التحليلات

تحول في المحور: مستقبل الحوثيين في ظل نزيف إيران

الذكاء الاصطناعي (بواسطة مركز سوث24)

آخر تحديث في: 29-06-2025 الساعة 6 مساءً بتوقيت عدن

"لا يمكن فهم العلاقة بين إيران والحوثيين دون فهم الدور المحوري للحرس الثوري، الذي يمثل الأداة العسكرية والسياسية الرئيسية لتنفيذ سياسات طهران الإقليمية.."


مركز سوث24 | إبراهيم علي


شهدت الأسابيع الماضية تصعيدًا عسكريًا واسع النطاق استهدف بنية النظام الإيراني، من قبل كل من إسرائيل والولايات المتحدة، في إطار مواجهة متصاعدة تهدف إلى القضاء على مشروع إيران النووي وتحجيم نفوذها الإقليمي. 


هذه الضربات، التي طالت مواقع عسكرية ومنشآت استراتيجية داخل إيران، تمثل تحولًا نوعيًا في الضغط العسكري الغربي على طهران، وقد تُفضي إلى إضعاف قدراتها على تمويل ودعم أذرعها المسلحة في المنطقة، وعلى رأسها جماعة الحوثي في اليمن.


تعد جماعة الحوثي إحدى أبرز الأذرع الإقليمية التي تعتمد على الدعم الإيراني، سواء من حيث التدريب أو التسليح أو التوجيه السياسي والإعلامي. 


وقد استفادت الجماعة بشكل كبير من غطاء إيران الإقليمي طوال السنوات الماضية، ما مكنها من تثبيت نفوذها في مناطق واسعة من اليمن، وتنفيذ هجمات عبر الحدود، بما في ذلك استهداف الملاحة الدولية في البحر الأحمر، وشن هجمات على إسرائيل.


غير أن هذا الدعم مرهونٌ إلى حد كبير بقدرة إيران على الحفاظ على خطوط الإمداد والاستمرار في دورها الداعم، وهو ما أصبح موضع شك في ظل الضربات الأخيرة، والتي يبدو أنها ستعود رغم وقف إطلاق النار.


من هذا المنطلق، تثير التطورات الراهنة تساؤلات جادة حول مستقبل جماعة الحوثي، وما إذا كانت ستتمكن من الاستمرار بالقوة نفسها دون الغطاء الإيراني الفاعل، أم أنها ستدخل مرحلة من التراجع الاستراتيجي نتيجة تقلص الدعم الخارجي المحتمل، أم أنها ستبحث عن مصادر بديلة للتحالفات والمساندة. 


هذا التقرير يحاول استشراف ملامح المرحلة القادمة لجماعة الحوثي في ظل المتغيرات الإقليمية المتسارعة.


الحرس الثوري حجر الزاوية 


لا يمكن فهم العلاقة بين إيران والحوثيين دون فهم الدور المحوري للحرس الثوري، الذي يمثل الأداة العسكرية والسياسية الرئيسية لتنفيذ سياسات طهران الإقليمية. 


منذ صعود الحوثيين كقوة مؤثرة في اليمن، كان الحرس الثوري هو المحرك الأساسي الذي مكّنهم من تعزيز نفوذهم العسكري والسياسي. ولم يقتصر هذا الدعم على الجانب المالي فحسب، بل شمل أيضا نقل التقنيات العسكرية المتطورة، وتدريب العناصر في معسكرات داخل إيران أو عبر وكلاء إقليميين.


فقد زوّد الحرس الثوري الحوثيين بصواريخ باليستية وطائرات مسيّرة، كما لعب دورًا مباشرًا في تخطيط العمليات العسكرية، من خلال تقديم استراتيجيات معقدة للاستهداف وتكتيكات قتالية غير تقليدية. 


بالإضافة إلى ذلك، عمل الحرس كقناة اتصال بين القيادة الإيرانية العليا والحوثيين، حيث نقل التوجيهات الاستراتيجية التي تخدم مصالح طهران الإقليمية.  كما ساهم في بناء الهيكل التنظيمي للجماعة، وتعزيز ولاء قياداتها لإيران، مما جعل الحوثيين امتدادا عضويا للنفوذ الإيراني في المنطقة.


وخلال الأعوام الماضية، أرسلت إيران عددًا من كبار قادة الحرس الثوري إلى اليمن، منهم العقيد رضا باسيني والقائد علي الرجبي، للإشراف على العمليات العسكرية للحوثيين.


وفي عام 2017، أوفدت طهران فريقًا عسكريًا متخصصًا بقيادة بهرام رحناما لتصنيع الأسلحة محليًا داخل اليمن، مما عزز قدرات الحوثيين القتالية. كما تلقى أكثر من 1100 عنصر حوثي تدريبًا في معسكرات الحرس الثوري بإيران، بينما يتدرب 250 آخرون في حامية قوة القدس في همدان. وقد استخدمت البحرية الإيرانية طرقًا سرية لنقل الأسلحة إلى الحوثيين عبر موانئ مثل بوشهر، تحت غطاء مكافحة القرصنة.


كما قدّمت إيران في 2016 دعمًا ماليًا للحوثيين يقدر بنحو 90 مليون دولار، بالإضافة إلى أسلحة متطورة، وهو ما أكدته تقارير استخباراتية غربية.


ضمن جهود الضغط المالي على طهران، فرضت وزارة الخزانة الأميركية مؤخرا حزمة من العقوبات هي الأوسع ضد شبكة تمويل حوثية – إيرانية، اتهمت باستخدام أدوات مالية متطورة تشمل العملات المشفرة، وشركات شحن وهمية، ومكاتب صرافة في الصين وماليزيا، لغسل الأموال وشراء مكونات عسكرية متقدمة.


أبرز الأسماء في هذه الشبكة كان سعيد الجمل، المسؤول المالي البارز المدعوم من الحرس الثوري – فيلق القدس، إلى جانب هاشم إسماعيل المدني محافظ البنك المركزي الحوثي في صنعاء، وأحمد محمد الهادي، المكلّف بتنسيق حركة الأموال وتوزيعها داخل اليمن.


كما شملت العقوبات كذلك محمد علي من شركة الثور للصرافة، وخالد الحازمي، وعبدالله الجمل، لدورهم في تمويل الجماعة عبر عمليات معقدة مرتبطة ببيع النفط الإيراني.


على المستوى اللوجستي، أشارت واشنطن إلى مسؤولين بارزين مثل وائل الودود وعمر الحاج، ممن تولوا تسهيل عمليات التهريب عبر القرن الأفريقي، مستخدمين شركات شحن مثل "صفوان دبي" في الصين و"تيفكاس مارين" في ماليزيا.


ومنذ بداية حرب غزة في أكتوبر 2023، عزز الحرس الثوري الإيراني دعمه العسكري والاستخباري للحوثيين، كجزء من استراتيجية طهران لتعزيز نفوذها عبر "محور المقاومة". 


وتشير المصادر إلى وجود ضباط إيرانيين ولبنانيين من حزب الله في اليمن، يشرفون مباشرة على هجمات الحوثيين ضد الملاحة في البحر الأحمر، ويقدمون بيانات استخباراتية لاستهداف السفن المرتبطة بإسرائيل.


تمثل الدعم الإيراني في تزويد الحوثيين بأسلحة متطورة، مثل الطائرات المسيّرة عالية الدقة، وصواريخ كروز مضادة للسفن، والصواريخ الباليستية، مما مكّنهم من استهداف سفن تجارية منذ نوفمبر 2023 تحت ذريعة "التضامن مع غزة". كما درب الحرس الثوري عناصر حوثية في إيران على استخدام هذه الأسلحة قبل عودتهم إلى اليمن.


إلى جانب ذلك، أنشأ الحرس مركز قيادة في صنعاء لإدارة هجمات البحر الأحمر، يشرف على اختيار الأهداف وتنفيذها. وأكدت مصادر أمريكية وعسكرية أن المعلومات الاستخباراتية الإيرانية كانت حاسمة في دقة ضربات الحوثيين.


هل يتراجع النفوذ؟


في الوقت الراهن، يواجه الدعم الإيراني للحوثيين تحديات غير مسبوقة، أبرزها الضربات الإسرائيلية والأمريكية الأخيرة التي استهدفت منشآت نووية وعسكرية إيرانية حساسة، بالإضافة إلى اغتيال كبار قادة الحرس الثوري. ورغم أن هذه الضربات لم تُحدث انهيارًا كاملًا في البنية التحتية العسكرية الإيرانية، إلا أنها قد تلحق أضرارا كبيرة بقدرات طهران على التنسيق الفعال مع أذرعها الإقليمية، ومن بينها جماعة الحوثي.


ولا شك أن استهداف مراكز القيادة والتخطيط داخل إيران، خاصة تلك التابعة لـ "فيلق القدس" - الذراع الخارجية للحرس الثوري - سيعرقل عمليات نقل الأسلحة والتوجيهات الاستخباراتية إلى الحوثيين. كما أن تعطيل شبكات الاتصال والتمويل سيبطئ من وتيرة الدعم، مما يزيد من صعوبة الحفاظ على التنسيق الميداني بين طهران وصنعاء. 


ولا شك أيضا أنَّ استمرار هذه الضربات دون تطوير إيران لآليات بديلة قد يؤدي إلى تراجع تدريجي في نفوذها، لا سيما إذا تمكنت إسرائيل والولايات المتحدة من تعطيل خطوط الإمداد البحري والجوي التي تعتمد عليها الجماعة الحوثية.


إلى جانب التحديات العسكرية، تواجه إيران ضغوطا اقتصادية وسياسية داخلية، حيث تشهد البلاد أزمات مالية متصاعدة بسبب العقوبات الدولية، مما قد يُضعف قدرتها على تمويل الحوثيين بالمستوى نفسه. 


وفي حال استمرار هذا المسار، قد يضطر الحوثيون إلى البحث عن مصادر دعم بديلة، سواء عبر تحالفات إقليمية جديدة أو تعزيز قدراتهم الذاتية في تصنيع الأسلحة. 


لكنَّ أي تراجع ملحوظ في الدعم الإيراني قد يعرض الجماعة لاختبارات صعبة، سواء على الصعيد العسكري في مواجهة القوات اليمنية المدعومة من التحالف العربي، إن عادت الحرب، أو على المستوى السياسي في ظل تنامي السخط الشعبي جراء تدهور الأوضاع الاقتصادية في مناطق سيطرتهم.


وفي حين لا تزال إيران تحتفظ بقدر كبير من النفوذ في اليمن، فإن تراكم هذه التحديات قد يمثل نقطة تحول في العلاقة بين طهران والحوثيين، ما قد يعيد تشكيل تحالفات المنطقة ويضعف من قدرة إيران على استخدام "الحوثيين" كورقة ضغط في الصراعات الإقليمية.


تداعيات التراجع الإيراني 


في حال تراجعت قدرات إيران كثيرا بفعل الضربات المتتالية والضغوط الدولية، فإن جماعة الحوثي قد تجد نفسها أمام واقع جديد يتسم بالتعقيد والتحديات المتزايدة. فعلى مدار سنوات، شكّلت إيران الحاضنة الأبرز للجماعة، ووفّرت لها مقومات الاستمرار سياسيًا وعسكريًا، ما يجعل أي خلل في هذا الدعم مؤثرا على مجمل أدائها ووجودها.


أولى التداعيات المحتملة تتجلى في تراجع القدرات العسكرية للحوثيين، إذ يعتمدون بشكل شبه كامل على الدعم اللوجستي والتقني الإيراني، خاصة في مجال الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية. ومع تعثّر خطوط الإمداد أو تراجعها، ستفقد الجماعة كثيرا من زخمها العسكري، وقد تصبح أقل قدرة على المناورة في الجبهات أو تنفيذ هجمات نوعية.


إلى جانب ذلك، من غير المستبعد أن يشهد الداخل الحوثي اضطرابات تنظيمية وصراعات على النفوذ، لا سيما وأن طهران كانت تمارس دورًا محوريًا في ضبط التوازن بين الأجنحة المختلفة داخل الجماعة. غياب هذا الدور قد يفضي إلى احتكاكات داخلية وتنازع في القيادة، ما سيضعف وحدة الجماعة ويزيد من هشاشتها التنظيمية.

على الصعيد السياسي، فإن الحوثيين مرشحون لمزيد من العزلة الإقليمية والدولية، وقد يفقدون تدريجيًا جزءًا من التأييد الشعبي الذي استند في جزء منه إلى صورة "المقاومة المدعومة من محور إقليمي قوي". أما في ظل تدهور اقتصادي ومعيشي متصاعد، فسيصبح من الصعب تبرير استمرار مشروعهم السياسي أو إقناع الشارع بمصداقيته.


البحث عن بدائل


وفي ظل تصاعد الضغوط على إيران وتراجع قدرتها على دعم حلفائها، قد تسعى جماعة الحوثي إلى تنويع تحالفاتها الخارجية، بحثا عن بدائل استراتيجية تسد الفراغ الذي قد تخلفه طهران. من أبرز الخيارات المطروحة تعزيز العلاقات مع قوى كبرى مثل روسيا أو الصين، في ظل ما يُعتقد أنه تقاطع في المصالح حول تقليص النفوذ الأمريكي في المنطقة، وهو ما ظهر جزئيًا خلال حرب غزة، حين اتهمت واشنطن الصين بتقديم دعم غير مباشر للحوثيين.


رغم هذا الطموح، فإن الرهان على موسكو أو بكين لا يخلو من التحديات. إذ تفتقر هذه الدول إلى الحماس للانخراط في صراع معقّد كاليمن، خاصة في ظل التكاليف السياسية والإنسانية الباهظة، كما أن المسافة الجغرافية وقلة الروابط التاريخية أو اللوجستية الفعالة تجعل من هذا الدعم – إن وُجد – محدودًا ومشروطًا.


في نهاية المطاف، يظل خيار التحالف مع قوى كبرى مقيدًا باعتبارات الجغرافيا والسياسة الدولية، كما أن الحوثيين لا يملكون أوراق ضغط كافية لفرض أنفسهم كحليف ضروري لهذه الدول. ما يعني أن البحث عن بدائل واقعية ومستدامة للدعم الإيراني قد يكون مهمة صعبة، إن لم تكن مستحيلة في المدى القريب.


مستقبل غامض


رغم أن الضربات الأمريكية والإسرائيلية الأخيرة لم تُسقط الدعم الإيراني للحوثيين بشكل فوري، إلا أنها ستضع طهران في موقف دفاعي وستربك حسابات الحرس الثوري، ما قد يُترجم إلى تراجع تدريجي في حجم وتأثير الدعم الموجه لأذرعها الإقليمية، وعلى رأسها جماعة الحوثي. هذا التحول يفرض على الجماعة خيارات صعبة، بين البحث عن بدائل دولية محفوفة بالعقبات، أو محاولة بناء قدرات ذاتية في بيئة معقدة ومفتقرة للموارد.


وفي ظل هذه المعطيات، يبدو مستقبل الحوثيين محاطًا بالضبابية، خاصة إذا استمرت الضغوط على إيران وتزايدت التحديات الداخلية للجماعة. الأشهر القادمة ستكون حاسمة في تحديد ما إذا كانت الجماعة قادرة على التكيف مع الواقع الجديد، أم أنها ستدخل في مسار تراجعي قد يفضي إلى تقليص نفوذها محليًا وإقليميًا.


إبراهيم علي

اسم مستعار لباحث غير مقيم في مركز سوث24. متخصص في شؤون الجماعات المسلّحة. أخفى هويته لأسباب شخصية.



شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا