دولي

السياسة الروسية تجاه الصراع الإيراني – الإسرائيلي

مسعود بزشكيان وفلاديمير بوتين في عام 2024 (الصورة: President.ir)

آخر تحديث في: 18-06-2025 الساعة 2 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol

"أولئك الذين يُعوّلون داخل إيران أو في دوائرها الدولية المتعاطفة على تدخل روسي حاسم لصالحها في حال تدخلت واشنطن إلى جانب إسرائيل، سيصابون بخيبة أمل كبيرة.."


مركز سوث24 | أندرو كوريبكو


بدأ التصعيد السريع في الصراع الإيراني – الإسرائيلي عقب الغارة الجوية المفاجئة واسعة النطاق التي شنّتها إسرائيل ضد إيران أواخر الأسبوع الماضي. وقد بررت إسرائيل الهجوم بكونه عملية استباقية تهدف إلى منع إيران من الحصول على أسلحة نووية في المستقبل القريب، فيما اعتبرته طهران عدوانًا غير مبرر. ومنذ ذلك الحين، تبادل الطرفان عدة جولات من الهجمات، وأبدى المجتمع الدولي قلقًا بالغًا من احتمالية توسع رقعة هذا الصراع. وتُعد فرضية تدخل الولايات المتحدة بشكل مباشر إلى جانب إسرائيل من أكثر السيناريوهات التي تُناقش على نطاق واسع.


يمكن أن يحدث هذا ردا على ضرب إيران لقواعد أمريكية إقليمية بحجة التورط الأمريكي في الهجوم الإسرائيلي والضربات اللاحقة. ويمكن أن ينتج أيضا عن عملية كاذبة تخمينية من قبل إسرائيل تُلقي باللوم فيها على إيران، أو من سماح ترامب بشكل استباقي بالتدخل المباشر دون أي محفّز من هذا القبيل. على أي حال، تمثل خطوة من هذا القبيل مصدر قلق كبير يجب أن يؤخذ على محمل الجد من قبل جميع أصحاب المصلحة، بما في ذلك روسيا. في هذه الورقة التحليلية سيتم وصف سياسات موسكو تجاه الصراع من أجل التنبؤ بشكل أفضل بكيفية استجابتها لمثل هذا السيناريو.


في هذا الإطار، انضمت إيران إلى منظمة شنغهاي للتعاون، التي شاركت روسيا في تأسيسها، في عام 2023. وقد أُنشئت هذه المنظمة في بدايتها لتسوية النزاعات الحدودية بين روسيا والجمهوريات السوفييتية السابقة من جهة، والصين من جهة أخرى. ويتّحد أعضاؤها في موقفهم المناهض للإرهاب والانفصالية والتطرف، إلا أن المنظمة بدأت لاحقًا في التركيز على التعاون الاقتصادي والمالي وربط البنى التحتية. ورغم وصف البعض لها بأنها "حلف الناتو غير الغربي"، فإن هذا التوصيف غير دقيق لغياب أي بند مماثل للمادة الخامسة الخاصة بالدفاع الجماعي.


وبعد عام واحد فقط، انضمت إيران أيضًا إلى مجموعة بريكس التي أسستها روسيا إلى جانب دول أخرى، وذلك في عام 2024 بعد تلقيها دعوة رسمية في قمة العام الذي سبقه. وعلى خلاف منظمة شنغهاي، لا تتضمن بريكس أي مكوّن أمني، إلا أن عضوية إيران في هاتين المنظمتين دفعت بعض المراقبين للاعتقاد بأن إيران تُعد حليفًا لروسيا. وقد تعزز هذا الانطباع بالتقارير التي تحدثت على مدار السنوات الثلاث الماضية عن شراء روسيا طائرات مسيّرة إيرانية لاستخدامها في أوكرانيا. كما ازدادت القناعة لدى البعض بعد توقيع البلدين على اتفاق شراكة استراتيجية مُحدّث في يناير 2025.


وفي هذا السياق، تنص المادة 3.3 من الاتفاق على أن "في حال تعرض أحد الطرفين المتعاقدين لعدوان، فإن الطرف الآخر لا يقدم أي دعم عسكري أو غيره للمعتدي قد يساهم في استمرار العدوان، ويسعى للمساعدة في تسوية النزاع على أساس ميثاق الأمم المتحدة والقوانين الدولية ذات الصلة". ومع ذلك، لا يُشير الاتفاق إلى أي التزام دفاعي متبادل، كما هو الحال مع المادة الخامسة في حلف الناتو، ولا تختلف هذه الصيغة عن موقف منظمة شنغهاي.


ورغم ذلك، فإن من الواضح أن علاقة روسيا بإيران أكثر أهمية واستراتيجية من علاقتها بإسرائيل، التي لطالما وجهت لها موسكو انتقادات متكررة خلال حملاتها العسكرية الإقليمية، والتي بدأت بعد هجوم حماس المفاجئ في 7 أكتوبر 2023. ومع هذا، لا تزال العلاقة مع إسرائيل ودية إلى حدٍّ ما، كما يتضح من دعوة بوتين لنتنياهو لحضور عرض النصر في الساحة الحمراء في مايو الماضي. وعلى الرغم من أن نتنياهو لم يحضر، إلا أن الزعيمين أجريا اتصالًا هاتفيًا لتبادل التهاني، وفقًا لبيان الكرملين.


علاوة على ذلك، لم تُدرج روسيا إسرائيل ضمن قائمة "الدول غير الصديقة"، على عكس العديد من الدول الغربية. كما أن إسرائيل لا تلتزم رسميًا بالعقوبات الأحادية المفروضة من الغرب على روسيا. ويُعزى جانب كبير من مرونة العلاقة رغم الخلافات بشأن الحملات العسكرية الإسرائيلية وصراع أوكرانيا إلى وجود جالية ناطقة بالروسية في إسرائيل تُقدّر بالملايين، وتُسهم في تشكيل جسر إنساني بين الدولتين، وتُساعد في الحفاظ على قدر من الاستقرار في ظل الظروف الصعبة الراهنة.


ومن الجدير بالذكر أن بوتين صرح في سبتمبر 2019 قائلاً: "إن الروس والإسرائيليين تجمعهم روابط عائلية وصداقة. إنها عائلة واحدة حقيقية، ويمكنني قول ذلك بلا مبالغة. هناك ما يقرب من مليوني ناطق بالروسية يعيشون في إسرائيل. نحن نعتبر إسرائيل دولة ناطقة بالروسية". ومع ذلك، أدانت وزارة الخارجية الروسية بشدة الهجوم المفاجئ الذي شنته إسرائيل ضد إيران، كما دعت في الوقت نفسه إلى ضبط النفس، في تلميح واضح إلى ضرورة عدم تصعيد طهران باستهداف القواعد الأمريكية في المنطقة.


وفي اليوم ذاته، أجرى بوتين اتصالين هاتفيين بكل من بزشكيان ونتنياهو. وخلال هذه المحادثات، أدان ما قامت به إسرائيل، وعرض التوسط بين الطرفين في حال موافقتهما. وعلى الرغم من عدم تحقق هذا العرض، فإنه يُعتبر بادرة نوايا إيجابية تنسجم مع سياسة روسيا في التوازن بين إيران وإسرائيل ضمن حدود قدرتها في ظل الظروف المعقدة التي أعقبت 7 أكتوبر. وتكمن الأهمية هنا في أن روسيا وجهت إدانة سياسية لإسرائيل دون أن تقدم دعمًا ملموسًا لإيران.


وبعد ذلك بأيام، اتصل بوتين بالرئيس ترامب، حيث "شدد على ضرورة منع تفاقم النزاع وأبدى استعداد روسيا للمشاركة في جهود الوساطة الممكنة"، وفق ما صرح به مستشاره يوري أوشاكوف للصحافة. وقد أعرب ترامب عن "انفتاحه" تجاه هذا المقترح. ويُعد هذا الموقف منطقيًا، خاصة وأن موسكو سبق أن عرضت استلام الوقود النووي الفائض من إيران كجزء من اتفاق محتمل بين طهران وواشنطن ضمن مفاوضاتهما النووية.


وبهذا، تكون روسيا قد عرضت استئناف دورها الذي كانت تلعبه ضمن الاتفاق النووي (JCPOA) قبل انهياره. وتجدر الإشارة إلى أن روسيا بنت مفاعل بوشهر النووي في إيران، واتفقت لاحقًا على بناء مفاعلات أخرى. وبالتالي، فإن لموسكو دورًا في الملف النووي الذي استُخدم ذريعة للهجوم الإسرائيلي، كما أنه جوهر المفاوضات الإيرانية – الأمريكية. وقد أكدت روسيا مجددًا أن حل النزاع يجب أن يكون دبلوماسيًا، لا عسكريًا، ويُعد هذا أحد المسارات الممكنة للحل.


ومع ذلك، فإن احتمال تدخل أمريكي مباشر لصالح إسرائيل قد يُفشل أي جهود دبلوماسية، إذ قد يؤدي إلى تصعيد كبير يسعى من خلاله الطرفان (واشنطن وتل أبيب) إلى تحقيق نصر عسكري حاسم على إيران. بل إن إيران قد تخسر حتى دون تدخل أمريكي. وفي كلتا الحالتين، قد تواصل روسيا دورها في استلام الوقود النووي الإيراني، وربما تساعد لاحقًا في تفكيك برنامج الصواريخ الباليستية وغيره، كما سبق أن ساعدت في تفكيك ترسانة الأسلحة الكيميائية في سوريا بموجب اتفاق 2013.


أما في حال حدوث تدخل أمريكي، فمن المرجح أن يؤدي ذلك إلى هزيمة إيران، حتى إن تمكنت من إلحاق أضرار جسيمة بالقواعد الأمريكية في المنطقة، أو – بشكل أقل احتمالًا – في الأراضي الأمريكية نفسها عبر خلايا نائمة. ذلك لأن روسيا لن تتدخل عسكريًا لمساندة إيران، كما أُوضح سابقًا، فعضوية البلدين المشتركة في منظمتي شنغهاي وبريكس لا تشمل أي التزام بالدفاع المشترك، وكذلك الاتفاق الاستراتيجي الأخير لا يتضمن ذلك.


ورغم أن روسيا لا ترغب في رؤية إيران تنهزم بشكل حاسم، بسبب التداعيات المحتملة التي قد تُعيق حركة العبور عبر ممر النقل بين الشمال والجنوب مع الهند، وهو ما يعتبره الكرملين أحد أهم المشاريع الجيو اقتصادية في النظام العالمي متعدد الأقطاب، فإنها لن تُجازف باندلاع حرب عالمية ثالثة مع الولايات المتحدة بسبب إيران. أضف إلى ذلك أن إيران تُعد سوقًا ناشئة واعدة للصادرات الروسية، كما أن البلدين قد يتعاونان لاحقًا في إدارة أسواق الطاقة العالمية إذا ساعدت روسيا في إدخال موارد إيران إلى السوق.


لكن، في حال حدوث تغيير نظام الحكم في إيران نتيجة هزيمة ساحقة، فإن ذلك سيُلحق الضرر بالمصالح الاستراتيجية الروسية على المدى الطويل. ومع ذلك، فإن روسيا لن تُغامر بالمواجهة مع واشنطن من أجل طهران، وهي التي تجنّبت ذلك حتى في أوكرانيا رغم سنوات الحرب بالوكالة. وبالتالي، ستنصب أولويات موسكو على منع تدفق اللاجئين، وضمان احترام العقود الموقعة سابقًا، ومنع نشر أسلحة غربية في إيران قد تُهدد روسيا.


ومن بين هذه الأولويات، فإن الأول هو الأكثر واقعية، نظرًا لأن إيران لا تشترك بحدود مباشرة مع روسيا، رغم إمكانية وصول بعض اللاجئين عبر بحر قزوين. أما الأولوية الثانية فستكون أكثر صعوبة، وتشبه التحديات التي واجهتها موسكو في سوريا ما بعد الأسد. في حين أن الأولولية الثالثة هي الأقل قابلية للتحقيق بسبب محدودية الوسائل. ومن المحتمل أيضًا أن يؤدي انهيار النظام الإيراني إلى ما يُشبه "البلقنة" إذا استغلت جماعات عربية أو أذرية أو بلوشية أو كردية الفوضى، وقد تحظى بعض هذه الجماعات، مثل الأذريين، بدعم خارجي.


في هذه الحال، قد تسعى بعض الدول المجاورة للتدخل العسكري المباشر في إيران ما بعد آية الله، ما قد يؤدي إلى سباق حاد على النفوذ. غير أن روسيا في موقع ضعيف للمشاركة في هذا السباق، بسبب انشغالها بالحرب في أوكرانيا وافتقارها للنفوذ على الحركات الانفصالية، بعكس ما كانت عليه عقب الحرب العالمية الثانية. وللتوضيح، فإن هذا السيناريو، بما في ذلك نشر أسلحة غربية في إيران قد تُهدد روسيا، لا يزال غير مرجح، لكنه لا يمكن استبعاده إذا خرجت الأوضاع عن السيطرة.


لذلك، فإن أولئك الذين يُعوّلون داخل إيران أو في دوائرها الدولية المتعاطفة على تدخل روسي حاسم لصالحها في حال تدخلت واشنطن إلى جانب إسرائيل، سيصابون بخيبة أمل كبيرة. وأفضل سيناريو ممكن، هو أن يتمكن بوتين من إقناع ترامب بالضغط على إسرائيل لوقف هجماتها مقابل اتفاق جزئي لنزع السلاح، شبيه بما حصل في سوريا عام 2013، وقد يشمل ذلك تفكيك البرنامج النووي. إلا أن هذا قد لا يحدث، وقد يرفض نتنياهو علنًا مطالب ترامب.


وفي أقصى الأحوال، قد تُقدم روسيا على تقديم دعم عسكري طارئ أو معلومات استخباراتية لإيران، رغم أن هذا احتمال ضعيف جدًا، ويُناقض سياسة التوازن الدقيقة التي تتبعها بين إيران من جهة، وإسرائيل والولايات المتحدة من جهة أخرى. علاوة على ذلك، فإن مثل هذه الخطوة، حتى لو حدثت، لن تُغير المعادلات العسكرية – الاستراتيجية للصراع، كما أن كلفتها الدبلوماسية تفوق فوائدها إلى درجة يصعب معها تخيل أن بوتين البراغماتي قد يُجازف بذلك.


وباختصار، فإن إيران تواجه هذا الصراع عسكريًا بمفردها ضد إسرائيل، وربما قريبًا ضد الولايات المتحدة أيضًا. وهذه النتيجة لا ينبغي أن تُفاجئ أولئك الذين يفهمون بعمق سياسة روسيا تجاه هذا الصراع. فإيران تُعد شريكًا استراتيجيًا لموسكو ومهمة في تحقيق بعض مصالحها طويلة المدى، خاصة في مجالات الربط الإقليمي والطاقة العالمية، لكنها – ببساطة – لا تستحق المخاطرة بحرب كبرى مع الولايات المتحدة، وهو ما تدركه واشنطن وتل أبيب جيدًا، وقد يكون ذلك سببًا في ازدياد جرأتهما.


محلل سياسي أمريكي مقيم في موسكو متخصص في العلاقة بين استراتيجية الولايات المتحدة في الأفرو-أوراسيا، ومبادرة الحزام والطريق الصينية، والحرب الهجينة. 


شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا