياً- تكلفة الانخراط الحوثي في التصعيد بالنسبة لليمن


بشكل عام يمكن القول، إنّ الهجمات الحوثية على الملاحة البحرية في البحر الأحمر، فضلاً عن استهداف الداخل الإسرائيلي، حملت العديد من التداعيات السلبية بالنسبة للداخل اليمني، فضلاً عن تأثيرها الضعيف على إسرائيل، والمرتفع نسبياً بالنسبة للملاحة البحرية، ويمكن رصد أبرز هذه التداعيات في ضوء التالي:


·       أدى التصعيد الحوثي في البحر الأحمر وضد إسرائيل إلى تحفيز كلاً من إسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا من قبل على شن هجمات على الأراضي اليمنية، بما أدخل البلاد في حالة من الفوضى، وأدى إلى خسائر كبيرة على مستوى بعض البنى التحتية الأساسية التي يستفيد منها الشعب اليمني. على سبيل المثال قدرت الميليشيا الحوثية الخسائر في ميناء الحديدة جراء الهجمات الأمريكية الإسرائيلية بنحو مليار و400 مليون دولار.


·       تكبد اليمن خسائر اقتصادية كبيرة تجاوزت الـ 6 مليار دولار نتيجة توقف صادرات النفط بسبب هجمات الحوثيين على الموانئ في جنوب اليمن. وجاء ذلك بالتزامن مع احتجاجات تشهدها العديد من المدن اليمنية نتيجة تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية، فضلاً عن تراجع في قيمة العملة المحلية. ورغم ذلك، تمكن الريال اليمني من استعادة أكثر من 30 في المائة من قيمته في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليا خلال أواخر يوليو ومطلع أغسطس الجاري.


·       رفعت إسرائيل خلال الأسابيع الأخيرة على وجه الخصوص من وتيرة استهدافها للمناطق الخاضعة لسيطرة ميليشيا الحوثي في اليمن. ورغم حديث العديد من التقديرات عن صعوبة حصول إسرائيل على معلومات استخباراتية دقيقة عن الحوثيين وغياب شبكات مخابرات إسرائيلية في اليمن، إلا أنّ ذلك قد يكون مقاربة إسرائيلية هدفها جر الحوثيين إلى المزيد من التصعيد، بما يضمن تحقيق هدفين؛ الأول هو تكثيف الهجمات تدريجياً ضد الميليشيا اليمنية، والثاني هو إدخال الولايات المتحدة على خط التصعيد. وفي المحصلة سوف تكون النتيجة المزيد من التداعيات السلبية على الداخل اليمني.


·       على المستوى السياسي، أدى التصعيد الحوثي إلى غلق الباب في المرحلة الراهنة أمام أي تحركات خاصة بتسوية سلمية للأزمة اليمنية. كما أن الجماعة الحوثية أكدت – من خلال التصعيد المستمر - على فكرة أن الحل العسكري هو الخيار المفضل بالنسبة لها. وإذا ما وُضع ذلك جنباً إلى جنب مع تمسك الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي بمواقفهما من عملية السلام، فإن ذلك يعني عملياً استمرار حالة التعقيد والجمود التي تطغى على المسار السياسي في اليمن.


بصورة عامة، لا يمكن فصل التصعيد الحوثي الإقليمي في البحر الأحمر والهجمات المعلنة ضد إسرائيل عن السياقات الداخلية للجماعة. فبرغم تبنيها خطابًا دعائيًا يركّز على مناصرة القضية الفلسطينية، إلا أن الدوافع الحقيقية تبدو أكثر تعقيدًا. فقد سعى الحوثيون من خلال هذا التصعيد إلى تعزيز حضورهم داخل المعادلة اليمنية، وتوسيع هامش الدعم السياسي والعسكري من طهران، فضلاً عن تحسين موقعهم التفاوضي في أي محادثات قادمة بشأن الأزمة اليمنية، عبر توظيف ورقة التصعيد البحري كورقة ضغط للحصول على تنازلات محتملة.


محمد فوزي

خبير في الأمن الإقليمي. باحث غير مقيم في مركز سوث24 للأخبار والدراسات


شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا