التقارير الخاصة

مستقبل جنوب اليمن الاقتصادي: احتكار شمالي وغياب رؤية جنوبية

مركز سوث24

10-06-2025 الساعة 2 مساءً بتوقيت عدن

مركز سوث24 | عدن


تناول عدد من الخبراء الدوليين مستقبل جنوب اليمن من زاويته الاقتصادية، مسلطين الضوء على التحديات البنيوية التي تواجه المجلس الانتقالي الجنوبي في ظل انكماش الإيرادات، وانعدام البيئة الاستثمارية، وغياب التوازن في توزيع الموارد الحيوية بين الشمال والجنوب. 


وفي ندوة مشتركة نظمها مركز سوث24 للأخبار والدراسات والمركز الأمريكي لدراسات جنوب اليمن،أثار فرناندو كارفخال، مدير المركز الأمريكي لدراسات جنوب اليمن، النقاش بالإشارة إلى أن السياسات التي تم اتباعها منذ أكتوبر 2022 تسببت بتبعات اقتصادية مباشرة على الجنوب، ولا سيما في محافظات شبوة وحضرموت. وأوضح أن هذه السياسات "قطعت فعلياً كافة الإيرادات عن مجلس القيادة الرئاسي، وفاقمت اعتماد المناطق الجنوبية على الدعم المالي السعودي"، معتبراً أن ذلك "أفقد الجنوب أدواته الاقتصادية وأبقاه في حالة شلل شبه دائم، رغم ما يمتلكه من موارد". 


وأشار كارفخال إلى أن المجلس الانتقالي الجنوبي يواجه ضغطًا شعبيًا متصاعدًا نتيجة "فشله في معالجة ملفات حيوية كالكهرباء والاقتصاد"، محذرًا من أن استمرار الأزمة قد يعيد الصراعات القديمة إلى الواجهة، سواء مع حزب الإصلاح أو بين المجلس الانتقالي ورئاسة الحكومة اليمنية. 


من جهته، أكد الباحث توماس جونيو من جامعة أوتاوا أن الموقف الأوروبي لا يزال متمسكًا بدعم وحدة اليمن، لكنه حذّر من أن هذا "الوهم بوحدة اليمن لا يمكن تأجيله إلى الأبد". وأوضح أن "سيطرة الحوثيين على الشمال تدفع الواقع السياسي نحو شكل جديد من التقسيم، مما يستوجب بالضرورة إعادة النظر في البنية الاقتصادية للدولة، بما يشمل الجنوب".


ومع ذلك، يعتقد جونيو أن المجلس الانتقالي الجنوبي لا يمتلك نفوذًا كافيًا في عموم الجنوب، مضيفًا: "هناك أجزاء كبيرة، لا سيما في الشرق، ترفض بشكل واضح توسيع نفوذ المجلس". 


وأشار جونيو إلى أن الإمارات، التي تعتبر الداعم الأبرز للمجلس الانتقالي، لم تعلن دعمها العلني لما وصفه "انفصال الجنوب"، "لكنها تواصل تقديم الدعم المالي والعسكري والاستخباراتي للمجلس، وهو ما يخلق توترًا مستمرًا مع السعودية والمجتمع الدولي" حد تعبيره.


بدوره، تناول الباحث آري هايستين من معهد القدس تأثير التطورات العسكرية على المشهد الاقتصادي، وخصوصاً ضربات إسرائيل الأخيرة التي طالت مصانع حيوية في الشمال. 


وقال هايستين أنّ "استراتيجية الحوثيين حتى الآن تتمثل أساسًا في خلق اقتصادهم الخاص، وفصله عن اقتصاد اليمن، ومن ثم تدمير اقتصاد جنوب اليمن." لكن الضربات الإسرائيلية أدت "إلى تعطيل سلاسل إنتاج رئيسية في عمران والحديدة، ما قد يدفع الحوثيين إلى إعادة دمج اقتصاداتهم مع الجنوب لتجاوز الأزمة". وأضاف: "إعادة فتح طريق الضالع – إب مؤشر اقتصادي مهم، إذ قد يؤدي إلى تخفيف الضغط على اقتصاد الجنوب الذي طالما استُهدف بسياسات التدمير الحوثية".


ورغم ذلك، أثار كارفخال المخاوف بشأن الضرائب التي قد يفرضها الحوثيون بعد فتح الطريق الرئيسي بين الضالع وصنعاء.


احتكار شمالي وغياب رؤية جنوبية


كما انتقد كارفخال ما وصفه بـ"احتكار الشماليين" للقطاعات الاستراتيجية مثل النفط والإسمنت، وقال: "منذ عقود، يسيطر وكلاء من نخبة الشمال على هذا القطاع، ولم يكن هناك أي جهد لدمج شركات جنوبية فيه"، مستعرضا مثالا على ذلك - مصنع الإسمنت في لحج المملوك لهائل سعيد أنهم. وأكد أن هذا الواقع حرم الجنوب من استثمارات كان يمكن أن تعزز من استقلاله الاقتصادي، مشيرًا إلى أن "غياب مبادرات حقيقية لتحويل جزء من التجارة والمساعدات من ميناء الحديدة إلى موانئ الجنوب، مثل المكلا، حال دون خلق بيئة استثمارية واعدة هناك". 


وتعليقًا على هذه الإشكالية، قال هايستين: "رغم السيطرة المحكمة للحوثيين على منافذهم الاقتصادية، فإن خلق نوع من اللامركزية الاقتصادية في اليمن قد يسهم في تقليص قدرتهم على التحكم الكامل بالموارد". وأضاف: "كلما تراجعت سيطرتهم على الاقتصاد، ظهرت مراكز قوة اقتصادية بديلة، وهو ما قد يصب في صالح الجنوب". 


أما الباحث أدريان كالاميل، من معهد واشنطن أوتسايدر، فرأى أن التحدي الرئيسي يكمن في قدرة المجلس الانتقالي الجنوبي على استقطاب الاستثمارات الأجنبية، وقال: "إذا لم يكن هناك كهرباء متوفرة لأكثر من ست ساعات في اليوم، ولا طرق نقل فعالة، ولا استقرار إداري، فكيف يمكن جذب المستثمرين؟". وأكد أن "رأس المال الجنوبي في الخارج، من رجال أعمال ومغتربين، لا يزال مترددًا في ضخ استثماراته بسبب غياب بيئة آمنة واضحة المعالم". 


وأشار كالاميل إلى أن استمرار الخلافات بين المجلس الانتقالي وقوى أخرى ضمن مجلس القيادة الرئاسي، يفاقم من الأزمة الاقتصادية، مشددا على أهمية وجود "رؤية برامج اقتصادية واضحة، وليس فقط اعتمادًا على النفط". وأشار كالاميل إلى زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخيرة إلى المنطقة، وافتتاح مقر للمجلس الانتقالي في واشنطن، إذا ما كانت قد تسهم في "تغيير الموازين".


ورداً على سؤال حول إمكانية عودة المجلس الانتقالي الجنوبي إلى خيار الإدارة الذاتية، قال جونيو: "أي محاولة نحو مزيد من الحكم الذاتي قد ترتد سلبًا إذا لم تُبنَ على تحالف أوسع"، خصوصا في ضوء عدم سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي على كامل الجنوب.


وشدد جونيو على أن الوقت الحالي يمثل "فرصة تاريخية" للجنوب في ظل تبلور معالم السيطرة الحوثية في الشمال، لكنه أكد أن تحقيق ذلك "مشروط بتوسيع الحلف السياسي الجنوبي، وبناء مظلة موحدة ومشتركة". 


- مركز سوث24 للأخبار والدراسات

شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا