التقارير الخاصة

الشتات الجنوبي: أدوار بارزة للجاليات وسط تحديات متنوعة

من الحفل الذي أقامته الجالية الجنوبية في مدينة شيكاغو على شرف زيارة رئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي للمرة الثانية للولايات المتحدة، 2 أكتوبر 2024 (المجلس الانتقالي الجنوبي)

23-01-2025 الساعة 7 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol

سوث24 | ريم الفضلي


شهد جنوب اليمن منذ القدم موجات هجرة متتابعة نتيجة للأحداث السياسية والتغيرات الاقتصادية التي مرت بها المناطق الريفية والحضرية على حد سواء. خلال العقود الأخيرة، دفعت العديد من العوامل والظروف، الاقتصادية والسياسية منها، كثير من الجنوبيين إلى الهجرة نحو دول مختلفة حول العالم، بالأخص بريطانيا، الولايات المتحدة، ودول الخليج العربي، وأوروبا. 


ومع تتابع هذه الهجرات، تشكلت جاليات جنوبية واكبت بإصرار كل المحطات الداخلية في الوطن، لا سيما ما بعد الوحدة اليمنية عام 1990 وحرب 1994 التي أدت لانهيار الوحدة. وصوًلا إلى انطلاق الحراك الجنوبي عام 2007، وهي المرحلة التي لعبت فيها الجاليات الجنوبية في الخارج دورًا رئيسيًا وحاسمًا في إبقاء جذوة النضال الجنوبي الداخلي مشتعلة حتى اليوم.


في هذا التقرير، يتحدث مسؤولون في الجاليات الجنوبية في الخارج لمركز سوث24 عن أدوار الجاليات، والتحديات أمامها، والتوصيات لتعزيز حضورها وتوحيد جهودها وتعميق صلاتها بالوطن الأم.


الهجرة والاغتراب


تكونت الجاليات الجنوبية في الخارج نتيجة موجات هجرة واغتراب متعددة. تشير الوثائق المحفوظة في الأرشيف البريطاني إلى أن أولى موجات الهجرة المنظمة من الجنوب بدأت في أوائل القرن التاسع عشر، وفقاً للمؤرخ العدني بلال غلام.


 وقال غلام لمركز سوث24 إن "العديد من أبناء الجنوب انتقلوا في الخمسينات إلى بريطانيا للعمل في مصانع الحديد، ومع تصاعد الزخم الثوري في الستينيات، هاجر كثيرون خشية تداعيات الاستقلال. لاحقاً، فرضت قوانين الجنسية والسفر قيوداً، مما دفع البعض للهجرة بطرق غير رسمية".


وتابع: "شهدت الثمانينيات تسهيلات في التنقل، مما زاد الهجرة إلى السعودية وأمريكا، خاصة من أبناء مناطق يافع في لحج. ومع الوحدة اليمنية في التسعينيات، ارتفعت الهجرة لدول الخليج، بينما ظلت محدودة إلى أوروبا بسبب صعوبات التأشيرات".


وبحسب غلام، فإن الجنوبيين يتوزعون بشكل رئيسي في المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى، حيث يسجلون النسبة الأكبر من التواجد. وفي أوروبا، تحتل بريطانيا المرتبة الأولى من حيث عدد الجنوبيين، تليها الولايات المتحدة الأمريكية، ثم بقية الدول الغربية بنسب متفاوتة.


الأعداد


لا توجد إحصائيات رسمية دقيقة توضح تعداد الجاليات الجنوبية في العالم. لكن المتحدث الرسمي باسم الجالية الجنوبية في السعودية ودول الخليج، المهندس أمين الشعيبي، أشار ِإلى تقديرات بوجود نحو مليون مغترب جنوبي في السعودية وحدها. بينهم أكثر من 150 ألفاً لم يعودوا إلى الجنوب منذ عقود.


 وأوضح الشعيبي لمركز سوث24 أن عدد قليل منهم حصل على الجنسية السعودية، بينما يتواجد البقية كعمالة أجنبية ومقيمين. وأشار إلى أنه عقب 2007، تم تشكيل مجلس مهجري ومهاجري الجنوب في دول الخليج بشكل سري، ثم اندمج مع الجالية الجنوبية في السعودية بقيادة الشيخ عباس صنيج الشاعري.


ويقدر عدد الجالية الجنوبية في باقي دول الخليج بنحو نصف مليون شخص، وفقًا للشعيبي. معظمهم يتوزعون بين الإمارات وعُمان. مضيفًا: "يشكل المغتربون من محافظتي لحج والمهرة العدد الأكبر في هذه الدول، بخلاف السعودية، التي يتركز فيها عدد كبير من أبناء حضرموت إلى جانب مغتربين من مختلف محافظات الجنوب".


وفي أوروبا، أشار رئيس مجلس التنسيق للجاليات الجنوبية، د. حسين السقاف، إلى إن الجاليات الجنوبية في أوروبا "تعد حديثة النشأة مقارنةً بالجاليات العربية والأجنبية الأخرى". مضيفًا: "تتألف في معظمها من لاجئين نزحوا إلى أوروبا هربًا من الحروب والاضطهاد الذي شهده الجنوب في مراحل متفاوتة، أبرزها ما بعد الوحدة اليمنية".


وأوضح السقاف في حديثه لمركز سوث24 أن "هولندا وحدها استقبلت النصيب الأكبر من اللاجئين الجنوبيين في السنوات الأخيرة، حيث اختار ما يقارب نصف الذين فروا إلى أوروبا عام 2024 تقديم طلبات اللجوء فيها".


وأشار السقاف إلى أن أعداد الجنوبيين في أوروبا بنحو 15,000 شخص، مع توقعات بزيادة هذا العدد".


نشاط الجاليات


لعبت الجاليات الجنوبية بالمهجر أدوارًا سياسية واجتماعية مهمة في مختلف المحطات. من دعم الحراك الجنوبي السلمي إلى مبادرات الغذاء والبناء والأعمال الخيرية. ساعدت هذه الأدوار في التخفيف من حالة الفقر والمعاناة التي ميزت السكان في الجنوب خلال العقود الماضية.


ويشرح المهندس أمين الشعيبي بعض الأدوار التي اضطلعت بها الجالية الجنوبية في السعودية والخليج. مشيرًا إلى الإسهام  في دعم قضية الجنوب من خلال انخراط بعض أعضائها في الحركات السياسية الجنوبية ضمن إطار الحراك السلمي مثل حزب التجمع الديمقراطي الجنوبي (تاج)، وحركة تقرير المصير (حتم). 


مضيفًا: "في ظل قسوة ورقابة النظام اليمني، كنا صوت شعبنا الحذر والمغامر. أصدرنا الصحف وبنينا المنتديات والمواقع خفية تارة وجهرة تارة أخرى لإبقاء الصوت الجنوبي عاليًا". لافتًا إلى الأدوار المهمة للجاليات الجنوبية في دعم مبدأ والتصالح والتسامح الجنوبي، فضلاً عن تشكيل جمعيات للمتقاعدين والمسرحين في الجنوب.


ولفت إلى أنه " في 2015، خلال الاجتياح الثاني للجنوب بعد 1994، كان لتدخل الجالية الجنوبية دور بارز في دعم جبهات القتال عبر المال والسلاح. بل إن استجابة الجاليات الجنوبية لنداء الوطن استدعى تشكيل كتائب قتالية من الجنوبيين في دول الخليج بدعم من التحالف العربي، والمشاركة في معارك تحرير عدن وغيرها".


في الولايات المتحدة حيث تتركز واحدة من أهم الجاليات الجنوبية، تميزت الجهود المبذولة بقوة التأثير وأفضلية الإمكانات.


منسق الجاليات الجنوبية في الولايات المتحدة الأمريكية ورئيس جمعية أبناء يافع في نيويورك، الخضر السليماني، قال لمركز سوث24 إن الجالية هناك لعبت دورًا محوريًا في دعم الحراك الجنوبي منذ انطلاقه من خلال تنظيم فعاليات اجتماعية لجمع التبرعات لدعم العصيان المدني في الجنوب، كما قامت بتنظيم مظاهرات أمام الأمم المتحدة في نيويورك والبيت الأبيض في واشنطن العاصمة.


مضيفًا: "الجالية في أمريكا ساهمت في نشر الوعي بالقضية الجنوبية بين المجتمعات العربية والإسلامية في هذا البلد".


ومؤخرًا، كان للجالية الجنوبية في الولايات المتحدة حضور لافت خلال استقبال الزعماء السياسيين الجنوبيين الذين زاروا البلد في مهام عمل. أظهر الاحتفاء برئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي في عدد من الولايات الأمريكية خلال أكتوبر 2024 حجم الدعم والولاء لدى هذه الجاليات تجاه قضايا بلدها الأم.


الخضر السليماني وصف استقبال الزبيدي، ومسؤولين جنوبيين آخرين مثل فرج البحسني نائب رئيس المجلس الانتقالي، بأنها رسالة تضامن واصطفاف جنوبي من الداخل إلى الخارج.


ويؤكد أمين الشعيبي أن هذه المبادرات ليست بجديدة. مضيفًا: "منذ عام 2015، كانت الجاليات الجنوبية في الخليج سبّاقة في استضافة القيادات الجنوبية في مدن عدة مثل الرياض وجدة". 


وتطرق د. حسين السقاف إلى الدور التي لعبته الجاليات الجنوبية في أوروبا في رفع الوعي بالقضية الجنوبية، مستغلة تواصلها مع المنظمات الحقوقية والحكومية، إضافة إلى قدرتها على الوصول إلى وسائل الإعلام الأوروبية لإبراز معاناة الشعب الجنوبي.


الحضور في بلدان المهجر


تميزت الجاليات الجنوبية بقدرتها الكبيرة على الاندماج والذوبان في بلدان المهجر، والاستقرار في بلدان الاغتراب، مع الاحتفاظ بالروابط القوية تجاه الوطن. هذه الخواص التي تستمد حضورها من ثقافة التعايش والسلام لدى الجنوبيين ِأسهمت في وصول كثيرين منهم لمراكز مرموقة في الدول التي يعيشون فيها. لكنها لا تزال دون المستوى المطلوب كما يقول الخضر السليماني.


السليماني أشار إلى أن التمثيل الجنوبي في السياسة الأمريكية ، رغم الجهود المبذولة، يظل محدودًا مقارنة بالجاليات من شمال اليمن، والجاليات العربية الأخرى.


ولكن في دول الخليج، تضم الجاليات الجنوبية قائمة من أبرز رجال الأعمال والتجارة، لاسيما في المملكة العربية السعودية. وحتى أولئك الذين تمت إعادة توطينهم وتجنيسهم، لا زالت روابطهم تجاه الوطن الأصلي قوية. فضلًا عن التأثير الثقافي والفني الكبير للجنوبيين على الساحة الخليجية، ويعد الفنان الحضرمي السعودي الراحل أبو بكر سالم أبرز الأمثلة على هذا.


توصيات


في ظل الظروف الراهنة، يتطلب تعزيز دور الجاليات الجنوبية في الخارج خططًا واستراتيجيات، في مقدمتها التأهيل والإدماج كما يقول أمين الشعيبي.


مضيفًا: "يجب إشراك الشباب في الأنشطة السياسية والاجتماعية، وتوفير برامج تدريبية تُؤهلهم لفهم الأنظمة السياسية للبلدان التي يعيشون فيها من أجل تعزيز حضورهم".


وأشار الخضر السليماني إلى أهمية تأسيس منظمات مجتمع مدني تُعنى بتمكين المجتمعات الجنوبية في الخارج، مع التركيز على تنظيم ورش عمل للحفاظ على الهوية الجنوبية وإشراك الشباب والنساء. مشددا على ضرورة تعزيز الاندماج في المجتمعات المستضيفة عبر المشاركة الفعّالة في المؤسسات الديمقراطية، إضافة إلى تنظيم مؤتمرات دورية لتنسيق الجهود بين الجاليات الجنوبية في مختلف الدول.


وبدوره أكد د. حسين السقاف على ضرورة تعزيز حضور الجالية الجنوبية في المجتمعات الأوروبية من خلال تشجيع الشباب على الانخراط في السياسة والإعلام، والتعاون مع المنظمات الحقوقية والمدنية لدعم قضبة الجنوب دوليًا. كما دعا إلى توفير برامج تدريبية تُؤهل الشباب لفهم الأنظمة السياسية الأوروبية وتعزيز مشاركتهم الفعّالة.


صحفية بمركز سوث24 للأخبار والدراسات


شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا