المباحثات السعودية الروسية في الرياض، 18 فبراير 2025 (RT)
آخر تحديث في: 26-02-2025 الساعة 1 مساءً بتوقيت عدن
"تدفع هذه التطورات الأخيرة، باتجاه زيادة الانقسامات الأوروبية - الأوروبية، والتي ترتبط من جانب بالموقف من تسويات الحرب الأوكرانية، ومن جانب آخر بالموقف من مستقبل العلاقات مع الولايات المتحدة.."
محمد فوزي
شهدت العاصمة السعودية الرياض خلال يوم 18 فبراير الجاري، مباحثات نوعية ومهمة بين وفدين رفيعي المستوى من الولايات المتحدة وروسيا، حيث مثل الجانب الروسي وزير الخارجية سيرغي لافروف، ومساعد الرئيس الروسي يوري أوشاكوف، ورئيس صندوق الاستثمار المباشر الروسي كيريل دميتريف، فيما ضم الوفد الأمريكي وزير الخارجية ماركو روبيو، ومستشار الأمن القومي مايك والتز، والمبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط ستيفن ويتكوف. وتم التركيز خلال المباحثات بشكل رئيسي على عدد من القضايا، منها ما يرتبط بالحرب الروسية الأوكرانية، ومنها ما يرتبط بمستقبل العلاقات بين واشنطن وموسكو. كذلك فإنّ أهمية المباحثات الأخيرة قد ارتبطت بكونها جاءت في أعقاب اتصال هاتفي هو الأول من نوعه بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي في 12 فبراير الجاري.
أولاً- ملاحظات رئيسية على المباحثات
بشكل عام يمكن وصف هذه المباحثات التي عُقدت في الرياض بين الجانبين الروسي والأوكراني، بأنها تأتي في نطاق "المباحثات الاستكشافية"، فضلاً عن أنها تأتي كاستباق وتمهيد لقمة مرتقبة سوف تستضيفها السعودية بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، لكن حتى وإن غلب الطابع "الاستكشافي" على المباحثات إلا أنّ هناك مجموعة من الملاحظات المهمة:
1- غياب الجانب الأوكراني عن المباحثات: كان لافتاً في مباحثات الرياض أنّ هذه المباحثات شهدت تهميشاً للجانب الأوكراني، رغم أنه الطرف المباشر الثاني في مسألة الحرب الممتدة منذ ثلاث سنوات. وقد عبّر الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، عن استيائه من تهميش بلاده، مؤكداً أن أي اتفاق سلام يتم التوصل إليه دون مشاركة أوكرانيا سيكون غير مقبول. وقد يؤدي هذا الاستبعاد إلى تسوية لا تعكس المصالح الأوكرانية، مما قد يهدد سيادتها وسلامتها الإقليمية.
وفي تصعيد خطابي ضد أوكرانيا، وتعريجاً على نفس المسألة قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، سيأخذ أوكرانيا بأكملها إذا أراد، مضيفاً أن هذا هو السبب في أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يجب أن يعمل من أجل التوصل إلى اتفاق مع الدولة التي غزته قبل ثلاث سنوات تقريباً، وقال ترامب إن زيلينسكي "لا يمتلك أوراقاً" وبالتالي هو "ليس مهماً" للمشاركة في أي اجتماعات.
2- تحول في دبلوماسية واشنطن تجاه الأزمة الأوكرانية: عبرت المباحثات الأخيرة، وما سبقها من تصريحات خاصة بالأزمة الروسية الأوكرانية، عن تحولات لافتة في المقاربة الأمريكية تجاه الصراع الروسي الأوكراني. حتى أنّ وكالة "بلومبرج" للأنباء، اعتبرت في تقرير لها بالتزامن مع المباحثات، أن هناك "تحولاً مزلزلاً" في النهج الأمريكي تجاه الحرب. ويبدو أنّ واشنطن تُركز حالياً على صياغة صفقة ما مع روسيا يوجد بها لائين رئيسيين الأول هو عدم انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، والثاني هو عدم العودة إلى واقع ما قبل العام 2014، أي عدم انسحاب روسيا من الأراضي التي احتلتها. كذلك فإنّ المقاربة الأمريكية يبدو أنها وفي ضوء مجموعة من الاعتبارات تقوم على تهميش الجانبين الأوكراني والأوروبي من المباحثات.
3- أول لقاء أمريكي روسي رفيع المستوى منذ سنوات: ارتبطت أهمية اللقاء الأمريكي الروسي في الرياض في أحد أبعاده بكونه اللقاء رفيع المستوى الأول بين الجانبين الأمريكي والروسي، منذ غزو روسيا لأوكرانيا قبل نحو ثلاث سنوات، بما يعني أن اللقاء قد يمثل منعطفاً استراتيجياً في مساعي إعادة بناء العلاقات بعد سنوات من التوتر الناجم عن النزاع الأوكراني والسياسات الأمريكية تجاه موسكو.
وتأكيداً على هذه الفرضية صرح مساعد الرئيس الروسي يوري أوشاكوف، بأنّ المباحثات الروسية الأمريكية التي جرت في الرياض سارت على نحو مقبول. أيضاً فقد أعلنت وزارة الخارجية الروسية أن روسيا والولايات المتحدة توصلتا في اجتماع الرياض إلى اتفاق على إقامة حوار بشأن تنسيق سبل استئناف التعاون في الاقتصاد والطاقة والفضاء.
4- امتعاض أوروبي من المباحثات الأمريكية الروسية: كان هناك حالة أشبه بـ "التحفّظ" من قبل الاتحاد الأوروبي تجاه المباحثات الأخيرة في الرياض، ليس من منطلق مبدأ التباحث نفسه، ولكن من منطلقات أخرى. أولها يرتبط باستبعاد وتهميش الجانبين الأوروبي والأوكراني من هذه المباحثات، وثانيها أن هناك تخوفات أوروبية من توصل الولايات المتحدة إلى صفقة مع روسيا لا تضمن الأهداف الغربية والأوكرانية، أو تأتي على حساب أوكرانيا.
كذلك فإنّ مباحثات الرياض عُقدت في سياق عام يشهد حالة توتر غير مسبوقة على مستوى العلاقات الأمريكية الأوروبية، وقد تجلى ذلك في عدد من المؤشرات الرئيسية، أولها الهجوم الذي شنه نائب الرئيس الأمريكي، جيه دي فانس في مؤتمر ميونيخ للأمن ضد الدول الأوروبية وهي التصريحات التي انتقدتها ألمانيا بشدة. وثانيها ما يرتبط بأزمة الرسوم الجمركية التي أعلن "ترامب" عن فرضها على شركاء الولايات المتحدة التجاريين، وهي الخطوة التي انتقدتها كافة الدول الأوروبية. كذلك انتقدت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين بشدة هذه الخطوة الأمريكية، معتبرةً أنها تفتح الباب أمام حروب تجارية. وثالثها بحث القادة الأوروبيين صياغة مشروعات دفاعية مشتركة لتعزيز القدرات العسكرية وزيادة الإنفاق الدفاعي بمعزل عن الولايات المتحدة.
ثانياً- التداعيات المحتملة
تحمل المباحثات الأمريكية الروسية الأخيرة في الرياض، العديد من التداعيات المهمة على مستويات متعددة، سواءً فيما يتعلق بمستوى ومسار العلاقات الأمريكية الروسية، أو على مستوى مسار التسوية الخاص بالحرب الروسية الأوكرانية، أو على مستوى العلاقات الأمريكية الأوروبية، وهو ما يمكن تناوله في النقاط التالية:
1- تنامي وتيرة التنسيق الأمريكي الروسي: سوف تنعكس هذه المؤشرات السالف ذكرها على مستوى ومسار العلاقات الأمريكية الروسية، وذلك على مستويات متعددة. أولها زيادة وتيرة التنسيق الأمريكي الروسي في العديد من الملفات، خصوصاً بعد الإعلان عن اتفاق البلدين على إعادة موظفي السفارتين في موسكو وواشنطن. ثانيا، أن هذه المباحثات كانت مقدمة لعقد قمة روسية أمريكية مرتقبة في السعودية بحضور الرئيسين الأمريكي والروسي. وثالثا، أن هذه الانفراجة في العلاقات الثنائية، قد تخلق فرصة لإعادة فتح قنوات التعاون الاقتصادي وتقليل القيود المفروضة على الشركات الروسية، فضلاً عن أنها قد تدفع باتجاه تخفيف العقوبات الأمريكية على روسيا. فمنذ عام 2022، فرضت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون عقوبات مشددة استهدفت الاقتصاد الروسي، شملت تجميد احتياطيات النقد الأجنبي، وفرض قيود على البنوك، وتقليص صادرات النفط.
2- سيناريوهات الحرب الروسية الأوكرانية: تفرض المتغيرات الأخيرة الخاصة بالحرب الروسية الأوكرانية، والمباحثات الخاصة بها، أحد سيناريوهين فيما يتعلق بمسار الحرب، السيناريو الأول، يتمثل في فرض "سلام القوة"، بمعنى نجاح الولايات المتحدة في الوصول إلى اتفاق للسلام وتسوية الأزمة على قاعدة الأمر الواقع، واستمرار السيطرة الروسية على الأراضي التي استولت عليها في ثنايا الحرب، مع حصول الولايات المتحدة على امتيازات اقتصادية وطاقوية في أوكرانيا، في مقابل استمرار دعم عسكري نسبي من واشنطن لأوكرانيا.
أما السيناريو الثاني، فيتمثل في استمرار الحرب الروسية الأوكرانية مع تخلي أوكرانيا عن الدعم الأمريكي ويأتي هذا السيناريو مدعوماً بجملة من الاعتبارات، وأولها الرفض الأوكراني لأي صيغة تسوية تأتي على حساب السيادة والحقوق الأوكرانية، وثانيها وجود مؤشرات على استمرار المقاربة الأوروبية القائمة على الدعم العسكري لأوكرانيا، وفرض العقوبات على روسيا.
3- سعي أوروبا لتعزيز "الاستقلال الاستراتيجي" عن واشنطن: تدفع المتغيرات الأخيرة، والحالة الراهنة للعلاقات الأمريكية الأوروبية، باتجاه تنامي وتيرة المساعي الأوروبية لتحقيق ما وصفه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من قبل بـ "الاستقلال الاستراتيجي للاتحاد الأوروبي" في إشارة إلى ضرورة بناء استراتيجية دفاعية بمعزل عن الولايات المتحدة، واستراتيجية اقتصادية بمعزل عن واشنطن وبكين. وتفترض هذه الاستراتيجية عمل الاتحاد الأوروبي على مجموعة من المحاور الرئيسية، مثل تقليل الاعتماد على الموردين الخارجيين، لا سيما الولايات المتحدة، في مجال الدفاع والصناعات الاستراتيجية، وفي المقابل تعزيز القدرات الصناعية الدفاعية للاتحاد الأوروبي. كذلك دعم الصناعات الأوروبية في مختلف المجالات وتشجيع الدول الأعضاء على شراء المنتجات الأوروبية. بالإضافة إلى بناء مقاربة أوروبية موحدة تجاه المسألة الأوكرانية وتجاه مسألة الأمن الأوروبي بشكل عام، بما في ذلك بحث إمكانية إرسال قوات أوروبية لأوكرانيا، وتعزيز الانتشار في بولندا ودول البلطيق، فضلاً عن بحث مستقبل القيادة في حلف "الناتو" في ضوء مؤشرات على توجه "ترامب" نحو التنصل من التزاماته الأمنية تجاه الدول الأوروبية وتجاه الحلف.
4- زيادة الانقسامات في الدول الأوروبية: تدفع هذه التطورات الأخيرة، باتجاه زيادة الانقسامات الأوروبية - الأوروبية، والتي ترتبط من جانب بالموقف من تسويات الحرب الأوكرانية، ومن جانب آخر بالموقف من مستقبل العلاقات مع الولايات المتحدة. ففي الوقت الذي تفضل فيه بعض الدول الأوروبية الإبقاء على تنسيق وعلاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة خصوصاً في المجال الأمني والعسكري على غرار دول البلطيق وإيطاليا ودول أوروبا الشرقية، ترى الدول الغربية الكبرى، مثل فرنسا وألمانيا، ضرورة تبنّي سياسة أكثر استقلالية عن واشنطن في كافة المجالات، وهذا اعتبار سوف يدفع على المدى القريب والمتوسط باتجاه زيادة وتيرة الانقسامات الأوروبية.
5- ابتزاز الولايات المتحدة لأوكرانيا: يبدو أنّ الولايات المتحدة سوف تعمل خلال الفترات المقبلة، على ابتزاز الجانب الأوكراني من أجل تحقيق مجموعة من المكاسب، وتجلى ذلك بشكل واضح في إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن واشنطن تقترب من توقيع اتفاق يلزم كييف بتسليم أكثر من 50 في المائة من معادنها الأرضية النادرة كتعويض عن المساعدات الأمريكية خلال صراع أوكرانيا مع روسيا. ويأتي اهتمام "ترامب" بهذا الملف مدفوعاً بسعيه لضمان إمدادات هذه المعادن الاستراتيجية، وإيجاد بدائل موثوقة لهذه المعادن الحيوية التي تهيمن عليها الصين. لكن لم يتضح حتى اللحظة طبيعة المقابل الذي ستحصل عليه أوكرانيا نظير هذا الاتفاق، وما إن كان سينعكس على مستوى مشاركة أوكرانية أوروبية في مباحثات السلام مع روسيا، أم أن "ترامب" سيضغط من أجل الحصول على هذا الامتياز نظير "سلام القوة والأمر الواقع".
وفي إطار هذه المسألة وفي مؤشر على احتمالية تنفيذ الخطط الأمريكية بهذا الخصوص، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إن كييف وواشنطن تعملان بشكل بنّاء من أجل التوصل إلى اتفاق اقتصادي يحتل مكاناً محورياً في الجهود الرامية لإنهاء حرب روسيا على أوكرانيا. وهو التصريح الذي عكس محاولة كييف ربط هذا الاتفاق الاقتصادي مع واشنطن بمآلات ومستقبل الحرب والصيغة التي سيتم الاتفاق عليها.
6- اضطرابات داخلية في أوكرانيا: تذهب بعض التقديرات إلى احتمالية أن تمر أوكرانيا بمرحلة عدم استقرار سياسي، وأن يواجه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وحكومته ضغوطاً هائلة لإعادة بناء البلاد واستعادة الاستقرار. وقد تنشأ قوى معارضة داخلية تطالب بإصلاحات سياسية جذرية، تضع المستقبل السياسي للرئيس زيلينسكي والمقربين منه على المحك، خصوصاً وأن الانتخابات الأوكرانية تم إرجاؤها أو إلغاؤها على وقع الحرب. وكان الرئيس الأوكراني قد أشار إلى استعداده للاستقالة من منصبه، لكن تقارير أشارت إلى أنه سيشترط لذلك الحصول على بعض الضمانات الأمنية خصوصاً ما يتصل بانضمام أوكرانيا لحلف الناتو.
7- تعزيز الوضع الاستراتيجي والجيوسياسي للسعودية: كان لاختيار المملكة العربية السعودية كحاضنة للمباحثات الأمريكية الروسية رفيعة المستوى العديد من الدلالات الرمزية المهمة. أولها أن هذا الأمر جاء على وقع العلاقات الاستراتيجية التي تربط الطرفين بالمملكة. وثانيها أن هذه المباحثات جاءت بالتزامن مع حديث تقارير عن قيادة السعودية مباحثات وساطة بين الولايات المتحدة وإيران بخصوص الملف النووي، ما يعكس اعتماد المملكة على "دبلوماسية الوساطة" بما يعزز من مكانتها الاستراتيجية والجيوسياسية.
إجمالاً يمكن القول، إنّ المباحثات الأمريكية الروسية الأخيرة في العاصمة السعودية الرياض ارتبطت أهميتها بكونها المباحثات الأولى رفيعة المستوى بين الجانبين منذ سنوات، فضلاً عن كونها تأتي كاستباق لقمة شديدة الأهمية لم يُحدد موعدها بعد بين الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين. كذلك فإنّ هذه المباحثات كشفت عن طبيعة المقاربة الأمريكية الحالية تجاه الصراع الروسي الأوكراني، والتي تعتمد إلى حد كبير على فكرة "سلام القوة أو الأمر الواقع"، بالإضافة لكون المباحثات تعبّر عن صفحة جديدة في مسار العلاقات الأمريكية الروسية، بما يضمن تجاوز فترة التوتر الأخيرة. لكن مآلات هذه المباحثات وطبيعة المقاربة الأمريكية تجاه النزاع الروسي الأوكراني، تفرض مجموعة من التحديات خصوصاً على مستوى مسار الحرب، فضلاً عن العلاقات الأمريكية مع الجانب الأوروبي.
قبل شهرين
قبل 3 أشهر