عيدروس الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي خلال حضوره مناسبة احتفالية نظمتها جالية اليمنيين الجنوبيين في بافالو ونيويورك وروشستر وكندا(موقع المجلس الانتقالي الجنوبي).
03-12-2024 الساعة 10 مساءً بتوقيت عدن
"إن دعم استقلال جنوب اليمن من شأنه أن يضع الأساس ليمن أكثر استقرارًا وأقل خضوعًا للنفوذ الإيراني.."
سوث24 | د. عبد الجليل شايف
في حال وضعت إدارة ترامب الجديدة تطلعات الاستقلال لجنوب اليمن في قائمة أولوياتها، يمكنها اتخاذ العديد من الخطوات لتعضيد العلاقات مع المجلس الانتقالي الجنوبي، وتعزيز تنمية دولة جنوبية يمنية تتسم بالاستقرار والازدهار. فمن خلال الاستثمار في دعم المجلس الانتقالي الجنوبي عسكريًا واقتصاديًا، تستطيع واشنطن المساعدة في إرساء نموذج حوكمة وازدهار من شأنه إضعاف سيطرة الحوثيين على الشمال وموازنة النفوذ الإيراني في اليمن.
في مقاله بعنوان "النقطة العمياء للسياسة الخارجية الأمريكية: تجاهل قضية استقلال صوماليلاند وجنوب اليمن"، يعرض الكاتب مايكل روبين سردًا مقنعًا مفاده أن سعي جنوب اليمن إلى الاستقلال لا يمثل تحديًا إقليميُا فحسب، لكنه بمثابة فرصة إستراتيجية ينبغي أن تغتنمها الولايات المتحدة. روبين، الزميل البارز بمعهد "أمريكان إنتربرايز" ومدير تحليل السياسات بـ "منتدى الشرق الأوسط"، سلط الضوء على مخاطر تجاهل تطلعات الجنوبيين، محذرًا من أن الإخفاق في دعم حركات محلية مشروعة، مثل المجلس الانتقالي الجنوبي، من شأنه أن يترك فراغًا يستغله خصوم مثل إيران وجماعات متطرفة. على العكس من ذلك، فإن التواصل مع المجلس الانتقالي الجنوبي يمنح واشنطن فرصة إعادة تنظيم سياستها الخارجية من خلال تحقيق الاستقرار وتقرير المصير في منطقة شديدة الأهمية.
ويشدد تحليل مايكل روبين على الفرصة الفريدة أمام واشنطن فيما يتعلق بجنوب اليمن نظرا لأهميته الجغرافية والاستراتيجية، لا سيما في مسألة حماية مضيق باب المندب. دعم واشنطن للمجلس الانتقالي الجنوبي سيكون بمثابة سابقة للسياسة الخارجية الأمريكية أن تجعل في أولوياتها تمكين لاعبين محليين قادرين على تأسيس دول فعالة وقادرة على الصمود. و يرى روبين أن المجلس الانتقالي الجنوبي شريكًا ذات مصداقية أظهرت قيادته التزامًا تجاه الحوكمة والأمن ومناهضة التطرف، مما يجعله حليفًا عمليًا في منطقة تعج بعدم الاستقرار.
علاوة على ذلك، يؤكد روبين أن دعم استقلال جنوب اليمن سيكون بمثابة حصن منيع في مواجهة العدوان الحوثي والنفوذ الإيراني، وبديل مقنع للحكومة المنقسمة غير الفعالة في الشمال. وأشار أن إدراك تلك الفرصة والعمل على تنفيذها سوف يضمن التحول إلى قصة نجاح مهمة في الشرق الأوسط.
الدعم العسكري للمجلس الانتقالي الجنوبي
إنّ تزويد الولايات المتحدة القوات الجنوبية بالدعم المطلوب سيكون مفيدًا جدا للمجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يقاتل بمفرده في معركة التصدي للتنظيم الإرهابي "القاعدة في شبه الجزيرة العربية" ودحره من المحافظات الجنوبية، شبوة وأبين وحضرموت. ويمكن أن يكون ذلك في صورة تدريب متطور، وتبادل معلومات استخباريةـ ودعمًا أكثر وضوحًا لمكافحة الإرهاب، وتجهيز المجلس الانتقالي الجنوبي ليستطيع بشكل أفضل تأمين أراضيه ضد غزوات الحوثيين والجماعات المتطرفة الأخرى.
من شأن ذلك أن يتيح للمجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يحظى بتقدير سكان المحافظات الجنوبية لدفاعه عن أراضيهم في مواجهة تنظيم القاعدة، توفير المزيد من الاستقرار في مناطق سيطرته، ويبعث برسائل تحذير للجماعات التي تمولها دول إقليمية لديها مصلحة خاصة في بذر الخلافات داخل مشروع الجنوب ليظل بعيدًا.
2-تستطيع واشنطن توفير العون المالي للمجلس الانتقالي الجنوبي لتجهيزه بأحدث الأسلحة الدفاعية والهجومية والتكنولوجيا، بما في ذلك الأنظمة المضادة للطائرات المسيرة، وتكنولوجيا الاتصال، وأدوات المراقبة لحماية جنوب اليمن من اعتداءات الحوثيين وقاعدة شبه الجزيرة العربية التي تدعمها الميليشيا المدعومة من إيران بشكل ضمني. ستساهم هذه الجهود في تمكين المجلس الانتقالي الجنوبي والقوات الجنوبية الحليفة مثل "قوات النخبة الحضرمية" في عملياتهم العسكرية ضد قاعدة شبه الجزيرة العربية. على سبيل المثال، خلال عملية "سهام الشرق"، استطاعت القوات الجنوبية القتال بشجاعة، بدون أي مساعدة غربية، لطرد التنظيم الإرهابي من محافظة أبين.
3- نظرًا للأهمية الإستراتيجية لطرق التجارة عبر البحر الأحمر وخليج عدن، يجب على الولايات المتحدة الإسراع في دعم البنية التحتية البحرية وأمن الحدود للمجلس الانتقالي الجنوبي. وقد يأتي ذلك من خلال المساعدة في تدريب وتطوير قوة فعالة من خفر السواحل. بما في ذلك توفير أحدث الأسلحة والتكنولوجيا. لن يؤدي ذلك فحسب إلى تعزيز قدرات المجلس الانتقالي الجنوبي في إدارة حدوده الساحلية ودحر الحوثيين، لكنه سيكون مفيدًا أيضا في المساعدة على تأمين ممرات ملاحية دولية ذات أهمية حيوية للتجارة العالمية. إن وجود خفر سواحل مجهزين ومدربين بشكل جيد سيكون أكثر فاعلية في إجهاض هجمات الحوثيين البحرية، لا سيما وأن القوات الجنوبية على دراية جيدة بطريقة الحوثيين في التخطيط والأداء. خصوصا وأنّ عملية "حارس الازدهار" متعددة الجنسيات بقيادة الولايات المتحدة أخفقت في تحقيق ذلك منذ انطلاقها قبل عام، ما جعل التهديد الحوثي أكثر شراسة، على نحو يشكل خطرًا على العالم بأسره.
الدعم الاقتصادي لتنمية جنوب اليمن
1-في ظل الفشل الملحوظ لمجلس القيادة الرئاسي في الحوكمة وتوفير وسائل الراحة والخدمات للشعب في الوقت الذي يبرهن فيه المجلس الانتقالي الجنوبي على أنه الكيان الوحيد الذي يعتني بالسكان في مناطق سيطرته، ينبغي على الولايات المتحدة إدراك هذا العامل والتركيز على إعادة بناء البنية التحتية الهامة لجنوب اليمن، بما في ذلك النقل والمياه وأنظمة الطاقة، والمساعدة في تحسين عوامل النمو الاقتصادي.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن لواشنطن الاستفادة من القوة الكبيرة للشباب المثقف والذكي في خلق فرص توظيف فعالة في شتى المجالات. يمكن تنفيذ ذلك عبر تسهيل الاستثمارات الأجنبية المباشرة من شركات تابعة للولايات المتحدة وحلفائها في قطاعات تتضمن الرعاية الصحية والتكنولوجيا المالية والتعليم والاتصالات والطاقة المتجددة وكذلك التشييد من أجل الترويج للتنوع الاقتصادي في جنوب اليمن.
2-في الوقت الذي يبذل فيه المجلس الانتقالي الجنوبي قصارى جهده في توفير الخدمات العامة في مناطق سيطرته، يواجه عقبات تتعلق بنقص التمويل وعدم فاعلية مجلس القيادة الرئاسي. من خلال التمويل والدعم التقني الأمريكي، يستطيع المجلس الانتقالي الجنوبي تحسين أنظمة حوكمته الداخلية وتقديم مستوى أفضل من الرعاية الصحية والتعليم وخدمات الرفاهية. سيعزز هذا القدرة على تمييز جنوب اليمن عن الشمال الذي يسيطر عليه الحوثيون والذي يشهد حالة مزرية للخدمات العامة.
٣-إنّ الاستفادة من الإمكانات الاقتصادية لجنوب اليمن مربح لكل الأطراف. ولا يعود هذا فحسب إلى الموارد النفطية والغازية الهائلة التي يتمتع بها جنوب اليمن، ولكن أيضا نظرًا لثروته المعدنية وإنتاجه الزراعي الثري الذي يتضمن أجود أنواع البن. من خلال إدراك ذلك، يمكن للولايات المتحدة وجنوب اليمن بناء شراكة اقتصادية رسمية من شأنها تشجيع الإنتاج المحلي والتجارة الدولية. ويمكن لمبادرات الدعم الاقتصادي أن تشمل كذلك شراكات مع دول مجلس التعاون الخليجي لربط اقتصاد جنوب اليمن بشبكات التجارة الإقليمية على نحو يعزز استقلاله الاقتصادي عن شمال اليمن والنفوذ الحوثي.
الدعم السياسي والدبلوماسي لاستقلال الجنوب
تحتاج الولايات المتحدة إلى مناصرة الاعتراف بدولة مستقلة لجنوب اليمن في الأمم المتحدة والتواصل مع حلفائها في مجلس التعاون الخليجي من أجل تحقيق هذا الهدف.
١-يمكن للولايات المتحدة أن تعمل كوسيط بين المجلس الانتقالي الجنوبي والبلدان المجاورة، لا سيما السعودية والإمارات لتأسيس علاقات اقتصادية وأمنية ذات منفعة متبادلة بما يعزز وضع جنوب اليمن كدولة مستقلة تستطيع الاعتماد على نفسها. علاوة على ذلك، فإن دولة جنوبية يمنية يحكمها المجلس الانتقالي الجنوبي وتتوافق مع تلك القوى الإقليمية ستكون بمثابة جبهة موحدة صلبة المراس في مواجهة الحوثيين، على نحو سيشكل ضغطًا على إيران للتراجع عن ضلوعها في اليمن.
2- بالإضافة إلى ذلك، فإن دولة جنوبية مزدهرة صاحبة نمو اقتصادي وحوكمة جيدة وأمن مستتب ستمثل ضغطًا غير مباشر على قيادات الحوثيين في شمال اليمن، خصوصا عندما يلحظ اليمنيون هناك الاختلاف الواضح بين أحوال البلدين.
التأثير الإستراتيجي على الحوثيين وإيران
مع اكتساب جنوب اليمن زخمًا اقتصاديًا وسياسيًا، يستطيع هذا النموذج إحداث تأثير يساهم في تآكل شرعية الحوثيين، وتحفيز السخط الشعبي في الشمال. قد يؤدي ذلك إلى انقلاب سكان الشمال على حكم الحوثيين بعد أن يشاهدوا نجاحات دولة جنوب اليمن، على نحو يقلص قاعدة السلطة للجماعة المدعومة من إيران ويخلق ضغوطًا داخلية من شأنها أن تحد من نفوذ طهران.
ففي مقالها "مشكلات مستعصية أمام المجلس الرئاسي اليمني"، تشدد كارين دابروفكسا على الخلل المتزايد في أداء مجلس القيادة الرئاسي وعدم قدرته على حل أزمات الدولة المستمرة. وأشارت إلى أن سعي الجنوب نحو الاستقلال يبدو بشكل متزايد حتميًا بعد فشل مجلس القيادة الرئاسي في الحكم أو توحيد الفصائل المناهضة للحوثيين. ومع ذلك، يعتمد نجاح المجلس الانتقالي الجنوبي على التغلب على بعض العقبات التي تتضمن تعزيز القيادة وتأمين اعتراف دولي.
وتحذر الكاتبة أنه في ظل غياب تصرف حاسم من القيادات الجنوبية، تواجه اليمن خطر التحول إلى مجموعة من الدول الصغيرة على نحو يطيل أمد الصراع إلى مالا نهاية. ويسلط تحليلها الضوء على الحاجة الملحة إلى وجود إستراتيجية جنوبية متماسكة في ظل انهيار أوسع نطاقًا للوحدة السياسية اليمنية.
إن انحياز الولايات المتحدة إلى دولة مستقلة لجنوب اليمن يتيح لها بشكل غير مباشر تمكين الجماعات الجنوبية المعارضة على نحو يجعل من الصعب على الحوثيين الحفاظ على قبضتهم على السلطة.
إذا دعمت الولايات المتحدة إقامة دولة ذاتية الحكم أو مستقلة لجنوب اليمن من خلال المجلس الانتقالي الجنوبي، تستطيع آنذاك المضي قدمًا نحو تحقيق أهداف إستراتيجية عديدة تتضمن تعزيز الاستقرار الإقليمي، وتأمين الطرق التجارية بالبحر الأحمر، وتقليص النفوذ الإيراني، وتقويض سلطة الحوثيين في الشمال. ويمكن القول باختصار، إن دعم استقلال جنوب اليمن من شأنه أن يضع الأساس ليمن أكثر استقلالًا وأقل خضوعًا للنفوذ الإيراني.