التقارير الخاصة

من التصعيد إلى التصنيف: كيف يغير قرار واشنطن بشأن الحوثيين معادلة اليمن؟

تصميم: مركز سوث24

29-01-2025 الساعة 4 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol

سوث24 | عبد الله الشادلي


في خطوة عقابية جديدة، أعادت الولايات المتحدة، في 22 يناير الجاري، تصنيف جماعة الحوثيين المدعومة من إيران كمنظمة إرهابية أجنبية (FTO)، ما يعكس تحولًا في استراتيجيتها تجاه الجماعة مع وصول الرئيس الجمهوري دونالد ترامب للبيت الأبيض في ولاية رئاسية ثانية.


القرار كان متوقًعا نتيجة هجمات الحوثيين غير المسبوقة ضد السفن التجارية والقوات الأمريكية في البحر الأحمر منذ أكتوبر 2023، لكنه يحمل تداعيات كبيرة على مسارات الأزمة اليمنية وبالأخص المسار السياسي. 


وقد تزامن القرار الأمريكي مع التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس في غزة، وإعلان الحوثيين وقف عملياتهم ضد السفن باستثناء السفن الإسرائيلية، بعد أن كانت هجماتهم تستهدف أي سفن ذاهبة لإسرائيل أو مرت بموانئ إسرائيل من قبل، بالإضافة للسفن البريطانية والأمريكية.


وإلى حد كبير، بدد التصنيف الأمريكي الآمال باستعادة الزخم نحو خارطة الطريق السعودية بشأن اليمن، التي تبناها المبعوث الأممي وأعلن عنها في ديسمبر 2023. لكنها تجمدت نتيجة الظروف الإقليمية، فضلًا عن المشكلات السابقة العميقة في تصميمها وطريقة التوصل إليها. 


فكيف سيؤثر التصنيف الأمريكي للحوثيين على خارطة الطريق والمسار السياسي للأزمة اليمنية؟


خارطة الطريق انتهت


قبل ساعات من التصنيف الأمريكي للحوثيين، قال رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي وعضو المجلس الرئاسي عيدروس الزبيدي خلال تصريح تلفزيوني على هامش مؤتمر دافوس الاقتصادي إن خارطة الطريق بشأن اليمن "انتهت".


الزبيدي أشار أن إلى هجمات الحوثيين ضد الملاحة الدولية غيرت المشهد بشكل كامل. مضيفًا: "ننتظر من ترامب تصنيف الحوثيين ككيان إرهابي من الدرجة الأولى". وهو ما تم لاحقًا بالفعل.


لكن التصنيف الأمريكي للحوثيين وتورطهم في استهداف الملاحة الدولية ليست هي المشكلات أمام خارطة الطريق، كما قال العضو السابق في فريق خبراء مجلس الأمن بشأن اليمن فرناندو كارفاخال.


مضيفًا لمركز سوث24: "لم تبقَ خارطة الطريق على المسار الصحيح أبدًا، لأن الحوثيين دائمًا ما يغيرون الشروط والأهداف وفقًا لمصالحهم. فبعد الزيارة الأخيرة التي قام بها المبعوث الأممي إلى صنعاء [يناير 2025]، حصل الحوثيون على فرصة جديدة لإعادة هيكلة شروط التفاوض وزيادة الضغط على السعودية لتقديم تنازلات تتماشى مع مطالبهم".


واعتبر الخبير الأمريكي أن "الأمم المتحدة لا تملك أي نفوذ حقيقي على الحوثيين، الذين لا يزالون يحتجزون عشرات الموظفين الأمميين كرهائن في سجونهم، ما يعكس مدى استغلالهم للوضع السياسي والدبلوماسي لتحقيق مكاسب أكبر".


وتؤيد ممثلة المجلس الانتقالي الجنوبي في الأمم المتحدة سمر أحمد أن خارطة الطريق كانت بالفعل تعاني من مشكلات جوهرية.


وقالت لمركز سوث24: "كانت خارطة الطريق غير مرجحة لحل الصراع في اليمن على المدى الطويل، ويرجع ذلك أساسًا إلى أنها كانت ستعزز نفوذ الحوثيين وتمنحهم وصولًا ماليًا إلى عائدات النفط - وهو أمر لدينا تحفظات بشأنه".


وأضافت: "لقد أدى العدوان الحوثي إلى عرقلة خارطة الطريق، لا سيما من خلال تصعيداتهم ضد الشحن الدولي. ومع ذلك، قد يكون من الممكن تحقيق نهج معدّل إذا تم إدراك هذه الحقائق الجديدة وابتعدت خارطة الطريق عن مكافأة الحوثيين أو تعزيز سلطتهم".


وشددت أنه "يجب أن تشمل خارطة الطريق المعاد تعريفها تعاونًا أقوى مع المجلس الانتقالي الجنوبي، ومجلس القيادة الرئاسي، والفاعلين الإقليميين مثل السعودية والإمارات العربية المتحدة، اللتين لديهما مصالح مباشرة في تأمين طرق الملاحة البحرية وتعزيز استقرار اليمن".


وأشارت إلى أنه "بالنسبة لنا في المجلس الانتقالي الجنوبي، يجب أن تتناول إعادة إحياء مبادرة "خارطة الطريق" تطلعات الشعب الجنوبي، بما يضمن تمثيله كأحد أصحاب المصلحة الرئيسيين".


لكن المحلل السياسي الجنوبي صالح النود لا يستبعد أن مسار السلام والمفاوضات سيظل الأرجح رغم التصنيف الأمريكي للحوثيين. 


وقال لمركز سوث24: "يبدو أن الظروف قد تغيرت إلى حد بعيد، مما يجعل تلك الخارطة غير قابلة للتطبيق في الوقت الراهن. ومع ذلك، أرى أن مسار السلام والمفاوضات لا يزال أقرب إلى الواقع، رغم أن الحرب ضد مليشيا الحوثي تظل خيارًا جذابًا للعديد من الأطراف، نظرًا لما قد تحققه من نتائج."


وأشار النود إلى أن "حقيقة رغبة السعودية في تجنب أي حرب جديدة مع الحوثيين تجعل خيار التصعيد العسكري أقل احتمالية".


ويرى رئيس منظمة فكر للحوار والحريات عبد العزيز العقاب أن إنقاذ خارطة الطريق أمر متاح شريطة "تنفيذ خطوات عملية وخطوات متقدمة الى الأمام من الحوثيين ومن كل الأطراف لأجل إثبات المصداقية وحسن النية".


وقال لمركز سوث24: "هذه الخطوات تتمثل في الإفراج عن موظفي الأمم المتحدة وعن المعتقلين السياسيين وعن الموقوفين والالتزام بالخطوات السابقة، والتوجه العملي كذلك لتنفيذ الخطوات الإنسانية المتفقة للتخفيف من المعاناة".


أداة ضغط أم استراتيجية طويلة الأمد؟


في حين أن إدارة بايدن كانت قد ألغت تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية في 2021 بحجة المخاوف الإنسانية، عادت لتشديد موقفها العام الماضي عبر تصنيف الجماعة ضمن فئة "المنظمات الإرهابية ذات التصنيف الخاص SDGT".


لكن التصنيف الجديد (منظمة إرهابية أجنبية FTO)، الأكثر صرامة، يمنح الولايات المتحدة أدوات قانونية إضافية لمعاقبة أي كيان أو فرد يقدم دعمًا ماليًا أو لوجستيًا للجماعة، ويعزز الجهود الدولية لكبح النفوذ الإيراني في اليمن.


ويرجح أن يكون هذا التصنيف ضمن رؤية أوسع لإدارة ترامب بشأن الشرق الأوسط، قد تحمل معها مجددًا "سياسة الضغط القصوى" ضد إيران والمجموعات المتحالفة معها في المنطقة. ويشجع السياق الإقليمي بالفعل على هكذا خطة، نظرًا للضرر الشديد الذي لحق حزب الله اللبناني بفعل الضربات الإسرائيلية، وسقوط نظام بشار الأسد في سوريا.


ويبدو أن المجلس الرئاسي ينظر، أو يأمل على الأقل أن يكون التصنيف الأمريكي للحوثيين خطوة استراتيجية لا تكتيكية مؤقتة. وهو ما أشار له عيدروس الزبيدي في تصريحات صحفية لبلومبرغ اعتبر فيها أن "قرار ترامب بإعادة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية يمثل بداية نهايتهم.


واعتبر أن هذا القرار "من شأنه تعزيز الزخم الأمريكي في المنطقة، في وقت تواجه فيه إيران صعوبات بسبب تضرر وكلائها مثل حماس وحزب الله".


وتؤكد السياسية سمر أحمد أن "العدوان المستمر للحوثيين قوض عملية السلام وكشف عن كونهم شريكًا غير موثوق به في المفاوضات". مضيفة: "مع إعادة تصنيف الحوثيين كـمنظمة إرهابية أجنبية، يجب على المجتمع الدولي محاسبتهم والاعتراف بضرورة البحث عن بدائل، مثل دعم الحكومة الشرعية في اتخاذ إجراءات تضعف الحوثيين بدلاً من الضغط عليها للتراجع عن جهودها، كما حدث في الماضي".


السيناريوهات المحتملة


بمجرد إعلان القرار الأمريكي بتصنيف الحوثيين، بدأت الجماعة في اتخاذ خطوات تصعيدية، شملت اعتقال موظفين إضافيين من الأمم المتحدة، في إشارة واضحة إلى تحدي الإرادة الدولية. وقد تسببت هذه الخطوة في إعلان الأمم المتحدة يوم 24 يناير إيقاف كل تحركاتها في مناطق سيطرة الحوثيين.


ويرى عبد العزيز العقاب أن الحوثيين باتوا أمام مفترق طرق: "إما الامتثال للضغوط الدولية والقبول بتسوية سياسية، أو مواصلة التصعيد الذي قد ينعكس سلبًا على استقرار مناطق سيطرتهم". ويضيف: "التاريخ يظهر أن الحوثيين يجيدون المناورة بين التصعيد والتفاوض، ما يجعل من الصعب التنبؤ بتحركاتهم القادمة".


وفي بيان لها، قالت خارجية الحوثيين عقب التصنيف أن هذا القرار "لن يزيد صنعاء الا تمسكاً بموقفها المبدئي الداعم والمساند للشعب الفلسطيني الشقيق وقضيته العادلة".


وتشير سمر أحمد إلى سيناريوهات تصعيدية قادمة، لافتة إلى أن "الحوثيين يمتلكون تاريخًا طويلًا من التصعيد المستمر". مضيفة: "إنهم يواصلون حشد مزيد من المقاتلين إلى جبهات مأرب، والجوف، والبيضاء، وتعز في شمال اليمن، إلى جانب تصعيد هجماتهم وتعزيز وجودهم العسكري في الجبهات الحدودية مع القوات المسلحة الجنوبية في الضالع، ولحج، وأبين، وشبوة".


وتعتقد سمر أن "إعادة ضبط نهج عملية السلام، بما يراعي الاحتياجات الفريدة وتطلعات الجنوب، يمكن أن يكون خيارًا واقعيًا لمواجهة التهديدات الناجمة عن العدوان الحوثي والمضي قدمًا نحو حل النزاع في اليمن".


ويلفت الخبير الأمريكي كارفاخال إلى أن "الأمم المتحدة لم تقدم أي بوادر أمل للعام 2025، بينما تجد السعودية نفسها محاصرة بعد أن تولى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منصبه الأسبوع الماضي".


مضيفًا: "السعودية تواجه معركة صعبة، حيث إن نبرة ترامب العدائية تجاه إيران تمنح الحوثيين مزيدًا من الدعم، إلى جانب دعم ترامب العلني والقوي لإسرائيل، وهو ما يزيد من تعقيد المعادلة الإقليمية".


ويرى كارفاخال أن السعودية "بحاجة إلى شريك في الأمم المتحدة للضغط على الحوثيين من أجل الانخراط في محادثات حقيقية وعملية. لكن الأمم المتحدة، على كافة المستويات، تعمل كعائق أمام أي جهود تتماشى مع أولويات السعودية ومجلس القيادة الرئاسي".


مضيفًا: "هذا الفشل يمنح الحوثيين فرصًا إضافية لتصعيد خطابهم وأفعالهم على الأرض، دون أي تداعيات ملموسة عليهم.


وبشأن السيناريوهات المتوقعة، يرى كارفاخال أن الحوثيين "سوف يستغلون العقوبات الأمريكية ضد مسؤوليهم وإدراجهم مجددًا ضمن قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية للتصعيد أكثر". مضيفًا: "سوف يستمرون أيضًا في احتجاز المزيد من السجناء للضغط على الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية، بهدف فرض شروط تفاوضية مواتية في أي صفقة تبادل أسرى مستقبلية".


ويرجح كارفاخال أنهم أيضًا سوف يستغلون تصنيفهم كمنظمة إرهابية كذريعة لتوسيع هجماتهم على طول البحر الأحمر، متجاوزين استهداف السفن المرتبطة بإسرائيل نحو أهداف أوسع نطاقًا.


ومع كل هذه التطورات، يمكن القول إن اليمن يقف عند مفترق طرق، حيث ستحدد الأسابيع القادمة ما إذا كان التصنيف الأمريكي مجرد إجراء عقابي أم خطوة ضمن استراتيجية أشمل. كما أن التساؤلات الملحة بشأن قدرة المجلس الرئاسي اليمني والحكومة المعترف بها دوليًا في الاستجابة لهذه المتغيرات تطرح نفسها.


صحفي ومحرر لدى مركز سوث24 للأخبار والدراسات


شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا