التقارير الخاصة

المسارات المحتملة للأزمة اليمنية في 2025

مقاتل يمني موالي للحكومة اليمنية في الخطوط الأمامية في عام 2019 - تايلر هيكس/نيويورك تايمز

18-01-2025 الساعة 4 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol

سوث24 | عبد الله الشادلي


لا تزال الأزمة اليمنية، التي تقترب من إكمال عامها العاشر في عام 2025، راسخة في سياق إقليمي ودولي متقلب. على الرغم من الجهود الدبلوماسية المتقطعة، لا زالت طبقات الصراع المتعددة ثابتة في مكانها. وفي ظل هذه الخلفية، لم تحظ جهود المبعوث الخاص للأمم المتحدة هانس غروندبرغ لإحياء مناقشات السلام بتقدم حقيقي وبالأخص خلال 2024 نظرًا للأحداث الإقليمية الساخنة التي اجتذبت اليمن بشكل خطير. 


فما هي المسارات المتوقعة لهذه الأزمة خلال 2025؟


المسار السياسي


في ديسمبر 2023، أعلن مكتب المبعوث الأممي هانس غروندبرغ موافقة الأطراف اليمنية على مجموعة من الالتزامات والتدابير ضمن (خارطة الطريق) بشأن اليمن، وهي صيغة من التوافقات الأولية بشأن وقف إطلاق النار وملفات اقتصادية وإنسانية توصل إليها الحوثيون مع السعودية بشكل انفرادي، لم يشارك فيها مجلس القيادة الرئاسي لكنه استجاب للرياض بشأنها. 


لم يتم التوقيع على تلك الخارطة رسميًا آنذاك بعد أن كان ذلك وشيكًا، فبحلول ذلك الوقت كانت أسابيع قد مرت على الحرب في قطاع غزة الفلسطيني وانخرط الحوثيون في هجمات بحرية ضد الملاحة الدولية عبر باب المندب. أدت هجمات الحوثيين لتراجع الدعم الدولي للمسار السياسي للأزمة اليمنية، وبالأخص الولايات المتحدة وبريطانيا اللتين شنتا هجمات جوية على مواقع مرتبطة بالمليشيا داخل اليمن.


خلال 2024، كانت المراوحة السياسية هي سيدة الموقف. لم يخل ذلك العام من اللقاءات والنقاشات السياسية بين الأطراف اليمنية والإقليمية والدولية، لكنها لم تنجح في إحراز أي تقدم. لكن مع حلول 2025، تم الإعلان من الدوحة في 16 يناير الجاري عن التوصل لاتفاق لوقف إطلاق في غزة بعد أكثر من 450 يومًا من الحرب الدموية التي عصفت بالمنطقة. 


الاتفاق الذي يدخل حيز التنفيذ يوم الأحد (19 يناير)، قبل يوم واحد من دخول الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، أعلن الحوثيون أنهم سيواكبون تنفيذه. وهو إعلان ضمني بوقف هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، وكذلك الهجمات ضد إسرائيل. وهو ما يثير التساؤلات بشأن انعكاس ذلك على المسار السياسي للأزمة اليمنية في 2025، وهل تحدث انفراجة في خارطة الطريق.


بالنسبة للباحث اليمني حسام ردمان، فإن المستقبل السياسي لليمن يتوقف على التفاعل الدقيق بين الديناميكيات الإقليمية والداخلية. وقال ردمان لمركز سوث24: "لا يمكن للتدخلات الخارجية وحدها أن تحل المأزق السياسي في اليمن. التماسك الداخلي داخل الحكومة اليمنية وإعادة تقويم التحالفات أمران بالغا الأهمية". 


ويشير ردمان إلى أنَّ المسار السياسي للأزمة اليمنية في عام 2025 يعتمد على إمكانية التوصل إلى اتفاق في إطار خارطة الطريق أو غيرها من الأطر السياسية. مضيفًا: "إذا لم يتمكن الأطراف من تحقيق تقدم، فإن الجمود سيظل هو السائد".


بالنسبة للديناميكيات الإقليمية، شهد أواخر عام 2024 أحداثا تحويلية في الشرق الأوسط، بما في ذلك سقوط نظام بشار الأسد واغتيال حسن نصر الله زعيم حزب الله اللبناني، وإعلان جوزيف عون القريب من السعودية رئيسًا للبلاد. وقد عطلت هذه التحولات ما يسمى بـ "محور المقاومة"، مما أجبر إيران على إعادة تقييم استراتيجياتها. 


وأشار ردمان إلى أن أي تحول نحو التهدئة من قبل الحوثيين يتطلب شرطين: أولاً، تغير في الموقف الإيراني لوقف العمليات النوعية، وثانياً، قرار إسرائيلي بوقف الحرب في غزة. وذكر أن "الشرط الأول تحقق في بداية يناير، حيث شهدنا زيارة للمبعوث الأممي إلى صنعاء، تزامناً مع إشارات إيرانية نحو التفاهمات المؤلمة في لبنان والعراق".


ويتوقع ردمان أنه مع تحقق الشرط الثاني، سيعيد الحوثيون فتح الباب أمام خارطة الطريق السعودية، مستفيدين من المكاسب الإقليمية التي حصلوا عليها. لكنه حذر من أن تجاوز الحوثيين للمحرمات الدولية "قد يثير قلق المجتمع الدولي تجاه نموهم".


في معسكر الشرعية اليمنية، يبرز مسار منفصل محتمل خلال 2025. حيث يواجه المجلس الانتقالي الجنوبي ضغوطًا متزايدة لتعزيز سيطرته الإدارية وتحسين أوضاع السكان مع مواجهة توغلات الحوثيين. وقد شهدت مدن الجنوب الرئيسية، عدن والمكلا في حضرموت، احتجاجات شعبية خلال الأيام الماضية تبنت مطالب متعلقة بالاقتصاد والخدمات ومكافحة الفساد. وهو ما يزيد من أزمة "الشراكة" بين المجلس الانتقالي والأطراف الشمالية في المجلس الرئاسي والحكومة اليمنية. 


متعلق: حضرموت بين التصعيد والتهدئة: هل قرارات المجلس الرئاسي كافية؟

المسار الاقتصادي 


يتسم المشهد الاقتصادي المحتمل في اليمن في عام 2025 بأزمات عميقة، مدفوعة بمزيج من الصراع المطول ونقاط الضعف الهيكلية وتضاؤل الدعم الخارجي وتوقف صادرات النفط من الجنوب. وبينما تكافح البلاد مع انهيار العملة، وارتفاع التضخم، وتدهور الخدمات العامة، تظل آفاق التعافي الاقتصادي قاتمة. 


وفي هذا المسار، قال الخبير اليمني مصطفى نصر، رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، إن "الأوضاع الاقتصادية في اليمن ستظل متدهورة في عام 2025"، مشيراً إلى أن الأزمة الاقتصادية قد تزداد سوءاً مقارنة بالعام 2024. 


وأضاف لمركز سوث24 أن السنوات الأخيرة، وخاصة من منتصف 2023 إلى 2024، كانت من أصعب الفترات، وقد يكون 2025 أكثر صعوبة إذا لم تُتخذ خطوات جادة لاستئناف صادرات النفط وإصلاح الهياكل الحكومية. 


وأضاف أن وصول سعر الدولار لأكثر من 2100 ريال يمني في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، يعد مؤشرًا كارثيًا ينذر بمزيد من التحديات. ورغم أن المنحة السعودية الأخيرة (500 مليون دولا) قد تغطي بعض النفقات الحكومية لفترة محدودة، إلا أنه حذر من أن عدم وجود إصلاحات جدية قد يعيد البلاد إلى دائرة عدم القدرة على الوفاء بالالتزامات الأساسية.


وحذر الخبير من أن فقدان السيطرة على الشارع، والذي بدأت تظهر مؤشراته في الاحتجاجات المتعددة، قد يؤدي إلى فقدان الثقة في الحكومة كسلطة قادرة على خدمة المواطنين، مما يمثل أسوأ سيناريو يمكن أن تواجهه البلاد.


وخلال 2024، تفاقم التضخم بسبب تعطل صادرات النفط منذ أكتوبر 2022، التي كانت تقليديا حجر الزاوية في إيرادات اليمني. وشدد مصطفى نصر على الحاجة الملحة لاستعادة قدرات إنتاج النفط وتصديره، مشيرا إلى أن "هذا أمر بالغ الأهمية ليس فقط لإيرادات الحكومة ولكن أيضًا لتحقيق الاستقرار في العملة".


وتجدر الإشارة إلى أنه في 17 يناير، فرضت الخزانة الأمريكية عقوبات على أحد أكبر البنوك التجارية اليمنية التي تتخذ من صنعاء مقرا لها، وهو بنك اليمن والكويت، بسبب تورطه في تمويل أنشطة وهجمات الحوثيين، وغسيل الأموال، وتمويل حلفاء الحوثيين مثل حزب الله. وهو تطور قد يؤسس لتصعيد في القطاع المصرفي اليمني، وقد شهدت أشهر يونيو ويوليو من 2024 تجارب مماثلة نتيجة قرارات من البنك المركزي في عدن ضد بنوك متربطة بالحوثيين، قبل أن يتم التراجع عنها.


كما أنه ليس من المستبعد أن ترفع إدارة ترامب تصنيف الحوثيين إلى منظمة إرهابية من الدرجة الأولى، وهو سيجلب معه تبعات على كل المستويات، لكنه من غير الواضح حتى الآن كيف ستكون ردود الحوثيين على هكذا خطوة. 


المسار الأمني والعسكري 


لا تزال البيئة العسكرية والأمنية في اليمن في عام 2025 متقلبة كما كانت دائما، تشكلت من خلال عقد من الحرب والتفاعل المستمر بين القوى الإقليمية والدولية. لقد تطور الصراع إلى ما هو أبعد من أبعاده المحلية، وأصبح مسرحا للمنافسات الجيوسياسية الأوسع نطاقا.


خلال 2024، استمرت حالة خفض  التصعيد التي تم تثبيتها منذ أكتوبر 2022 بعد انتهاء الهدنة الإنسانية  في اليمن رسميًا. لكن بعض هجمات الحوثيين ضد القوات الجنوبية التابعة للمجلس الانتقالي في الضالع ولحج، بالإضافة للمواجهات مع قوات المجلس الرئاسي في الساحل الغربي وتعز، هددت استمرار خفض التصعيد.


لكن البحار المحيطة باليمن لم تكن هادئة على الإطلاق، فقد ارتفعت وتيرة الهجمات الحوثية خلال 2024 إلى 166 هجوماً استهدفت السفن والقوات الإقليمية والدولية، فضلا عن 38 هجوما استهدف إسرائيل وفقا للأرقام التي رصدها مركز سوث24 في تقريره السنوي الشامل.


على المستوى الأمني، نفذ تنظيم القاعدة في جزيرة العرب 21 هجوماً في محافظات أبين وشبوة، تسببت بمقتل 48 جنديا من القوات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي.


اقرأ المزيد: التقرير السنوي الشامل لعام 2024: من البر إلى البحر.. اليمن تحت نيران الأزمات المتشابكة

وخلال 2025، من المتوقع أن تتراجع هجمات الحوثيين ضد السفن إلى الصفر نتيجة اتفاق وقف إطلاق النار في غزة. لكن في المقابل قد تتصاعد الأوضاع العسكرية والأمنية في الداخل، خصوصًا إذا تعثر المسار السياسي أو رفع الحوثيون سقف مطالبهم وتوقعاتهم مدفوعين بفائض القوة. 


وقد أشار زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي في خطاب يوم 16 يناير إلى أنهم جندوا 816 ألف مقاتل خلال عام واحد ضمن "التعبئة العامة".


ويقدم الخبير العسكري الجنوبي العميد ثابت حسين صالح، في حديث لمركز سوث24، رؤى مهمة حول الديناميكيات المستمرة للقطاعين العسكري والأمني في اليمن، مشددا على الجمود الراسخ والتهديدات الناشئة التي تحدد الصراع اليوم.


ووفقا للعميد صالح، لم تشهد الخطوط الأمامية العسكرية اليمنية سوى القليل من الحركة الحاسمة خلال العام الماضي. ويشير إلى أن "الحكومة الشرعية لا تظهر أي مؤشرات على شن عمليات لاستعادة الأراضي الشمالية، بما في ذلك العاصمة صنعاء".


وأضاف: "لا تزال المدن الرئيسية مثل مأرب وتعز تحت السيطرة المتنازع عليها، بينما تشهد مناطق الجنوب مناوشات متكررة بين الحوثيين والقوات الجنوبية". ورغم الاتفاق على وقف إطلاق النار بغزة وتعهد الحوثيين بمواكبته، أشار العميد صالح إلى أن ذلك لا يعني بالضرورة توقف التصعيد المتبادل بين الحوثيين من جهة، والقوات الأمريكية في البحر الأحمر من جهة أخرى.


وأوضح أن الحوثيين يسعون إلى إبقاء هذه الجبهة مشتعلة كوسيلة لتصدير أزماتهم الداخلية، مما يمكنهم من التهرب من الالتزامات السياسية والإنسانية في مناطق سيطرتهم، حيث إن المبرر دائماً هو "مواجهة العدوان الخارجي".


ويوم الجمعة 17 يناير، أعلن الحوثيون تنفيذ عمليات عسكرية متعددة استهدفت أهدافًا إسرائيلية وأمريكية.


وقال المتحدث العسكري إنه "تم استهداف أم الرشراش (إيلات) بأربعة صواريخ مجنحة، ومنطقة يافا (تل أبيب) بثلاث طائرات مسيرة، وعسقلان بطائرة مسيرة. كما تم استهداف حاملة الطائرات الأمريكية "هاري ترومان" شمال البحر الأحمر بالطائرات المسيرة، وهو الهجوم السابع عليها".


كما أعلن الحوثيون اليوم السبت 18 يناير أنهم هاجموا بصاروخ باليستي أسرع من الصوت مقر وزارة الدفاع الإسرائيلية في تل أبيب. 


ويؤيد الخبير الأمريكي في الشؤون اليمنية نيك برومفيلد، أن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة سيحدد المسار العسكري في اليمن خلال 2025. وقال لمركز سوث24: "أعتقد أن الكثير يعتمد على ما إذا كان وقف إطلاق النار في غزة سيتحقق. إذا لم يتحقق، أعتقد أننا سنرى ديناميكيات مشابهة جدًا لما حدث في أواخر عام 2024 ولكن بحدة أكبر، مع المزيد من هجمات الحوثيين على إسرائيل والمزيد من الضربات الإسرائيلية على البنية التحتية". 


وأردف: "إذا تحقق وقف إطلاق النار، فمن المرجح أن يتيح ذلك مساحة دبلوماسية للسعودية لمحاولة إبرام اتفاق خريطة طريق مع الحوثيين وإعادة توجيه التركيز نحو المفاوضات بين مختلف الأطراف داخل اليمن. قد يؤدي ذلك إلى تصعيد في الاشتباكات على الأرض، ولكن بصراحة، الوضع غير واضح الآن".


فيما يتعلق بتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، قال برومفيلد: "لا أعتقد أن أسلوب عملهم سيتغير بشكل كبير في أبين. سيستمرون في الهجمات ضد القوات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، مع ضربات أكبر بين الحين والآخر. الشيء الوحيد الذي قد يؤدي إلى تغيير محتمل هو إذا أثارت محاولات السعودية لإعادة هيكلة تحالفاتها في وادي حضرموت غضب مجموعات لها روابط بخلايا القاعدة المتمركزة في الوادي، مما قد يؤدي إلى زيادة النشاط هناك".


المسار الإنساني


يرتبط المسار الإنساني للأزمة اليمنية بشكل وثيق بالمسارين الاقتصادي والعسكري، حيث تؤدي النكسات المتتالية فيهما لتعميق الأزمة الإنسانية التي تعد من بين الأسوأ في العالم.


الفاعل في المجال الإنساني والمسؤول السابق في مشاريع يونيسيف باليمن، المهندس خالد الجابري، قال لمركز سوث24 إنه "من المتوقع أن تستمر الأزمة الإنسانية في اليمن في التفاقم خلال عام 2025 وتبلغ ذروتها، حيث تشير التقديرات الأخيرة من قبل الأمم المتحدة إلى أن حوالي 19.5 مليون شخص في اليمن سيحتاجون إلى مساعدات إنسانية وحماية".


مضيفًا: "هذا يعني أن الفارق سيكون نحو 1.3 مليون شخص هذا العام مقارنة بالعام الماضي".


وأردف: "أكثر من 17 مليون يمني، سيعانون من عدم القدرة على تلبية احتياجاتهم الغذائية الأساسية خلال 2025، حسب التقديرات. كما أن هناك قلقاً متزايداً بشأن الفئات الأكثر تهميشاً، مثل النساء والفتيات. وكذلك النازحين، الذين يبلغ عددهم حوالي 4.8 مليون شخص في اليمن". 


وأشار الجبري إلى النداء الذي أطلقته الأمم المتحدة يوم الخميس (16 يناير) لجمع 2.5 مليار دولار لخطة الاستجابة الإنسانية في اليمن 2025 وتوفي مساعدات لـ 10.5 مليون شخص من فئة الأشد ضعفاً واحتياجًا من اليمنيين.


ويوم الاثنين (20 يناير)، سينعقد في نيويورك الاجتماع الدولي لمانحي اليمن بمشاركة نحو 30 جهة إقليمية ودولية، بهدف حشد الدعم السياسي، والاقتصادي للحكومة اليمنية. 


وتجدر الإشارة إلى أنه في عام 2024، فشل المانحون في تلبية احتياجات التمويل المطلوبة من قبل الأمم المتحدة لليمن، مما أدى إلى نقص حاد في الموارد المخصصة للمساعدات الإنسانية. من أصل 2.71 مليار دولار مطلوبة، تم تلقي 1.36 مليار دولار فقط، مما يمثل 50.2% من التمويل المطلوب، وهو أدنى مستوى تمويل خلال السنوات الخمس الماضية.


صحفي ومحرر لدى مركز سوث24 للأخبار والدراسات


شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا