الندوة النقاشية
آخر تحديث في: 02-06-2025 الساعة 10 مساءً بتوقيت عدن
|
سوث24 | ندوة نقاشية
حذّرت ندوة سياسية شارك فيها خبراء غربيون من ترسخ هيمنة جماعة الحوثيين في شمال اليمن، في ظل غياب استراتيجية أمريكية واضحة وفعالة لردعهم، وتراجع قدرة الحكومة المعترف بها دوليًا على استعادة زمام المبادرة. داعية إلى التعامل بواقعية مع التحولات على الأرض، عبر تثبيت دور المجلس الانتقالي الجنوبي كقوة أمر واقع في الجنوب، في ظل انسداد أفق مشروع "اليمن الموحد".
الندوة، التي نظمها مركز سوث24 للأخبار والدراسات بالشراكة مع المركز الأمريكي لدراسات جنوب اليمن (ACSYS) في 29 مايو الماضي، جاءت بعنوان:
"تحديات الاستقرار في جنوب اليمن: الأزمة الاقتصادية، التنافسات السياسية، والتهديدات الحوثية"،
وشارك فيها كل من:
• الدكتور توماس جونو، أستاذ في جامعة أوتاوا وزميل في مركز صنعاء.
• أدريان كالميل، باحث في مركز واشنطن أوتسايدر.
• آري هاينستين، باحث في معهد القدس للاستراتيجية والأمن.
وأدار النقاش المدير التنفيذي للمركز الأمريكي لدراسات جنوب اليمن ، فرناندو كارفاخال، عبر منصة Zoom، مع ترجمة فورية باللغتين العربية والإنجليزية.
غموض أمريكي وأمر واقع حوثي
في مستهل مداخلته، شكك د. توماس جونو في وجود هدف استراتيجي واضح للولايات المتحدة في اليمن، مؤكدًا أن إدارة ترامب لم تحسم بعد ما إذا كانت تسعى لردع الحوثيين، أو لاحتوائهم، أو لهزيمتهم. وأوضح أن "اللغة المستخدمة من قبل الإدارة لا تُظهر أي وضوح على هذا المستوى"، وهو ما اعتبره مدخلًا حاسمًا لفهم تعثر الأداء الأمريكي في المشهد اليمني.
وأشار جونو إلى أن الضربات الجوية الأميركية، رغم تصاعدها في عهد ترامب مقارنة بإدارة بايدن، لم ترقَ إلى مستوى الفعالية المطلوبة، خصوصًا في ظل غياب شريك ميداني قوي قادر على تحقيق التوازن العسكري على الأرض. وأضاف أن "الهجمات الجوية وحدها لا تكفي"، وأن المشكلة الجوهرية تكمن في ضعف الحكومة المعترف بها دوليًا، التي "لا تزال ضعيفة جدًا لتشكّل تحديًا عسكريًا جديًا للحوثيين"، لا سيما في ظل الانقسامات المتواصلة بين القوى المناهضة لهم.
واعتبر جونو أن استمرار الولايات المتحدة في ضرباتها، دون شريك محلي قادر على استثمارها، حوّل الاستراتيجية المعلنة إلى مجرد عمليات ردع غير مكتملة. وأردف أن "بعض عناصر استراتيجية الردع والاحتواء موجودة بالفعل... ولكنها غير كافية"، موضحًا أن وتيرة الضربات الأميركية الأخيرة لم تُفضِ إلى كبح حقيقي للحوثيين، الذين وصفهم بـ "أصحاب قدرة عالية على تحمّل الألم، ومستعدون لدفع ثمن باهظ لتحقيق ما يريدون".
في هذا السياق، اعتبر جونو أن اتفاق وقف إطلاق النار الأخير بين إدارة ترامب والحوثيين مثّل لحظة مفصلية عكست افتقار واشنطن إلى الإرادة السياسية لتصعيد المواجهة، قائلاً: "أكد للحوثيين أن الولايات المتحدة ليست جادة في الاستثمار الفعلي في حملة ردع – ناهيك عن حملة هزيمة شاملة".
وخلص جونو إلى أن ما يجري هو "قبول بحكم الأمر الواقع بسيطرة الحوثيين"، و"اعتراف ضمني بأن الحوثيين ربحوا الحرب، وأن الولايات المتحدة ستتعايش معهم". واعتبر أن هذا التعايش غير المعلن يضع اليمن أمام مشهد جديد من الهيمنة الحوثية التي تتجاوز الحدود الوطنية نحو أدوار إقليمية أكثر وضوحًا.
وركّز جونو على ما تحمله هذه القراءة من تداعيات مباشرة على جنوب اليمن. وأكد أنه في حال ترسخ القبول الدولي بهيمنة الحوثيين على الشمال، فإن "المجلس الانتقالي الجنوبي، مع لاعبين آخرين في الجنوب، سيبرز كقوة أمر واقع، حتى وإن لم يتم الاعتراف بها رسميًا"، خصوصًا في ظل استمرار ضعف الحكومة الشرعية.
ولفت إلى أن الموقف الأميركي الرسمي لا يزال متمسكًا بخطاب "يمن موحّد"، لكنه تساءل إن كان ذلك "قابلًا للاستمرار في المستقبل"، في ظل تسارع التحولات على الأرض.
القصور الأوروبي
من جانبه، قدّم أدريان كالميل قراءة نقدية لموقف الدول الأوروبية تجاه الأزمة اليمنية، واصفًا تدخلاتها بـ "الردود الفعلية" وغير المؤثرة، مقارنة بالمخاطر المتصاعدة التي تمثلها جماعة الحوثي على الأمن الإقليمي. واستعرض في البداية تجربة "خزان صافر" كمثال على ما اعتبره انخراطًا أوروبيًا اضطراريًا، نابعًا من "إدراك الخطر البحري"، وليس من رؤية استراتيجية لمعالجة جوهر الأزمة داخل اليمن.
وأكد كالميل أن الدور الأوروبي، بما في ذلك دور المملكة المتحدة في بعض العمليات العسكرية، يشبه إلى حد بعيد "دور الأمم المتحدة: مراقبة وتقديم تقارير، لا أكثر"، مع الاكتفاء بإصدار بيانات الإدانة والدعوات المتكررة لجهود السلام، من دون وجود أي زخم فعلي على الأرض يحقق فارقًا.
وفي تقييمه للمسار الأميركي، انضم كالميل إلى ملاحظة جونو بشأن غياب الرؤية، قائلاً: "إذا كان بإمكانك أن تشرح لي ما هي الاستراتيجية الأمريكية، عندها يمكنني أن أقيّم إن كانت ناجحة أو لا". وشدد على أن المشهد الحالي يوحي بعدم وجود استراتيجية واضحة، سواء لردع الحوثيين أو لاحتوائهم.
وفي إطار مقاربته للوضع في الجنوب، أشار كالميل إلى أن المجلس الانتقالي الجنوبي "هو الجماعة الوحيدة المتماسكة التي يمكن أن تُبنى عليها فكرة المواجهة". وأضاف كالميل أن تهديد الحوثيين لا يجب فصله عن نشاط الجماعات الأخرى في المنطقة، مثل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، الذي يشكل تهديدًا متجددًا للجنوب، ما يفاقم من تعقيدات المشهد الأمني في المحافظات الجنوبية.
وفي عرض تاريخي مقارن، أشار إلى أن اليمن، منذ ما قبل الربيع العربي، كان يُنظر إليه من قبل المجتمع الدولي كقضية هامشية – "كابن منبوذ" – في مقابل التركيز على أزمات أكبر في العراق وإيران ولبنان. واسترجع كالميل سيطرة الحوثيين على صنعاء عام 2014، ليدلل على صعوبة عكس المعادلة العسكرية، مؤكدًا أن "كسب الحرب من الجو فقط غير ممكن".
وختم كالميل بالإشارة إلى أن تصاعد الطابع العسكري للنزاع يضعف من دور الأوروبيين، ويفتح الباب أمام قوى إقليمية مثل إيران لتوسيع نفوذها عبر أذرعها المسلحة، وعلى رأسها الحوثيون. وقدّم ملاحظته الأخيرة بأن ما يجري هو صراع يتجاوز اليمن، وأن المجتمع الدولي لم يعد يملك أدوات فاعلة للضغط أو الحسم.
السياق الإقليمي وإسرائيل والحوثيون
في مداخلته، قدّم آري هاينستين منظورًا إسرائيليًا إلى الأزمة، مركّزًا على التحوّل الذي طرأ على دور الحوثيين منذ هجمات 7 أكتوبر، والتي استغلّوها، بحسب تعبيره، بشكل كامل لتعزيز شرعيتهم الذاتية، والتقدّم إلى موقع مركزي ضمن ما يُعرف بمحور المقاومة.
وأشار هاينستين إلى أن الحوثيين، قبل هذه المرحلة، كانوا يواجهون إضرابات داخلية نادرة، مثل احتجاجات المعلمين المدعومة من بعض فروع حزب المؤتمر الشعبي العام، وهو ما وضعهم في موقف هش، لولا التداعيات التي منحتهم مساحة لتوسيع نفوذهم.
وأوضح هاينستين أن هذا الصعود الحوثي ترافق مع تراجع دور حلفاء إيران التقليديين – النظام السوري وحزب الله – ما فتح مجالًا للحوثيين ليظهروا كأكثر الفاعلين طاقة وهجومًا في ساحة المواجهة مع إسرائيل، مستدلًا بذلك على تسلسل الهجمات، بدءًا من طائرات مسيّرة نحو إيلات، وصولًا إلى ضربات صاروخية استهدفت حيفا ومناطق شمالية أخرى.
وشدّد هاينستين على أن إسرائيل "لا تمتلك مصلحة استراتيجية حقيقية في اليمن" بحد ذاته، بل ينصب تركيزها فقط على تحييد خطر الحوثيين. ورأى أن هذا التهديد بات أكثر إلحاحًا بفعل رواية بدأت تتعزز في الإعلام والمجتمعات البحثية، مفادها أن الحوثيين لا يُقهرون.
وفي تقييمه لفشل السعودية في كبح الحوثيين، أرجع هاينستين ذلك إلى محدودية قدرات الجيش السعودي في تنفيذ ضربات دقيقة، وضعف استعداده لامتصاص الردود الحوثية، على عكس إسرائيل، التي رأى أنها تمتلك قدرات أكثر تطورًا، ولن تكون قادرة على الانسحاب من المعركة مثلما فعلت الولايات المتحدة. واعتبر أن إسرائيل "ستضطر إلى المواصلة حتى النهاية".
لكن هاينستين دعا إلى أن توائم إسرائيل استراتيجيتها مع مصالح اليمنيين، معتبرًا أن هناك "توافقًا موضوعيًا في المصالح" بين الجانبين، فكلاهما يريد إنهاء سيطرة الحوثيين.
وختم هاينستين بالإشارة إلى التحدي الأكبر: أن الحوثيين يبدون كقوة هجومية صاعدة، بينما تظل الحكومة اليمنية ضعيفة وغير قادرة على شن عملية برية، كما أن القوات الجنوبية – رغم قدرتها – تعاني من القيود التي تفرضها الجهات الداعمة لها، والتي "لا تسمح لها بالنجاح فعليًا"، بحسب تعبيره. هذا الوضع، من وجهة نظره، قد يدفع نحو تحوّلات غير متوقعة في العلاقة بين الحلفاء الإقليميين والفاعلين المحليين.
- مركز سوث24 للأخبار والدراسات