المؤتمر الصحفي لترامب في البيت الأبيض بشأن الضربات على إيران – 22 يونيو 2025 (أسوشيتد برس)
آخر تحديث في: 23-06-2025 الساعة 3 مساءً بتوقيت عدن
|
مركز سوث24 | محمد فوزي
أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فجر الأحد بأن الولايات المتحدة قامت بقصف ثلاثة مواقع نووية إيرانية هي فوردو ونطنز وأصفهان، وأكد "ترامب" أنّ المنشآت الثلاث "دُمرت بشكل تام وكامل" وأصدر تحذيراً لإيران في كلمة من البيت الأبيض، قال فيه إنّ "على إيران أن تختار بين السلام أو المأساة، ستكون الضربات أشد وأعنف مما شهدناه خلال الأيام الثمانية الماضية. تذكروا لا تزال هناك أهداف كثيرة متبقية". وتطرح هذه الضربات الأمريكية تساؤلات عديدة بخصوص دلالاتها خصوصاً وأنها جاءت كاستباق لمهلة الأسبوعين التي حددها "ترامب" لإيران، فضلاً عن تساؤلات مرتبطة بتداعياتها على مسار التصعيد الراهن.
أولاً- رسائل الضربات الأمريكية
جاءت الضربات الأمريكية على إيران مفاجئةً لكافة التقديرات والدوائر السياسية في العالم، على اعتبار أنها استبقت مهلة الأسبوعين التي حددها "ترامب" لإيران قبل أيام، وقد عبرت الضربات الأمريكية إجمالاً عن انخراط أمريكي مباشر في التصعيد الجاري في المنطقة بين إسرائيل وإيران. وفي هذا السياق حمل هذا الهجوم الأمريكي مجموعة من الدلالات والرسائل المهمة:
1- ممارسة الخداع الاستراتيجي ضد إيران: مارست الولايات المتحدة مناورة تكتيكية ضد إيران، في إطار ما يمكن تسميته بـ "الخداع الاستراتيجي"، وذلك من خلال مستويين رئيسيين، الأول أن ترامب كان قد أشار في العديد من التصريحات إلى أنه "لن يُقحم الولايات المتحدة في حرب جديدة في منطقة الشرق الأوسط". والثاني أنه تجاوز بهذا الهجوم مهلة الأسبوعين التي كان قد حددها لإيران، ويبدو أنّ إيران كانت تراهن مرة أخرى على عدم انجرار الولايات المتحدة نحو التصعيد، كما فعلت من قبل في حالة المفاوضات النووية بوساطة عمانية، إذ لا يمكن إغفال عنصر "الخداع الاستراتيجي" في هذه المباحثات، واستباق الهجوم الإسرائيلي على إيران في 13 يونيو الجاري الجولة السادسة من هذه المباحثات.
2- إسناد أمريكي كبير لإسرائيل: أحد الأبعاد المهمة في العملية الأمريكية على المستوى السياسي تتمثل في أنّ هذه العملية جاءت فيما يبدو كعملية إسناد لتل أبيب التي لم تستطع رغم ضرباتها القوية والنوعية لإيران، تحقيق أهدافها الاستراتيجية وعلى رأسها القضاء على البرنامج النووي الإيراني، كما أنّ هذه الضربة جاءت على وقع الإلحاح الإسرائيلي بضرورة المشاركة الأمريكية. ويُلاحظ أنّ إسرائيل تاريخياً لم تستطع خوض أي حروب في المنطقة دون مظلة من الدعم الأمريكي متعدد الأوجه، فضلاً عن كونها جاءت بعد فشل محادثات 20 يونيو في جنيف بين مسئولين أوروبيين وإيرانيين في تحقيق اختراقات جوهرية تتعلق بتخلي طهران عن تخصيب اليورانيوم على أراضيها.
وعلى المستوى العملياتي، لفتت بعض التقارير إلى أنّ الولايات المتحدة هاجمت منشأة فوردو باستخدام 6 ذخائر خارقة للتحصينات، بينما تم استهداف المنشأتين الأخريين (أصفهان ونطنز) بـ 30 صاروخاً من طراز توماهوك تم إطلاقها من غواصات أمريكية في المنطقة. وهنا يجب الإشارة إلى فرضية مهمة وهي أنّ الولايات المتحدة بدأت عملياً في استخدام هذه القنابل في الشرق الأوسط في حالة ميليشيا الحوثيين في هجمات أكتوبر الماضي، بما يكشف أنّ هذه الضربة للحوثيين كانت أقرب لمناورة تدريبية على استهداف المنشآت التحت أرضية.
المصدر: سي إن إن
3- التركيز على استهداف المنشآت النووية: كان ملاحظاً أنّ الهجمات الأمريكية الأخيرة ركزت بشكل رئيسي على استهداف عصب البرنامج النووي الإيراني، متمثلاً في الثلاث مواقع (فوردو ونطنز وأصفهان)، دونما أي استهداف للبرنامج الصاروخي الإيراني، ودونما استهداف لمواقع مدنية، أو أي مواقع عسكرية إيرانية، وهي رمزية سياسية مهمة من واشنطن، مفادها أن الضربة جاءت كإسناد لإسرائيل فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني. فضلاً عن كونها تحمل فرضية شديدة الأهمية، وهي أنّ الولايات المتحدة غير معنية بتوسيع الحرب أو طول أمدها، بالإضافة لذلك يبدو أنّ الولايات المتحدة شنت هذه الضربة بهدف الضغط على إيران للعودة إل المفاوضات النووية مرة أخرى.
4- السعي لتضييق الخيارات أمام إيران: كان لافتاً في مشهد إخراج العملية الأمريكية ضد إيران، طبيعة الحضور إلى جانب دونالد ترامب، وهو الحضور الذي شمل نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس، ووزير الخارجية ماركو روبيو، ووزير الدفاع بيت هيجسيث، بما حمل رسائل بأنّ الضربة الأمريكية جاءت بموافقة أغلبية الإدارة العليا الأمريكية. لكن اللافت هو غياب المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف عن المشهد، فيما يحمل رسالة تتجاوز الرمزية، وهنا يوجد افتراض مفاده أن "ويتكوف" لم يكن راضياً عن الخطوة الأمريكية، فضلاً عن افتراض أهم يتمثل في أن "ترامب" تعمد عدم وجود "ويتكوف" في مشهد الحرب، لكي يتم توظيفه في المشهد التفاوضي الذي يراهن عليه. ويبدو أن "ترامب" سعى عبر هذه الضربة إلى تضييق الخناق على إيران، وزيادة مستوى الردع ضدها، بما يضمن إعادتها إلى طاولة المفاوضات وفق الشروط الأمريكية الإسرائيلية.
5- تناقضات "ترامب" بخصوص النظام الإيراني: رغم تصريحات "ترامب" السابقة والتي أشار فيها إلى أنّ الإدارة الأمريكية ليس لديها نية أو رغبة في تغيير النظام في إيران، فضلاً عن ما نشرته تقارير أمريكية استناداً إلى مصادر من أنّ "الإدارة الأمريكية تواصلت مباشرةً مع إيران لإبلاغها بأن الضربة العسكرية التي نفذتها ضد أهداف إيرانية هي كل ما خططت له، وأن الولايات المتحدة لا تسعى إلى تغيير النظام الإيراني"، خرج "ترامب" بتصريحات تسائل فيها عن إمكانية تغيير النظام في إيران، وكتب ترامب في منشور على منصة تروث سوشيال: "ليس من الصواب سياسياً استخدام مصطلح "تغيير النظام"، لكن إن لم يكن النظام الإيراني الحالي قادراً على جعل إيران عظيمة مرة أخرى فلم لا يكون هناك تغيير للنظام؟".
واللافت في هذه التصريحات، أنها المرة الأولى التي يتحدث فيها "ترامب" على مسألة تغيير النظام في إيران، ويبدو أنّ هذه التصريحات لا تعبر عن توجه جدي من قبل الإدارة الأمريكية، نظراً للتكلفة المرتفعة لهذا الخيار، بقدر ما تعبر عن سعي "ترامب" إلصاق حملته العسكرية الأخيرة، إلى جانب التصعيد العسكري، برفع سقف الضغوط السياسية، بما يدفع إيران إلى القبول بالعودة للمفاوضات، مقابل الحفاظ على النظام، وفق الرؤية الأمريكية، ويراهن "ترامب" في هذا الصدد على وجود سياقات داخلية في إيران، تعزز من نزعات تغيير النظام.
وبعيداً عن المدلولات السياسية والأمنية والعسكرية الخاصة بالعملية الأمريكية الأخيرة، لا تزال ماهية ونتائج العملية الأمريكية ضد البرنامج النووي الإيراني ضبابية وغير معلومة، وذلك في ضوء العديد من المؤشرات، وأولها تقديرات الوكالة الدولية للطاقة الذرية والتي أشارت إلى عدم تسجيل ارتفاع في مستويات الإشعاع بالمنشآت النووية في إيران، بما فيها موقع فوردو. وثانيها التلميحات والتصريحات التي صدرت عن الجانب الإيراني والتي أكدت نفس المعنى. وثالثها تأكيد علي شمخاني مستشار المرشد الأعلى الإيراني، أنّ بلاده لا تزال تحتفظ بمخزونها من اليورانيوم المخصب وأنه لم يتضرر رغم الهجمات الأمريكية. ورابعها ما ذكرته وكالة "رويترز" استناداً إلى بعض المصادر من أنّ معظم اليورانيوم عالي التخصيب بمنشأة فوردو النووية الإيرانية نُقل إلى مكان غير معلن قبل الهجوم الأمريكي. وخامسها إعلان نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس في مقابلة، أن الولايات المتحدة غير قادرة على تأكيد التدمير الكامل للمنشآت النووية الإيرانية.
وتكشف المعطيات السابقة عن مجموعة من الدلالات والافتراضات المهمة، وأولها أن غالب الظن بأن الهجوم الأمريكي أدى إلى تدمير بعض البنى التحتية الخاصة بالبرنامج النووي الإيراني وليس تدمير البرنامج النووي نفسه. وثانيها أنّ ما حدث عملياً هو تأخير البرنامج النووي بعض الخطوات وليس إنهاؤه. وثالثها أنّ هناك افتراضاً مهماً تعززه المؤشرات السابقة، مفاده أن هذه الضربة كانت منسقة أو على أقل تقدير معلومة بالنسبة لإيران وبناءً عليه قامت إيران بنقل اليورانيوم المخصب وأجهزة الطرد المركزي إلى أماكن أخرى. ورابعها وهو افتراض مطروح أيضاً وهو احتمالية ضلوع روسيا بدور إما في تأمين المنشآت النووية الإيرانية، أو في استقبال اليورانيوم المخصب قبل العملية الأمريكية.
ثانياً- تداعيات الضربة الأمريكية
تحمل الضربة الأمريكية الأخيرة ضد البرنامج النووي لإيران، مجموعة من التداعيات المحتملة التي قد تترتب عليها، ويُمكن تناول أبرز هذه التداعيات في ضوء الآتي:
1- تكثيف الهجمات الإيرانية ضد إسرائيل: يعد الرد على الهجوم الأمريكي ضرورة حتمية بالنسبة لإيران، في ضوء سعيها للحفاظ على درجة من الردع مع كلاً من واشنطن وتل أبيب. وفي هذا السياق يُرجح أن تقوم إيران بتنفيذ مجموعة من الهجمات الانتقامية ضد إسرائيل، بحيث تكون أكثر عنفاً وأكثر تكلفة بالنسبة لتل أبيب من الهجمات السابقة، خصوصاً وأن مسار الحرب والتصعيد بين الجانبين لم ينته بعد، وفي ضوء اعتبار إيران مسؤولية إسرائيل عن الضغط على الإدارة الأمريكية للانخراط في التصعيد الجاري. وفي هذا الإطار لا يُستبعد أن يشمل بنك الأهداف الإيراني مفاعل ديمونة النووي الإسرائيلي.
2- تغيير العقيدة النووية الإيرانية: في ضوء المعطيات السابق الإشارة إليها فيما يتعلق بنتائج الضربة الإيرانية على البرنامج النووي الإيراني، ومع تصاعد فرضية عدم القضاء على البرنامج النووي الإيراني وتحييده بشكل كامل، ربما تلجأ إيران كأحد أدوات الردع والانتقام إلى تغيير عقديتها النووية، والتوجه على المدى المتوسط نحو زيادة تأمين المنشآت النووية فضلاً عن الإعلان عن إنتاج الأسلحة النووية، على اعتبار أنّ إيران سوف ترى في ذلك ضرورة لحماية أمنها القومي، وزيادة مستوى الردع، والحفاظ على توازنات القوة مع إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط، فضلاً عن كون هذه الخطوة بديلاً عن خسارة إيران لكافة أذرعها في المنطقة أو إضعافهم نتيجة الحرب الجارية.
3- تفعيل ورقة "الأذرع الإيرانية" في المنطقة: أحد السيناريوهات المطروحة في إطار الرد الإيراني، هو الاستهداف المباشر لبعض المصالح والقواعد الأمريكية في المنطقة، خصوصاً القواعد المنتشرة في سوريا والعراق، وربما في بعض دول الخليج، وهنا يُطرح سيناريو اعتماد إيران على أسلحة أقل في المدى من تلك المستخدمة ضد إسرائيل، وأكثر تدميراً، فضلاً عن تفعيل ورقة "الوكلاء" خصوصاً ميلشيا الحوثي في اليمن، فضلاً عن الفصائل العراقية، وهنا يجب الإشارة إلى أنّ ميليشيا الحوثي كانت الفصيل الأول الذي بعث برسائل بأن "الرد على استهداف إيران هو مسألة وقت".
4- توجه إيران نحو غلق مضيق هرمز: في ضوء الضربة الأمريكية الأخيرة، وعلى وقع إعلان البرلمان الإيراني موافقته على قرار غلق مضيق هرمز، ورهنه هذه الخطوة بموافقة المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران، تتنامى التساؤلات بخصوص إقدام إيران على هذه الخطوة، كأحد أدوات الضغط في مواجهة الولايات المتحدة، استغلالاً لكونه أحد أهم الممرات العالمية، لكن لا يُرجح في هذا الإطار أنّ يكون لدى إيران القدرة على غلق المضيق لفترة طويلة. بمعنى أنّ هذه الخطوة لو تمت سوف تكون أداة ضغط تفاوضية ليس أكثر، ومن أهم الاعتبارات التي تقف خلف هذه الفرضية، هو أنّ هذه الخطوة قد تضر بعلاقات إيران ببعض حلفاؤها كالصين التي يمر السواد الأعظم من تجارتها عبر المضيق. وثانيها أنّ هذه الخطوة سوف تحفز العديد من القوى الدولية والغربية نحو تبني أنماط كبيرة من التصعيد ضد إيران. وثالثها أنه وفقاً لبعض التقديرات العسكرية فإن قدرات إيران العسكرية المنتشرة في المضيق هي استنزافية وليس بمقدورها الدخول في مواجهة مفتوحة مع البحرية الأمريكية.
إجمالاً، يمكن القول إنّ الهجوم الأمريكي الأخير على المنشآت النووية الإيرانية جاء للموازنة بين مجموعة من الأمور، خصوصاً فيما يتعلق بإظهار الدعم والإسناد لإسرائيل، دونما استفزاز إيران ودفعها باتجاه خطوات تصعيدية غير محسوبة، بما يعزز من فرضية أنّ إيران سوف تلجأ بطبيعة الحال إلى الرد، لكن هذا الرد لا يُرجح أن يكون غير محسوباً، بما يؤدي إلى الانتحار العسكري للنظام الإيراني، بحيث يضمن حفظ ماء الوجه، والحفاظ على درجة من الردع مع إسرائيل والولايات المتحدة، ويعزز من موقعها التفاوضي.
قبل 3 أشهر
قبل 3 أشهر