رويترز
آخر تحديث في: 08-03-2025 الساعة 12 صباحاً بتوقيت عدن
سوث24| عبد الله الشادلي
في مشهد اقتصادي يسوده عدم اليقين، يجد البنك المركزي اليمني في عدن نفسه أمام مهمة شاقة لإعادة ضبط السياسة النقدية، وسط انهيار عملة الريال بشكل غير مسبوق، واحتدام المضاربات في السوق الموازي.
وفي ظل تآكل الاستقرار المالي، يسعى البنك المركزي إلى فرض إجراءات تنظيمية صارمة، إلا أن هذه التدابير تثير تساؤلات حول مدى فعاليتها في كبح الفوضى الاقتصادية، وما إذا كانت ستنجح في وقف النزيف المستمر في قيمة العملة الوطنية.
في هذا التقرير، يناقش مركز سوث24 مع خبراء مصرفيين واقتصاديين الأزمة في سعر الريال اليمني، والإجراءات الأخيرة للبنك المركزي.
تعميمات وإجراءات جديدة
أعلن البنك المركزي في عدن، في 23 فبراير، عن حزمة إجراءات تنظيمية جديدة، تشمل قيودًا مشددة على عمليات الصرافة والتحويلات، وحظرًا على التعامل بالعملات الأجنبية عبر التطبيقات الإلكترونية.
وتتضمن الإجراءات الجديدة، التي تأتي في إطار جهود البنك المركزي لمكافحة المضاربات بالعملة المحلية، تسجيلًا دقيقًا لبيانات العملاء في معاملات بيع وشراء العملات الأجنبية، وإلزام شركات الصرافة ببيع فوائض العملة الأجنبية للبنوك المرخصة يومياً بسعر السوق.
كما تحظر التعليمات الجديدة التعامل المباشر بين شركات الصرافة ووكلاء الحوالات المحلية في بيع وشراء العملات الأجنبية، وتمنعهم من الاحتفاظ بحسابات دائنة أو مدينة لشركات صرافة أخرى.
وفي تعميم آخر، وجه البنك بالوقف الفوري لعمليات بيع وشراء العملات عبر التطبيقات الإلكترونية، والاكتفاء بتحويل العملات الأجنبية إلى الريال اليمني وفق الآليات المعتمدة من البنك المركزي وبأسعار السوق. وعلل البنك هذه الخطوة بضرورة تفادي أي مخاطر محتملة في ظل المستجدات الأخيرة.
وأكد البنك المركزي أنه سيقوم بتكثيف عمليات التفتيش الميداني المفاجئ للتحقق من التزام شركات الصرافة والتحويلات بالتعليمات الجديدة، ومطابقة المبالغ النقدية في الخزائن مع الأرصدة في السجلات المالية. وحذر من أنه سيتم تطبيق إجراءات قانونية صارمة على المخالفين، قد تصل إلى وقف أو إلغاء الترخيص.
جدوى هذه الإجراءات
انتقد أمين عام نقابة الصرافين الجنوبيين، عدنان محمد الحميد، الإجراءات الأخيرة للبنك المركزي، واصفًا إياها بـ "المتخبطة" و"الضعيفة". وأشار إلى أن نقابة الصرافين قدمت العديد من المقترحات والحلول، ولكنها لم تجد آذانًا صاغية.
وقال الحميد لمركز سوث24 إن قرار البنك المركزي الأخير بإلزام شركات الصرافة بتسجيل بيانات العملاء ونسخ بطاقاتهم الشخصية عند البيع والشراء، غير عملي ويستغرق وقتًا طويلاً، كما أنّه غير منصوص عليه في قانون الصرافة.
لكن الأكاديمي وعضو اللجنة الاقتصادية بالمجلس الانتقالي الجنوبي، د. سعودي علي عبيد قال لمركز سوث24 إن الأسس النظرية التي يقوم عليها عمل البنك المركزي، بما في ذلك القوانين واللوائح المنظمة، تعتبر سليمة بشكل عام.
ومع ذلك، يرى عبيد أن الأداء الفعلي للبنك المركزي يواجه تحديات كبيرة تعود إلى أسباب عملية. وأوضح أن "الواقع السياسي الناتج عن الحرب الأخيرة، وما ترتب عليه من غياب هيكلية الدولة، قد خلق حالة من عدم التوازن والوضوح في الممارسات الإدارية للبنك المركزي، مما أعاق تفعيل العديد من وظائفه. بما في ذلك إدارة السياسات النقدية مثل تحديد سعر الصرف والفائدة".
كما أشار إلى مشكلة عدم قدرة البنك المركزي على إدارة العملية الاقتصادية بفعالية، أثرت سلبًا على إيرادات الخزينة العامة. وأضاف أن تركيبة الإدارة في البنك المركزي، التي تضم أفرادًا انتقلوا من البنك المركزي في صنعاء، قد تؤدي إلى وجود اختراقات تؤثر على استقرار البنك واستقلاليته.
الخبير الاقتصادي ورئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، مصطفى نصر، يؤيد إجراءات البنك المركزي. وقال لمركز سوث24 إن الإجراءات الأخيرة التي أقرها البنك المركزي "تأتي في إطار ضروري للتصدي للفوضى الحالية في السوق الموازي، الذي يعاني من حالة من عدم الاستقرار".
وأضاف نصر أن "هذه الخطوات تمثل استجابة ملحة لوضع السوق المتقلب، حيث تفرض ضرورة تسجيل البيانات على جميع المتعاملين في سوق الصرافة، وهو ما يعد خطوة مهمة نحو تنظيم العملية". مشيرًا إلى "أهمية السيطرة على الكتلة النقدية المتداولة ومعرفة طبيعة تحركات الأموال في السوق".
وأكد نصر أن "هذه الإجراءات ليست حلاً سحريًا لمشكلة انهيار العملة أو المضاربة، لكنها جزء من حزمة متكاملة من الإجراءات التي يجب أن تشمل أيضًا مراقبة الكتلة النقدية وتلبية احتياجات السوق من العملة الصعبة لعمليات الاستيراد".
ويوافق الخبير الاقتصادي وحيد الفودعي أن هذه الإجراءات مهمة لتنظيم العمل المصرفي. وقال لمركز سوث24: "إلى جانب أنها إجراءات تأتي استنادًا إلى قانون تنظيم أعمال الصرافة، فإنها تعكس رغبة قوية من البنك المركزي في تعزيز الشفافية والمساءلة المالية".
مضيفًا: "إصدار فواتير إلكترونية تُسلم للعميل فور تنفيذ العملية يعد خطوة مهمة لبناء قاعدة بيانات دقيقة، مما يسهل عملية الرقابة والتتبع المالي".
أزمة العملة المحلية
في 12 فبراير الماضي خلال بيان صحفي، أكد البنك المركزي في عدن على تعطيل جهات حكومية للاستفادة من موارد سيادية ضرورية لتوفير الخدمات الأساسية. وناشد المجلس الرئاسي والحكومة بوقف الممارسات غير القانونية، وإعادة توجيه كافة الإيرادات إلى حساب الحكومة العام.
كما دعا إلى دعم استقرار العملة، وحماية القطاع المصرفي، واتخاذ إجراءات عاجلة لاستئناف تصدير النفط وتشغيل الموارد السيادية. البيان الذي اعتبره البعض إعلان استسلام وهزيمة، أثار النقاش مجددًا بشأن قدرة البنك على وقف تدهور قيمة عملة الريال أكثر مما هو عليه الحال الآن.
ويرى د. سعودي علي عبيد أن أزمة العملة المحلية "تنبع من مجموعة معقدة من العوامل، بما في ذلك الفجوة الكبيرة بين الموارد الاقتصادية في مناطق الحكومة ومتطلبات الإنفاق، مما يؤدي إلى عجز اقتصادي واضح".
كما أوضح أن الكتلة النقدية في السوق كبيرة، لكنها ليست تحت سيطرة البنك المركزي، مما ساهم في زيادة المضاربة على العملات الأجنبية، حيث يسعى التجار للحصول على العملات لشراء السلع من الخارج، بسبب عدم قدرة البنك على توفير العملات الأجنبية بفاعلية.
بالإضافة إلى ذلك، أشار إلى أن حركة النازحين من مناطق سيطرة الحوثيين تلعب دورًا في تفاقم الأزمة، حيث يقوم هؤلاء بشراء العملات الأجنبية لتحويلها إلى عائلاتهم، خاصة بعد منع جماعة الحوثيين التعامل بالطبعات الجديدة من الريال اليمني.
وأشار مصطفى نصر إلى أن الفوضى التي تشهدها السوق الموازي إحدى العوامل الرئيسية التي تؤدي إلى أزمة الدولار وانهيار الريال مقابل العملات الأخرى.
وأوضح أن التعاملات النقدية خارج القطاع المصرفي لا تزال مرتفعة، مما يصعب السيطرة على تحركات العملة بشكل غير رسمي، مشيرًا إلى تآكل ثقة الجمهور في البنوك نتيجة الأزمات المتكررة، مثل إفلاس بعض البنوك، مما دفع الناس إلى البحث عن طرق بديلة للتعاملات المالية.
وحذر عدنان الحميد من أن "المضاربين بالعملة، الذين يأتون غالبًا من شمال اليمن، يستغلون الوضع الحالي للمضاربة بالعملة من خلال حسابات مفتوحة في شركات صرافة جنوبية".
الخطوات المطلوبة
يؤكد رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي نصر أن الإجراءات المتخذة يجب أن تكون جزءًا من حزمة متكاملة تشمل مراقبة الكتلة النقدية وتلبية احتياجات السوق من العملة الصعبة لعمليات الاستيراد.
وشدد مصطفى نصر على ضرورة وضع قواعد واضحة لتنظيم عمل شركات الصرافة، ولفت إلى أنّ الأمر قد يتطلب في مراحل معينة إغلاق بعض الشركات غير الملتزمة بالمعايير الواضحة والشفافة، مؤكدا على ضرورة العمل على تحسين الثقة في النظام المصرفي لتعزيز الاستقرار الاقتصادي.
ويرى وحيد الفودعي بضرورة تعزيز الرقابة الميدانية من خلال فرق تفتيش متخصصة للتحقق من الالتزام الكامل بمستويات الامتثال، وتطبيق عقوبات صارمة تصل إلى وقف أو إلغاء الترخيص في حالة المخالفة أو عدم الامتثال للتعليمات.
لكن أمين عام نقابة الصرافين الجنوبيين يرى أن الحل يكمن في تفعيل الرقابة على شركات الصرافة وسحب الكشوفات الخاصة بها، لتحديد حجم تداول العملة اليومي لكل شركة ومنشأة صرافة.
وقال: "بناءً على ذلك، يمكن تشكيل لجنة مدفوعات تلزم شركات الصرافة بتوريد جميع مشترياتها من العملة إلى البنك المركزي أو إلى بنوك الدولة مثل كاك بنك أو البنك الأهلي، ليقوم البنك المركزي بدوره ببيعها للتجار".
وأشار إلى أن هذه الآلية ستضمن تداول النقد بشكل صحيح وتحد من المضاربات"، مضيفا: "يلعب الفساد دورًا كبيرًا في بقاء الأوضاع بهذا الشكل رغم كثرة الحلول. لا يوجد نظام داخل البنك المركزي، والأمور تسير وفقًا لأهواء النافذين".
ويبقى تحقيق الاستقرار النقدي والاقتصادي في اليمن مرهونًا بمعالجة الأسباب الجذرية للأزمة، وفي مقدمتها أزمة توقف الصادرات النفطية منذ أكتوبر 2022 بسبب هجمات الحوثيين على موانئ التصدير في جنوب اليمن. كما أن هناك حاجة ماسة إلى الشفافية والمساءلة، وتفعيل دور المؤسسات الرقابية، وبناء ثقة الجمهور في النظام المصرفي.
ويبقى السؤال المطروح الآن: هل يستطيع البنك المركزي في عدن إدارة هذه المرحلة العصيبة بأقل الخسائر الممكنة؟ والاستفادة من أدواته القانونية والسيادية للاحتفاظ بالقيمة الحالية للريال اليمني في أسوأ الأحوال إذا لم ينجح في تحسينها.
قبل شهرين
قبل 3 أشهر